
إسرائيل والمفاوضات النووية: رسائل صاروخ “خيبرشكن” الإيراني
لم يكن إعلان إيران يوم الأربعاء 9 فبراير الجاري عن إطلاق صاروخ جديد يحمل اسم “خيبرشكن- كاسر خيبر” مصادفة، بل إن طهران تختار في أحيان كثيرة أوقاتًا محددة للإعلان عن الأعضاء الجدد في عائلات صواريخها، سواء كانت “فاتح، شهاب، قدر، خُرَّمشَهر، أو فجر” من أجل إرسال رسائل بعينها. وقد جاء الإعلان الأحدث هذه المرة داخل سلسلة الصواريخ الإيرانية في توقيت غير عادي بالنسبة لمسار الاتفاق النووي أو تطورات النزاع الإيراني مع إسرائيل.
خصائص صاروخ “كاسر خيبر” تفصح عن مغزى الإعلان عنه “الآن”
حسب إعلان قادة في الحرس الثوري الإيراني، يندرج صاروخ “خيبرشكن” ضمن عائلة الجيل الثالث من الصواريخ بعيدة المدى التي يقوم بتصنيعها الحرس داخل إيران. ويستخدم هذا الصاروخُ الوقود الصلب ليصل مداه إلى 1450 كيلومترًا، ويصل وزنه إلى حوالي 33% مقارنة بالصواريخ الإيرانية الأخرى. وعلى نفس المنوال تنخفض المدة الزمنية اللازمة لإطلاق “خيبرشكن” باتجاه الهدف إلى 16% عند مقارنته بعائلات أخرى من الصواريخ الإيرانية، ويصل مدى قطره إلى 800 ملي متر وطوله 10 أمتار.
ومن المعروف أن عائلة صواريخ “فاتح” الإيرانية التي ظهرت النسخة الأولى منها عام 2002 ميلاديًا، مخصصة لاستهداف المواقع الأرضية أو البحرية، وتُعد من أحدث أنواع الصواريخ الإيرانية ذات الدقة العالية التي تركز على استهداف مخازن الذخيرة ومحطات الرادارات ومراكز القيادة، علاوة على نقاط تجمع الجنود.
ومثلما لم يأتِ توقيت الإعلان عن الصاروخ فجأة، أرادت إيران من تسمية الصاروخ على هذا النحو الإشارة ضمنيًا إلى إسرائيل، وذلك في ظل تطورات التوترات الأخيرة بين الجانبين، وتشكك إسرائيل في نوايا إيران التي تتعلق بتوظيف الوقت من أجل إحداث تقدم على المستوى النووي والصاروخي. فقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، طالب في 10 فبراير الجاري بوضع إطار زمني لإنهاء المفاوضات النووية مع طهران، مشددًا على أن “إبرام اتفاق نووي مع إيران يشكل خطأ يهدد المنطقة كلها”.
وعلاوة على اسم الصاروخ، فإن مداه (1450 كيلومترًا) يُعد دلالة أخرى على الرسالة التي تريد إيران إرسالها من وراء الكشف عنه حاليًا، وهي رسالة تهديد إلى إسرائيل في ظل الحديث صراحة عن إمكان توجيه الأخيرة ضربات عسكرية إلى إيران؛ إذ إن المسافة من الحدود الغربية الإيرانية إلى إسرائيل يشملها مدى هذا الصاروخ.
ولذا، فإن الإعلان عن مدى الصاروخ الإيراني، على الرغم من وجود صواريخ أخرى بنسخ مختلفة وذات مدى أكبر تصل إلى 3 آلاف كيلومترًا في إيران يمكنها استعراضها أو استعراض نسخ أخرى منها، يؤكد لنا هُوية الطرف الذي ترغب إيران في لفت انتباهه في الوقت الحالي. وقد لا يرتبط الإعلان عن هذا الصاروخ بمسار فيينا النووي فقط، بل قد يمتد إلى ساحات أخرى في الشرق الأوسط تقول إيران إن إسرائيل حاضرة بها.
إذًا، تصبح النتيجة أن الصاروخ الإيراني “خيبرشكن” موجه بشكل خاص إلى إسرائيل في ظل التطورات المُشار إليها، خاصة وأن الأخيرة لا تتوافق بشكل جدي مع مسار المفاوضات النووية في فيينا وهو لا يُرضي إيران. وعليه، قد يكون مقصد طهران من وراء ذلك الضغط على إسرائيل من أجل عدم إعاقة المفاوضات النووية في فيينا، والقبول بصيغة معينة لاتفاق نووي قد لا ترضاها، علاوة على الرد بشأن التهديدات العسكرية.
ولم يمر الكشف عن هذا الصاروخ الجديد في طهران دون تقصٍ، إذ إن أوساطًا في إسرائيل عدّته تهديدًا للأخيرة، وأن الهدف من الكشف عنه في الوقت الحالي “التلميح لمن يتفاوضون على اتفاق نووي جديد ولإسرائيل وآخرين بأن البديل لاتفاق غير جيد للإيرانيين هو الحرب والتصعيد”. وركز معلق الشؤون العربية في “القناة 13” الإسرائيلية، حيزي سيمانتوف، رؤيته من جانبه فيما يتعلق بالكشف عن هذا الصاروخ بأن الأخير “قادر على الوصول إلى إسرائيل” وأن “مداه واختراقه للقبة الحديدية أمر يفحص في إسرائيل”.
هل يصبح “خيبرشكن” بديلًا لمفاوضات فيينا؟
قد يطرح الإعلان عن صاروخ “كاسر خيبر” الآن تساؤلًا آخر، ألا وهو “هل يكون (خيبرشكن) والخيار العسكري والصراع المباشر هو البديل لمسار فيينا الدبلوماسي حال انهيار المحادثات؟”، وخاصة فيما يتعلق بالتهديد بتطوير الصراع مع إسرائيل مستقبلًا.
فتزامن استعراض طهران للصاروخ مع تعثرات واضحة في خطوات مسار فيينا وتحركات إسرائيلية في هذا الصدد تقلق إيران يبعث برسالة أخرى للمفاوضين بأن البديل لفشل المفاوضات النووية قد يكون تصعيد الصراع العسكري المسلح، خاصة بين إيران وإسرائيل.
وعلى الرغم مما سبق، قد ترى الأطراف الأوروبية والأمريكيون المنخرطون في المفاوضات النووية إعلانَ إيران عن طرح صاروخ “خيبرشكن” من ناحية أخرى على أنه “استغلال” للوقت، مثلما صرّح الأمريكيون بذلك خلال الأشهر الماضية عدة مرات، والأوروبيون أيضًا، علاوة على إسرائيل. وقد يقود مثل هذا الطرح إلى تعقد المفاوضات بشكل أكبر لا إلى إحداث تقدم بها.
بل إن استعراض هذا الصاروخ الجديد في الوقت الراهن قد يذهب بالأطراف المتفاوضة في النمسا بعيدًا إلى التشديد على ضرورة إدراج الملف الصاروخي لإيران على طاولة التفاوض، أخذًا في الحسبان أن هذا كان ولا يزال مطلبًا أمريكيًا ليس فقط لإدارة الديمقراطيين الحالية بزعامة جو بايدن، بل إن الإدارة الجمهورية السابقة، برئاسة دونالد ترامب، قد طالبت بذلك أيضًا، إذ إنها لم تكن ترفض بالأساس اتفاقًا نوويًا مع إيران، بل كانت تريد صياغته بطريقة أخرى.
وسيقود هذا حتمًا إلى تعثر جديد في المفاوضات في ظل إصرار الإيرانيين على رفع العقوبات أولًا قبل عودة الالتزام الكامل ببنود اتفاق عام 2015 النووي، وتأكيد الأوروبيين والولايات المتحدة على ضرورة عودة إيران إلى كامل التزاماتها قبل ذلك، إلى جانب ضمان عدم توصلها لسلاح نووي في المستقبل.
باحث بالمرصد المصري