
حصاد القمة الأفريقية (35) … قضايا عالقة وتحديات مُستمرة
انعقدت القمة العادية رقم (35) للاتحاد الأفريقي، على مدار يومي 5 و6 فبراير 2022، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وتصدرت أجندة القمة ظاهرة الانقلابات في دول غرب أفريقيا، وتعلّيق عضويتها في الاتحاد، وغيابها عن حضور القمة. فضلًا عن ملف مُكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، والجدل حول عضوية إسرائيل كمُراقب في الاتحاد، وتداعيات جائحة “كوفيد-19″، وغياب العدالة في توزيع اللقاحات داخل القارة الأفريقية.
وفي هذا المنظور، سعّت القمة إلى إيجاد حلول بشأن هذه القضايا والملفات التي تؤرق وتثقل عبء الدول والشعوب الأفريقية، سواء ظواهر عدم الاستقرار وانعدام الأمن، أو تفاقم الصراعات والحروب الأهلية، وكذا انتشار الإرهاب العابر للحدود والقضايا ذات الصلة من الجريمة المنظمة والإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، وتداعيات التغير المناخي، وغيرها من ملفات أفريقيا المُتشابكة.
قضايا عديدة
كانت هناك قضايا مُلحّة على أجندة أعمال القمة، ومنها؛ صراعات مُسلحة، والتعاطي مع جائحة “كوفيد-19″، ومُكافحة الإرهاب. ولم تُظهر القارة أي قدرة وفاعلية للتعامل مع هذه القضايا والتحديات والتهديدات، وكانت القمة استثنائية بعد انقطاع دام لمدة عامين، إذ عُقدت لأول مرة حضوريًا منذ انتشار جائحة “كوفيد-19”. ولكنّ أغفلت القمة بعض القضايا الأخرى المهمة، وهي: الانتخابات الصومالية.
وعُقدت القمة تحت شعار “بناء مرونة التغذية بالقارة الأفريقية… تسريع رأس المال البشري والتنمية الاجتماعية والاقتصادية”. وأُطلق على القمة “قمة تحاشي التحديات”، وفتح الملفات الشائكة. وقدّمت مصر مُقترح بشأن عقد قمة استثنائية في إطار دورها لتحقيق السلم والأمن الأفريقي ومُكافحة الإرهاب. وتمت مناقشة تجديد أجهزة برلمان عموم إفريقيا، ولا سيما هيئة الرئاسة ومفوضية الاتحاد الإفريقي، مع إعطاء الأولوية لمنطقة الساحل في أجندة عمل الاتحاد الأفريقي خلال عام 2022.
• موجة وعدوي الانقلابات: اجتاحت هذه الموجة عدد كبير من دول غرب أفريقيا، بدايةً من الانقلاب الأول في دولة مالي في أغسطس 2020، وحدث بعد ذلك الانقلاب الثاني في مايو 2021، الذي عُرف بالانقلاب على الانقلاب، والانقلاب في دولة غينيا كوناكري خلال عام 2021، وفى أواخر يناير 2022، شهدت بوركينافاسو انقلابًا عسكريًا مُتكامل الأركان. وشهدت غينيا بيساو في بداية فبراير 2022، محاولة انقلاب فاشلة.
ينتج هذه الموجات الانقلابية مجموعة من التداعيات الخطرة، بما في ذلك عدم الاستقرار، وانعدام الأمن، وانتشار الفوضى، والتأثيرات على أداء الاقتصاد، ومُعاناة المدنيين، وغيرها. ولذا، هناك ضرورة لإيجاد آلية لبناء مؤسسات راسخة لتعزيز الحكم الديمقراطي ومنع تكرار هذه الظاهرة مرةً أخري.
• جائحة “كوفيد-19”: أثرت الجائحة على دول القارة بشكل كبير، بما في ذلك، الجانب الصحي والاقتصادي، بجانب التداعيات المختلفة على الأوضاع في الدول الإفريقية، مع تداعي القطاع الصحي، وارتفاع أعداد الإصابة بفيروس “كورونا”، وحالة اللايقين مع ظهور طفرات جديدة، وانخفاض معدلات التطعيم في ظل عدم قدرة الدول الإفريقية على الحصول على اللقاحات، ونقص الإمدادات منها؛ إذ يتم تصنيع فقط 1% من اللقاحات في إفريقيا مقارنةً بباقي دول العالم، ويتم التعويل على وكالة الأدوية الإفريقية في هذا الصدد، فضلًا عن، دور مرفق مُبادرة “كوفاكس” لتوزيع اللقاحات العالمية التي تُواجه مشكلات الإنتاج والتأخير ونقص التمويل.
• التكامل الاقتصادي والاندماج القاري: هناك ضرورة لتنفيذ اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية لتعزيز التكامل القاري وإنشاء سوق حرة مُوحدة وتجمع اقتصادي أفريقي لتذليل العقبات أمام المصدرين والمستثمرين في جميع دول القارة، وتبادل السلع والخدمات بدون قيود أو عوائق جمركية، سعيًا إلى دعم جهود التنمية في القارة؛ من خلال تعزيز الترابط بين الأسواق الأفريقية، ودعم القطاعات الصناعية والزراعية في الدول الأفريقية وتطوير المنظومة الاقتصادية للقارة الأفريقية.
• عضوية إسرائيل كمُراقب في الاتحاد الأفريقي: هناك انقسام واضح بين الدول الأفريقية بشأن قرار منح إسرائيل صفة مراقب بالاتحاد الأفريقي بعد أن أُحيل الموضوع من قِبل وزراء الخارجية الأفارقة ولم يتم التوصل لاتفاق حوله في ظل اعتراض الجزائر وجنوب أفريقيا على خطوة منح إسرائيل صفة مراقب. في حين تتبني المغرب هذا التوجه، وفى ختام القمة تم التوافق على عدم منح إسرائيل عضوية مُراقب في ظل ميثاق الاتحاد الأفريقي الذي ينص عل نبذ العنصرية ويتضامن مع القضية الفلسطينية. وهذا الأمر يتعارض مع إمكانية إدخال إسرائيل في عضوية الاتحاد الأفريقي.
• قضية التغير المناخي: تعد القارة الأفريقية من أكثر مناطق العالم تأثرًا بظاهرة التغير المناخي، حيث تظهر تداعيات المناخ على القارة بشكل غير مُتناسب، تتأثر بعض المناطق بشكل أكبر من الأخرى، وتبرز منطقة الساحل الأفريقي في غرب أفريقيا، والقرن الأفريقي في شرق أفريقيا في هذا الصدد، وتتشابك أبعاد التغير المناخي -موجات الفيضانات، ونوبات الجفاف المُتكررة، وموجات الحر الشديدة، والأعاصير، وغيرها-مع آثاره المُتمثلة في الهجرة المناخية، وانعدام الأمن الغذائي والمجاعات، وتفاقم ندرة الموارد، وإشكاليات المياه النظيفة، وتدهور سُبل العيش، وانتشار الأوبئة.
مما يُفرز تحديات ومخاطر أخري ناجمة عن هذا التشابك، ومنها الصراعات المناخية والعلاقات المُتداخلة مع ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة. على الرغم من صعوبات التكيف مع آثاره في أفريقيا في ظل نقص التمويل المناخي اللازم وغياب العدالة المناخية.
أزمات مُركبة
يعصف بالقارة الأفريقية العديد من الأزمات والتحديات المُتشابكة، بعضها يتعلق بمُشكلات في البنية التحتية، والأخرى سياسية مُرتبطة بكيفية التعاطي الدولي مع هذه الأزمات في ظل التكالب والتنافس الدولي من القوى الكبرى (روسيا، والصين، وفرنسا، والولايات المتحدة) على موارد وثروات الدول الأفريقية، وتداعياتها العديدة على تفاقم ظاهرة الإرهاب وتأجيج الصراعات والحروب الأهلية بهذه البلدان الأفريقية، ويمكن توضيح هذه الأزمات والتحديات على النحو التالي:
• تمدد الإرهاب: تستغل الجماعات والتنظيمات الإرهابية الظروف الصعبة التي تُواجهها شعوب الدول الأفريقية لتحقيق أهدافها في ظل البيئة الخصبة لهذه الجماعات من انعدام الأمن، وهشاشة النظم السياسية، وانهيار البنية التحية، وحالة عدم الاستقرار والاضطرابات.
كل هذه العوامل تُشكّل مدخلًا لتمدد وانتشار الجماعات الإرهابية في بؤر المناطق المُلتهبة بالصراعات والبيئات الحاضنة للعنف والانفلات الأمني. وأصبح الإرهاب عابرًا للحدود في القارة، ولا يقتصر على دولة وحدها. وعليه، يتوجب توحيد الصف الأفريقي للتصدّي لهذه الظاهرة التي تستهدف مُقدرات شعوب هذه الدول، وتعمل على نشر الفكر المُتطرف واستنزاف موارد البلدان الأفريقية.
• الصراعات الداخلية: توجد مجموعة من بؤر الصراعات والنزاعات المُسلحة النشطة في دول القارة، ومنها على سبيل المثال، الصومال، ومالي، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، ونيجيريا، وموزمبيق. مع احتلال بعض الدول الأفريقية أكثر الدول هشاشة في العالم ومنها أفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإثيوبيا.
وتحتل أولوية تسوية الصراعات سلميًا أجندة عمل الاتحاد الأفريقي في إطار تحقيق السلم والأمن الأفريقي وتنفيذ مُبادرة “إسكات البنادق”، وحل الصراعات بشكل سلميّ لإعادة الثقة المجتمعية وإحياء ثقافة احترام الرأي الآخر والتسامح ونبذ العنف وسياسة “الانتقام المجتمعي”، وتكثيف الدعوات لبناء السلام بين هذه المجتمعات من أجل تعزيز السلم والأمن الأفريقي.
• تداخل الأوبئة والأزمات البيئية: تحتضن بيئات القارة الأفريقية العديد من مواطن الأوبئة والفيروسات من الملاريا، وفيروس الإيبولا، وفيروس نقص المناعة البشرية “الإيدز”، وغيرها من الأمراض والأوبئة المتوطنة بدول القارة، وسيادة “ثقافة الأوبئة”، وكل فيروس ووباء جديد يُضاف إلى قائمة الأوبئة القديمة في ظل مُتطلبات التعايش والتكيف مع هذه الأوبئة.
وعلاوةً على ذلك، أثرت جائحة “كوفيد-19” على الأمن الصحي المتداعي مع حالة التغير واللايقين في ظهور متحورات جديدة من فيروس “كورونا”، وعدم قدرة الدول الأفريقية على التصنيع المحلي للأدوية واللقاحات. ولذلك، يتوجب تعزيز قدرات الدول الأفريقية على التكيف والتعافي من هذه الأوبئة في ظل التداخل بينها وبين ظواهر بيئية أخري ومنها التغير المناخي، بما ينتجه من مخاطر وتهديدات على الجانب الصحي.
• ضعف الاقتصادات الأفريقية: تعمل الصراعات والحروب الأهلية والهشاشة الأمنية على إنهاك اقتصادات الدول الأفريقية، ومن المأمول لمنطقة التجارة الحرة القارية العمل على تحقيق التكامل الاقتصادي لتحسين بيئة الأعمال والاستثمار وإزالة كافة العراقيل والتحديات أمام الاستثمارات سواء الأجنبية أو القطاع الخاص في ظل الفرص الواعدة للاستثمار في أفريقيا؛ من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية، والتغلب على التحديات الاقتصادية من تباطؤ مُعدلات النمو الاقتصادي، ومشكلات البنية التحية، والقدرات التصنيعية المحدودة، والافتقار إلى النظم المصرفية الحديثة، وتحديات التحول للاقتصاد الرقمي.
وفى التقدير، يمكن القول إن الوضع الأمني داخل القارة الأفريقية يتطلب مزيدًا من توحيد الرؤى والتضامن الأفريقي بشكل أكثر فاعلية للتغلب على تداعياته، وضرورة تعزيز دور الاتحاد الأفريقي على المستوى القاري والدولي، وخاصةً على المستوى الدولي للتعبير عن الأصوات الأفريقية في القضايا العالمية التي تؤثر على القارة بشكل أو بآخر. وكذا، يجب العمل على مُعالجة الأزمات من جذورها للبحث عن مخرج آمن لاستقرار وتنمية البلدان الأفريقية.