الأزمة الأوكرانية

هل يكون اتفاق “مينسك” الأساس لحل الأزمة الأوكرانية؟

تتصدر الأزمة الأوكرانية عناوين الصحف العالمية، إذ أثار القصف الذي تم صباح يوم 18 فبراير 2022 على خط المواجهة بين القوات الأوكرانية والانفصاليين في شرق البلاد؛ مخاوف من أن الصراع قد يٌقدّم الآن لـ “موسكو” الذريعة لتبرير غزوها لأوكرانيا، وهو ما نددت به الولايات المتحدة الأمريكية بوصفه “استفزازات روسية” لتبرير تدخل عسكري في الأراضي الأوكرانية.

في السياق ذاته، أعلن قائد “جمهورية” دونتيسك الانفصالية الموالية لروسيا التي تتواجه في حرب مع أوكرانيا، إجلاء مدنيين باتجاه روسيا، متهمًا كييف بالتحضير لغزو بعد تصعيد أمني كبير. وجاء تصاعد الأعمال العدائية في الوقت الذي تبادلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الادعاءات المتضاربة حول ما إذا كانت القوات الروسية ستنسحب بالفعل من الحدود الأوكرانية.

وكذا، تضاربت الأنباء والتصريحات حول من الذي بدأ الأعمال العدائية صباح الجمعة، فبينما أعلن الجيش الأوكراني أن قذائف مدفعية أصابت بلدة في الجانب الذي تسيطر عليه الحكومة الأوكرانية خلال الحرب مع الانفصاليين في شرق البلاد، اتهم “ليونيد باشنيك”، رئيس جمهورية “لوهانسك” الشعبية، القوات المسلحة الأوكرانية بتوجيه “ضربات مُكثفة على المدنيين”.

وبينما يتدافع قادة العالم لإيجاد حل دبلوماسي للتوترات الروسية الأوكرانية الجارية، تحوّل الحديث إلى اتفاقية مينسك لعام 2015 كوسيلة محتملة للخروج من الأزمة. وفي السطور التالية سنعرض اتفاقية “مينسك” لمحاولة قراءة الوضع الراهن في الأزمة الأوكرانية، وهل تقود تلك الاتفاقية إلى حلحلة الأزمة الراهنة.

ما هي اتفاقية مينسك؟

تم إبرام اتفاقية “مينسك” لعام 2015، في العاصمة البيلاروسية وذلك في محاولة لإنهاء النزاع في شرق أوكرانيا. سعت الاتفاقية، التي توسطت فيها فرنسا وألمانيا، إلى وقف الصراع الذي بدأ عندما استولى الانفصاليون المدعومون من روسيا على مساحات من الأراضي في أعقاب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.

وكان الهدف من الاتفاق الذي تم بين القادة الروس والأوكرانيين والألمان والفرنسيين في فبراير 2015، يتمثل في إحلال السلام في مناطق أوكرانيا التي سيطر عليها الانفصاليون الموالون لروسيا في العام السابق. وخاصة في المناطق الواقعة في شرق أوكرانيا، وبالتحديد في منطقة “الدونباس” والتي يُطلق عليها “جمهورية لوهانسك الشعبية”، و “جمهورية دونيتسك الشعبية”. 

وقع ممثلو روسيا وأوكرانيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وزعماء المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في “دونيتسك” و “لوهانسك” اتفاقية من 13 نقطة في فبراير 2015.

تمثلت نقاط الاتفاقية الثلاث عشرة في الاتي:

  1. الوقف الفوري والشامل لإطلاق النار.
  2. سحب الأسلحة الثقيلة من الجانبين.
  3. ضمان فاعلية المراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار وسحب الأسلحة الثقيلة من قبل منظمة الأمن والتعاون الأوروبي.
  4. إجراء حوار حول الحكم الذاتي المؤقت في “دونيتسك” و”لوهانسك”، وفقًا للقانون الأوكراني، وكذلك بشأن النظام المستقبلي لهذه المناطق على أساس هذا القانون.
  5. ضمان العفو من خلال تبني قانون يحظر مقاضاة ومعاقبة الأشخاص فيما يتعلق بالأحداث التي وقعت في مناطق معينة من منطقتي “دونيتسك” و”لوهانسك” في أوكرانيا.
  6. ضمان الإفراج عن جميع الرهائن والمحتجزين بشكل غير قانوني وتبادلهم على أساس مبدأ “الجميع مقابل الجميع”. 
  7. ضمان الوصول الأمن للمساعدات الإنسانية وتسليمها وتخزينها وتوزيعها على المحتاجين.
  8. استئناف الروابط الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك المعاشات التقاعدية.
  9. استعادة السيطرة الكاملة على حدود الدولة من قبل حكومة أوكرانيا في جميع أنحاء منطقة الصراع، والتي يجب أن تبدأ في اليوم الأول بعد الانتخابات المحلية وتكتمل بعد تسوية سياسية شاملة (الانتخابات المحلية في مناطق محددة من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك على أساس قانون أوكرانيا والإصلاح الدستوري) بحلول نهاية عام 2015
  10. انسحاب جميع التشكيلات المسلحة الأجنبية والمعدات العسكرية وكذلك المرتزقة من أراضي أوكرانيا تحت إشراف منظمة الأمن والتعاون الأوروبي. 
  11. إجراء إصلاح دستوري في أوكرانيا مع دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ بحلول نهاية عام 2015، والذي يفترض أن اللامركزية عنصر أساسي (مع مراعاة خصائص مناطق محددة من مقاطعتي “دونيتسك” و”لوهانسك”، المتفق عليها مع ممثلي هذه المناطق)، وكذلك اعتماد تشريع دائم بشأن الوضع الخاص لمناطق محددة من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك.
  12. استنادًا إلى القانون الأوكراني “بشأن النظام المؤقت للإدارة الذاتية المحلية في مناطق محددة من مقاطعتي “دونيتسك” و “لوهانسك”، ستتم مناقشة القضايا المتعلقة بالانتخابات المحلية والاتفاق عليها مع ممثلي المنطقتين.
  13. تكثيف أنشطة مجموعة الاتصال الثلاثية، بما في ذلك من خلال إنشاء مجموعات عمل لتنفيذ الجوانب ذات الصلة من اتفاقيات مينسك.

كان نتيجة لاتفاقية مينسك؛ أن توقف القتال الدائر بين الانفصاليين المدعومين من روسيا والقوات الأوكرانية، وتدخل مراقبو منظمة الأمن والتعاون الأوروبي لمراقبة وقف إطلاق النار على طول الحدود. لكن رغم ذلك لم يتوقف القتال وإن قل بشكل جزئي بما كان عليه بين عامي (2014 – 2015)، لكن تمخض عن ذلك وفاة ما يقرب من 14000 شخص في الصراع، ونزوح ما يقرب من 1.5 مليون نازح للداخل الأوكراني.

لكن رغم ذلك، اعترت اتفاقية مينسك مشكلة رئيسة؛ تمثلت في اختلاف تفسير الاتفاقية من قبل كييف وموسكو بشكل جوهري؛ فالحكومة الأوكرانية اعتبرتها وسيلة لإعادة توحيد أوكرانيا واستعادة السيادة الأوكرانية بالكامل على “لوهانسك” و”دونيتسك”، قبل إجراء الانتخابات المحلية في المناطق الانفصالية التي تدعمها روسيا، وتطالب بمغادرة القوات الروسية – التي تنفي روسيا وجودها.

 وعلى النقيض من ذلك، تريد موسكو إجراء انتخابات قبل أن تستعيد أوكرانيا سيطرتها على تلك الحدود. لكن يرى البعض أن هذا سيمنع أوكرانيا من الانضمام إلى الناتو على الإطلاق، لأن النواب المنتخبين المدعومين من روسيا من دونباس سيكونون قادرين على منع خطط العضوية في البرلمان الأوكراني.

وبينما ترى كييف أن المنطقة يجب أن تتمتع بنفس نوع الحكم الذاتي الذي تتمتع به المناطق الأوكرانية الأخرى، ضمن هيكل فيدرالي؛ تشير موسكو إلى بند في اتفاقية مينسك يشير إلى “الوضع الخاص لمناطق معينة في منطقتي “لوهانسك” و”دونيتسك”، وتفسر ذلك بالسماح لهذه المناطق بأن يكون لها قوات شرطة ونظام قضائي خاص بها.

أهمية “مينسك” بالنسبة لروسيا

إذا تم تفسيرها لصالح موسكو، فمن المحتمل أن تكون الاتفاقية طريقة يمكن لروسيا أن تحتفظ بها بنفوذها في أوكرانيا ودعم الجماعات الموالية لها في دونباس. وستمنح روسيا القدرة على السيطرة على المنطقة – دون ضمها، كما فعلوا مع شبه جزيرة القرم في عام 2014. 

ومما زاد الأمور تعقيدًا أن روسيا أصدرت جوازات سفر لمئات الآلاف من سكان دونباس. علاوة على ذلك، اعتمد البرلمان الروسي يوم الثلاثاء 15 فبراير 2022 قرارًا يناشد بوتين الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك، وهو اعتراف قال مسؤولون غربيون إنه سيعني وفاة مينسك. 

لماذا يتم التركيز على اتفاق مينسك الآن؟

علي وقع الأزمة، عقد مجلس الأمن يوم الخميس 17 فبراير 2022، جلسة طارئة لمراقبة الوضع في أوكرانيا. وفي هذا الإطار، صرحت “روزماري ديكارلو”، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، بأن اتفاقيات “مينسك” تظل الإطار الأوحد لحل الأزمة في أوكرانيا، وطالبت بحل الأزمة من خلال السُبل الدبلوماسية. وكذا، أشار مندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة إلى “اتفاقيات مينسك” على أنها توفر المساحة اللازمة للتوصل إلى حلول ملموسة للأزمة الأوكرانية.

بينما يرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن اتفاقية مينسك هي أكثر الطرق الواعدة لتجنب الصراع، قائلًا إن “التصميم المشترك “لتطبيق اتفاقيات مينسك” هو السبيل الوحيد الذي يسمح لنا ببناء السلام وبناء سياسة سياسية قابلة للحياة”. وقال إنه تمكن خلال اجتماعاته من “الحصول على التزام واضح وصريح للغاية من الرئيسين الروسي والأوكراني بالالتزام بالأساس الصارم لاتفاقية مينسك.

وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إن الولايات المتحدة وأوكرانيا “متحدتان” في دعم اتفاقيات مينسك كطريق للمضي قدمًا لحل الصراع. لكنه ألمح أيضًا إلى أن الاتفاقية وحدها ليست حلًا شاملًا، مما يسلط الضوء على التحديات التي تطرحها الاتفاقية.

من جانبها، أوضحت الصين على لسان وزير خارجيتها “وانغ يي” أن اتفاق مينسك يمكن أن يكون الأساس لحل الأزمة دبلوماسيًا، إذ ترى الصين أهمية العودة إلى الحل الأولي لاتفاقية مينسك لأن هذا الاتفاق تم التوصل إليه من قبل جميع الأطراف المتعلقة بهذه القضية، وهو اتفاق ملزم.

كيف يمكن أن تساعد اتفاقية مينسك في حل الأزمة؟

يُمكن أن يوفر اتفاق مينسك وسيلة للمحادثات المباشرة بين أوكرانيا وروسيا، وقد تنظر موسكو إلى مينسك على أنه وسيلة لضمان مطلبها الأمني ​​الرئيس بعدم السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى الناتو. 

بالنسبة لأوكرانيا، يمكن أن يُمثل الاتفاق فرصة لاستعادة السيطرة على حدودها مع روسيا وإنهاء تهديد موسكو، على الأقل في الوقت الحالي. لكن في المقابل يرى الأوكرانيون أن مجرد الوفاء باتفاقات مينسك يعد بمثابة تنازل لروسيا. 

ويقول دبلوماسيون غربيون إن احتمال تفاوض كييف بشكل مباشر مع الانفصاليين، سيعني الموت السياسي للرئيس الأوكراني. فعلى سبيل المثال في المرة الأخيرة التي قدمت فيها أوكرانيا تعديلات دستورية بدا أنها تلبي خط موسكو في عام 2015، أدت إلى نشوب أعمال شغب في العاصمة، وقادت إلى مقتل ثلاثة مسؤولين أمنيين.

هل من حل للأزمة؟

قد يكون من الصعب على أوكرانيا تنفيذ اتفاقية مينسك بطريقة تقبلها موسكو بدلًا من التعهد بعدم الانضمام إلى حلف الناتو، على الرغم من أن الحكومة في كييف قد صرحت مرارًا وتكرارًا بأنها لن تقدم هذا التعهد. حتى الجهود المحدودة التي تم اتخاذها لتنفيذ اتفاقية مينسك في عام 2015 أدت إلى احتجاجات عنيفة في كييف. وفي استطلاع رأي أُجري في ديسمبر 2021، تبين أن 75% من الأوكرانيين يعتقدون أن اتفاقية مينسك لابد من تعديلها أو التخلي عنها. بينما 12% فقط يعتقدون بإمكانية تنفيذها. 

في الأخير، تلعب فرنسا وألمانيا دورًا محوريًا في التفاوض على اتفاقيات مينسك، بموجب ما يسمى بصيغة نورماندي – والتي تضم، روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا. وقام كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز برحلات لكل من موسكو وكييف في فبراير الجاري في محاولة لحل الأزمة بموجب “صيغة نورماندي”.

+ posts

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

أحمد السيد

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى