دول الخليج العربيإيران

محادثات مباشرة مع واشنطن بوساطة قطرية: هل تحدث انفراجة قريبة في الملف النووي الإيراني؟

خلال اليومين الماضيين، لم تعلن الحكومة الإيرانية عن السبب الرئيس وراء الزيارة التي أجراها في طهران الخميس 27 يناير وزيرُ الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في ظل توقع تطرق أية مباحثات بينهما للمستجدات السیاسية والأمنية التي تواجهها المنطقة أو العلاقات التجارية الثنائية. ونفت طهران أن تكون هذه الزيارة ذات صلة بالمفاوضات النووية الجارية في العاصمة النمساوية فيينا بين إيران والقوى الكبرى. ربما أرادت طهران من ذلك عدم الإعلان المبكر عن الهدف من الزيارة تحسبًا لأية مستجدات، أو لحفظ نهج موقفها في المفاوضات أمام الأطراف الأخرى.

وظلّ موقف إيران على هذا النحو حتى قبل ساعات قليلة من بدء الحوار بين وزير الخارجية القطري ونظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان صباح يوم 27 يناير. فقد نشرت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إيرنا) قبل بدء الحوار بين الوزيرين تقريرًا تحت عنوان “العنوان الخاطئ حول لقاء وزيري خارجية إيران وقطر”(*) جاء فيه أن زيارة وزير الخارجية القطري إلى طهران بالتزامن مع روايات متناقضة حول إمكان جلوس الأمريكيين والإيرانيين على طاولة المفاوضات في فيينا للحديث بشكل مباشر من دون طرف ثالث أدت إلى طرح المراقبين سيناريوهات خاطئة حول أهداف هذه الزيارة. 

ولكن في ظل هذا النفي، بدأ مسؤولون إيرانيون الإدلاء بتصريحاتٍ بشأن إمكان عقد مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة في إطار المحادثات النووية الجارية جولتها الثامنة في النمسا. فلقد عبّر وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان صراحة عن إمكان عقد هذه المفاوضات حينما قال يوم الاثنين 24 يناير 2022 إن مفاوضات طهران مع واشنطن تجري الآن عن طريق غير رسمي (Non-paper) وعن طريق المنسق الأوروبي لمحادثات الاتفاق النووي الإيراني، إنريكي مورا، علاوة على عضو أو اثنين آخرين مشاركين في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.

وأوضح عبد اللهيان أن بلاده مستعدة للتفاوض مباشرة مع الولايات المتحدة إذا ما وصلت المحادثات إلى مرحلة يجب معها الحديث مباشرة مع واشنطن “من أجل التوصل اتفاق جيد بضمان كبير”. وأن بلاده “لن تتجاهل” هذا الأمر، مشيرًا إلى أن “الجانب الأمريكي وبطرق مختلفة يبعث إلينا برسائل يطلب فيها مستوى من المفاوضات المباشرة مع إيران”. ورحّبت الخارجية الأمريكية بتصريحات عبد اللهيان حول احتمال عقد مفاوضات مباشرة مع طهران، قائلة إنها “مستعدة” لعقد مفاوضات مباشرة مع إيران حول البرنامج النووي، واصفة ذلك بأنه “تواصل أكثر تأثيرًا”.

وفي هذا الإطار، جاءت زيارة وزير الخارجية القطري آل ثاني يوم 27 يناير الجاري إلى طهران لتطرح سيناريو واضحًا بشأن إمكان عقد وساطة بين واشنطن وطهران للحوار مباشرة في فيينا فيما يتعلق بالمفاوضات النووية.

وسيطٌ بين الأمريكيين والإيرانيين: قطر و”الفرصة الأخيرة” لطهران

إن زيارة وزير الخارجية القطري المُشار إليها إلى طهران تُعد الثانية خلال شهر واحد بين مسئولي البلدين. فقد سبقتها زيارة لوزير الخارجية الإيراني، حسين عبد اللهيان، إلى الدوحة يوم الثلاثاء 11 يناير الجاري التقى خلالها بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. إن الزيارتين لا يفصلهما سوى أسبوعين تقريبًا، أي أنهما تزامنتا مع تعثر المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى في فيينا. وقبل قدومه إلى الدوحة، كان وزير الخارجية الإيراني قد زار سلطنة عمان.

لقد أكدت الخارجية الإيرانية خلال الزيارة الأولى أن عبد اللهيان ناقش مع مسؤولين قطريين مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الجارية في فيينا. والتقى عبد اللهيان أيضًا بأمير قطر خلال الزيارة نفسها. أما في إطار الزيارة الحالية، فإن السفیر الإيراني في الدوحة، حميد رضا دهقاني، قد التقى بنائب وزير الخارجية القطري قبل الزيارة بيوم واحد في 26 يناير. وكان وزير الخارجية القطري قد تحدث هاتفيًا أيضًا مع نظيره الأمريكي، آنتوني بلينكن، قبيل البدء في زيارته إلى طهران. وعلاوة على ذلك، من المقرر أن يزور أمير قطر أيضًا الولايات المتحدة في 31 يناير الجاري ليلتقي بالرئيس الأمريكي جو بايدن.

بلينكن: أحترم رأي القادة العسكريين لكن قرار الانسحاب من أفغانستان مدروس

وعلى أي حال، فإن زيارة ابن عبد الرحمن إلى طهران تزامنًا مع تصريحات أمريكية إيرانية حول إمكان الحديث مباشرة في فيينا فيما يتصل بالملف النووي تُعد مؤشرًا قويًا على احتمال لعب الدوحة خلال الأيام المقبلة دور الوسيط ما بين واشنطن وطهران؛ حتى تتمكنا من التفاوض بشكل مباشر في إطار المحادثات النووية.

فقطر لديها علاقات جيدة بإيران والولايات المتحدة، وتستطيع لعب مثل هذا الدور الوسيط. وهو دورٌ بإمكان دولٍ أخرى في المنطقة لعبه أيضًا، مثل سلطنة عمان أو الكويت. وفي مسار حديثنا هذا، لا يجب أن نتجاهل تغريدة تويتر التي كتبها وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان في نفس يوم الزيارة بعد وصوله إلى قطر، والتي تحدث فيها صراحة عن المفاوضات النووية في فيينا، حيث شدد فيها على ضرورة رفع العقوبات عن بلاده، وأن معيار حكم بلاده في هذه القضية سيكون التصرف العملي الأمريكي. وفي التغريدة ذاتها، أشار عبد اللهيان إلى أنه “فيما يتعلق بإلغاء العقوبات، يجب أيضًا حفظ المصالح الإيرانية الكاملة وأن يحدث تقدم ملموس”.  

إن الدور القطري الوسيط المدعوم من إيران والولايات المتحدة يأتي في ظل عوائق كبيرة بين المفاوضين حول بعض القضايا الكبرى، وهو ما دعا وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تروس، إلى وصف الوضع الحالي للمفاوضات بأنها في “مأزق خطير”، وأن “المفاوضات عاجلة، والتقدم الذي تحرزه ليس سريعًا بشكل كافٍ”. وحذّرت الوزيرة البريطانية من أن جميع الخيارات ستصبح مطروحة إذا انهارت المحادثات النووية. 

وزيرة الخارجية البريطانية تلتقي نظيرها اللاتفي - شبكة رؤية الإخبارية

وعليه، فإن دور وسيط قطري أو غيره يقود إلى محادثات مباشرة بين طهران وواشنطن قد ينتهي به الأمر إلى الإعلان عن اتفاق نووي في وقت قريب.

زيارة الوزير القطري والتنسيق الإقليمي بين طهران والدوحة

وإلى جانب الملف النووي، تطرق الوزيران الإيراني والقطري في طهران خلال الزيارة يوم الخميس 27 يناير إلى مناقشة القضايا الإقليمية والتحولات الأخيرة الجارية في المنطقة وعلى رأسها الأوضاع في اليمن وأفغانستان. ودعا عبد اللهيان إلى تنسيق و”تشاور أكثر قربًا” مع الدوحة، “أخذًا في الحسبان سرعة التحولات التي يشهدها الإقليم”، حسبما نقلت وكالة أنباء “فارس” الإيرانية في نسختها باللغة الفارسية اليوم. 

وتستعد إيران إلى الانخراط في مرحلة جديدة من الانتشار الإقليمي في ظل انسحاب قوات الولايات المتحدة منها، خاصة من أفغانستان المجاورة. وتسعى طهران في خضم هذا إلى شغل بعض مناطق هذا الفراغ، وهو ما فسرته أيضًا زيارات إبراهيم رئيسي الأخيرة إلى دول آسيوية. 

تعزيز العلاقات التجارية الإيرانية القطرية

وعلى الصعيد الاقتصادي، دعا وزير الخارجية القطري الرئيس الإيراني خلال لقائه معه في طهران إلى مشاركة إيران في منتدى روؤساء الدول المصدرة للغاز الطبيعي. وقال ابن عبد الرحمن إن هذه الدعوة نقلها بشكل رسمي عن أمير قطر. 

وخلال اللقاء، عبّر الرئيس الإيراني عن أمله في تقوية التعاون الاقتصادي مع الدول الجارة قائلًا إن طهران تراه “في صالح السلام والأمن الإقليمي”. أما وزير الخارجية القطري، فقد قال إن قطر مصممة على رفع مستوى التعاون مع إيران في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، وأن أمير قطر “يتابع بنفسه ملف تعزيز العلاقات بين البلدين”.  

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى