الاقتصاد المصري

موسم الحصاد مستمر: موازنة جديدة بأجور أعلى

يبدو أن عام 2022 سيشهد حصادًا آخر لثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبقته الدولة المصرية في مرحلته الأولى خلال الفترة من 2016 – 2018 والذي ساعد البلاد على تحقيق معدلات نمو تفوق نسبة 5% في الفترة قبل كورونا، لكن عام كورونا كان اختبارًا آخر أثبت فيه الاقتصاد المصري نجاحه بعد تمكنه من تحقيق معدل إيجابي، لتكون مصر ضمن دول قليلة في العالم التي تحقق ذلك الأداء.

ولأن لصبر المصريين ثمار سيحصدونها، كان قرار الرئيس بتعديل الحد الأدنى للأجور ليصبح عند 2700 جنيه شهريًا في الموازنة الجديدة التي تخص العام المالي 2022/2023 التي من المخطط أن يتم طرحها للحوار المجتمعي خلال الفترة المقبلة مقابل الحد الأدنى للأجور المطبق بداية من العام المالي 2022 والذي يبلغ 2400 جنيه شهريًا. لكن المفاجئ في الأمر هو تعهد وزير المالية أن ذلك العام لن يشهد أي زيادات ضريبة، وهو ما طرح تساؤلًا جوهريًا حول كيفية تمويل الفارق في بند الأجور بالموازنة الجديدة!

ماذا حدث

وجه الرئيس السيسي برفع الحد الأدنى لأجور موظفي القطاع العام ليكون 2700 جنيه يتم إقرارها بداية من شهر يوليو 2022، وبذلك يكون قد ارتفع بنسبة 12.5% عن الحد الأدنى الذي تم إقراره بداية من العام المالي 2022. تعد تلك الزيادة في أجور الموظفين هي الثالثة منذ تولي الرئيس مقاليد الأمور في عام 2014، والزيادة الثانية للعام التالي على التوالي (حيث أصدر الرئيس قرار الزيادة في مارس من العام الماضي برفع الحد الأدنى للأجور العاملين بالجهاز الإداري بالدولة إلى 2400 جنيه بدلا من 2000 جنيه سابقًا، والذي دخل حيز التنفيذ بداية من المطلع المالي الحالي 2021/2022. 

لكن هل تلك الزيادات بديلة عن العلاوة الدورية للعاملين؟ لا؛ إذ إن العلاوة الدورية الخاصة بموظفي القطاع العام مستمرة، فعلى غرار العام الماضي سيحصل الموظفون على علاوتين دوريتين الأولى بنسبة 7% من الأجر الوظيفي للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية، والثانية بنسبة 13% من الأجر الأساسي للعاملين غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية.

وبالطبع ستزيد المعاشات بنسبة 13% هي الأخرى، هذا بالإضافة إلى إقرار الرئيس زيادة الحافز الإضافي لفئتين (المخاطبين وغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية) بتكلفة اجمالية تبلغ حوالي 18 مليار جنيه، لكن هل ستؤثر تلك القرارات على القطاع الخاص؟!

يذكر أن شركات القطاع الخاص تواجه صعوبات في تنفيذ الزيادة الأخيرة في الأجور، حيث تواجه الآلاف من شركات القطاع الخاص صعوبات كبيرة في تنفيذ الزيادة السابقة في الأجور والتي تم تطبيقها بداية من يناير 2022 والتي تم فيها رفع الأجور إلى مستوى 2400، حيث تلقى المجلس أكثر من ثلاث آلاف طلب فردي من الشركات إضافة إلى طلبات في 22 قطاع (تشمل قطاعات مثل الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والسياحة، وصناعة الورق، وصناعات التجزئة، وتلقت أيضا طلبات من المدارس الخاصة التي تقل المصروفات السنوية بها عن 10 آلاف جنيه)، وهو ما يعني استثناء 2855 شركة من تطبيق الحد الأدنى للأجور.

هذا الأمر الذي ترتب عليه موافقة المجلس لتلك الشركات بالاستمرار في دفع الأجور الحالية حتى منتصف شهر فبراير؛ وذلك لحين فحص طلبات الاستثناء واستكمال الأوراق الدالة على موقف كل شركة. وحتى الآن لم يتقرر ماذا سيحدث بعد شهر فبراير؟ هل ستكون تلك الشركات ملزمة بسداد الحد الأدنى لأجور موظفيها بأثر رجعي من يناير أم لا في حال تم رفض طلب استثنائها؟ لكن بالنسبة للموظفين العاملين بالدولة كيف تطورت مخصصات أجورهم خلال السنوات الماضية؟!

كيف تطورت الأجور

بالنظر إلى التطور الذي شهده بند الأجور بالموازنة العامة للدولة بداية من العام 2017 فقد بلغ متوسط الزيادة السنوية لبند الأجور وتعويضات العاملين بالدولة متوسط 10% خلال الفترة من 2017 وحتى 2022، حيث ارتفعت الأجور من مستوى 226 مليار جنيه في عام 2017 لتصل إلى 355 مليار جنيه في عام 2022 (وفقا للموازنة التقديرية لعام 2021/2022).

ومن ثم، فإن الزيادة الأخيرة في الأجور والحد الأدنى الذي أعلنت الدولة عن تطبيقه بداية من يوليو 2021 سيكلف الدولة 45 مليار جنيه ليرفع من مخصص الأجور والمصروفات من 355 مليار إلى 400 مليار جنيه، وهي زيادة بنسبة 13%، وتعد تلك الزيادة الأكبر سنويًا خلال الخمس سنوات الماضية، لكن كيف سيتم تمويل تلك الزيادة؟!

قبل محاولة الإجابة عن مصدر التمويل لتلك الزيادة فيمكن النظر إلى أداء النصف الأول من الموازنة التقديرية للعام 2021/2022، حيث استطاعت الدولة تحقيق فائض أولي بالموازنة (الإيرادات أكبر من المصروفات قبل خصم الدين وتكاليفه) بقيمة 3.2 مليار جنيه وذلك وفقا لتصريحات وزير المالية خلال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء يوم الأربعاء الموافق (19 يناير).

يعد ذلك الفائض الذي تم تحقيقه أقل من الفائض المحقق في نفس الفترة من العام الماضي بنسبة 77%، ويمكن تفسير ذلك الانخفاض نتيجة لارتفاع الإنفاق الحكومي بنسبة 12% على أساس سنوي بعد أن سجل أكبر زيادة في الإنفاق على الأقساط المدفوعة لصناديق المعاشات 77%، والصحة (زيادة بنسبة 30.4%)، والتعليم (زيادة بنسبة 21.1%)، وارتفع الإنفاق على برامج الدعم الاجتماعي مثل تكافل وكرامة بنسبة 10.7%، وزاد الإنفاق على الأجور بنسبة 10.4% مع دخول الحد الأدنى الجديد للقطاع العام حيز التنفيذ (2400 جنيه بداية من يناير 2021) كما سبق الإشارة، وأخيرًا تسببت الجائحة في زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية بمقدار ثلاثة أضعاف بزيادة تصل إلى 9.2 مليار جنيه.

لكن وعلى الرغم من ذلك الانخفاض بالمقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، إلا أنه يأتي أفضل في حال مقارنة بالربع الثاني من العام 2021/2022 بالربع السابق له، وذلك عندما تحول الفائض إلى عجز طفيف وترتب عليه ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة، وتأتي تلك النتائج الإيجابية في التحسن الربعي نتيجة لارتفاع الحصيلة الضريبية للدولة بنسبة 15.7% على أساس سنوي.

من الجدير بالذكر أن وزارة المالية في السابق كانت قد استهدفت تحقيق فائض أولي بنسبة 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي بالمقارنة بما تم تحقيقه من فائض بنسبة 0.9% في العام الماضي 2020/2021، وتتوقع وزارة المالية أيضًا أن ينخفض العجز الكلي للموازنة العامة للدولة إلى 6.9% بنهاية العام المالي الحالي.

ومن ثم فإنه في أغلب الاحتمالات سيتم تمويل تلك الزيادة من النمو المتوقع في الحصيلة الضريبية الناتج عن زيادة عدد الممولين في الوعاء الضريبي (زيادة عدد من يقومون بدفع الضرائب وتحصيل الضرائب) وليس تطبيق أي زيادة ضريبية، وذلك خاصة بعد تطبيق وزارة المالية منظومة الفاتورة الإلكترونية، والتي ساهمت في تيسير تحصيل الضرائب من الممولين وقللت من فرص التهرب الضريبي، والتي من المحتمل أن تسهم في زيادة الحصيلة الضريبية من خلال تقليل فرص التهرب الضريبي.

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى