
تداعيات محتملة: خارطة الطريق في تونس
تشهد تونس حالة من الاضطراب السياسي منذ اتخاذ الرئيس التونسي قيس سعيد تدابير استثنائية، وقرارات تتعلق بتجميد اختصاصات المجلس النيابي، ورفع الحصانة عن أعضائه، وإعفاء رئيس الحكومة من منصبه، في 25 يوليو 2021، واستكمالًا لهذا المسار أعلن الرئيس قيس سعيد في 13 ديسمبر 2021 عن مجموعة من الإجراءات بمثابة خارطة طريق لهذه المرحلة والتي تضمنت؛ استمرار تعليق المجلس النيابي إلى تاريخ تنظيم انتخابات جديدة، بالإضافة إلى تنظيم استفتاء على التعديلات الدستورية في 25 يوليو2022 في ذكرى إعلان الجمهورية، وإجراء انتخابات تشريعية وفقا لقانون انتخابي جديد في 17 ديسمبر 2022.
وسيتم تنظيم استشارة شعبية أو استفتاء إلكتروني على أن ينتهي في الداخل والخارج على السواء في 20 مارس 2022 تاريخ الاحتفال بذكرى الاستقلال. مشيرًا إلى تشكيل لجنة تتابع هذه الاستفتاءات وتتولى اللجنة صياغة مخرجات هذه الاستشارات على أن تنتهي أعمالها قبل يونيو 2022، بالإضافة إلى اتخاذ كافة الإجراءات لتأمين الاستفتاءات، ووضع مرسوم خاص بالصلح الجزائي ومحاكمة من أجرموا في حق الدولة التونسية وفى حق شعبها. ضمن هذا السياق سوف يتم التركيز هنا على التداعيات المحتملة لخارطة الطريق التونسية، وردود الفعل الداخلية والخارجية بشأنها.
ردود الفعل
تصاعدت ردود الفعل الرافضة لخارطة الطريق باعتبارها امتداد للتفرد بالحكم من قبل الرئيس قيس سعيد، وفى هذا السياق أعلن تأسيس “اللقاء الوطني للإنقاذ” من قبل شخصيات سياسية وعدد من النواب، بزعامة قيادات من الأحزاب الليبرالية واليسارية مثل المحامي أحمد نجيب الشابي، والوزير السابق فوزي عبد الرحمان، ورجل الأعمال والبرلماني العياشي الزمال، رافضين هذه الإجراءات واعتبارها خرقًا للدستور وخروجًا على الشرعية.
ودعي كل من التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري والتكتل من أجل الديمقراطية إلى تنظيم مظاهرات رافضة للإجراءات المعلنة من قبل الرئيس سعيد. وكذلك تشكيل حركة” مواطنون ضد الانقلاب” بزعامة الحقوقي اليساري جوهر بن مبارك، وعبد الرؤوف بالطبيب المستشار السابق للرئيس سعيد، ورضا بالحاج المستشار السابق للرئيس الباجي قائد السبسي، وعدد من الأساتذة الجامعيين.
وتحظى هذه الحركة بدعم بعض الأحزاب السياسية على رأسها حركة النهضة وقلب تونس وحراك تونس الإرادة بزعامة الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، وقامت هذه الجبهة بتنظيم احتجاجات اعتراضًا على خارطة الطريق. كما رفض راشد الغنوشي رئيس البرلمان المجمد أعماله قرارات الخارطة واعتبرها غير دستورية وغير قانونية، وأن الحل يكمن في إجراء حوار وطني شامل.
بالإضافة إلى بروز المعارضين الجُدد لسياسات الرئيس قيس سعيد، بالرغم من تأييدهم للرئيس في وقت خلافات الرئيس ورئيس الحكومة المعفى هشام المشيشى، وعلى رأس هؤلاء المعارضين من الكتلة الديمقراطية المحامية سامية عبو، والأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، والوزير السابق محمد عبو والقيادي في حزب الشعب سالم الأبيض.
أيضًا تصاعدت التصريحات من قبل أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية، وهو ما يدلل على احتمالية وجود عقبات تواجه تنفيذ خارطة الطريق تتطلب التنسيق بشأنها المرحلة القادمة، حيث قال بلقاسم العياشى أحد أعضائها ” إن المواعيد الانتخابية التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد لا تستند إلى نصوص قانونية، وأن أي استحقاق انتخابي يتطلب مدة زمنية ما بين 6-8 أشهر من التحضيرات الميدانية واللوجستية والقانونية بهدف ضبط قائمة المرشحين وسجلات الانتخابات، وتهيئة مراكز الاقتراع وتوظيف عدد من المتقاعدين لتنظيم الانتخابات”.
على النحو الآخر؛ أيد شباب حراك 25 يوليو وحزب الوطنيين الديمقراطيين بزعامة عبيد البريكى وحزب التيار الشعبي القومي العربي بزعامة زهير حمدي وحزب الشعب القومي الناصري بزعامة زهير المغزاوى، وحزب التحالف من أجل تونس، قرارات الرئيس سعيد. بالإضافة إلى أن البيان الصادر عن الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل في 18 ديسمبر 2021، يوضح أن موقف الاتحاد مسانًدا ومؤيدًا لقرارات الرئيس قيس سعيد، وعبر البيان عن رفض العودة لمنظومة ما قبل 25 يوليو الفاشلة التي كانت تهدد الدولة في تونس ودعا الرئيس قيس سعيد إلى اعتماد مقاربة تشاركية تضم القوى والمنظمات الملتقية على أرضية 25 يوليو من أجل بلورة تصور واضح وتكامل، مما يضمن التأسيس لدولة مدنية وديمقراطية واجتماعية.
أما على المستوى الدولي؛ رحبت وزارة الخارجية الأمريكية بالإجراءات المعلنة وأنها تتطلع إلى عملية إصلاح شفافة وشاملة لأصوات المجتمع السياسي والمدني المتنوعة، ومن ثم تمثل خارطة الطريق مؤشر لمزيد من الدعم الدولي للرئيس قيس سعيد الفترة القادمة، في ضوء الضغط الداخلي والخارجي لتجاوز المرحلة الاستثنائية في تونس.
تداعيات محتملة
يمكن الإشارة إلى بعض التداعيات التي ترتبها خارطة الطريق التونسية فيما يلي:
- تغيير في المشهد السياسي: سوف ترتب خارطة الطريق تغيرات في النظام السياسي في تونس، من حيث تعديل الدستور، ووضع قانون انتخابي جديد، وربما تغير في صلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية خاصة بعد الإشكالية التي خلقها الدستور التونسي في السلطة ما بين الرئيس ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان. وربما تمثل هذه التعديلات الجديدة ضعفًا لدور القوى السياسية الرافضة للتغيير أو التيارات الإسلامية تحديدًا في تونس في المرحلة القادمة، لاسيما في ضوء سياساتها في البرلمان السابق والتي خلقت سخطًا شعبيًا على دورها، واتضح ذلك في بعض استطلاعات الرأي السابقة، التي تبرز تراجع لوزنها في الشارع التونسي.
- صراع محتمل: ما بين الرئيس قيس سعيد والقوى السياسية الرافضة لخارطة الطريق مما يقود إلى حالة من عدم الاستقرار، بما يشكل عبئًا إضافيًا في ظل الأزمات الحالية التي تعاني منها الدولة، لاسيما الأزمة الاقتصادية والمالية. وربما توظيف الأزمات من قبل القوى السياسية الرافضة لسياسات الرئيس قيس سعيد وتصعيد الاحتجاجات في الشارع، لاسيما بعد الإجراءات الإصلاحية التي تعتزم الحكومة التونسية اتخاذها من حيث خفض الإنفاق الحكومي ورفع الدعم تدريجيًا من مواد الطاقة، وحوكمة الأجور من خلال تسريح موظفين، وخفض الأجور.
- بروز كيانات سياسية جديدة: ربما تحاول القوى السياسية الغاضبة من قرارات الرئيس قيس سعيد، تشكيل كيانات جديدة ومستحدثة تضم القوى السياسية الرافضة لخارطة الطريق وعلى رأسها النهضة وقلب تونس، على أن تتكيف هذه الكيانات مع الحياة السياسية الجديدة في تونس، وتعمل على المشاركة في الانتخابات، حتى لا يتم استبعادها نهائيًا.
- استقرار محتمل: ربما تقود خارطة الطريق إلى وضع أكثر وضوحًا للداخل والخارج ومن ثم ينعكس ذلك على أوضاع اقتصادية أكثر ازدهارًا، ومضي تونس في طريق التنمية ومواجهة الفساد السابق، لكن ذلك مرهون بمساندة الشارع في تونس للرئيس نحو تنفيذ خارطة الطريق، وما ستفضي إليه نتائج الاستفتاءات ومشاركة الشعب بإيجابية في هذه الاستحقاقات القادمة.
باحث ببرنامج العلاقات الدولية