أفريقيامصر

مصر والسنغال…. علاقات مُتنامية وتوافق في الرؤى

تمثل زيارة الرئيس السنغالي “ماكي سال” إلى لقاهرة، اليوم المُوافق 29 يناير 2022، نقطة محورية في مسار تطور العلاقات الثنائية بين البلدين، في ظل التنامي المطرد للعلاقات خلال الفترة الأخيرة، وأهمية السنغال كدولة مؤثرة في منطقة غرب إفريقيا. وتأتي الزيارة في سياق إقليمي مضطرب تشهده السنغال من تداعيات عدوى الانقلابات العسكرية في المنطقة، وإشكاليات الانتقال المُتعثر، وتفاقم ظاهرة الإرهاب، وقضايا الهجرة غير الشرعية، والإتجار بالبشر، ونشاط الجريمة المنظمة التي تُغذي الإرهاب بصورة أو بأخرى.

ومن المقرر أن يتسلم “ماكي سال”، رئاسة الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي لعام 2022 عن دول غرب القارة الإفريقية. وكانت دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “الإيكواس” قد دعمت تولي السنغال من بين عدة دول مرشحة من إقليم غرب إفريقيا. وهناك استعداد من جانب مصر لتقديم الدعم الكامل لمؤسسات الدولة في السنغال من خلال نقل الخبرات المصرية أثناء رئاستها للاتحاد الإفريقي خلال عام 2019، إلى دولة السنغال خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي في بداية شهر فبراير المقبل، في ظل الإشادة بالتجربة المصرية، وكيفية الاستفادة لتحقيق الأمن والاستقرار في القارة، وتحقيق تطلعات الشعوب الإفريقية.          

مجالات الشراكة الاستراتيجية

تتميز العلاقات بين مصر والسنغال بالصداقة التاريخية، إذ تشهد العلاقات تناميًا مطردًا في كافة الأصعدة والمستويات، وتوافق الرؤى تجاه القضايا الدولية، والتعاون في المحافل الدولية والإقليمية، ولاسيما الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الإفريقي، وتجمع دول الساحل والصحراء، ومبادرة نيباد للتنمية في إفريقيا. هذا بجانب مُشاركة مصر في منتدى داكار الدولي حول السلم والأمن في إفريقيا من خلال إسهامها في دعم آليات العمل الإفريقي المشترك لمجابهة التحديات المختلفة التي تُواجه دول القارة السمراء. وتتوج العلاقات بالزيارات واللقاءات المُتبادلة على مستوى القادة والمستوى الدبلوماسي من سفراء البلدين، ومستوى البرلمان؛ لتعزيز الأهداف والمصالح المشتركة بين البلدين، ويمكن توضيح ذلك من خلال التالي:          

• التنسيق المُشترك: يعمل البلدان في مجال تنظيم منتدى المياه الدولي التاسع المُقرر عقده في داكار خلال الفترة من ٢١ – ٢٦ مارس ٢٠٢٢، من خلال مناقشة وتقييم خطة العمل والاستعدادات القائمة لتنظيم المنتدى، بمُشاركة المركز القومي لبحوث المياه المصري وزارة الموارد المائية والري المصرية بوصفها شريكًا استراتيجيًا للمنتدى؛ من خلال: عرض التجارب الناجحة في مُواجهة التحديات المائية، والإدارة المتكاملة للموارد المائية، والخبرات المصرية في مُعالجة المياه وإعادة استخدمها، والتركيز على ملفات المياه وتغير المناخ، وعرض قضايا القارة وتحدياتها من أجل إيجاد حلول مُستدامة لهذه الإشكاليات.

واتصالًا بالسابق، الحديث عن إمكانية تنفيذ مسار مشترك يبدأ من هذا المنتدى، وصولًا إلى مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف بشأن المناخ كوب (27) المقرر عقده في مصر في نوفمبر 2022، واستكمال حوار السياسات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في المناطق التي تُعاني من الندرة المائية الذي بدأ من القاهرة في أسبوع القاهرة الرابع للمياه، وصولًا إلى رفع توصياته في مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة منتصف المدة الشاملة لعقد المياه ٢٠٢٣ المقرر عقده في نيويورك خلال عام 2023.

 وترتيبًا عليه، يؤكد ذلك على توصيل صوت الدول الإفريقية للعالم من خلال تحقيق التنسيق والتعاون بين مختلف دول العالم، وتبادل الرؤى والأفكار في مجال المياه، في ظل توقيع مذكرة تفاهم بين البلدين في مجال المياه خلال أسبوع المياه الرابع في القاهرة؛ لتعزيز التعاون المُشترك في مجالات الإعداد للفعاليات المائية مثل المنتدى العالمي التاسع للمياه، وأسابيع المياه في القاهرة، والتعاون المُتبادل من أجل تنفيذ المشروعات، وتبادل الخبراء بين البلدين في مجالات إدارة الموارد المائية المزودة بالتكنولوجيا ونظم المعلومات الجغرافية وأنظمة التنبؤ بالفيضانات والاستشعار عن بعد.

• تحقيق السلم والأمن الإفريقي: تُشارك مصر بشكل مُنتظم في منتدى داكار للسلم والأمن في إفريقيا، حيث كانت النسخة الأخيرة بعنوان:” تحديات استقرار وبزوغ إفريقيا في عالم ما بعد الجائحة”، خلال أواخر عام 2021، بهدف مُواجهة التحديات الأمنية الناشئة في القارة الإفريقية. وعلاوةً على ذلك، تتلاقى الرؤى من خلال التفاهم والتنسيق المُشترك للدفاع عن مصالح القارة الإفريقية والتشاور السياسي بشأن ملفات السلم والأمن في القارة الإفريقية، ودور السنغال على المستوى الإقليمي والقاري في ظل التعاون بين البلدين في مجال مُكافحة الإرهاب والفكر المتطرف داخل القارة الإفريقية، وأهمية تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية وخاصةً في منطقتي الساحل وغرب إفريقيا.

وإلحاقًا بالسابق، توجد مستويات للتعاون في هذا الصدد، على المستوى الفكري من خلال تبادل المعلومات على المستوى الأمني، ونشر الفكر الإسلامي الوسطي في غرب إفريقيا من خلال دور مؤسسة الأزهر الشريف في مُحاربة الفكر المُتطرف عن طريق إعداد الأئمة، وتعزيز دور البعثات الأزهرية، وتقديم المنح الدراسية للطلبة السنغاليين في مصر. فضلًا عن أن العديد من الطلبة السنغاليين يدرسون في الأزهر، بجانب الجامعة الدولية الناطقة بالفرنسية لخدمة التنمية الإفريقية المعروفة باسم جامعة “سنجور” في الإسكندرية، حيث تُعد السنغال ثاني أكبر دولة في إفريقيا لديها طلاب يدرسون في الأزهر بعد السودان، حيث يصل عددهم إلى نحو 600 طالب سنغالي منهم نحو 30% يحصلون على منح دراسية.

تبادل الخبرات وبناء القدرات: يبرز دور الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التابعة لوزارة الخارجية المصرية وإمكانية استفادة السنغال منها من خلال بناء القدرات، والتدريب في المجالات الشرطية والفنية وقطاعات الاتصالات والزراعة، ودخول الشركات للأسواق السنغالية، والاستفادة من الخبرات المصرية في مجالات السياحة، والصحة، والإسكان، ومشروعات الطرق والبنية التحية، وتشييد المدن الجديدة، والطاقة، في سياق دعم خطة السنغال للتنمية الاقتصادية، ومسيرة النمو والازدهار. بالإضافة إلي، دعم مصر المُستمر لقطاع الرعاية الصحية من خلال تقديم المساعدات الطبية في ظل جائحة كوفيد-19.

• مجالات التعاون: على المستوى البرلماني، اتفقت مصر والسنغال على إنشاء جمعية صداقة برلمانية مُشتركة لتعزيز العلاقات البرلمانية بين البلدين، وتنسيق المواقف بين البرلمانات في الدول الإفريقية تمهيدًا للاجتماعات البرلمان الإفريقي، ودور البلدين في ذلك؛ إذ تحظى مصر بثقة كبيرة من البرلمانيين الأفارقة، وتعد السنغال من الدول المؤثرة في منطقة غرب إفريقيا.

وتم كذلك التوقيعّ على بروتوكول إنشاء مجلس الأعمال المصري السنغالي المشترك لتمهيد الطريق للقطاع الخاص للاستفادة من كافة الفرص التجارية والاستثمارية المتاحة، في ظل أهمية مجالس الاعمال المشتركة بوصفها إحدى الأدوات المهمة للحكومة المصرية لمد جسور التعاون مع شركائها في جميع المجالات، وتنفيذ توجيهات القيادة السياسية لتعزيز التعاون الاقتصادي مع دولة السنغال.

ويمكن أن يُسهم ذلك في مضاعفة حجم التجارة بين مصر والسنغال الذي بلغ 67.6 مليون دولار خلال عام 2020 إلى ما يزيد على 200 مليون دولار خلال الأعوام الثلاث القادمة. أما بالنسبة لحجم الاستثمارات بين البلدين، فتوجد 9 شركات مصرية عاملة بالسنغال في مجالات البنية الاساسية، والاتصالات، والتجارة العامة، والزراعة. بينما تستثمر دولة السنغال في مصر بشركتين في قطاع الخدمات.

ملفات مُلحّة                

ستناقش القمة الإفريقية الـ 35 القادمة التي ستُعقد خلال يومي 5 و6 فبراير 2022 في أديس أبابا، تحت عنوان:” بناء مرونة التغذية بالقارة الإفريقية… تسريع رأس المال البشري والتنمية الاجتماعية والاقتصادية”، قرار منح إسرائيل صفة مراقب بالاتحاد الإفريقي بعد أن أحيل الموضوع من قِبل وزراء الخارجية الأفارقة ولم يتم التوصل لاتفاق حوله في ظل اعتراض الجزائر وجنوب إفريقيا على خطوة منح إسرائيل صفة مراقب.                          

بالإضافة إلى ذلك، ستتم مناقشة تجديد أجهزة برلمان عموم إفريقيا، ولا سيما هيئة الرئاسة ومفوضية الاتحاد الإفريقي، وإعطاء الأولوية لمنطقة الساحل في أجندة عمل الاتحاد الإفريقي خلال عام 2022، ولا سيما الأزمات الناجمة عن الانقلابات في غينيا ومالي وبوركينا فاسو، وهذه الدول أعضاء مثل السنغال في الإيكواس. فضلًا عن مُعالجة القضايا البيئية الناجمة عن التغير المناخي وتحديدًا في منطقة الساحل من خلال مشروع الجدار الأخضر العظيم. وتأتي رئاسة السنغال للاتحاد الإفريقي في ظل استمرار بعض القضايا المُلحّة وتحدياتها أثناء الدورة القادمة، ويمكن توضيح أهم هذه القضايا على النحو الآتي:    

جائحة كوفيد-19: من ضمن أولويات أجندة عمل الاتحاد خلال عام 2022، في ظل تداعياتها المختلفة على الأوضاع في الدول الإفريقية، مع تداعي القطاع الصحي، وارتفاع أعداد الإصابة بفيروس “كورونا”، وحالة اللايقين مع ظهور طفرات جديدة، وانخفاض معدلات التطعيم في ظل عدم قدرة الدول الإفريقية على الحصول على اللقاحات، ونقص الإمدادات منها؛ إذ يتم تصنيع فقط 1% من اللقاحات في إفريقيا مقارنةً بباقي دول العالم، ويتم التعويل على وكالة الأدوية الإفريقية في هذا الصدد، فضلًا عن، دور مرفق مُبادرة “كوفاكس” لتوزيع اللقاحات العالمية التي تُواجه مشكلات الإنتاج والتأخير ونقص التمويل.

مُتابعة تنفيذ منطقة التجارة الحرة: في ظل الحرص على تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية لتعزيز التكامل القاري وإنشاء سوق حرة واحدة لتذليل العقبات أمام المصدرين والمستثمرين في جميع دول القارة، وكذا تبادل السلع والخدمات بدون قيود أو عوائق جمركية، وهو الأمر الذي يسهم في إنشاء تجمع اقتصادي إفريقي، إذ كانت مصر والسنغال من أهم الدول التي دعمت أنشطة وعمل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية والتي تمثل بداية واعدة نحو الاندماج القاري الإفريقي؛ سعيًا نحو تحقيق التكامل الاقتصادي والتجاري لدول القارة، ودورها في دعم جهود التنمية في القارة من خلال تعزيز الترابط بين الأسواق الإفريقية، لتعزيز دعم القطاعات الصناعية والزراعية في الدول الإفريقية وتطوير المنظومة الاقتصادية للقارة الإفريقية.

• مُتابعة تنفيذ مُبادرة إسكات البنادق: مع استمرار تهديدات السلم والأمن الإفريقي، وانتشار الصراعات والنزاعات المُسلحة النشطة في دول القارة، ومنها على سبيل المثال، الصومال، ومالي، وإفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، والسودان، ونيجيريا، وموزمبيق. مع احتلال بعض الدول الإفريقية أكثر الدول هشاشة في العالم ومنها إفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإثيوبيا. وأولوية تسوية الصراعات سلميًا.

وفي منطقة حوض النيل والقرن الإفريقي، تبرز قضية سدّ النهضة وأهمية التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم بشأن عملية الملء والتشغيل، والصراع الدائر في إقليم تيجراي بشمال إثيوبيا، والانتقال الديمقراطي المُتعثر في السودان. أما منطقة الساحل الإفريقي، فتُعاني من مشكلات الانتقال في دول مالي وتشاد، وغينيا كوناكري، فضلًا عن، تعقد المشهد السياسي في ليبيا وتداعياته على دول الساحل. 

وعلاوةً على ذلك، التهديدات الإرهابية العابرة للحدود مثل تمدد نفوذ تنظيم بوكو حرام من نيجيريا إلى دول بحيرة تشاد (نيجيريا، الكاميرون، تشاد، والنيجر)، وامتداد نشاط التنظيمات الإرهابية من منطقة الساحل والصحراء إلى الدول الساحلية في غرب إفريقيا وخليج غينيا.

• مُعالجة التغيرات المناخية: بالتزامن مع عقد مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف بشأن المناخ (كوب 27)، حيث تؤثر ظاهرة التغير المناخي على القارة بشكل كبير، ويظهر ذلك في نوبات الجفاف المُتكررة، وموجات الفيضانات، وارتفاع مستوى سطح البحر، والأعاصير، وموجات الحر الشديد، والتصحر، وغيرها من أبعاد تغير المناخ، وما يترتب على ذلك من تداعيات وآثار في انتشار الأوبئة، وانعدام الأمن الغذائي، والمجاعات، والصراعات، والإرهاب في ظل التشابك بين أبعاد الظاهرة مع التحديات والأزمات في القارة. 

وعلى الرغم من أن القارة الإفريقية لا تُسهم بنسبة كبيرة في انبعاثات الكربون العالمية، فإنها تعد من أكثر المتضررين من تغيرات المناخ. ولذا، تعد هذه القضية من أبرز أولويات الملفات والقضايا على أجندة عمل الاتحاد الإفريقي في ضوء رئاسة السنغال، وإمكانية التنسيق بين مصر والسنغال في هذا المجال في ضوء استضافة مصر لقمة كوب 27. 

وأخيرًا، تُوضح الزيارة مدى التقارب بين البلدين في ظل الروابط المُمتدة والعلاقات الأخوية التي تربطهما في أبعادها المختلفة، والتفاهم والتنسيق المُشترك للدفاع عن مصالح القارة الإفريقية والتشاور السياسي، بجانب بحث سُبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين خاصةً في مجالات الاستثمار والتبادل التجاري والتعاون في مجال مُكافحة الإرهاب. ذلك بالإضافة إلى قضايا السلم والأمن في القارة، والتنسيق المشترك والمستمر تجاه القضايا الإقليمية والقارية والدولية، وللتصدي للتحديات الكبرى التي تُواجه القارة من خلال صياغة شكل جديد من أشكال التعاون الاستراتيجي المفتوح على كافة المجالات.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى