
عودة السُباعيات للدراما المصرية
شهدت حقبة الستينيات والسبعينيات بداية الدراما في مصر، وأخدت شكل القصص القصيرة في حلقات من خُماسيات أو سُباعيات، لتصبح بعد ذلك قصصًا تُحكى في 12 أو 15 حلقة. ثم حدث التغيير المفاجئ في منتصف التسعينيات لتتحول الأعمال الدرامية إلى حكايات طويلة يتم تناول أحداثها في 30 حلقة، وقد تصل أحيانًا إلى 40 أو 45 حلقة في المسلسلات التاريخية أو الاجتماعية او المسلسلات التي تحكي قصصًا بطولية لشخصيات اعتبارية.
دراما التسعينات
في أواخر التسعينات تعددت أشكال الدراما المصرية، فبالإضافة إلى الخُماسيات والسُباعيات والمسلسلات ذات الـ 30 و40 و45 حلقة، كانت هناك السهرات التلفزيونية المكونة من حلقة واحدة طويلة نسبيًا، بالإضافة إلى الأعمال التي تُعرض على عدة أجزاء.
وأصبح شهر رمضان الكريم موسمًا لانطلاق الماراثون الدرامي في مصر، وتتنوع الأعمال فيه بين الاجتماعي و”الرومانسي” و”الكوميدي” و”الأكشن” والأعمال البوليسية والأعمال المأخوذة من أوراق المخابرات. واللافت في الأمر، هو انتشار ظاهرة المسلسلات الـ 45 حلقة والـ 60 حلقة، على غرار المسلسلات التركية والمكسيكية والكورية والهندية، والتي تمتد أحيانًا إلى أكثر من جزء.
ولكن تلك النوعية من المسلسلات الطويلة عكست الأزمة الحقيقية في الكتابة الدرامية في مصر، من ناحية: سطحية المحتوى، وركاكة الحوار، وضعف الفكرة، وسيطرة الأهداف الربحية لصناع العمل. مما أدى إلى تجريد الدراما المصرية من الإبداع، وفقدت تلك الأعمال الشخصية المصرية، ما أدى إلى اعتماد صناعها على الترويج للعمل على “السوشيال ميديا” واستغلال ظاهرة “التريند” والإعلانات، حتى وصل الأمر إلى التعمد في “صنع التريند” من مشهد أو أكثر كنوع من الدعاية.
دراما عام 2021 والعودة إلى الجذور
شهد عام 2021 نقلة نوعية في الدراما المصرية؛ إذ طغت فيه الدراما القصيرة ودراما الحكايات المتعددة المتصلة على المسلسلات الطويلة التي بات الجمهور لا يفضلها. فالعديد من المسلسلات مثل (نصيبي وقسمتك، إلا أنا، زي القمر، ورا كل باب) هي مسلسلات تقوم على فكرة الحكايات القصيرة التي تمتد كل قصة فيها على مدار ست أو عشر حلقات، وتناقش كل قصة قضية معينة بأبطال مختلفين ومعالجة مختلفة.
وجدير بالذكر أن أغلبية القصص تدور حول المرأة بشكل رئيس، تماشيًا مع الأحداث الداخلية الراهنة واهتمامات القيادة السياسية، فهناك قصص الفتاة التي تأخر بها الزواج وتواجه تنمر المجتمع الذي أطلق عليها لقب “عانس” وحمّلها كامل المسؤولية حول تأخر زواجها، وكيفية مواجهة هذا الوضع والنجاة بنفسيتها منه. أيضًا من ضمن القصص، قصة المرأة المتزوجة من رجل مقصّر في مهامه ومسؤولياته مما يزيد همومها، وتواجه هي وأبناؤها معه حياة قاسية خالية من أدنى درجات الأمان.
وتطرقت حكايات المسلسلات أيضا إلى التحرش الذي قد يواجه المرأة في سوق العمل والشارع، علاوة على تناول قضية التنمر الذي تواجه بعض الفتيات اللاتي يعانين من تشوه في ملامحهن نتيجة تعرضهن لحادث قديم مثلًا أو يعانين من مشاكل مختلفة في حالتهن النفسية والعقلية.
وكذا، تم تناول قصة المرأة المعيلة التي تواجه المجتمع بمفردها، وناقشت الحكايات أيضًا مشكلات الخيانة الزوجية، وكيف تواجه المرأة خيانة زوجها بعيدًا عن الحلول المعتادة والتي في أغلبها تسند سبب الطلاق إلى المرأة التي أهملت في نفسها. وحتى سرطان الثدي والذي تتعرض له نسبة كبير من السيدات كان له نصيب من الحكايات، ولم تغفل تلك المسلسلات تناول قصص خاصة بذوي الهمم، فتم تناول مرضى التوحد. وهناك بعض المسلسلات المنفصلة ذات الـ 15 حلقة كمسلسل “كوفيد 25” والذي ينتمي إلى دراما الخيال العلمي.
الكثير من الإيجابيات ولكن؟
تحقيق التوازن بين المسلسلات الطويلة والقصيرة يحقق الكثير من الإيجابيات لصالح صناعة الدراما في مصر، فالمشاهد يجد المتعة الحقيقة في متابعة عمل بعيد عن المط والتطويل الذي يصيبه بالفتور والنفور، أما المؤلف فتصبح لديه مساحة أكبر من التركيز على الفكرة بشكل مركز يزيد من قوة تأثير رسالته، بينما يجد المخرج المعالجة الواضحة المتكاملة والمختصرة التي تحمل رسالة واضحة وفى نفس الوقت مؤثرة، والبعيدة كل البعد عن فخ الإطالة الذي قد يصل لأكثر من 15 حلقة.
وعلاوة على ذلك، فتحت الأعمال القصيرة الباب لعودة كبار النجوم الذين تغيبوا عن الشاشة في الفترات السابقة، وتُعد النافذة الحقيقة لانطلاق المواهب الشابة وإعطائهم فرص ليس فقط بالظهور على الشاشة واستعراض مواهبهم، بل أيضًا لمشاركتهم ووقوفهم أمام عمالقة الفن من أبطال تلك الأعمال، وهو ما يسمح بانتقال الخبرات والمهارات من جيل إلى جيل.
وعلى قدر أهمية القضايا التي ناقشتها تلك المسلسلات في حلقاتها القصيرة المتنوعة، وبقدر ما حظيت به من جماهيرية قوية ومتفاعلة مع تفاصيل الحكايات حتى وصل الأمر إلى أن بعض تلك الحكايات أصبحت “تريند” على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إلا أنه كان يشوبها في بعض الأحيان قدر من عدم الاحترافية، سواء على صعيد التمثيل أو حبكات القصص نفسها أو السيناريو والحوار، أو على صعيد الإخراج، ففي بعض الأعمال طغى طابع التسرع في جميع مراحل العمل.
سباق المنصات الرقمية
أسهمت دراما المنصات الرقمية في الترويج للمسلسلات القصيرة، وأصبح التنافس على أشده بين تلك المنصات، سواء على مستوى جودة الفكرة أو الإخراج والصورة أو حتى الشكل النهائي للعمل. الدراما أيضًا تسابقت في جذب الفنانين والجمهور.
وقد انطلقت الدراما المصرية على العديد من المنصات الخاصة أبرزها على الأطلاق منصة شاهد المملوكة لقنوات الـ MBCوالتي عرضت مسلسل “ليه لا” و”موضوع عائلي”، ومنصة Watch It المملوكة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية والتي تعرض حلقات مسلسل “إلا انا”، ومنصة Netflix العالمية الأكثر جدلًا في الأيام القليلة الماضية والتي عرضت مسلسل ما وراء الطبيعة.
وأخيرًا، تجلت أهمية العودة إلى إنتاج أعمال درامية تحمل الطابع المصري والقيم والعادات الاجتماعية الحميدة، والبعد عن الاعمال المقتبسة من الدراما الأجنبية والتي تحمل عادات دخيلة مخالفة للمجتمع المصري.
باحثة ببرنامج السياسات العامة