مكافحة الإرهاب

ماذا بعد “الهاشمي القرشي”؟

على الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في 3 فبراير الجاري نجاح الولايات المتحدة في تصفية “أبي إبراهيم الهاشمي القرشي” (زعيم تنظيم داعش)، إلا أن التنظيم حتى وقت كتابة هذه الورقة لم يؤكد أو ينفي عملية تصفية زعميه، وذلك على خلاف تعاطيه مع مقتل “أبي بكر البغدادي”(الزعيم السابق لتنظيم داعش)، الذي قُتل في عملية مشابهة في 27 أكتوبر 2019؛ إذ تم تعيين “الهاشمي القرشي” خليفة له في 31 أكتوبر 2019، أي بعد 4 أيام من مقتله، ما يثير جملة من التساؤلات عن ملامح المرحلة القادمة بعد مقتل “الهاشمي القرشي” في ضوء اختلاف السياقات والتحركات.

  1. فراغ مؤقت: من المُحتمل أن يشهد منصب زعيم تنظيم “داعش” فراغًا مؤقتًا، خاصة في ضوء أزمة القيادة التي يعاني منها التنظيم في الوقت الحالي بعد فقدانه أغلبية قيادات الصف الأول والثاني نتيجة لاستهدافهم في عمليات مكافحة الإرهاب، ومن ثم يُعد الحصول على خليفة للتنظيم يتمتع بتأهيل شرعي وعسكري أمر ليس باليسير، ولا سيما وإن “الهاشمي القرشي” لم يتبع نهج سلفه “البغدادي” في تعين نائب له.

وعلى الرغم من تداول عدد كبير من الأسماء المحتملة لخلافة “الهاشمي القرشي”، إلا أن تلك الأسماء تظل موضع تكهنات ومزاعم؛ في ضوء غياب معلومات مؤكده تثبتها أو تنفيها. ولا يعني هذا الطرح أن منصب الخليفة سيظل خاليًا لأشهر، بل من المنتظر خلال الأيام أو الأسابيع القليلة القادمة أن يتم تنصيبه.

  1. تأثير محدود: يمثل مقتل “الهاشمي القرشي” ضربة لمعنويات عناصر التنظيم، غير أن الخبرات السابقة تشير إلى أن قتل زعيم التنظيم ما هو إلا حدث تكتيكي لا يؤدي إلى القضاء على التنظيم أو أيديولوجيته. ومن المتوقع أن يكون لعملية مقتله تأثير محدود ومؤقت على عمليات التنظيم في العراق وسوريا اللتين كانتا بؤرة سيطرته ونشاطه، ولا سيما مع احتمالية قيامه بتحويل موارده المالية واللوجستية تحو تعزيز أمنه الداخلي وحماية أعضائه ذوي القيمة العالية من عمليات مكافحة الإرهاب. 

ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تتأثر أفرعه المختلفة في أفريقيا وآسيا؛ في ضوء لا مركزية السلطة التي تتيح حرية حركة الفروع. ويعد خير مثال على ذلك قيام “ولاية وسط أفريقيا” في 4 فبراير الجاري بتنفيذ عملية لاقتحام سجن “نوبيلي” في دولة الكونغو الديمقراطية، وتهريب حوالي 20 عنصرًا من عناصره.

  1. رد ثأري: من المتوقع أن يؤدي مقتل “الهاشمي القرشي” إلى زيادة دافع عناصر التنظيم لتنفيذ عمليات انتقامية لمقتله من ناحية، والتأكيد على أن التنظيم ما زال حاضرًا من ناحية أخرى، ما يعيد إلى الأذهان سلسلة العمليات التي جاءت تحت عنوان: “غزوة الثأر لمقتل الشيخين أبي بكر البغدادي وأبي الحسن المهاجر” التي أطلقها التنظيم في 22 ديسمبر 2019؛ بهدف الانتقام لمقتل “البغدادي” واستمرت لمدة أسبوع بمجموع تجاوز المائة عملية. وقد تم معظم هذه العمليات في سوريا والعراق وبعضها في ولايات التنظيم المختلفة.

وبتحليل أنماط تلك العمليات، نجدها من نمط العمليات الاعتيادية التي يقوم بها التنظيم وليست عمليات استعراضية معقدة أو فتاكة. ومن ثم يمثل هذا الطرح سيناريو قابلًا للتكرار مع مقتل “الهاشمي القرشي”. وفي هذا السياق، أشار عدد من الأبحاث إلى أن استراتيجية قطع الرؤوس قد تقلل من جودة الهجمات الإرهابية، إلا أنها قد تزيد من عددها؛ إذ إن تلك الزيادة تكون بمثابة معركة متبادلة تشعر فيها التنظيمات الإرهابية بالحاجة إلى الرد على عمليات مكافحة الإرهاب.

  1. تحولات محتملة: قد يشهد تنظيم “داعش” جملة من التحولات المحتملة على المدى المتوسط والطويل حال تأخر التنظيم في الإعلان عن زعيم جديد خلفُا “للهاشمي القرشي” من ناحية، أو حال عدم وجود توافق داخلي عليه من ناحية أخرى. ويأتي على رأس تلك التحولات سعى قادة الولايات إلى تعزيز نفوذهم بعيدًا عن سلطة القيادة المركزية للتنظيم.

ويُعد وضع تنظيم “القاعدة” خير مثال على هذا الطرح؛ فنتيجة لضعف القيادة المركزية الممثلة في “أيمن الظواهري” سعى قادة الأفرع إلى تعزيز نفوذهم وتركيز جهودهم على تحقيق مصالحهم، ما ترتب عليه تحول اسم “القاعدة” إلى مجرد مسمى لعلامة جهادية متراجعة تجمع تحت مظلتها مجموعة من الجماعات غير متجانسة المصالح والأهداف.

  1. تنافس جهادي: من المُتوقع أن يُعزز مقتل “الهاشمي القرشي” من التنافس الجهادي بين تنظيمي “داعش” و “القاعدة”، خاصة في منطقة غرب أفريقيا، وذلك في ضوء جملة من المحددات؛ يتعلق أولها بتمسك كل منهما بمصالحه وأهدافه، حيث يسعى الأول إلى نقل مركز ثقله الإقليمي إلى أفريقيا وإعادة التموضع في ساحات بديلة بعضها يخضع لنفوذ الثاني، في مقابل محاولات الثاني للحفاظ على نفوذه في معاقله الرئيسة، وتأكيد قدرته على الصمود أمام منافسه التقليدي. 

وينصرف ثانيها إلى ظهور فواعل في المشهد الجهادي في غرب أفريقيا ممثلة في الحضور المتجدد “لجماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان” المعروفة “بالأنصار” (وهي تابعة لتنظيم القاعدة) في شمال نيجيريا، وسعيها إلى إثبات نفوذها. ويتصل ثالثها بانعكاسات تصفية عدد من القيادات الإرهابية في المنطقة على العلاقة بينهما.

مجمل القول، يمثل مقتل “الهاشمي القرشي” تحجيمًا مؤقتًا لنشاط تنظيم “داعش” على المدى القصير والمتوسط، ولا سيما مع انشغاله بتعيين زعيم جديد والحصول على البيعة له، إلا أن مستقبل التنظيم في مرحلة ما بعد “الهاشمي القرشي” مرتبط بجملة من المحددات؛ يتعلق أولها بمدى نجاح الزعيم الجديد بتوحيد الصفوف الداخلية للتنظيم، وينصرف ثانيها إلى مآلات مشهد الصراع مع تنظيم “القاعدة”، ويتصل ثالثها بنجاح حملات مكافحة الإرهاب في تقويض نفوذ التنظيم سواء اللوجيستية أو البشرية.

+ posts

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

تقى النجار

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى