مصر

قضية أمن قومي… عقوبات صارمة للتعديات على الأراضي الزراعية

يعد ملف التعديات على الأراضي الزراعية إحدى القضايا التي تحتل أولوية خاصة على طاولة أعمال الإدارة المصرية، بعد أن وصل حجم المباني إلى 2.008 مليون عقار مخالف، الأمر الذي استدعى اتخاذ عدة قرارات إدارية جديدة بالإضافة إلى مشروع القانون الذي ستقدمه الحكومة المصرية للبرلمان خلال الأيام القادمة لتجريم هذه الظاهرة التي طالما عانى منها المجتمع وخاصة خلال السنوات الأخيرة، بعدما رأت الإدارة المصرية أنه ما زالت هناك تعديات على الأراضي الزراعية رغم القرارات المتخذة خلال السنوات الماضية والتي أدت إلى تراجع ظاهرة البناء على الأراضي الزراعية لكن دون اختفائها.

أبعاد القرار وتداعياته

  • تناقص الرقعة الزراعية:

أثرت ظاهرة التعدي على الأراضي الزراعي بشكل كبير على الرقعة الزراعية؛ فقد كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن أن عدد حالات التعدي على الأراضي الزراعية خلال العشر سنوات الأخيرة تخطى مليوني حالة تعدٍ، على مساحة قدرها 90 ألفًا و669 فدانًا على مستوى محافظات الجمهورية، خلال الفترة من 2011 إلى 2020. علمًا بأن هذه الإحصائية هي مساحة المباني دون إضافة المساحات الأخرى التي لم تُحصر ولم يتم البناء عليها ولكنها أصبحت غير قابلة للزراعة؛ إذ إن إجمالي ما تم تجريفه من أرض زراعية خصبة يفوق ذلك الرقم بأضعاف. 

أما عن الحالات التي تمت إزالتها في الفترة من 2011 إلى 2020 فتُقدر نسبتها وفقًا للإحصائيات 32% من التعديات على الأراضي الزراعية، بعدد 645.911 ألف حالة تعدِ على مساحة 36.320 ألف فدان من إجمالي 2.008 مليون حالة تعدٍ على مساحة 90.669 ألف فدان.

ومن البيانات والإحصاءات السابقة، يتضح تناقص حجم التعدي على الأراضي الزراعية، وزيادة معدل الإزالات منذ 2014، وذلك نتيجة الإجراءات الحازمة التي اتخذتها الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة.

  • صمام أمان الوطن والمواطن:

تعد الزراعة مكونًا رئيسًا للاقتصاد المصري، فقد وصلت نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي لـ 14.8% عام 2019/2020 بإجمالي 669.8 مليار جنيه، مقارنة بـ 278.5 مليار جنيه عام 2014/2015. فضلًا عن أن عدد المشتغلين بنشاط الزراعة يبلغ نحو 5.2 مليون مشتغل بما يمثل 19.2% من إجمالي المشتغلين، الأمر الذي يُعد أكبر نسبة مشاركة للمشتغلين في الأنشطة الاقتصادية خلال الربع الثاني من 2021. 

  • تهديد مستقبل الأجيال القادمة:

رأت الدولة المصرية أن معدلات الزيادة السكانية تقفز بشكل غير منضبط يفوق قدرات الدولة الاقتصادية والزراعية، حيث تجاوز عدد السكان اليوم عدد 102 مليون 997 ألف، بمعدل زيادة بنحو 2,5 مليون نسمة سنويًا. وعلى الجانب الأخر فإن مساحة الأرض المنزرعة ليس فقط في ثبات ولكنها أيضًا في تناقص في السنوات الأخيرة نتيجة التعدي على الأراضي الزراعية؛ فنجد أن الأراضي الزراعية كانت في ستينات القرن الماضي تنتج ما يزيد على حاجة المصريين من القمح والأرز، ولكن أصبحت مصر خلال السنوات الماضية من أكثر بلدان العالم المستوردة للحبوب نتيجة انخفاض الرقعة الزراعية.

  • غلاء تكلفة استصلاح الأراضي: 

على مدار الـ 40 سنة الماضية، فقدت الدولة المصرية ما بين 400 إلى 500 ألف فدان زراعي، وتبلغ تكلفة استعادة هذه المساحة عن طريق الاستصلاح حوالي 150 مليار جنيه؛ إذ تبلغ تكلفة استصلاح الفدان الواحد حوالي 300 ألف جنيه. مع العلم بأن الأراضي الصحراوية التي يتم استصلاحها ليست بنفس جودة الأراضي الزراعية في الوادي والدلتا.

  • التغيرات المناخية:

قضية المناخ إحدى القضايا التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا على المحاصيل الزراعية، لذا فتغير المناخ سيؤثر بالفعل على الأمن الغذائي من خلال زيادة درجات الحرارة، وتغير أنماط هطول الأمطار. وتؤكد الدراسات أن الارتفاع والانخفاض في درجات الحرارة، وانخفاض نسب توافر المياه وهطول الأمطار المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية؛ سوف يقلل من صافي الإنتاجية للمحاصيل الزراعية، وسوف يتسبب في زيادة الآفات وأمراض النبات. 

ووفقًا لتقرير الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية الذي نُشر في أغسطس 2021، فإن صيف 2021 قد شهد ارتفاعًا في درجات الحرارة غير مسبوق منذ 5 سنوات، حيث سجلت الحرارة ارتفاعًا بمتوسط “3- 4” دراجات مئوية فوق المعدلات الطبيعية.

لذا فإن مصر عرضة للاحتباس الحراري والتغيرات المحتملة في الزراعة والمياه، الأمر الذي يؤثر على غذاء المواطنين، وارتفاع أسعار الأغذية، خاصةً وأن مصر بلد مستورد رئيس للأغذية؛ إذ ترصد منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” التي تعمل في أكثر من 130 دولة حول العالم في تقرير مطول عام 2020 أن مصر استوردت حوالي 42 % من الغذاء، بتكلفة بلغت 12 مليار دولار تقريبًا.

سياسات المواجهة

في خطوة لحماية الأراضي الزراعية من كافة أشكال التعديات ولحماية حقوق الأجيال القادمة والحفاظ على مستقبلها، اتخذ مجلس الوزراء في اجتماعه يوم “10 فبراير 2022” عددًا من الإجراءات الحازمة التي من شأنها الحفاظ على الرقعة الزراعية، حيث:

  • كلف رئيس الوزراء وزير العدل بدراسة وإعداد مشروع قانون يتضمن مصادرة المبنى المخالف، واعتبار التعدي على الأراضي الزراعية “جريمة مُخلة بالشرف”، بالإضافة إلى فرض غرامات مالية كبيرة على المعتدين، وأن يتضمن مشروع القانون كذلك معاقبة المقاول الذي يتولى بناء المبنى المخالف.
  • اتخاذ بعض القرارات الإدارية التي لا تحتاج إلى تعديل تشريعي، ومنها إيقاف أي دعم يحصل عليه المتعدي على أي بقعة زراعية؛ سواء كان هذا الدعم من التموين، أو الخبز، أو الأسمدة، وغيرها من صور الدعم، وهذا القرار سيطبق بشكل فوري على أي حالة تعدٍ جديدة.
  • تحديد المسؤولية بصورة قاطعة من أجل القضاء على شيوع المسؤولية وإلقاء كل جهة المسؤولية على الأخرى، مما شجع البعض على ارتكاب المخالفات، فقد صدر قرار تشكيل لجان مخصصة في جميع المحافظات من أجل التصدي للتعديات على الأراضي الزراعية بشكل صارم ومنعها، وهذا القرار يستهدف تكثيف المراقبة وكشف أي تعدٍ يحدث في أي محافظة ومن ثم سرعة التعامل معه قبل الشروع في إقامة مباني مخالفة على الأرض الزراعية، وبهذا فإن أعضاء هذه اللجان سيتحملون المسؤولية، وأي تقاعس من أي مسئول سيتم محاسبته، وهو ما كان يجب عمله منذ سنوات طويلة للحفاظ على الرقعة الزراعية.

ولم تكن جهود الدولة لدعم الفلاح غائبة في مبادرة “حياة كريمة”؛ إذ تم دعم الأنشطة الزراعية، ومن المستهدف إنشاء أكثر من 332 مجمع خدمات زراعية تقدم خدماتها لأكثر من 1500 قرية خلال المرحلة الأولى للمشروع.

هذا بجانب التوسع في المشروعات القومية الزراعية عن طريق استصلاح ملايين الأفدنة والتي من أبرزها: مشروع المليون ونصف مليون فدان، ومشروع الـ 100 آلف فدان من الصوب الزراعية، ومشروع شرق العوينات، ومشروع توشكى الخير، ومشروع الدلتا الجديدة، ومشروع تنمية شمال سيناء، والتي انطلقت نحو الصحراء لتوسيع الحيز العمراني وزيادة المساحة المأهولة بالسكان في مصر من 6% إلى 10%؛ من أجل استيعاب النمو الشاسع للسكان وتوفير آفاق جديدة للتنمية المستدامة بإنشاء مجتمعات عمرانية عصرية متكاملة. فخلال الـ 7 سنوات الأخيرة، عملت الدولة المصرية على زيادة الرقعة الزراعية حتى وصلت إلى 9.7 مليون فدان، في محاولات لتوفير الغذاء واستيعاب الزيادة السكانية. 

وكذا، عملت الدولة على خفض أعباء الحصول على تمويل ميسر للمحاصيل الزراعية، فتم رفع فئات القروض التي تُقدم للمزارعين من البنك الزراعي المصري لتمويل إنتاج المحاصيل بما يتناسب مع تكلفة إنتاجها. وتعمل الدولة على تحسين أسعار المنتجات الزراعية وتحديد سعر بعض المحاصيل قبل زراعتها لتحفيز الفلاح على زراعتها. ونأمل من الإدارة المصرية خلال الفترة المقبلة مع إقرار قانون تجريم التعدي على الأراضي الزراعية، تحسين العائد المادي للفلاح من إنتاج الأرض الزراعية للمحاصيل، حتى لا يتجه إلى خلق عوائد مادية عن طريق بيع الأرض أو تجريفها. 

فلطالما كانت الدولة المصرية خلال السنوات الماضية بين شقي الرحى، ما بين حق المواطنين في الحصول على وحدة سكنية مع الحفاظ على البعد المجتمعي وارتباطهم ببيئتهم التي نشأوا فيها، وبين عجز الدولة على تقديم حلول لتوفير الوحدات السكنية. وللتغلب على أزمة الإسكان، عملت الإدارة الحالية على إقامة مشروعات الإسكان الاجتماعي والتي تضم مليون و800 ألف وحدة سكنية مدعمة في كافة محافظات ومدن الجمهورية. وعلى جانب آخر تعمل الإدارة المصرية على تحديث الأحوزة العمرانية لكافة القرى على مستوى الجمهورية.

ومما سبق يتضح انتهاء عصر الفوضى وغياب الدولة الذي خَلّف مشكلات عديدة ما زلنا نعاني من تداعياتها إلى الآن، وأن الإدارة المصرية في الجمهورية الجديدة تمتلك القوة والقدرة الشاملة؛ فاتخذت قرارات غير مسبوقة، وتعكف الآن على مشروع قانون تجريم التعديات على الأراضي الزراعية لتقديمه لمجلس النواب ومناقشة بنوده، والخروج بقانون يحفظ ثروة مصر الزراعية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى