
منتدى شباب العالم.. منصة تمكين الشباب دوليًا
أدرك صانع القرار المصري مبكرًا أن العالم يمر بأزمة حادة في تمكين الشباب، وأن محاولات الغرب لتصدير تلك المشكلة إلى المحافل والأوساط السياسية في الشرق الأوسط لا تعكس إلا عجزًا في تمكين الشباب داخل الأحزاب الغربية. حتى وصل الأمر إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد انتخبت في نوفمبر 2020 أكبر رئيس سنًا في تاريخها الرئيس جو بايدن على حساب ثاني أكبر رئيس في سنها ألا وهو الرئيس دونالد ترامب، بينما تحتفل نانسي بلوسي رئيسة الكونجرس بعامها الحادي والثمانين!
وعلى ضوء تلك الأزمة التي لا يعاني منها الحزبان الكبيران في الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، ولكن في أغلب دول العالم، إلى جانب انهيار الحياة الحزبية المصرية ما بين عامي 2011 و2013 وفشل دعوات تمكين الشباب بعد أن صادرت الجماعة الإرهابية عملية تمكين الشباب لصالح مشروع “تمكين الإخوان”، وإيمانًا من الدولة المصرية بأن الجمهورية القابلة للبقاء هي الجمهورية الجاهزة بجيل ثانٍ وثالث للعمل السياسي؛ وافق صانع القرار المصري على الفكرة التي قدمها الشباب المصري في المؤتمر الوطني الثالث للشباب بالإسماعيلية في أبريل 2017 على عقد مؤتمر دولي سنوي للشباب تحت اسم “منتدى شباب العالم”.
ويتضح من أسلوب إدارة وعقد منتدى شباب العالم في الدورات الثلاث السابقة أن فكرة إعداد الشباب للعمل العام من كافة الجنسيات هي الفكرة الرئيسة التي جعلت الأمم المتحدة تعتمد المنتدى بوصفه منصة عالمية للحوار بين الشباب.
ويقوم المنتدى في كافة أدوار انعقاده بعرض كافة القضايا الدولية المعاصرة على الحضور، وذلك من أجل وضع خارطة طريق فكرية للحضور حول الأزمات التي يجب أن يركز عليها المهتمون بالعمل العام، سواء الشق السياسي أو الحقوقي أو المدني.
لذا، اهتم المنتدى في أعمال دوراته الثلاث السابقة بقضايا اللاجئين، والثورة الصناعية الرابعة، والتحول الرقمي، وحقوق المرأة خاصة في القارة الأفريقية، ونبذ العنصرية الدينية والقومية والفكرية، ورفض أيدولوجيات التطرف ودعم مكافحة الإرهاب حول العالم أجمع أيًا كان نوع هذا الإرهاب.. وذلك عبر محورين، الأول عرض رؤية وتجربة مصر في هذه المجالات، وهذا حق أصيل للدولة المستضيفة، والمحور الثاني هو رؤية العالم وفقًا لأكواد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لهذه القضايا وما يجب أن يتم إنجازه.
والهدف من ذلك أن يخرج “كادر منتدى شباب العالم” إلى مجتمعه وهو يعرف جيدًا المشاكل التي يمر بها العالم من حوله، وكذا التعاطي مع مشاكل مجتمعه وفقًا لرؤية نموذج ناجح قدمته مصر، أو تصور عام دولي وضعته الأمم المتحدة والمنظمات المعنية بكل قضية على حدة.
ويتضمن برنامج إعداد قادة المستقبل عبر فعاليات منتدى شباب العالم أن يتم استضافة الشباب المميز حول العالم أجمع في كافة المجالات، وذلك من أجل تقديم “القدوة”، وتقديم تفاصيل “التجربة” إلى الشباب الحاضر؛ إذ إن أكبر مشكلة تواجه الشباب دائمًا في بدء مسيرة العمل العام هي معرفة الخطوة الأولى، وتضارب الآراء والتوصيات. ولكن مع وجود شباب حقق نجاحات وقطع أشواطًا هائلة في العمل العام، ويقدم رؤيته وتوصياته وخبرته وتجربته إلى الشباب الحاضر، فإن حضور منتدى شباب العالم يكسب صاحبه القدرة المبكرة على معرفة الطريق، واستيعاب الخبرات المتراكمة لدى كافة المتحدثين.
وعلاوة على ذلك، فإن فعاليات منتدى شباب العالم لا تتوقف عند الندوات، وإنما تتحول مدينة شرم الشيخ بأسرها إلى حالة حوار مفتوح وعصف ذهني دائم بين كافة الحضور؛ لنقل الخبرات والثقافات والأفكار، ليتم صنع بوتقة ومفرزة تعود إلى بلاد أصحابها وتظل تعمل انطلاقًا من “مرجعية منتدى شباب العالم”.
ومما لا شك فيه أن شباب مصر –بحكم التنظيم والاستضافة– هم أصحاب النصيب الأكبر من التجربة، إذ وفّر منتدى شباب العالم لآلاف الشباب المصري فرصة ذهبية لحضور مؤتمر دولي معتمد من الأمم المتحدة على أرض مصر، ومقابلة شباب من أكثر من 150 دولة، ما أكسب شبابنا خلال أيام حشدًا من الخبرات كان يكتسبها الشاب المصري سابقًا في سنوات وربما عقود من البحث عن مؤتمر دولي لحضوره في الخارج، والأهم أن يمتلك القدرة على الانخراط في فعالياته ومناقشة الحضور والمتحدثين.
وقد انعكست تلك الخبرات المكثفة على عملية تمكين الشباب المصري في الداخل، إذ تسارعت وتيرة انتخاب الشعب المصري للشباب خلال انتخابات مجلسي النواب والشيوخ عام 2020، إضافة إلى ثقة القيادة السياسية في اختيار الشباب أثناء تعيين الوزراء ونوابهم، والمحافظين ونوابهم؛ ليتحول منتدى شباب العالم إلى “ورشة عمل دولية” لتطوير الكفاءات المصرية الشابة وإعدادها للعمل العام في أقرب وقت.
باحث سياسي