
كيف كشفت جائحة كورونا النقاب عن أهمية التكنولوجيا المالية في الاقتصادات الناشئة؟
شهد الاقتصاد العالمي خلال العامين الماضيين العديد من التحولات بالغة الأهمية في ظل انتشار جائحة كورونا وبدء التعافي من تداعياتها التي مثلت صدمة كبرى لكافة اقتصادات العالم. وعلى الرغم من التأثيرات السلبية للجائحة، إلا أنها لم تخلُ من فرص يمكن استغلالها واغتنامها لصالح الدول والمواطنين.
وفي هذا الإطار، كشف وباء “كوفيد -19” النقاب عن الدور الحيوي الذي يُمكن أن يؤديه قطاع التكنولوجيا المالية بوصفه أحد القطاعات الواعدة التي تمتلك فرصًا كبيرة، خاصة في الأسواق الناشئة والنامية في ظل التحول من الاقتصاد النقدي إلى الاقتصاد غير النقدي، وهو ما يتطلب تخصيص المزيد من الاستثمارات في البنية التكنولوجية والأمن السيبراني.
جائحة كورونا والتحول الرقمي
ساعدت جائحة كورونا على تعزيز التحول نحو الرقمنة بشكلها العام، وهو ما تجلى في زيادة عدد الأشخاص الذين يمتلكون الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسب الآلي، وزيادة التطبيقات المتعلقة بالتكنولوجيا المالية، ورقمنة الخدمات الحكومية. فقد أظهرت الجائحة الحاجة الملحة إلى التحول للخدمات الرقمية؛ في ظل القيود المفروضة على حركة المواطنين، وفرض قرارات الحجر الصحي وحظر التجوال التي أدت إلى توقف النشاط الاقتصادي والاجتماعي في العالم أجمع.
فخلال وباء كورونا، اضطر العالم إلى قبول فكرة التحول الرقمي وسط الظروف الاستثنائية التي شهدها؛ فبدأ الطلاب في الاتجاه إلى التعليم عن بعد، وبدأ الموظفون في العمل من المنزل وعقد الاجتماعات الافتراضية اعتمادًا على الإنترنت، وتبنى العديد من الشركات نماذج الأعمال الرقمية للحفاظ على سير أعمالها.
وفي الوقت نفسه، تم تطوير تطبيقات للمساعدة في “تتبع وتعقب” تطور الأخبار المتعلقة بالوباء، وكذلك اعتمد الكثيرون على منصات التجارة الإلكترونية وطرق الدفع النقدي، فضلًا عن توظيف الباحثين الذكاء الاصطناعي لمعرفة المزيد عن الفيروس وتسريع عملية البحث عن لقاح.
وبناء عليه، أبرزت الجائحة أهمية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والحاجة المُلِحة للرقمنة، والتي لعبت دورًا رئيسيًا في قدرة الدول على التكيف مع الأزمة الصحية وتبعاتها، والحاجة إلى التباعد الاجتماعي، والحد من التلامس والتزاحم.
وما يدلل على ذلك، ارتفعت حركة المرور على الإنترنت في بعض البلدان بنسبة تصل إلى حوالي 60% بعد فترة وجيزة من تفشي العدوى، ووصل عدد مستخدمي الإنترنت بشكل نشط في جميع أنحاء العالم إلى 4.66 مليار مستخدم حتى يناير 2021، من بينهم نحو 4.32 مليار شخص (92.6%) يعتمدون على الهواتف الذكية للوصول إلى الإنترنت. وفي عام 2020، بلغ الإنفاق العالمي على التحول الرقمي نحو 1.3 تريليون دولار، بزيادة قدرها 10.4% على أساس سنوي.
دور التكنولوجيا المالية في مساعدة الاقتصادات الناشئة على التعافي
يُمكن للتكنولوجيا المالية أن تلعب دورًا حيويًا في تعزيز قدرة الاقتصادات الناشئة على التعافي من تبعات الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انتشار جائحة كورونا؛ لأن القدرة على تأمين الخدمات المالية بأسعار ميسورة هو أمر بالغ الأهمية للحد من الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي والحفاظ على سير عجلة النشاط الاقتصادي. بجانب إنها تمهد الطريق للشمول المالي، وخاصة للنساء؛ إذ أصبحت التكنولوجيا المالية من أهم الحلول للنهوض بالقطاع المالي والمصرفي، وأصبحت من أهم أدوات تعزيز الشمول المالي.
ولا يُمكن اقتصار أهمية التكنولوجيا المالية في الأسواق الناشئة على مساعدة الأفراد وتعزيز الشمول المالي فحسب، بل إنها تتيح سبلًا سريعة وآمنة للحكومات للوصول إلى الفئات الأكثر احتياجًا من خلال التحويلات الاجتماعية وغيرها من المساعدات المالية، لا سيما عندما تكون وسائل النقل والتنقل غير آمنة أو محدودة.
وكذا، تمثل التكنولوجيا المالية طوق نجاة للشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر -التي تضررت بشدة جراء انتشار الجائحة في ظل ارتفاع تكاليف التشغيل واضطراب سلاسل التوريد- إذ ساندتها في عملية التغلب على هذه العقبات من خلال تسهيل المعاملات الرقمية والوصول إلى الائتمان بشكل سريع. وتؤدي رقمنة منشآت الأعمال الصغيرة إلى تقوية إنتاجيتها، وتحسين قدرتها على الحصول على التمويل والوصول إلى الأسواق.
وبناء على ما سبق، يُمكن التأكيد أن رقمنة التمويل للأفراد والشركات على حد سواء قد تؤول إلى خفض التكاليف، وفتْح أسواق جديدة، وتهيئة فرص لكسب الرزق وخلق فرص عمل جديدة، ومن ثم تساعد البلدان على إعادة البناء على نحو أفضل بعد زوال جائحة كورونا، وفقًا للبنك الدولي.
وفي هذا الإطار، ظهر تحديات عدة أمام تنامي دور التكنولوجيا المالية في الأسواق الناشئة؛ كونها منتجات جديدة لا تزال قيد التجربة. وتتمثل أهم تلك العوائق في عدم قدرتها على تلبية المتطلبات التنظيمية للقطاع المالي، والحفاظ على عمليات البحث والتطوير في الوقت نفسه. وبالإضافة إلى ذلك، تمثل مشكلة تدني جودة خدمة الإنترنت في بعض الدول النامية، وعدم انتشار الثقافة المالية بين الأفراد -الذين يفضلون طرق الدفع النقدي عند التعامل مع منصات التجارة الإلكترونية- قيودًا رئيسة أمام الشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا المالية.
وفي الختام، ينبغي الإشارة إلى الدور الذي لعبته جائحة كورونا في زيادة الاعتماد على التكنولوجيا المالية مع إبراز أهميتها في عملية تعافي الأسواق الناشئة من تداعيات الجائحة من حيث اتجاه الحكومات إلى إصدار قواعد تنظيمية وأطر تشريعية تعزز من تطوير هذا المجال، وتعزيز قابلية الأفراد تجاه استخدام أدوات التكنولوجيا المالية، لاسيما في ظل الإجراءات الاحترازية التي حدت من حركة الأفراد وقلصت من حجم التعامل المباشر، وكذلك دخول العديد من الشركات الجديدة في هذا السوق للاستفادة من الفرص التي يقدمها مجال التكنولوجيا المالية.
باحثة ببرنامج السياسات العامة