مقالات رأي

منتدى شباب العالم.. منظمة أممية؟!

عامًا بعد عام، صار منتدى شباب العالم بشرم الشيخ، أكبر من محفل سنوي يجمع ممثلين للقوة النابضة لشعوب العالم وهم شبابها، وأوسع من حركة شبابية تنادي بالسلام والتنمية والعدالة، تلتقي في كل عام على أرض مصر من أجل الحوار بين الثقافات وطرح الأفكار حول قضايا العالم.

هذا المنتدى تحول في نسخته الرابعة التي انعقدت على مدار ٤ أيام خلال الأسبوع الماضي إلى منصة عالمية للتواصل بين الأجيال، بين جيل مليء بالحيوية ومفعم بالطموحات، وجيل يتولى المسئولية سواء في مواقع قيادة الدول أو المؤسسات الدولية.

وفى رأيي المتواضع، فإن الفرصة سانحة بعد كل هذا الزخم الذي شهده المنتدى بالأخص هذا العام، لأن يتحول إلى منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة بنفس اسمه «wyf» أي منتدى شباب العالم، على غرار هيئة الأمم المتحدة للمرأة «منظمة المرأة العالمية» التي أنشئت عام ٢٠١٠. وبالقطع فإن المقر المقترح للمنظمة الدولية لـ «منتدى شباب العالم» هو شرم الشيخ، مدينة السلام والتسامح والإنسانية، ومهد المنتدى وحاضنته.

وربما يلقى هذا الاقتراح صدى لدى الجهات المعنية في الدولة المصرية، لدراسته والتنسيق مع زعماء العالم الذين حضروا أو شاركوا في فعاليات هذه النسخة، ومع السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الذي وعد بالنظر في توصيات المنتدى في دورته الرابعة والعمل على تنفيذها. ومن ثم يمكن للدبلوماسية المصرية أن تتقدم بمشروع قرار دولي لإنشاء منظمة «منتدى شباب العالم»، كإحدى مؤسسات الأمم المتحدة.

أظن الطريق ليس عسيرًا لتحقيق هذا الهدف، تطويرًا لمبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي التي أطلقها منذ ٥ سنوات مضت لإنشاء المنتدى، ودعوته أمام الدورة الماضية للجمعية العامة للأمم المتحدة لشعوب ودول العالم إلى حشد جميع الجهود من أجل إنقاذ مستقبلنا.

وكانت تلك الدعوة هي جوهر كلمة الدبلوماسي الإسباني الأشهر ميجيل موراتينوس وكيل السكرتير العام للأمم المتحدة والممثل السامي للتحالف الدولي من أجل الحضارات، في جلسة العمل الأولى الرئيسية لمنتدى شباب العالم، حينما أشار إلى دعوة الرئيس قائلاً: «إن علينا إنقاذ الكوكب، وعلينا إنقاذ الإنسانية».

قضية صياغة مستقبل الإنسانية، احتلت صلب اهتمامات الرئيس السيسي في كلماته ومداخلاته العديدة في فعاليات المنتدى، حينما أشار إلى دور الشباب باعتبارهم أكثر من نصف سكان العالم، وقلبه النابض، ومحركه المأمول في تغيير واقع الشعوب إلى الأفضل.

ولعل العناوين الرئيسية لجلسات منتدى شباب العالم هي أساس أهداف المنظمة الدولية المقترحة، لاسيما إزاء قضايا تعزيز السلام، وتحقيق التنمية المستدامة، وإحلال العدالة في النظام الدولي، وتشجيع الحوار بين الحضارات والثقافات، واحترام التعددية والاختلاف، وكذلك قضايا التغير المناخي، وإعمار مناطق النزاعات، وغيرها من موضوعات تضفى روح الإنسانية على التفاعل الدولي، وتحقق نقلة في التعاطي مع هذه القضايا، أخذًا بالأفكار غير التقليدية للشباب، وهمتهم الوثابة في تغيير الواقع إلى الأفضل، وشعورهم أكثر من غيرهم الذى تبدى في منتدى الشباب، بوحدة المصير الإنساني، وأن الاختلاف وهو سنة الله في خلقه، جسرهم نحو التفاهم.

ولقد أصاب موراتينوس أيضًا حينما خاطب الشباب قائلًا: «لستم فقط صناع المستقبل، بل أنتم أيضًا صناع الحاضر». من هنا تنبع فكرة تحويل «منتدى شباب العالم» من منصة جماعية، إلى منظمة دولية، تعقد قمة سنوية تصدر عنها قرارات لها صفة إلزام لا مجرد توصيات.

أقول دون مبالغة، ودون تأثيرات شوفينية، إنني أشعر بالفخر، وقد طفت بأرجاء الدنيا وراء مؤتمرات دولية وقمم عالمية على مدار ٣٠ عامًا، لما شاهدته من جهد هائل لشباب بلادي، ومعظمهم في مطلع العشرينيات، وكلهم أقل من سن الثلاثين، في الترتيب لانعقاد هذا المنتدى طوال شهور سبقت انعقاده، حتى يخرج بهذه الصورة المشرفة، وسط الإجراءات الاحترازية الصارمة الضرورية في ظروف جائحة « كورونا»، سواء من حيث التواصل مع أكثر من نصف مليون متقدم من ١٩٦ دولة، لانتقاء ممثليهم في المنتدى وعددهم بضعة آلاف، أو من حيث رقمنة كل إجراءات التنظيم وحضور الجلسات أو المشاركة فيها عن بعد، أو من حيث اختيار قضايا المنتدى وتنظيم جلساته واختيار المتحدثين، وكذلك حسن إدارة الإجراءات اللوجيستية في السفر والعودة والتسكين والإعاشة والانتقالات داخل مدينة شرم الشيخ التي أطلت على ضيوفها في أبهى صورة حضارية، تفوق دون مبالغة ما شاهدته في عواصم العالم ومنتجعاته الشهيرة.

أما الرئيس السيسي فقد كان في أشد حالاته تألقًا، وهو يتحدث كزعيم عالمي مهموم بقضايا الإنسانية، وهو يتكلم كقائد لأمة جريحة بصراحة لا تقدح في اعتبارات الضيافة، ثم وهو يعرض كرئيس لمصر الكبيرة، تجربتها في التقدم والتنمية، عارضًا مساندة مصر لأشقائها في المنطقة العربية والقارة الأفريقية، بتأهيل وتدريب الشباب والكوادر والمساهمة في نقل تجاربها لاسيما في تغيير واقع الفئات المهمشة والمحرومة، كمشروع إسكان ٣٠٠ ألف أسرة من قاطني العشوائيات « حتى الآن» في وحدات مؤثثة ومجهزة، ومشروع القرن لتطوير حياة ٦٠٪  من سكان مصر في الريف في غضون ٣ سنوات.

لا أستطيع أن أستثنى لقاءً عن الآخر، أو مداخلة عن الأخرى، لكنى أحسب مشاركة الرئيس السيسي في جلسة محاكاة مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وكذلك حواره مع ممثلي الصحافة الأجنبية، كانا هما الأبرز.

قوبل طرح الرئيس السيسي بشأن المقاربة الشاملة لحقوق الإنسان، بكل مكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في ضفيرة واحدة، باستحسان وفود شباب العالم. فمن الصحيح إنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، لكن في نفس الوقت بدون الخبز لا يستطيع الإنسان أن يحيا.

سلط الرئيس الأضواء في لمحات سريعة إلى نفاق قوى إقليمية وكبرى، تتحدث عن حقوق الإنسان، بينما هي تمنع النازحين واللاجئين من الهجرة إليها، وهو حق أصيل من الحقوق المنصوص عليها دوليًا، وإذا استقبلتهم فإنها تضعهم في معسكرات معزولة، محرومين فيها من التعليم والرعاية الصحية، وفاقدين لأي بصيص أمل في المستقبل. وأشار في هذا الصدد إلى أن مصر استقبلت على أرضها نحو ٦ ملايين ممن يصفهم الغير «اللاجئين»، بينما هي تعتبرهم أكثر من ضيوف، فهم يتمتعون على أرضها بالإقامة والعمل والكسب وسط أشقائهم المصريين دونما تفرقة أو تمييز أو فصل في معسكرات.

وفى سياق إشارته إلى ازدواجية المعايير وتناقض المواقف.. تساءل الرئيس عن الذين يلوكون الأحاديث عن انتهاك حقوق الأفراد، بينما هم ينتهكون حقوق شعوب في مجملها، بالتدخل في شئونها، والعدوان عليها، وتخريبها، بالأخص في بلداننا العربية. وقال عن تلك القوى إنها تستعلى على الآخرين الأضعف بقوتها وقدرتها.

وخلافًا لما قد يظنه البعض، أن المناقشات والمحاورات داخل جلسات منتدى شباب العالم، كانت سابقة التجهيز، جاءت محاكاة مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمؤتمر الصحفي للمراسلين الأجانب، لتدحض تلك الظنون. بل إنها تشير من زاوية أخرى إلى قصور في النظر إلى ما يجرى على أرض مصر في مجال توسعة الحريات السياسية، وإلى انسياق وراء ادعاءات تريد وضع مصر في موقع دفاع عن أباطيل، أو ربما الضغط عليها لأغراض تتوهم إمكانية تطويع سياستها الخارجية..

في كلمة المشاركة الشابة التي مثلت دور مندوبة تحالف المتوسط أمام مجلس حقوق الإنسان، جيء بكل المزاعم والادعاءات التي وجهت لمصر منذ قيام ثورة الثلاثين من يونيو، بدءًا من الاعتقالات الجماعية والإخفاء القسري وانتهاك حقوق المرأة وغياب حرية الرأي والتعبير، وجمعت تلك الأباطيل معًا وكأنها تتحدث عن دولة غير التي تعرفها، أو على الأقل تصور تل رمال على شاطئ، في صورة جبل يناطح السحاب..!

كان رد الرئيس السيسي هادئًا، في مداخلته بعد اختتام أعمال المحاكاة، وهو يقول إن تلك الصورة مخالفة لحقيقة ما يجرى على أرض مصر. وعلى نحو مقارب.. جاء سؤال مندوب إحدى وسائل الإعلام الفرنسية في لقاء الرئيس مع المراسلين الأجانب عشية اختتام أعمال المنتدى. بهدوء أيضًا وثقة، قال الرئيس لشباب المؤتمر فيما مؤداه، إننا ندعوكم إلى تشكيل لجنة لمقارنة تلك الادعاءات بالحقائق على الأرض، ونحن مستعدون لتصويب أي أخطاء إن وجدت.

ثم انتقل من إجابته على المراسل، لمخاطبة القوى التي تثير اللغط حول وضع حقوق الإنسان في مصر، قائلًا: هل أنتم تحبون شعبنا أكثر منا؟.. هل أنتم تخافون على بلدنا أكثر منا؟

تلك الإجابة كثيرًا ما سمعتها من الرئيس السيسي في عديد من عواصم الغرب منذ بواكير زياراته الخارجية، بصيغ مختلفة ملخصها: «لماذا تعتبرون أنفسكم أحرص منا على حقوق الإنسان المصري»؟

على أن ثمة رسالة من واقع خبرته بتجارب المنطقة العربية، حرص الرئيس السيسي على أن يوجهها لشباب ١٩٦ دولة كانوا حاضرين ومستمعين لجلسات المنتدى، وهى أن الرغبة في تغيير الواقع، لابد من أن يعقلها التبصر حتى لا يتحول التغيير إلى تدمير لمقدرات الشعوب!..

وربما تسنح الفرصة أكثر عند انعقاد القمة العالمية للمناخ بشرم الشيخ فى خريف هذا العام التي سيشارك في تنظيمها شباب المنتدى، ثم النسخة القادمة للمنتدى في مطلع العام المقبل، لتنظيم زيارات لشباب العالم، لمعاينة أحوال مصر الجديدة الناهضة، في عاصمتها الجديدة، ومشروع التجلي الأعظم على مقربة من شرم الشيخ، ومراحل مشروع حياة كريمة لتغيير وجه الحياة في قرى مصر.

مرة أخرى.. أتمنى لو استثمرنا قوة الدفع العالمية المتولدة من منتدى شباب العالم، لتحويله إلى منظمة أممية مقرها شرم الشيخ.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى