
مفترق الطرق الليبي… بين التوافقات الكبرى وانفراط العقد
تطورات متلاحقة ومتسارعة شهدها المسار السياسي الليبي خلال الساعات الماضية، أفضت إلى تكليف مجلس النواب وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة، لتدخل البلاد في إطار مرحلة انتقالية جديدة تستمر على الأقل لمدة عام مقبل. هذا التطور الذي يرتبط بتوافقات سياسية محورية تمت بين المنطقة الشرقية والغربية في ليبيا أواخر العام الماضي، ربما يكون بمثابة نقطة انطلاق جديدة نحو مرحلة سياسية يكون فيها التوافق الداخلي الليبي هو اللاعب الأساسي في تحديد مستقبل البلاد، وقد يكون -في حال إذا ما جنحت الأطراف المعارضة لهذا التوافق إلى السلاح- مدخلًا لانفراط جديد في العقد الليبي، قد ينقل البلاد إلى مشاهد سبق وأن اختبرتها مدن ليبيا ومناطقها.
بداية هذه التطورات كانت خلال الجلسات البرلمانية الاثنين والثلاثاء الماضيين، حين صوت مجلس النواب الليبي بالإجماع على خارطة الطريق المقدمة من اللجنة البرلمانية الخاصة ببحث هذا الملف. وتنص هذه الخارطة على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية خلال 14 شهرًا من تاريخ إقرار التعديل الدستوري الجديد. وتنص مادتها الثانية على تشاور لجنة خارطة الطريق مع لجنة المجلس الأعلى للدولة لتقديم الصيغة النهائية بشأن التعديل الدستوري الجديد، على أن تتضمن هذه الصيغة تحديدًا دقيقًا للمواد المطلوبة لتحقيق الاستحقاق الانتخابي، في إطار لا يتجاوز أربعة عشر شهرًا.
أما المادة الثالثة من مواد هذه الخارطة، فتنص على أنه بعد الاستماع إلى مشروع المرشحين لرئاسة الحكومة، تقوم رئاسة المجلس بإحالة أسماء المترشحين للمجلس الأعلى للدولة لتقديم التزكيات المطلوبة بشأنها. وتشير المادة الرابعة منها إلى وجوب تقديم لجنة خارطة الطريق تقريرها النهائي بشأن توقيتات باقي المسارات، وذلك في غضون شهر.
التوافق بين مجلس النواب ومجلس الدولة ينتج حكومة جديدة
تلا ذلك انعقاد جلسة أخرى الخميس الماضي كانت مخصصة للتصويت على اختيار واحد من المرشحين الاثنين لتولي منصب رئاسة مجلس الوزراء، وهما وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا ورجل الأعمال خالد البيباص، بجانب التصويت على الصيغة النهائية للتعديل الدستوري الجديد.
بدأت فعاليات هذه الجلسة في البداية بحضور 132 نائبًا، ثم أرتفع عدد النواب الحاضرين ليصل إلى 147 نائب، وقد تم في بداية هذه الجلسة التصويت بالأغلبية المطلقة (126 نائبًا) على مشروع التعديل الدستوري، ثم حدثت بعض الملاسنات المحدودة داخل الجلسة قبيل التصويت برفع الأيدي على اختيار المرشح لرئاسة الحكومة، لكن احتوى رئيس المجلس المستشار عقيلة صالح هذه الملاسنات، قائلًا إنه توجد محاولة لتخريب الجلسة ومنعها من الاكتمال، وأشار إلى ورود رسالة من المجلس الأعلى للدولة، تفيد بتزكية 52 عضوًا من أعضاء المجلس لترشح فتحي باشاغا، ليتم في نهاية الجلسة تم التصويت بالإجماع على تولي فتحي باشاغا رئاسة الحكومة الجديدة، على أن يقدم تشكيلته الوزارية خلال مهلة خمسة عشر يومًا.
بالنسبة للتعديل الدستوري الذي تم إقراره، فيتضمن تعديل نص الفقرة الثانية عشر من المادة 30 من الإعلان الدستوري الحالي، لتنص على تشكيل لجنة من 24 عضوًا من الخبراء والمختصين ممثلين بالتساوي للأقاليم الجغرافية التاريخية الثلاثة يتم اختيارهم من قبل مجلسي النواب والدولة، تتولى مراجعة المواد محل الخلاف في مشروع الدستور المنجز من قبل الهيئة التأسيسية وإجراء التعديلات الممكنة عليه.
على أن تنتهي هذه اللجنة من إجراء التعديلات المطلوبة خلال خمسة وأربعين يومًا بدءًا من أول اجتماع لها خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ صدور التعديل الدستوري، ومن ثم يحال مشروع الدستور المعدل مباشرة إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات للاستفتاء عليه، وإذا تعذر إجراء التعديلات بعد انتهاء هذه المدة تتولى لجنة مشكلة من مجلسي النواب والدولة خلال مدة أقصاها شهر إعداد قاعدة دستورية وقوانين انتخابية ملزمة للطرفين لدورة رئاسية وبرلمانية واحدة، ويحال النظر في مشروع الدستور المنجز من قبل الهيئة التأسيسية إلى السلطة التشريعية الجديدة.
بهذا التعديل، بات الاستفتاء على الدستور هو الأولوية الأساسية في المسار السياسي الليبي، وصولًا إلى عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، إلا في حالة ما إذا فشلت اللجنة المشكلة لمراجعة المواد الخلافية في مشروع الدستور الحالي، في إتمام عملها ضمن المهلة القانونية، حيث سيتم الذهاب في هذه الحالة مباشرة إلى انتخابات تشريعية ورئاسية.
هذا المسار نتج بشكل أساسي عن التوافقات التي تمت خلال الفترة الماضية بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة اللذين -رغم تباين مواقفها حيال مصير حكومة الوحدة الوطنية، وخلافهما السابق حول أولويات المرحلة السياسية الحالية “انتخابات رئاسية – استفتاء على الدستور”- تمكنا من التوافق بشكل مبدئي، بحيث يقوم البرلمان بتغيير الحكومة الحالية -التي سحب عنها الثقة سابقًا- ويكون للمجلس الأعلى للدولة ما أراده من تأطير المسار السياسي المقبل، عبر تعديل دستوري جديد.
ردود فعل متنوعة ولافتة على قرارات مجلس النواب الليبي
فور انتهاء جلسة مجلس النواب السالف الإشارة إليها، أصدرت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي بيانًا ترحب فيه بقرارات مجلس النواب، وبتكليف فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة “تتولى قيادة البلاد نحو مستقبل أفضل وذلك بالعمل مع الجهات النظامية العسكرية والأمنية على فرض هيبة الدولة والحفاظ على مقدراتها وحماية المؤسسات السيادية من ابتزاز وهيمنة الخارجين عن القانون”، وهو موقف كان لافتًا في سرعته وليس في مضمونه، بالنظر إلى ما سبق ذكره حول التوافقات التي تضمنتها لقاءات المشير حفتر مع أحمد معيتيق وفتحي باشاغا أواخر العام الماضي.
بطبيعة الحال كانت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور هي صاحبة أول سهام النقد الموجهة لهذه القرارات، فقد انتقد عضوا الهيئة نادية عمران وضو المنصوري هذه القرارات، وعدّتها “اقتسامًا للسلطة” بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. كذلك أعرب خمسة عشر عضوًا من أعضاء مجلس النواب، عن تشكيكهم في طريقة التصويت على التعديل الدستوري الجديد، والتي تمت عن طريق رفع الأيدي بشكل رأى المعترضون أنه كان متسرعًا وغير دقيق.
فيما يتعلق بمواقف المجلس الأعلى للدولة، فقد ظهرت بشكل واضح التباينات الداخلية بين أعضائه فيما يتعلق بهذه القرارات، حيث عبر بعضهم بهذه القرارات وعدّها فرصة لإنهاء الانسداد في المسار السياسي، في حين نفى عضو المجلس عبد القادر جويلي تصويت أعضاء المجلس بتزكية فتحي باشاغا لرئاسة الحكومة، وأكد أن المجلس الأعلى للدولة لم يجتمع بعد بخصوص قرار تزكية أحد المترشحين.
وصرح عضو المجلس إبراهيم صهد بأنه لم يتم عرض برنامج كلا المرشحين لرئاسة الحكومة على المجلس الأعلى للدولة، ولم تكن الفرصة متاحة أمام جميع أعضاء المجلس لطرح تزكياتهم، مشيرًا إلى أنه لا علم لديه حول التزكيات التي تم تقديمها من المجلس الأعلى للدولة إلى مجلس النواب.
وصلت هذه التباينات إلى حد أعرب فيه بعض أعضاء المجلس بشكل واضح عن رفضهم لقرارات مجلس النواب، مثل عضوي المجلس مصطفى التريكي وعبد الرحمن الشاطر. لذا لم يكن مستغربًا أن يتم تأجيل الجلسة التي كانت مقررة اليوم للمجلس الأعلى للدولة.
لم يصدر عن البلديات والمجالس المحلية والقبلية الليبية أية مواقف حتى الآن حيال تكليف باشاغا بتشكيل الحكومة الجديدة، سوى عن بلدية بنغازي، التي أصدرت بيانًا داعمًا لتشكيل هذه الحكومة. حزبيًا صدر عن الحزب الديمقراطي بيان يرحب فيه “بالتوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة”، وأعرب رئيس حزب “التغيير” جمعة القماطي عن دعم حزبه إجراء انتخابات تشريعية قبل يونيو القادم، وهو ما يعني ضمنيًا رفض قرارات مجلس النواب الأخيرة، مشيرًا إلى وجود مشاورات بين عدد من الأحزاب الليبية بشأن الوصول إلى هذا الهدف.
على مستوى حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي، بدا من مواقفهما في يوم إعلان قرارات مجلس النواب، التريث في اتخاذ أية ردود فعل إلى أن تنجلي المواقف الدولية، وكذلك مواقف المنطقة الغربية، خاصة مدينتي مصراتة وطرابلس. في هذا اليوم زار عبد الحميد الدبيبة مركز تشخيص وعلاج أطفال مرضى التوحد في العاصمة طرابلس، وأعلن عن صرف منحة مالية قيمتها 600 دينار شهريًا لأولياء الأمور القائمين على رعاية أبنائهم المصابين بمرض التوحد، في حين قام رئيس المجلس الرئاسي بحضور حفل تخريج دفعة جديدة من ضباط جهاز المخابرات العامة في مدينة مصراتة.
وصول باشاغا لطرابلس.. ومناورة الدبيبة
كان لافتًا مسارعة رئيس الوزراء المكلف فتحي باشاغا للتحرك نحو طرابلس مساء يوم تكليفه -الخميس الماضي- حيث وصل إلى مطار معيتيقة بالعاصمة، وسط إجراءات أمنية مشددة، وأدلى عقب وصوله بتصريحات صحفية تعد تكرارًا لمضمون مقال له نشرته صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية، فقد أكد أنه سيضمن استكمال الانتخابات بموعد أقصاه 14 شهرًا، والتركيز على حل القضايا الملحة مثل التحديات الحالية في قطاعات الصحة والأمن والطاقة والاقتصاد، ووجه الشكر لحكومة الوحدة الوطنية.
الدبيبة من جانبه، وفي وقت متأخر من مساء الخميس، تحدث عبر إحدى الفضائيات المحلية، مؤكدا أنه لا يزال يمارس عمله وفقًا للمدد الزمنية المنصوص عليها في خارطة الطريق المعتمدة من قبل ملتقى الحوار في تونس، مضيفًا أن المجلس الرئاسي هو من يحق له تغيير حكومة الوحدة الوطنية وفقًا لخارطة الطريق في جنيف، وجدد الدبيبة تأكيده السابق بأنه سيسلم السلطة لجهة منتخبة من الشعب الليبي.
اللافت هنا أن الدبيبة حاول في تصريحاته هذه اللعب على وتر أن خارطة الطريق الجديدة هي وسيلة لتمديد تواجد مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في الحياة السياسية الليبية، وأنها تسببت في تأجيل عقد الانتخابات، وحاول أن يستميل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور في صفه، عبر قوله إنها “الهيئة الوحيدة المنتخبة المتماسكة”.
هذا التكتيك بدا واضحًا بشكل أكبر من خلال المبادرة التي طرحها الدبيبة في تصريحاته، فقد اقترح من خلالها أن يطرح مجلس الوزراء مشروع مسودة قانون الانتخابات، بحيث يتم عرضها على المجلس الأعلى للدولة لدراستها، ومن ثمّ تحويلها لمجلس النواب لمناقشتها وإقرارها، على أن تتم إحالتها لملتقى الحوار ثم المجلس الرئاسي لإصدارها كقانون، في حالة ما إذا لم يقم مجلس النواب بدراستها. المحور الثاني من المبادرة، يتمثل في إجراء انتخابات برلمانية لتشكيل سلطة تشريعية تقوم بإصدار قانون الاستفتاء على الدستور، على أن يتم عقد الانتخابات الرئاسية بعد الاستفتاء على الدستور.
عقب هذه المواقف من جانب الدبيبة، شهدت مدينتا مصراتة وطرابلس أمس واليوم فعاليات احتجاجية على قرارات مجلس النواب الأخيرة، فقد دعت أمس ما تعرف بـ “الهيئة الطرابلسية” إلى مظاهرة رافضة لهذه القرارات في ميدان الشهداء بوسط العاصمة، تحت شعار “إسقاط البرلمان”، وقد تزامنت هذه المظاهرة مع أخرى في مدينة مصراتة، شارك فيها عبد الحميد الدبيبة، وأكد خلالها على استمراره في موقفه الحالي. وتم خلال هذه المظاهرة إصدار بيان قرأه أحد موظفي مكتب الدبيبة، أكد على رفض الحكومة الجديدة، وعلى جاهزية “القوة العسكرية” للدفاع عن الشرعية.
اليوم شهدت العاصمة طرابلس مظاهرة لبعض داعمي الدبيبة أمام مقر المجلس الأعلى للدولة، تضمنت كلمة لرئيس مجلس حكماء مدينة مصراتة إبراهيم بن غشير، وتزامنت هذه المظاهرة مع تصريح لعبد الحميد الدبيبة دعا فيه الليبيين إلى الخروج في ذكرى السابع عشر من فبراير، وأعلن أنه سيعلن في هذا اليوم عن موعد عقد الانتخابات البرلمانية والاستفتاء على الدستور.
اللافت هنا أن مكونات مدينة مصراتة انقسمت بشكل واضح حول دعم حكومة الدبيبة، فعلى الرغم من صدور بيان مصور لقيادات مدينتي مصراتة والزاوية يعلنون فيه رفضهم قرارات البرلمان بشكل قاطع، إلا أنه ظهرت أصوات معارضة لهذا التوجه داخل مدينة مصراتة، انتقدت عبر بيان مكتوب توجهات بعض أعيان المدينة نحو دعم الدبيبة والدفع نحو الاشتباك المسلح بين الليبيين.
مضمون هذا البيان والتلويح المتكرر باستخدام القوة العسكرية خلال الوقفات الاحتجاجية التي تمت أمس في مصراتة وطرابلس صاحبه بيان للميليشيات والوحدات العسكرية التابعة لمدينة مصراتة، ترفض فيه قرارات مجلس النواب، وتدعم فيه حكومة الدبيبة، وهذا ترافق مع تحركات عسكرية كثيفة من مدينتي مصراتة والزاوية نحو العاصمة طرابلس، وكذلك تحشد لوحدات عسكرية موالية للدبيبة أمام مناطق محددة بالعاصمة مثل مقر مجلس الوزراء ومبنى فندق “المهاري” وسط العاصمة. كذلك تحدث بشكل واضح بعض القادة العسكريين في العاصمة طرابلس، عن وقوفهم إلى جانب الدبيبة، مثل مختار الجحاوي، قائد ما يعرف بشعبة الاحتياط في قوة مكافحة الإرهاب.
الورقة الدولية … الورقة الأخيرة
تمكّن رئيس الوزراء المكلف من الوصول إلى طرابلس بسلام، وحجم النفوذ الذي يتمتع به داخل العاصمة وفي مدينة مصراتة، كانت جميعها عوامل أسهمت في تقليص الخيارات المتوفرة أمام عبد الحميد الدبيبة، وجعلها تنحصر بشكل أساسي -بجانب الرهان على القوة العسكرية- على الدعم الدولي لحكومته.
لكن شاب الموقف الأممي من تطورات الخميس الماضي بعض الغموض الذي يمكن تفسيره في صالح حكومة باشاغا، ففي مساء يوم تكليف باشاغا، تناقلت وسائل الإعلام تصريحًا للمتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، قال فيه إن الأمم المتحدة مازالت تعترف بحكومة الدبيبة، لكنه عاد وأوضح أن هذا التصريح مرتبط بما ستتوصل إليه مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز، خلال مشاوراتها مع الأطراف الليبية المختلفة.
وتلا ذلك بيان صدر أمس، أشارت فيه الأمم المتحدة إلى إحاطتها علمًا بانتخاب رئيس وزراء جديد وفقًا لقرار سيادي تحكمه القوانين الليبية، وأن رئيس الوزراء الجديد عليه تشكيل حكومة ونيل الثقة من البرلمان. وأشار البيان إلى عدم تدخل الأمم المتحدة في تعيين رؤساء وزراء الدول.
موقف الأمم المتحدة -غير المتوافق مع تطلعات الدبيبة- تلته مواقف أخرى مهمة، منها الموقف الإيطالي، الذي أوضحته نائبة وزير الخارجية في الحكومة الإيطالية، مارينا سيريني، أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الإيطالي، وبدا منه أن إيطاليا تركز بشكل أساسي على عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وغاب عنه أي تموضع إيطالي واضح خلف الدبيبة، علمًا بأن روما احتضنت الأسبوع الماضي، اجتماعا دوليًا حول ليبيا، تحدثت الصحافة الإيطالية عن حضور ستيفاني ويليامز له.
الموقف المصري في هذا الصدد كان حيويًا ومواكبًا للتطورات، فقد كانت مصر الدولة العربية الأولى -والوحيدة حتى كتابة هذه السطور- التي أعلنت موقفها من تكليف باشاغا بتشكيل الحكومة الجديدة، وذلك عبر بيان لوزارة خارجيتها، ثمنت فيه التوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.
هنا يجب ملاحظة أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قام بسلسلة من المباحثات المكثفة حول الشأن الليبي خلال الأيام القليلة الماضية، سواء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودن، وكذا مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بربوك أثناء زيارتها اليوم إلى القاهرة.
ختامًا، نستطيع أن نخلص إلى أن المسار السياسي الجديد في ليبيا ربما يحاول تفادي الضغوط الخارجية قدر الإمكان، والبحث في إمكانية المضي قدمًا في إصلاح سياسي شامل، يستند إلى دستور واضح ومكتمل، بشكل يتم فيه تفادي اعتبار عقد الانتخابات مجرد غاية يتم الوصول لها بأي شكل، والتحول إلى اعتبارها وسيلة للوصول إلى الحكم الرشيد، بشكل مختلف عما أنتجته انتخابات عام 2012، خاصة وأن المسار الحالي يتضمن إزالة أحد أهم معوقات إقامة انتخابات حرة ونزيهة في ليبيا، ألا وهو وجود القوات الأجنبية والميليشيات والمرتزقة.
بطبيعة الحال تبرز أسئلة عديدة خلال الأسبوعين المقبلين، من بينهما مدى قدرة رئيس الوزراء المكلف على تشكيل حكومة متوازنة تعكس طموح الليبيين، وما إذا كانت حكومته ستعمل كحكومة أزمة تستهدف الوصول إلى الانتخابات، أم ستعمل كحكومة خدمية؟ وهل ستحوز بشكل سلس على ثقة مجلس النواب أم أن خلافات ما سوف تطرأ على المشهد؟
التساؤل الأهم في هذا الصدد هو حول خطة باشاغا لتسلم المسؤولية كاملة في العاصمة طرابلس، فقد أوحت تصريحاته الأخيرة بأن لديه خطة ما للتعامل بشكل سلمي مع “الحالة” التي يمثلها عبد الحميد الدبيبة في الوضع الحالي، وستكون الأيام القليلة المقبلة هي الفاصلة في تحديد ما إذا كانت ليبيا ستجني ثمار “التوافقات الكبرى”، أم أن العاصمة ستشهد انقسامات دموية بدأت بوادرها في الظهور بشكل أو بآخر؟
باحث أول بالمرصد المصري