
القطاع الخاص شريك للتنمية والتمويل في مصر
مع الأعباء المالية المتزايدة للتنمية، عانت مصر ولا تزال من مشكلة عجز في تمويل التنمية؛ نظرًا لمحدودية الموارد المحلية، وانخفاض معدلات الادخار. وبالطبع فإن الأمر يصبح أكثر سوءًا في حال ربطه بارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة، وهو الأمر الذي يزيد الضغط على موارد التمويل المحلية، ويتسبب في استهلاك نسبة كبيرة من المدخرات المحلية، وهو يتضح جليًا بالنظر إلى معدل الادخار المحلي الإجمالي والذي ارتفع من 6.2% في عام 2017/2018 إلى 10% في عام 2018/2019، وهو ما أسهم في خفض فجوة التمويل من 10.5% في عام 2017/2018 إلى 8.2% في عام 2018/2019.
ومن المتوقع أن يرتفع معدل الادخار القومي إلى 15.7%، وهو ما سيسهم في خفض فجوة التمويل إلى 2.5%. وقد ارتفعت معدلات الاستثمار المحلي الإجمالي هي الأخرى بنسبة طفيفة في عام 2018/2019 لتصل إلى 18.2% مقابل 16.7% في العام 2017/2018. ومع ذلك فإن هذه المعدَّلات للادِّخار والاستثمار ما زالت بعيدة عن المستويات المطلوبة لتحقيق نقلة نوعية في مسار التنمية. ووفقًا لتوقّعات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، من المتوقّع أن تصل الفجوة التمويلية إلى 6.4% من الناتج المحلِّي الإجمالي في العام 2021 / 2022.
ويعد القطاع الخاص المصري أحد أهم شركاء التنمية والبديل الحقيقي لسد ذلك العجز في تمويل التنمية، إذ يشترك في تنفيذ بل وفي تمويل وإدارة مشروعات البنية الأساسية والمرافق العامة وفقًا للعديد من النماذج التشاركية المختلفة. ولا يمكن إغفال دور القطاع الخاص في توفير التمويل للمشروعات القومية وحتى الإنفاق على الخدمات العامة والتي تشمل خدمات التعليم والصحة.
ويعمل القطاع الخاص جنبًا إلى جنب مع الدولة وفقًا للإطار التشريعي رقم 67 لعام 2010 ولائحته التنفيذية، وإطار مؤسسي يدعم تلك الشراكة من خلال وحدتين لمشروعات المشاركة مع القطاع الخاص بوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، والتي تقدم الدعم الفني للوزارات المعنية والمشروعات المطروحة بأسلوب المشاركة، وتضع أنماط ونماذج العقود وأطرًا عامة للتنفيذ.
ووفقًا للبيانات المتاحة، يبلغ حجم القطاع الخاص الذي يعمل في مشروعات التشييد والبناء التي تعكف الدولة على تنفيذها عدد 4375 شركة، يعمل بها من 4 ملايين إلى 5 ملايين عامل، ومن ثم هناك من 15 مليون إلى 20 مليون مصري يستفيدون بصورة مباشرة من تلك المشروعات. ومن شركات القطاع الخاص، هناك 150 شركة وصلت قيمة ما حصلت عليه كل منها عبر مشاركتها في مشروعات التشييد والبناء إلى ما يقرب من مليار جنيه، وحصلت باقي الشركات الخاصة على ما يقرب من 75 مليار جنيه من خلال عملها في الفترة الماضية.
توجد دروس ناجحة لهذا النظام في مجالات معالجة مياه الصرف الصحي، والتطوير العقاري بالمجتمعات العمرانية الجديدة، والتي يمكن البناء عليها في المبادرات المطروحة في مجالات إنشاء وإدارة وتشغيل المدارس والجامعات والمستشفيات. لكن رغم وجود ذلك القانون (الشراكة بين القطاعين العام والخاص) فإن المشروعات التي تمت في هذا الإطار ظلت محدودة للغاية، لذا أنشأ رئيس الوزراء في عام 2018 لجنة لتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص، خاصة في مجال التعليم والمرافق العامة.
وبجانب ذلك، تقرَّر إلزام الجهات الإدارية بالانتهاء من التراخيص والموافقات والتصاريح، وأيضًا قرارات تخصيص الأراضي اللازمة للمشروع قبل الطرح، وتأكيد ضرورة إيجاد آلية لاختيار المشروعات التي ستتم على أساس المشاركة، مع إجراء الدراسات الفنية والمالية الخاصة بتلك المشروعات. وشُكِّلت لجنة بوزارة المالية لدراسة وإجراء التعديلات التشريعية اللازمة على قانون تنظيم مشاركة القطاع الخاص، والتي تتضمَّن استحداث آليات جديدة للتعاقد مع القطاع الخاص، وتوسيع المجالات المتاحة للاستثمار من القطاع الخاص. وقامت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بإنشاء وحدة دراسات الجدوى والشراكة مع القطاع الخاص والمنظمات الحكومية بهدف اختيار المشروعات الملائمة للشراكة بين القطاعين العام والخاص وفق معايير محددة.
من الجدير الإشارة إلى أن القطاع الخاص يشكل حوالي 68% – 78% من الناتج المحلى الإجمالي وفقًا للعام المالي 2021/2022، ويسهم بأكثر من 90% في بعض الأنشطة خاصة الزراعية والصناعية والتشييد والبناء والتحويلية والتجارة الداخلية والسياحة والأنشطة العقارية والمعلومات والخدمات الاجتماعية. وبلغت مساهمة القطاع الخاص في جملة الاستثمارات التي تم تنفيذها في عام 2018/2019 نسبة 52% من الاستثمارات، ومن المتوقع أن تمثل تلك النسبة في العام 2021/2022 نسبة 25% من إجمالي الاستثمارات، تأتي معظم تلك الاستثمارات في المجالات التي تتعلق بالإسكان والقطاع العقاري، وخاصة الإسكان الفاخر.
إن شراكة الدولة للقطاع الخاص ليست خيارًا، ففي الوضع المصري ومع قصور موارد التمويل فإن البحث عن تمويل من خلال الاقتراض أو آليات التمويل الأخرى المتنوعة وغير التقليدية كان الأساس لتلك النهضة التنموية التي حدثت في مصر في السنوات الماضية.
وعلى الرغم من أن معظم المشروعات التي قامت بها الدولة المصرية مع القطاع الخاص هي مشروعات ركزت بالأساس على البنية التحتية؛ كونها المشروعات التي تمهد الطريق للتوسع في أنشطة إنتاجية أخرى، فإن الاستثمار على نطاق واسع في مشروعات البنية التحتية ينشط الطلب في السوق على منتجات الأنشطة الأخرى.
ومن المعروف أن الطلب أو الاستهلاك هو المحرك الأساسي للاستثمار، وهو ما حدث في مصر؛ إذ أدت المشروعات التي نفذتها الدولة إلى تشغيل عدد كبير من العمالة، الأمر الذي ترتب عليه توليد دخل لهؤلاء العاملين، ومن ثم إنعاش السوق ودفع حركة الإنتاج والاستثمار في القطاعات الأخرى.
باحث ببرنامج السياسات العامة