
نحو عالم آمن وشامل للمرأة
يناقش منتدى شباب العالم في نسخته الرابعة وضع النساء، خاصًة مع انتشار جائحة كورونا على مستوى العالم. فقد باتت المكاسب التي تحققت في مجالات حماية المرأة، وجهود القضاء على الفجوة بين الجنسين محدودة ومعرضة لخطر الانتكاس، فقد أثرت الجائحة على تعمق أوجه عدم المساواة القائمة بالفعل على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
أولًا: الصعيد الاقتصادي
تُشير أحدث البيانات إلى مدى تأثر النساء على الصعيد الاقتصادي مقارنة بالرجال؛ ففي جميع أنحاء العالم كان دخل النساء أدنى وادخارهن أقل، ويشغلن وظائف أقل أمنًا، ويعملن أكثر في القطاع غير الرسمي، مما يقوض فرص حصولهن على الحماية الاجتماعية. وبالتالي؛ فإن قدراتهن على استيعاب الصدمات الاقتصادية كانت أقل من الرجال.
وطبقًا لإحصائيات منظمة العمل الدولية، فقد تم الاستغناء عن 4.2% من وظائف النساء على الصعيد العالمي بين عامي 2019 و2020 بسبب الجائحة، وهو ما يمثل انخفاضًا بواقع 54 مليون وظيفة مقارنة بـ 3% للرجال. وعليه؛ فمن المتوقع أن يكون عدد النساء العاملات في 2021 أقل بواقع 13 مليونًا عن عام 2019.
ووفقًا لمنظمة أوكسفام الدولية، فقد كلفت هذه الجائحة النساء حول العالم 800 مليار دولار، المبلغ الذي يساوي الناتج المحلي الإجمالي لـ 98 دولة مجتمعة. وتوقعت وكالة رويترز أن تعاني 47 مليون امرأة إضافية من الفقر المدقع حول العالم، أي أنهن سيجنين أقل من 1.9 دولارًا يوميًّا في عام 2021. الأمر الذي يُنذر بتصاعد الفجوة أكثر فأكثر بين الرجال والنساء في قطاع العمل.
ووفقًا للتقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للمرأة، من المتوقع أن يطال الفقر مزيدًا من النساء في المنطقة العربية، مما سيوثر بشدة على الأسر التي تعيلها نساء، وكثيرًا ما يتفاقم هذا الوضع جرّاء تحيزات تنطوي عليها السياسات الحكومية التي يرى واضعوها أن الرجال هم المعيلون الرئيسون للأسر.
من المتوقع أيضًا أن يُفضي تفشي جائحة كورونا إلى خسارة ما يقرب من 700.000 وظيفة تشغلها النساء، في ظل ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل عربيًا، وفي ضوء بطالة عالية في صفوف النساء عالميًا التي بلغت 19% مقابل 8% للرجال عام 2019.
ثانيًا: الصعيد الاجتماعي
أثرت جائحة كورونا تأثيرًا عميقًا على أوجه الحياة الاجتماعية للنساء في العالم؛ إذ نجد تراجعًا ملحوظًا في مجالات التعليم، والسلامة الشخصية، والصحة، والرعاية غير مدفوعة الأجر، وتزايد في معدلات العنف تجاه النساء وبالأحرى العنف الجنسي.
على مستوى التعليم، تؤكد التقارير العالمية أن الأسر ستعيد توجيه مواردها لإعطاء تعليم الأولاد أولوية على تعليم الفتيات. وأن الفروق بين الجنسين في التسرب من الدراسة بسبب هذه الأزمة قد تختلف باختلاف المناطق ومستوىات التعليم.
ووفقًا لتوقعات منظمة اليونسكو ، عام 2020 فقد تتأثر نسبة أعلى من الفتيات في جميع مستوىات التعليم، وتواجه المراهقات خطر عدم العودة إلى الدراسة في كل من أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا، حيث يعيش معظم الطلاب المعرضين للخطر.
أما فيما يتعلق بالسلامة الشخصية للنساء، فقد أكدت مصادر مختلفة وجود ارتفاع كبير في العنف ضد المرأة. فقد أشار البنك الدولي إلى زيادة عدد الاتصالات التي تلقتها خطوط المساعدة، وعدد الحالات في سجلات مقدمي الخدمة وفي تقارير الشرطة. فعلى سبيل المثال: في إندونيسيا أفاد 83% ممن شاركن في المسح أن هناك زيادة في العنف على يد شريك الحياة في مجتمعاتهن المحلية بسبب فيروس كورونا. ووفقًا للبنك الدولي فليس هناك معلومات عن معدلات حمل المراهقات وزواج الأطفال بعد الجائحة، وإلى أي مدى تأثرت به.
وفي مصر أكد استطلاع لمركز بصيرة زيادة الخلافات الأسرية بنسبة 33 %، وزادت معدلات العنف بين أفراد الأسرة بنسبة 19%. وفيما يتعلق بالعنف الموجه من الشريك، فيشير الاستطلاع إلى زيادة معدلاته حيث ذكرت 11% من الزوجات أنهن تعرضن لعنف من قبل الزوج، في حين لم يكن ذلك يحدث قبل حدوث الجائحة.
وعلي المستوى الصحي، فقد أدت الجائحة إلى زيادة صعوبة النساء في الحصول على الخدمات الصحية بما في ذلك الصحة الإنجابية، والخدمات المتصلة بالعنف الجنسي. ويشير موجز للسياسات: أثر مرض فيروس كورونا لعام 2019 (كوفيد-19) على النساء والفتيات، الصادر عن الأمم المتحدة إلى أن التراجع في مجال الصحة قد يؤدي إلى تفاقم وفيات الأمهات في فترة النفاس، وزيادة معدلات حمل المراهقات والأمراض المنقولة جنسيًا، ويقدر التقرير أن 18 مليون امرأة إضافية ستفقدن إمكانية الحصول بانتظام على وسائل منع الحمل الحديثة في سياق الجائحة.
وفي اتجاه موازٍ، فإن هناك 70% من القوة العاملة للنساء تعملن في الخطوط الأمامية في مجال الصحة، وتُشكلن أيضًا أغلبية موظفي الخدمة في المرافق الصحية مثل أعمال النظافة وإعداد الطعام، مما يجعلهن أكثر عرضة للعدوى والإصابة فيما بعد.
وفيما يخص أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، فقد كشفت الأزمة العالمية الناجمة عن جائحة كورونا أن الاقتصادات الرسمية في العالم وعوامل الحفاظ على الحياة اليومية مبنية على ما تؤديه النساء من عمل غير مدفوع الأجر مثل رعاية كبار السن والأطفال وأفراد الأسرة المرضى. ومع تهالك مرافق الخدمات الصحية، زاد الطلب على أعمال الرعاية في عالم ما بعد الجائحة. فقد بلغ حجم أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر والأعمال المنزلية التي تؤديها النساء ثلاثة أضعاف ما يقوم به الرجل. وفي مصر ووفقًا لاستطلاع مركز بصيرة فقد أكد تأثير جائحة كورونا على دور المرأة داخل المنزل، إذ أشارت النتائج إلى أن نصف الإناث زاد الوقت الذي يمضينه في الأعمال المنزلية، وأن 61% منهن أمضين وقتًا أطول في رعاية أطفالهن مقابل 2% ذكرن أنهن أمضين وقتًا أقل.
تدخلات عاجلة
تعاني النساء على الصعيدين الدولي والمحلي في عالم ما بعد الجائحة، مما يستدعي تكييف منهجيات هادفة لضمان تعافي الفئات المتضررة، فعلى المستوى الاقتصادي، يجب اتخاذ التدابير اللازمة لتخفيف الأعباء الضريبية على شركات الأعمال التي تملكها النساء. إضافة إلى خفض وقت العمل للنساء التي تضطلع بمهام رعاية الأسرة (الزوج، الأبناء، الوالدين) مع دفع الأجر كاملًا، مع ضرورة تعديل قانون العمل ليشمل تطبيق ترتيبات العمل المرن التي تسمح بتحقيق توازن أكبر بين مسؤوليات العمل ورعاية الأسرة. ذلك مع إدراج وتعميم نظم العمل من المنزل للنساء في الوظائف التي تسمح بذلك، ووضع الأطر التنظيمية الكافية لذلك. علاوة على إنشاء أطر قانونية لتنظيم وحماية العمالة المنزلية من النساء.
وعلى الصعيد الاجتماعي، تظهر ضرورة إيلاء اهتمام صريح لدور المرأة بوصفها في الخطوط الأمامية للقطاع الصحي بنسبة 70%، وتزويد مقدمي الرعايا غير مدفوعة الأجر والعاملين في المجال الصحي بالمعلومات والتدريب والمعدات الكافية، ودعم سبل معيشتهم؛ للتعايش مع عالم ما بعد الجائحة. بالإضافة إلى توسيع نطاق الحصول على الإجازة العائلية والمرضية المدفوعة الأجر في القطاعين العام والخاص.
وعلى الصعيد الدولي، تتجلى أهمية إقرار الأمم المتحدة للمرأة بحق إجازة وضع لا تقل عن عام مدفوعة الأجر لضمان تحقيق الرعاية الكافية للنشء في سنواتهم الأولى، وإدماج جهود وخدمات الوقاية للتصدي للعنف ضد المرأة في الخطط الوطنية لعالم ما بعد الجائحة. وكذا، ينبغي زيادة الموارد المقدمة للنساء المعنفات والجماعات الفاعلة في المجتمع المدني التي تعمل على خطوط المواجهة الأمامية، وإدراج بيانات واضحة عن زواج الأطفال ومعدلات حمل المراهقات في عالم ما بعد الجائحة.