
منع إقامة النساء دون الأربعين في الفنادق.. قانون أم عُرف مُتبع
قضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، بعدم قبول الدعوى المقيدة برقم 48010 لسنة 75 قضائية، والتي تطالب بإلغاء القرار والتعليمات الأمنية والتنبيهات الصادرة من وزارة الداخلية للفنادق وجميع المنشآت ذات الصلة، وبالأخص فنادق النجمة الواحدة والثلاثة نجوم، بعدم السماح للسيدات المصريات أو مواطنات دول مجلس التعاون الخليجي اللواتي تقل أعمارهن عن 40 سنة بتسجيل الوصول بمفردهن، والإقامة دون أزواجهن أو أقاربهن من الذكور.
وقد أثار رفض الدعوى جدلًا حول أوضاع السيدات المغتربات اللاتي يبحثن عن ملجأ آمن من فترة لأخرى، وما يقابلنه من تعنت، وما إذا كان هناك قانون ترتكن إليه تلك المنشآت، أم أنه عُرف سائد بين الفنادق لفرض السلطة الأبوية وانتهاك حقوق النساء؟
خلفية إقامة الدعوى
أكّدت الدعوى، أنَّه في أثناء إجازة عيد الفطر 2021، فوجئ المحامي رافع الدعوى برفض الفنادق الثلاث نجوم وما دونها قبول إقامة النساء المصريات تحت سن الأربعين بالفنادق، لدرجة صدور تنبيه كتابي بمواقع حجوزات الفنادق الإلكترونية يحذر عند إتمام الحجوزات بما نصه “يُرجى الملاحظة أنه لا يُسمح للسيدات المصريات أو مواطنات دول مجلس التعاون الخليجي اللواتي تقل أعمارهنّ عن 40 سنة بتسجيل الوصول بمفردهنّ دون أزواجهنّ“.
ونفس الحادثة قد أثيرت مسبقًا في نهاية شهر أغسطس عام 2020، عندما مُنعت منسقات برامج في المركز المصري لحقوق المرأة من الإقامة في الفنادق ببعض المحافظات بمفردهن دون مرافق من الأقارب الذكور. مما أثار تساؤلات حول أسباب تلك الإجراءات التي تعرقل النساء من ممارسة حريتهن وأنشطتهن في مختلف المجالات مثل الترفيه أو حرية التنقل بحكم ظروف العمل أو الخروج من منزل الزوجية لأي سبب.
حيثيات رفض الدعوى
أوضحت الدائرة الأولى للحقوق والحريات بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة أنها رفضت الدعوى المقامة لعدم صدور أي قرار إداري يمنع إقامة النساء بمفردهن في الفنادق.
وهذا ما أكدته وزارة الداخلية عبر بيانها علي صفحتها الرسمية مسبقًا, إذ نفت ما جاء بالدعوى القضائية بشأن طلب إلغاء القرار والتعليمات الصادرة للفنادق والمنشآت السياحية بعدم السماح للسيدات المصريات أو مواطنات دول مجلس التعاون الخليجي اللاتي تقل أعمارهن عن 40 عامًا بالإقامة بها دون “محرم”. وأكدت عدم وجود أي تعليمات أو قرارات للفنادق والمنشآت السياحية في هذا الشأن. حيث أرفقت بأوراق القضية ما يفيد بحق النساء في الإقامة بالفنادق وحدهن.
وفي ذات السياق، أكدت لجنة تيسير أعمال غرفة المنشآت الفندقية أن الحديث بشأن المنع أو التضييق على إقامة النساء الأقل من 40 عامًا بالفنادق غير صحيح. وأفادت بأن القانون الذي ينظم العلاقة بين الفنادق والنزلاء (واضح وصريح) في تلك المسألة ولا يمارس أي تمييز بين الرجل والمرأة في تلقي الخدمة. إضافة إلى عدم استقبال غرفة الفنادق أي منشورات أو تعليمات أو توجيهات من وزارة الداخلية من هذا القبيل.
وبناء على ما سبق نستنتج أن الحكم الصادر برفض الدعوى لا يعني قبول المحكمة مبدأ منع النساء من الإقامة بمفردهن في الفنادق، بل جاء ليؤكد عدم وجود أي فرضية تمنع النساء بالأساس من ممارسة هذا الحق.
هل يسمح القانون بممارسة هذا التمييز؟
الإجابة قطعًا بـ “لا”؛ فليس هناك ما يمنع إقامة النساء في الفنادق بعد بلوغهن السن القانونية دون مرافق، وذلك من باب مراعاة المساواة والحريات، فقد نص الدستور المصري في المادة 53 على “المساواة وعدم التمييز بين المواطنين على أساس النوع“، فيما أقرت المادة 62 “حرية التنقل والهجرة والإقامة“. وكفلت الدولة الحق في تلقي التعليم للمواطنين دون تمييز والذي يعد المنفذ الأكبر لهجرة النساء داخليًا، ومن الأسباب الرئيسة للسكن بمفردهن. أما عن القانون المنظم بين النزلاء والفنادق فيعطي الحق للفندق برفض الحجز في حال المُشتبه بهم جنائيًا فقط، ويتم ذلك بالتعاون مع شرطة السياحة.
وبناء عليه، فلا يوجد ما يبرر استمرار تلك الممارسة قانونيًا، وإنما هي مجرد عُرف سائد تتداوله تلك المنشآت شفهيًا فيما بينها، ومن شأنه مقاضاتها قانونيًا كما تنص المادة 161 من قانون العقوبات بالمعاقبة بالحبس والغرامة لكل من قام بعمل أو بالامتناع عن عمل يكون من شأنه إحداث التمييز بين الأفراد، وترتب على هذا التمييز إهدار لمبدأ تكافؤ الفرص أو العدالة الاجتماعية أو تكدير للسلم العام.
رأي الدين
أجازت مشيخة الأزهر سفر النساء وإقامتهن بمفردهن، وفي هذا الشأن ذكر شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب أن سفر المرأة في التراث الفقهي مشروط عند أغلب الفقهاء بمرافقة الزوج أو المحرم، لأن السفر في تلك العصور كان محفوفًا بالمخاطر، وكان أمرًا صادمًا للمروءة والشرف، وطعنًا في رجولة أفراد الأسرة إذا واجهت المرأة اهوال السفر وحدها، مشيرًا إلى أن نظام الأسفار قد تغير في عصرنا الحديث، وتبدلت المخاطر التي كانت تصاحبه إلى ما يشبه الأمان. “لذلك فإن الاجتهاد الشرعي لا مفر له من تطوير الحكم إلى جواز السفر بشرط الرفقة المأمونة“.
وعلى الصعيد ذاته، أجازت دار الإفتاء المصرية سفر المرأة في الداخل أو الخارج إذا توفر الأمن في الإقامة ببلد السفر، وذلك بموافقة ولى الأمر، ولا يُشترط اصطحاب المحرم أثناء سفرها أو إقامتها. مضيفة أن “سفر المرأة وحْدَها عبر وسائل السفر المأمونة وطُرُقِه المأهولة ومَنافذه العامرة؛ مِن موانئ ومطاراتٍ ووسائل مواصلاتٍ عامَّة جائزٌ شرعًا، ولا حرج عليها إذا أذن لها وليُّها فيه؛ سواء أكان سفرًا واجبًا أم مندوبًا أم مباحًا، وأنَّ الأحاديث التي تَنهى المرأةَ عن السفر مِن غير مَحرَمٍ محمولةٌ على حالة انعدام الأمن، فإذا تَوَفَّرَ الأمنُ لَم يَشملها النهى عن السفر أصلًا”.
ومما سبق يتضح أن هذا التمييز الصريح ضد النساء فيما يخص إقامتهن بمفردهن داخل الفنادق، ليس له خلفية قانونية أو دينية، وإنما نابع من ممارسات ذكورية تؤثر سلبًا على استقلالية المرأة المصرية في ظل اتخاذ الدولة العديد من الإجراءات لتمكينها في كافة المجالات.
وعلى الرغم من نفي الجهات المسؤولة إصدار أي تعليمات ورقية كانت أو شفهية بهذا الشأن، إلا ان هذا النفي لم يعد كافيًا لضمان عدم استمرارية هذا الفعل الممارس عرفيًا من قِبل بعض الفنادق؛ فبجانب النفي ينبغي أن تكون هناك بعض الاجراءات العاجلة المُتخذة مثل:
- إصدار تعليمات موجهة وصريحة من الجهات المسؤولة للفنادق برفض هذا الفعل، وقبول إقامة النساء بالفنادق بمفردهن دون الحاجة إلى وجود محرم.
- أن يكون هناك ملصق موحد في جميع الفنادق لحقوق النزيل وواجباته مشتملًا على حق النساء في الإقامة دون أي تمييز.
- أن يتم توعية النساء بضرورة التبليغ رسميًا للجهات المختصة عن أي تعنت تقوم به إدارة أي فندق حال طلبهن الإقامة.
- تعميم منازل إقامة خاصة للنساء في كل المحافظات تتبع وزارتي التضامن الاجتماعي والشباب والرياضة.
باحثة ببرنامج السياسات العامة