أوروبامصر

قراءة في لقاءات الرئيس السيسي في بروكسل

مكانة جيوسياسية مصرية بلجيكية تنعكس على تطور العلاقات بين البلدين، انطلقت من ثقل الدولة المصرية لدورها في قضايا المنطقة وحفظ أمن واستقرار وسلم الشرق الأوسط وشرق المتوسط، واعتبارها بوابة أفريقيا، هذا إلى جانب ما حققته الدولة المصرية من إصلاح اقتصادي وخلق مناخ جاذب للاستثمار الأجنبي، والتطوير في مجال البنية التحتية والطاقة البديلة، مما يجعل الأجندة المصرية جاذبة للساسة ورجال الأعمال البلجيكيين. 

وعلى الجانب البلجيكي، فيطلق على بلجيكا “العاصمة غير الرسمية” للاتحاد الأوروبي؛ لاحتوائها على عدة مقار للاتحاد الأوروبي، إلى جانب رئاسة السياسي البلجيكي شارل ميشيل للمجلس الأوروبي منذ 1 ديسمبر 2019 خلفًا لدونالد توسك؛ فانعكست العلاقات الجيوسياسية الجذابة على تقارب وجهات النظر بين البلدين من جهة، ومصر والدول الأوروبية من جهة أخرى في مختلف القضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والملف الليبي وأمن المتوسط والهجرة غير الشرعية.

هذا إلى جانب التعاون الاستثماري، خاصة في مجالات التكنولوجيا والطاقة النظيفة والصناعات الدفاعية. وهو ما انعكس بالضرورة على لقاءات الرئيس السيسي في العاصمة البلجيكية بروكسل التي يزورها حاليًا للمشاركة في القمة الأفريقية الأوروبية على مدار يومي 17 و18 فبراير.

الشراكة مع القطاع الخاص

تشهد العلاقات المصرية البلجيكية تطورًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، فارتفعت قيمة الصادرات المصرية إلى بلجيكا وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بنحو 75.5% خلال الأحد عشر شهرًا الأولى من عام 2021، بقيمة 411.6 مليون دولار. هذا إلى جانب زيادة التبادل التجاري إلى نحو 2 مليار دولار بنسبة ارتفاع قدرها 72% خلال نفس الفترة.

وساعد على ذلك تطبيق اتفاق المشاركة المصرية الأوروبية المؤقت لأحكام التجارة، والذي ينص على إعفاء السلع الصناعية المصرية من الرسوم الجمركية والضرائب، وإعطاء السلع الزراعية مزايا وحصصًا جمركية وموسمية، والذي دخل حيز التنفيذ منذ يونيو 2004.

وكذا، ارتفعت الاستثمارات البلجيكية في مصر بنسبة 187.3% خلال العام المالي (2020/2021) وبلغت نحو 246.8 مليون دولار، في أكثر من 222 مشروعًا في مجالات الصناعات الهندسية، ومواد البناء، والتعدين، والكيماويات، والمواد الغذائية، والسياحة، والزراعة، وغيرها من الخدمات. 

ويمكن إرجاع هذا التطور في العلاقات المصرية البلجيكية إلى عدة عوامل، يأتي في مقدمتها الثقل المصري في المنطقة، وزيادة التعاون بين البلدين، وما حققته مصر في مجالات البنية التحتية والطاقة الجديدة والنظيفة والمتجددة، والتعديلات التشريعية الجاذبة للاستثمار، وحجم المشاريع القومية الجاري تنفيذها في مصر، بما يمثل فرصة كبيرة لاستقبال كبرى الشركات الأجنبية للاستثمار في مختلف المجالات التنموية إلى جانب تقديم الحوافز الاستثمارية في مجالات الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر. 

ذلك فضلًا عن الاستفادة من التجربة المصرية في مجالات عدة، خاصة في مجالات التكنولوجيا والصناعات الدفاعية ومواجهة التغيرات المناخية، وتحول مصر لمصدر إقليمي للطاقة النظيفة؛ بعد أن استطاع مشروع “بنبان للطاقة الشمسية” وحده -كأكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية في أفريقيا والشرق الأوسط- من تفادي مليوني طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مما أعطى مناخًا جاذبًا للمستثمرين الأجانب، ظهر في لقاءات الرئيس عبد الفتاح السيسي ومجتمع رجال الأعمال في بلجيكا، ويمكن تقسيمها إلى: 

1. مشروعات التكنولوجيا والتحول الاخضر: فانطلاقًا من الموقع المصري على البحرين الدوليين الأحمر والمتوسط، وما يمثلانه من أهمية استراتيجية للقارتين الأوروبية والأفريقية على المستوى الأمني والاقتصادي، حرصت مصر على حماية تلك الموارد من خلال وضع أطر قانونية لتنظيم الأنشطة الاقتصادية المتعلقة باستدامة الموارد البحرية، وإطلاق المسار التفاوضي خلال الرئاسة المصرية لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي للتوصل إلى أهداف جديدة لحماية الطبيعة، وفي مقدمتها حماية البحار والمحيطات، والمشاركة في مناقشات اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وحماية التنوع البيولوجي في المناطق البحرية خارج نطاق الولاية الوطنية؛ لمواجهة ما تعانيه البحار من ظاهرة الاحتباس الحراري، مما أدى إلى ارتفاع منسوبها ومستوى حموضتها، وانخفاض نسبة الأكسجين، وتدهور الحياة البحرية. 

فبعد الانضمام إلى مؤتمر “محيط واحد” في مدينة بريست الفرنسية والاتفاقيات المنبثقة عنه، وفي ظل استضافة مصر لمؤتمر المناخ COP27 المقبل؛ تسعى مصر إلى اتخاذ إجراءات حثيثة في ملف الطاقة والحفاظ على الموارد البحرية، للتحول والتنفيذ الفعلي على أرض الواقع.

وفي هذا السياق، اجتمع الرئيس السيسي وعدد من الشركات البلجيكية لأعمال التجريف والتكريك، ومنهم رئيس شركة “جان دو نول” البلجيكية للتكريك بيتر جان دو نول، لبحث ومتابعة التعاون في مجال تطوير وحماية الشواطئ الساحلية المصرية للحفاظ على سلامة الأراضي والشواطئ من التآكل والمنشآت والاستثمارات القائمة، خاصة على البحر المتوسط.

هذا إلى جانب الرؤساء التنفيذيين لتحالف الشركات البلجيكية لشركات “ديمي” لأعمال التكريك، وشركة ميناء “أنتويرب”، وشركة “فلوكسيس” لمناقشة سبل التعاون في “مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر لتوليد الطاقة”، لتنوع مصادر الطاقة والاستخدامات من الوقود البديل والاتجاه الي الطاقة الخضراء النظيفة وفقًا لرؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، ونقل المعرفة وتوفير التدريب والتأهيل للكوادر المصرية، وتشجيع الصناعة المحلية.

إذ يعول الاتحاد الأوروبي على الهيدروجين الأخضر كمصدر من مصادر الطاقة المتجددة الرئيسة في خفض انبعاثات الكربون مقارنةً بالبدائل الأخرى الأقل كفاءة وأكثر تكلفة. ومن المقرر أن يُستخدم في قطاعات نقل المركبات الثقيلة والعمليات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة، ومن المتوقع أن يخفض نحو 7.5% من الانبعاثات بحلول 2050، وسينخفض الطلب على الوقود الأحفوري بمقدار 517 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2050.

2. الصناعات الدفاعية: نظرًا للأهمية السياسية والأمنية لمصر لموقعها المطل على البحر المتوسط، ولطالما كان الأمن المصري يمثل الأمن الاوروبي، وخاصة عبر المتوسط الذي يشهد توترًا مستمرًا إما على مستوى القضايا الإقليمية والإرهاب والهجرة غير الشرعية؛ فإن التقوية الدفاعية للدولة المصرية يعد سلاحًا دفاعيًا للدول الأوروبية من التأثر بتلك المخاطر. ولذا، استقبل الرئيس السيسي الرئيس التنفيذي لشركة “جون كوكريل” البلجيكية للصناعات الدفاعية “جان لوك مورانج”، لتعزيز سبل التعاون في هذا المجال ودعم القدرات المصرية في الصناعات الدفاعية لنقل التكنولوجيا البلجيكية إلى الدولة المصرية. 

أجندة إقليمية مشتركة

تشترك مصر  مع الاتحاد الأوروبي في وحدة المصير الأمني عبر المتوسط، وباعتبار مصر ركيزة الأمن الأوروبي في المنطقة وبوابة أوروبا إلى أفريقيا، وفي ظل رئاسة بلجيكا الحالية والمستمرة لعامين ونصف للمجلس الأوروبي وبالتالي تعد ممثلًا للقارة الأوروبية، هذا إلى جانب كون السفارة البلجيكية في القاهرة نقطة التواصل بين القاهرة وحلف شمال الأطلسي “الناتو” عقب اعتمادها من الحلف عقب إقرار تمثيل دبلوماسي مقيم لمصر لدى حلف الناتو لتعزيز الحوار السياسي بين البلدين؛ جاءت الحاجة إلى التنسيق المتبادل بين البلدين حول تعميق الرؤى المشتركة القائمة على التعاون والتشاور وتبادل الرؤى خاصة في القضايا ذات التهديد المشترك، وعلى رأسها قضايا مكافحة الإرهاب، والأزمة الليبية من منطلق الحفاظ على عناصر الدولة الوطنية، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، والتي كانت على رأس أجندة القمة الأوروبية الأفريقية السابقة، وأخيرًا التوافق حول القضية الفلسطينية، وعلى المستوى الاقتصادي تعزيز سبل التعاون المشترك والمتنامي منذ أربعينيات القرن الماضي بين البلدين. 

فانعكست تلك العلاقات والتنسيق الجيد بين البلدين على استقبال الملك فيليب، ملك بلجيكا، للرئيس عبد الفتاح السيسي، بمقر القصر الملكي ببروكسل، في زيارته الأولى للبلاد؛ لبحث أطر تعزيز التعاون بين البلدين في ضوء تطور العلاقات بين البلدين، والتأكيد على الدور المصري في تحقيق الاستقرار في الشرق الاوسط وأفريقيا خاصةً في مجالات مكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب، والتوافق حول الدور المصري في نشر ثقافة التسامح، وتحقيق التعايش بين الأديان، ودعم الحلول السلمية للأزمات القائمة بمحيطها الإقليمي.

ومن منطلق الدور المحوري لمصر، وأهمية الوصول لرؤية مشتركة بين مصر والاتحاد الأوروبي بوجه عام وبلجيكا على وجه الخصوص؛ التقى الرئيس السيسي مع شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، بمقر المجلس، وهو اللقاء الثاني بينهما، عقب الاجتماع الذي جمع بينهما على هامش اجتماع الرعاية الصحية الشاملة بالأمم المتحدة في سبتمبر 2019. وقد تقدم الرئيس السيسي له بالتهنئة على توليه منصبه بالمجلس الأوروبي ديسمبر 2019، وشهد اللقاء آنذاك التنسيق حول القضايا الإقليمية المشتركة وعلى رأسها تطورات القضية الفلسطينية القائم على الرؤية المشتركة بضرورة الالتزام باتفاق حل الدولتين والمبادرة العربية للسلام وقرارات الشرعية الدولية كأساس لتسوية الصراع بين الجانبين، ودعم الجهود المصرية لإحياء عملية السلام واستئناف المفاوضات.

تشير أجندة الرئيس السيسي في بروكسل على هامش اجتماعات القمة الأوروبية الأفريقية إلى الأهمية الاستراتيجية للدولة المصرية، واتخاذ خطوات حثيثة لتنفيذ الاستراتيجيات الدولية لمكافحة التغيرات المناخية من خلال التوافق مع السياسات الأوروبية وتطبيقها في الدولة المصرية، ومن منطلق الرؤية المصرية بأن تتحول لمصدر إقليمي للطاقة، قبيل استضافة مصر لمؤتمر المناخ COP27، والذي لن يتحقق دون تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة من خلال التنسيق حول القضايا ذات الاهتمام المشترك والتي تؤثر على المصالح المتبادلة بين القارتين الأوروبية والأفريقية بين دولتين صاحبتا ثقل في قارتيهما.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى