
مصر تخالف الاتجاه: صندوق النقد الدولي يخفض النمو العالمي ويرفع النمو المصري
يدخل الاقتصاد العالمي عام 2022 في وضع أضعف مما كان متوقعًا في السابق، فمع انتشار السلالة الجديدة من فيروس كوفيد-19 المسماة بـ “أوميكرون”، أعادت البلدان فرض قيود على التنقل، وأدى ارتفاع أسعار الطاقة واضطراب الإمدادات إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل أكبر مما كان متوقعًا، لاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من اقتصادات العالم الناشئة والمتقدمة، مع وجود مخاوف أخرى عالميًا تتمثل في الانكماش المستمر في قطاع العقارات بالصين، والتعافي الأبطأ من المتوقع للقطاع الخاص واحتمالات النمو المحدودة.
فوفقًا للأسباب السابق ذكرها، توقع صندوق النقد أن يتراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي من 5.9% في عام 2021 إلى 4.4% في عام 2022، وهو أقل بنصف نقطة مئوية لعام 2022 مما ورد في التقرير السابق الصادر في أكتوبر من عام 2021، وهو ما يعكس إلى حد كبير الخفض المتوقع في أكبر اقتصادين بالعالم (الولايات المتحدة الأمريكية والصين).
فقد أعاد الصندوق افتراضاته حول إزالة حزمة السياسات المالية التي تفرضها تلك الدول من التقرير السابق، وهو ما ترتب عليه نزول التوقعات بمقدار 1.2 نقطة مئوية للولايات المتحدة الأمريكية. أما عن الصين، فقد أدت الاضطرابات التي فرضها وباء كورونا والتي تتعلق باحتواء الفيروس، فضلا عن الضغوط المالية الممتدة بين مطوري العقارات؛ إلى خفض معدل نمو الصين بمقدار 0.8 نقطة مئوية.
في عالم ملجم بالأزمات المختلفة، ما بين اضطراب سلاسل التوريد التي تعيق حركة التجارة العالمية، وانتشار لسلالة جديدة من فيروس كورونا، ومعدلات تلقيح ما زالت ضعيفة، وارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير، ومخاطر جيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا، وارتفاعات كبيرة في معدلات التضخم عالميًا والتي تنظر في احتمال إقدام البنوك المركزية في العالم على اتباع سياسات انكماشية أكثر تشددا؛ ظهر تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الذي يصدر عن مؤسسة صندوق النقد الدولي.
يتوقع التقرير الصادر في شهر يناير الجاري أن تؤثر كل تلك العوامل على معدلات النمو عالميًا، لتخفضها إلى 4.4%، مقابل توقع الصندوق نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 4.9% في تقريره الصادر في أكتوبر من العام 2021. مع استمرار تباطؤ النمو في العام 2023 ليصل إلى 3.8%، على الرغم من أن هذه التوقعات أعلى بمقدار 0.2 نقطة مئوية عن توقعاته السابقة لها، إلا أن حقيقة الأمر أن ذلك الارتفاع يأتي نتيجة لتباطؤ توقعات العام 2022 (مقام العملية الحسابية)؛ إذ إنه ارتفاع من التباطؤ المتوقع حدوثه في النصف الثاني من عام 2022. ومع ذلك فإن كل تلك التوقعات بنيت على أساس افتراض تحسن معدلات التطعيم في جميع أنحاء العالم، وأن تصبح العلاجات أكثر فاعلية.
أما عن التضخم، فقد توقع الصندوق أن يستمر معدل التضخم المرتفع لفترة أكبر من التوقعات السابقة له (في التقرير الصادر عن شهر أكتوبر)؛ إذ إن اضطرابات سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الطاقة المستمرة والمتزايدة في عام 2022 تسبب في طول المدة التي يعيشها العالم وسط تلك الموجة التضخمية.
وتعد عودة معدل التضخم مرة أخرى إلى المعدلات الطبيعية مقترنة بالأساس بتلاشي الاختلالات في العرض والطلب في العام 2022 والتي ترتبط بالأساس بحل مشاكل سلاسل التوريد، بالإضافة إلى تطبيق الدول الكبرى بعض السياسات النقدية الانكماشية التي تقلل السيولة بالسوق وتسهم في احتواء معدلات التضخم. ولكن في ظل تلك التوقعات السيئة ما هو مستقبل اقتصاد الشرق الأوسط ومصر في العام 2022؟!
لنبدأ أولًا بمصر، فقد عادت مصر مجددًا لتسير عكس الاتجاه الهبوطي أسوة بما حدث في العام 2022 عندما حققت معظم اقتصادات العالم انكماشًا كبيرًا في الوقت الذي حقق فيه الاقتصاد المصري معدل نمو إيجابي وصل إلى متوسط 2.7% أو ما يزيد عليه؛ فقد رفع الصندوق توقعاته للنمو في مصر إلى 5.6% في العام المالي 2021/2022 مقابل المعدل الذي توقعه سابقا والذي بلغ 5.2% (أكتوبر – 2021).
وهو معدل يتوافق مع ما تتوقعه الحكومة حول نمو اقتصاد البلاد؛ فقد توقعت الحكومة المصرية أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 5.6%. وفي حال النظر إلى باقي المؤسسات التي توقعت نمو الاقتصاد المصري فمعظمها يدور في نطاق 5%، حيث توقع البنك الدولي أن ينمو الاقتصاد بنسبة 5%، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بنسبة 4.9%، وحتى وفقًا للاستقصاء الذي ادارته رويتر فقد كانت نتيجته توقع نمو الاقتصاد المصري بنسبة 5.1%.
وفي بداية مبشرة عن أداء الاقتصاد المصري خلال النصف الأول من العام المالي 2021/2022 وعلى الرغم من أنه لا توجد بيانات رسمية بعد لكن أعلنت وزارة التخطيط أن الاقتصاد المصري قد سجل معدل نمو بنسبة 9.8% في الربع الأول من العام المالي الحالي وهو أسرع معدل حققه الاقتصاد المصري منذ عقدين من الزمان، وبلغ معدل النمو نسبة 6 – 7% في الربع الثاني من العام المالي 2021/2022 بدعم من تأثير سنة الأساس المنخفضة.
أما عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقد رفع الصندوق معدلات نمو المنطقة بشكل طفيف؛ فقد توقع أن تنمو المنطقة بنسبة 4.3% في عام 2022 مقابل التوقعات السابقة والتي كانت قد أشارت إلى احتمالية نمو الاقتصاد بنسبة 4.1% في أكتوبر.
لكن كل تلك التوقعات التي توقعها الصندوق مهددة بالعديد من المخاطر التي يتمثل أولها في احتمالية ظهور سلالات أخرى من فيروس كورونا أكثر فتكًا وتؤدي بالدول التي فرض حالات إغلاق اقتصادي أخرى، أو استمرار اضطرابات سلاسل التوريد والارتفاع في أسعار الطاقة، واستمرار الضغط من جانب الأجور المحلية بالبلدان لزيادتها للتجاوب مع معدلات التضخم المرتفعة.
وهو ما يضع حالة كبيرة من عدم اليقين تجاه السياسات العامة التي تتبناها الدول. ومع إقدام الدول المتقدمة على رفع أسعار الفائدة وتشديد السياسات النقدية قد تظهر مخاطر الاستقرار المالي ونضوب تدفقات رأس المال في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، الأمر الذي يهدد عملات تلك الدول؛ لاسيما مع ارتفاع معدلات الديون بشكل كبير خلال العامين الماضيين بسبب التزايد في الإنفاق على الرعاية الصحية الذي خلفة فيروس كورونا.
وقد تزداد تلك الأمور سوءًا في حال النظر إلى التوترات الجيوسياسية العالية التي تسببها المشاكل بين روسيا وأوكرانيا، وحتى حالة الطوارئ المناخية التي قد تسببها ظاهرة تزايد الاحتساب الحراري والتي قد يترتب عليها ارتفاع في معدلات الكوارث الطبيعية. ولاحتواء تلك المخاطر، يجدر القول إنه بات على صناع السياسات لعب دور أكثر فاعلية في صياغة سياسات أكثر مرونة لاحتواء تلك المخاطر؛ يتمثل أولها في التركيز على استراتيجية الرعاية الصحية في البلدان، والتي اصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضي، فالوصول للقاحات والاختبارات والعلاجات الخاصة بجائحة كورونا أمر مهم عالميًا لتقليل المخاطر المرتبطة بذلك الفيروس الخطير. وبالطبع فإن سلاسل إمداد اللقاح وزيادة الإنتاج وأنظمة التوصيل والتوزيع داخل البلدان أمر ذو أهمية خاصة ضمن تلك الاستراتيجية.
خطر التضخم هو الأمر الأكثر أهمية بعد خطر كورونا، وهو ما يحتاج إلى صياغة سياسات نقدية قادرة على مواكبة الارتفاع في معدلات التضخم، مع مراعاة الأثر على الدول النامية والتي قد تنخفض قيم عملاتها. أما عن السياسات المالية، فسيكون أمامها مساحة عمل محدودة؛ إذ إنها ستعطي الأولوية للإنفاق على الرعاية الصحية والدعم الاجتماعي، مع تركيز الدعم على الفئات الأكثر تضررًا، وهو أمر يحتاج لتعاون دولي للحفاظ على السيولة، والإسراع لإعادة هيكلة الديون عند الحاجة. وأخيرًا فإن الاستثمار في سياسات المناخ هو أمر ضروري للحد من مخاطر التغير المناخي وتأثيراته الكارثية.
باحث ببرنامج السياسات العامة