المرأة المصرية في الفن فاعل أم مفعول به؟
تعد الدراما والسينما من المنصات الفعّالة لمناقشة وطرح قضايا المجتمع المختلفة وتوجيه الرأي العام. وفيما يخص قضايا المرأة، طالما عُدت تلك الوسائل من العوامل القوية إما في طرح قضايا جدلية بطريقة إيجابية تساعد في اتخاذ مواقف وحلول من شأنها معالجة وتحسين وضع المرأة، أو أن تسهم تلك المنصات في تشكيل صورة ذهنية تنتقص من قيمة ومكانة المرأة تؤدي إلى سيطرة الاتجاهات والسلوكيات السلبية ضدها، بما يؤثر فيما بعد على وضعها داخل الأسرة، ومن ثم تمكينها على المستوى المجتمعي.
معالجات فنية لقضايا واقعية
عملت السينما والدراما منذ سنوات ليست بالقليلة على طرح مشاكل وقضايا واقعية تمس المرأة المصرية، وذلك لإيجاد حلول جذرية لها، لما تستطيع أن تقدمة السينما في خدمة قضايا المرأة. ويظل فيلم “أريد حلًا” أيقونة إذ قام بمناقشة معاناة المرأة المصرية مع قانون الأحوال الشخصية المطبق حينها عام 1929، مما أدى إلى إصدار قرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض وإضافة بعض المواد إلى قانون الأحوال الشخصية فيما يتعلق بكيفية توثيق الطلاق والإعلام بوقوعه، وتقرير نفقة متعة للزوجة عند طلاقها بدون رضاها، واستحقاق نفقة الصغير على أبيه.
وكذا، فرض القانون عقوبات جنائية لمخالفة بعض أحكام القانون، وعلى الرغم من إلغاء القانون فيما بعد لعدم دستوريته؛ وذلك لصدوره في غياب المجلس التشريعي، إلا أنه على الأقل قد أثبت جاهزية السينما لأن تكون ضلعًا في التغيير.
وقد أسهمت أفلام أخرى في تسليط الضوء على قضايا الأحوال الشخصية بعد فيلم “أريد حلًا”، مثل معاناة المرأة في الحصول على الطلاق في فيلم “لا عزاء للسيدات“، وفيلم “بريق عينيك” الذي سلط الضوء على قضية تعنت الزوج وطلبه لزوجته في بيت الطاعة، والعديد من الأفلام الأخرى كفيلم “عفوًا أيها القانون” الذي سلّط الضوء على تحيز القانون للرجل دون المرأة فيما يخص الخيانة الزوجية، وفيلم ” واحد صفر” الذي ناقش قضية طلاق المرأة المسيحية.
وجميع تلك القضايا الشائكة التي طُرحت في السينما والدراما تُطرح مجددًا الآن حينما يتم التحدث عن قانون الأحوال الشخصية الجديد، وما تنعقد عليه من آمال وطموحات في تخفيف المعاناة والعبء عن المرأة المصرية.
كذلك، عملت السينما على ردع مظاهر العنف الممارس ضد المرأة فكان فيلم “دعاء الكروان” من أول الأعمال التي ناقشت قضية قتل المرأة تحت مسمى الدفاع عن الشرف والذي مازال يمارس حتى الآن في محاولات لإيقاف تلك الممارسة.
وناقش فيلم “678” قضية التحرش الجنسي وما تواجهه المرأة من عنف ممارس بصورة يومية ضدها في الشوارع وأماكن العمل والمواصلات العامة. وعلى غرار هذا الفيلم تم تعديل العديد من قوانين العنف ضد المرأة، وتم تغليظ عقوبة التحرش. ولارتباط ممارسات العنف ببعض الموروثات الثقافية التي يصعب تغييرها، فإن هناك حاجة ملحة لاستمرارية التوعية في الأعمال الفنية لتكوين صورة ذهنية ترفض تلك الممارسات.
وعلى صعيد الدراما المصرية، فقد قُدمت العديد من الأعمال الفنية الهادفة التي عملت على التوعية بظواهر مستحدثة على المجتمع المصري، فمن خلال مسلسلي “أين قلبي” و”الحقيقة والسراب” نوقشت قضية الزواج العرفي بوصفها ظاهرة مستجدة بدأ الحديث عنها حينها والتوعية لما يترتب عليها من آثار.
وقُدم مسلسل “القاصرات” ليطرح مناقشة لقضية زواج القاصرات والحاجة إلى وضع قوانين لمحاربته بوصفه عادة ثقافية متجذرة موجودة في بعض قرى وصعيد مصر. وحديثًا اهتمت الدراما بمناقشة موضوعات لم تثر من قبل كقضية الطلاق الشفهي والاغتصاب الزوجي في مسلسل “لعبة نيوتن“، إضافة إلى تقديم قضية المرأة والطفلة المصابة بمرض ADHD (فرط الحركة وتشتت الانتباه)، في مسلسل “خلي بالك من زيزي” والذي أوجد حالة من الوعي بين فئات المجتمع بوجود هذا المرض وسرعة تشخيصه من الأهل.
وفي المجمل، يمكن إدراك أهمية الأعمال الفنية وإسهاماتها في رفع وعي المجتمع بقضايا المرأة ومحاولة إيجاد حلول لها، بشرط أن تشتمل تلك الأعمال على مضمون جيد وهادف يعكس الواقع الفعلي دون مواربة.
هل للفن دور في ترسيخ مظاهر العنف ضد المرأة؟
وكما عرضنا في السطور السابقة كيفية توظيف الأعمال الفنية في خدمة قضايا المرأة وتوصيف مشكلاتها وفرض حلول لها، على الجانب الآخر نجد استخدامات وأعمال فنية أخرى رسخت مبدأ العنف ضد المرأة، بدءًا من طرح مشاهد الاغتصاب الجنسي بصورته الفجة في بعض الأفلام مثل فيلم “الكرنك” “وحتى لا يطير الدخان” وفيلم “هي فوضي“.
حتى وإن تم الترويج لتلك المشاهد بأنها “وُظفت سياسيًا للدلالة على الفساد الاجتماعي وسوء استخدام السلطة”، لكنها أيضًا حملت في طياتها ترسيخ العنف في الصورة الذهنية لدي المشاهد. ناهيك عن استباحة وتوطيد مشاهد العنف الجسدي واللفظي وتشجيع المتلقي على اعتبار تلك الممارسات طبيعية تحدث بدافع غيرة الرجل الشرقي، ودلالة على الحب.
وفي هذا السياق، قام مرصد لجنة الإعلام بالمجلس القومي للمرأة والمعني برصد صورة المرأة المصرية في الأعمال الدرامية لعام 2021، بملاحظة تصدر قضايا العنف ضد المرأة من (تعنيف، وضرب، وابتزاز، واغتصاب) الأغلبية العظمى من الأعمال الدرامية، وأوضح أنه برغم إيجابية تسليط الضوء على ممارسات العنف ضد المرأة لردعها، إلا أن عرض التفاصيل الدقيقة لمشاهد العنف ضد المرأة وبصورة كبيرة يضر القضية أكثر مما يخدمها.
الفن واستقرار الأسرة المصرية
عندما نتحدث عن الفن كأداة للتغيير، فالمقصود هو تغيير المجتمع ككل للأفضل، فليس شرطًا أن تكون الأعمال الفنية موجهة فقط لمعالجة مشاكل النساء وطرح قضايا المرأة، بل من الممكن أن تلعب الأعمال الفنية دورًا مهمًا في تغيير مفاهيم المرأة عن نفسها وإصلاح صورتها الذهنية لمفاهيم شوهت مع مرور الوقت “كمفهوم الأسرة” والذي اختلف طرحه في الدراما المصرية.
فعندما عُرض مسلسل “يوميات ونيس” ناقش مشكلات الأسرة المصرية في إطار كوميدي موضوعي. وتميزت شخصية “مايسة” بأنها الأم المصرية الناجحة في العمل بين أقرانها الرجال وأيضًا الزوجة المسؤولة والصديقة لأبنائها في المنزل.
ومع الوقت اختلف طرح هذ المفهوم ليطغى مصطلح “الطلاق” على الأعمال الفنية، وكأنها السمة العامة للأسر المصرية؛ في صراع بين تصوير الزواج كمؤسسة مملة وأن المرأة بطلاقها ستحصل على حريتها وتحقيق شغفها وذاتها كما في مسلسل “قواعد الطلاق الـ 45” و”رحلة البحث عن علا“. إذ ترسخ تلك الأعمال فكرة التحرر والحرية للمرأة المطلقة، على أنها الخروج عن العادات والتقاليد من خلال تقديم مجموعة من المشاهد التي تتنافى وعادات وتقاليد المجتمع كتناول المرأة للمخدرات وشرب الخمر، كذلك العلاقات المنفتحة مع الرجال وربطها بالمستوى الاجتماعي على أنها نوع من أنواع التحضر.
المسؤولية الاجتماعية تجاه الأعمال الفنية
عندما نتحدث عن المسؤولية الاجتماعية، فنقصد بها التوازن بين الحرية الفكرية والإبداعية لرؤية الكاتب والمخرج وبين المسؤولية تجاه المعايير الأخلاقية للعمل الذي من الممكن أن يكون له دور بالغ الخطورة في تشكيل الوعي والصورة الذهنية تجاه المرأة.
وفي ظل الانتهاكات البالغة لصورة المرأة في بعض الأعمال السينمائية والدرامية والتي حُصرت فيها المرأة في القوالب النمطية كوسيلة إغراء أو سلعة للبيع وأداة للتشهير، أصدر المجلس القومي تقريرًا بعنوان “الكود الإعلامي لتناول قضايا المرأة في الاعلام.. ضوابط مهنية وأخلاقية”، وكانت أهم الضوابط في الأعمال الفنية ما يلي:
- تشجيع إنتاج المسلسلات التي تبرز الدور الوطني والاجتماعي والتاريخي للمرأة المصرية، وتوثيق المواد كي تصبح متاحة للأجيال القادمة.
- الاهتمام بتقديم الإنجازات الإيجابية وقصص النجاح للمرأة بدلًا من تقديمها في صورة امرأة “سلبية – ضعيفة- استغلالية- تنقصها الخبرة”.
- تغيير الصورة السلبية النمطية لربة المنزل وغير المتزوجة والمطلقة، وعدم تحميلها الفشل الأسري والمجتمعي.
- مراعاة عدم المبالغة في عرض مشاهد صريحة للعنف اللفظي، والمعنوي، والجسدي، الذي تتعرض له المرأة أو تقوم به.
- الحذر من تكرار الفيديوهات والصور التي تكرس مشاهد العنف ضد المرأة بصورة تصيب المشاهد بالتبلد أو الاعتياد.
ورغم إصدار المجلس القومي للمرأة الكود الإعلامي عام 2018، إلا أن أعمالًا قليلة قد التزمت بهذا الكود، لوجهة النظر القائمة بأن تصدير الصورة السلبية للمرأة وزيادة مظاهر العنف في الأعمال الفنية يعطي رواجًا أكثر للعمل الفني. وذلك على الرغم من نجاح مسلسلات تبنت هذا الكود الأخلاقي مثل مسلسل “إلا أنا” في أجزائه، والذي عكس جزءًا كبيرًا من واقع ومشاكل المرأة المصرية، مع الالتزام بعدم المبالغة في تصدير الصور السلبية وعدم إرساء مظاهر العنف.
أخيرًا، يمكن أن تلعب الأعمال الفنية دورًا مهمًا بسبب انتشارها الواسع وقوة تأثيرها في تغيير الصورة الذهنية النمطية الراسخة حيال المرأة المصرية، خاصة مع وجود الإرادة السياسية لتمكينها في جميع المجالات.
باحثة ببرنامج السياسات العامة



