
الخدمات الصحية في صعيد مصر.. خطوة لصون حياة الإنسان المصري
تسعى الدولة المصرية جاهدة إلى النهوض بالمنظومة الصحية؛ وذلك بهدف توفير الرعاية الصحية لجميع المواطنين دون تمييز، كحق من الحقوق الإنسانية التي كفلها الدستور. فقد قامت الدولة منذ عام 2014، باتخاذ حزمة من الإجراءات للنهوض بالرعاية الصحية، على رأسها النهوض بالصحة العامة للمواطنين في إطار من العدالة، خاصة في ظل وجود الفجوة التنموية بين الريف والحضر.
لذا وجهت الدولة اهتمامها نحو الريف المصري، خاصة الوجه القبلي؛ من خلال استثمارات بتكلفة 78.3 مليار جنيه للنهوض بمؤشرات الصحة في الصعيد، سواء من خلال إنشاء وتطوير العديد من المستشفيات، وكذلك أولوية إدراج محافظات الوجه القبلي في مشروع التأمين الصحي الشامل، فضلًا عن إطلاق العديد من المبادرات الصحية لتوفير حياة كريمة للمواطنين.
وقد أثبتت جائحة “كوفيد-19” أن وجود بنية تحتية قوية للنظام الصحي، خاصة الريف المصري على وجه العموم، والوجه القبلي على وجه الخصوص، يساعد على مواجهة الأزمات الصحية المفاجئة، دون التأثير على خطة الدولة في تحقيق التنمية. وقبل أن نتناول أبرز جهود الدولة في توفير الرعاية الصحية لمواطني الريف المصري، خاصة الوجه القبلي (الصعيد)، نستعرض البنية التحتية للنظام الصحي في الريف المصري.
البنية التحتية للنظام الصحي
- المستشفيات الحكومية والخاصة بالوجهين البحري والقبلي
تقديم الخدمات الصحية يتم على أكثر من مستوى، سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة. وتقدم المستشفيات الحكومية خدماتها بجودة مناسبة ومجانًا، وتضم أقسامًا للعيادات الخارجية وأقسامًا داخلية في مختلف التخصصات. ووفقًا لإحصائية الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء نجد أن محافظات الوجه البحري بها عدد كبير من المستشفيات الحكومية، وخاصة محافظة الدقهلية؛ إذ بلغ عدد المستشفيات بها 45 مستشفى، تليها محافظة الشرقية بعدد 38 مستشفى.
أما الوجه القبلي، فيفتقر إلى وجود عدد مناسب من المستشفيات الحكومية، خاصة محافظات (الأقصر- بني سويف- الفيوم)، بينما جاءت محافظة المنيا بأكبر عدد في المستشفيات الحكومية (37) وكذلك المستشفيات الخاصة بعدد (46).
- خدمات الرعاية الأولية في الريف المصري
نظرًا لبُعد المسافة بين المستشفيات الحكومية وبعض القرى، فإن مراكز طب الأسرة تعد المصدر الأول لتقديم الخدمات الصحية في الريف المصري، ونجد أن محافظة الدقهلية من أعلى المحافظات في وجود وحدات طب أسرة (428)، تليها محافظة الشرقية بعدد (424).
أما بالنسبة لريف الوجه القبلي، فإننا نجد أنه يعاني من قلة الخدمات الطبية، مقارنة بعدد المواطنين القاطنين بالمحافظات. فنجد أن محافظة الأقصر من أقل المحافظات التي لديها وحدات صحية بعدد (86)، بينما تأتي محافظة المنيا بأعلى معدل بـ (338) وحدة صحية وعيادة فرعية.
المبادرات الصحية في محافظات الصعيد
قامت الدولة بإطلاق العديد من المبادرات الصحية بمحافظات الصعيد، منها: مبادرة القضاء على فيروس سي، ومبادرة إنهاء قوائم الانتظار، ومبادرة علاج الأمراض المزمنة، ومبادرة دعم صحة المرأة، ومبادرة الكشف المبكر وعلاج فقدان السمع، ومبادرة العناية بصحة الأم الحامل والجنين.
- مبادرة القضاء على فيروس سي
بدأت المبادرة منذ أكتوبر 2018 واستهدفت الكشف المبكر عن الإصابة بفيروس الالتهاب الكبدي (سي)، إلى جانب التقييم والعلاج من خلال وحدات علاج الفيروسات الكبدية المنتشرة في المحافظات. وتم تقسيم المحافظات على ثلاث مراحل، المرحلة الأولى: من أكتوبر وحتى نوفمبر 2018، وضمت محافظات، جنوب سيناء ومطروح وبورسعيد والإسكندرية والبحيرة ودمياط والقليوبية والفيوم وأسيوط.
المرحلة الثانية: من ديسمبر 2018 وفبراير 2019، وضمت 11 محافظة، هي شمال سيناء والبحر الأحمر والقاهرة والإسماعيلية والسويس وكفر الشيخ والمنوفية وبني سويف وسوهاج وأسوان والأقصر.
المرحلة الثالثة: مارس 2019، وضمت 7 محافظات، وهي الوادي الجديد والجيزة والغربية والدقهلية والشرقية والمنيا وقنا.
وبالنسبة لمحافظات الصعيد فقد تم فحص 11.7 مليون مواطن، بتكلفة 725.4 مليون جنيه، وقد تلقى العلاج 388 ألف مصاب.
- مبادرة إنهاء قوائم الانتظار
أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي المبادرة في يوليو 2018، وكان هدفها الأساسي هو منع تراكمات قوائم الانتظار للعمليات الجراحية؛ بهدف تخفيف المعاناة عن المرضى، وعدم تحمل المريض أي أعباء مالية، ومتابعة المرضى أثناء وبعد العملية، وتقديم الخدمة الطبية بأعلى جودة وكفاءة. وذلك بالتعاون بين وزارة الصحة وعدد من منظمات المجتمع المدني، والرقابة الإدارية، والبنك المركزي المصري، ووزارة التعليم العالي والتي قدمت الدعم من خلال المستشفيات الجامعية، والمستشفيات الخاصة، ومستشفيات القوات المسلحة والشرطة.
وكان لمحافظات الصعيد نصيب من هذه المبادرة، من خلال استهداف 134 ألف حالة ب 103 مستشفى، بتكلفة تصل إلى 1.346 مليار جنيه.
- مبادرة علاج الأمراض المزمنة
تم البدء في المبادرة في أغسطس 2021، وكان لمحافظات الصعيد نصيب كبير منها من خلال توقيع الفحص الطبي على 560 ألف مواطن. وقد تلقت 320 ألف حالة العلاج بتكلفة تصل إلى 94.8 مليون جنيه.
ويتمثل الهدف الرئيسي للمبادرة في متابعة وعلاج الأمراض المزمنة وغير السارية، للمواطنين فوق عمر ٤٠ عامًا، والمواطنين من عمر ١٨ حتى ٤٠ عامًا ممن يعانون من ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة السكر في الدم عن المعدلات الطبيعية، ويتم إجراء الفحوصات الطبية اللازمة للمستهدفين، وصرف العلاج اللازم لهم بشكل دوري.
- مبادرات للمرأة الريفية
مع اهتمام الدولة بالمرأة، كان لها نصيب كبير في إطلاق العديد من المبادرات التي تتعلق بصحة المرأة أو حملات التوعية سواء المتعلقة بصحة الأم أو الجنين أو الصحة الإنجابية. وقد استهدفت مبادرة دعم صحة المرأة في محافظات الصعيد عدد 4.4 مليون سيدة، وبالفعل تم بدء علاج 18288، بتكلفة تصل إلى 129.7مليون جنيه.
كذلك، أطلقت الدولة مبادرة العناية بصحة الأم الحامل والجنين للكشف عن الأمراض غير السارية والصحة الإنجابية للسيدات، مع تقديم خدمة الكشف المبكر عن أورام الثدي، بجانب نشر الوعي الصحي وتعزيز تواصل السيدات بوحدات الرعاية الأساسية، علمًا بأنه يتم تقديم العلاج بالمجان.
- مبادرة حياة كريمة
أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة حياة كريمة في عام 2019؛ بهدف تحسين أحوال معيشة المواطنين في الريف المصري، خاصة الوجه القبلي (الصعيد) حيث تقع أغلب المحافظات التي تعاني من نسب فقر فوق 70%. وشملت المبادرة تحسين أحوال المواطنين على كل المستويات، وتقدم المبادرة العديد من الخدمات الطبية سواء من خلال إنشاء مستشفيات أو رفع كفاءتها، أو إنشاء وتطوير وحدات صحية، بالإضافة إلى التدخلات الطبية غير المباشرة من خلال (القوافل الطبية- عمليات عيون- أجهزة تعويضية).
ومن أهم نتائج المبادرة على أرض الواقع في محافظات الصعيد إنشاء27 مستشفى بإمكانيات كاملة وجودة مناسبة، وكذلك رفع كفاءة عدد (13) مستشفى، وإنشاء وتطوير عدد (659) وحدة طب أسرة؛ بهدف رفع كفاءة المنظمومة الصحية.
وقد افتتح الرئيس السيسي خلال الأسبوع الماضي ضمن خطة التنمية في الصعيد، مستشفى الأطفال التخصصي بالأقصر، ومستشفى سمالوط التخصصي بالأقصر، ومستشفى الكبد والجهاز الهضمي بجامعة المنيا بمحافظة المنيا، وكذلك شهد الرئيس افتتاح توسعات كلية طب الأسنان بجامعة أسيوط بمحافظة أسيوط.
- مشروع التأمين الصحي الشامل
تهدف منظومة التأمين الصحي الشامل إلى تحسين الخدمة الطبية المقدمة للمواطنين دون تمييز، بالإضافة إلى توفير العلاج لكل المواطنين، وبالتالي يمكن القول إن منظومة التأمين الصحي نظام تكافلي اجتماعي بمشاركة جميع الأفراد دون تمييز، مما يحقق العدالة والمساواة بين فئات المجتمع.
مع ملاحظة أن جائحة كوفيد- 19 بكل تبعاتها الصحية، والاقتصادية والاجتماعية، انعكست كذلك على تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل؛ وكان تحديًا كبير في استكمال تطبيق التأمين الصحي الشامل في ظرف وباء عالمي غير مسبوق. ولكن ذلك لم يقف حائلًا، وتم إطلاق إشارة البدء بالعمل في محافظة الأقصر، وجارٍ العمل في محافظة أسوان، بهدف رفع البنية التحتية للخدمات الصحية.
- خدمات الصحة النفسية
لم يقف الأمر عند الاهتمام بالصحة العامة للمواطنين دون الأخذ في الحسبان الصحة النفسية، بل بدأت الدولة الاهتمام بالجانب النفسي أيضًا من خلال زيادة عدد الأسرة الطبية بالمستشفيات النفسية بمحافظات الصعيد، كذلك افتتاح أول قسم لعلاج الإدمان في محافظة سوهاج.
ويتضح مما سبق، أن تطوير البنية التحتية للقطاع الصحي يعد أحد أدوات بناء الإنسان المصري، وتعمل الدولة على معالجة الفجوة التنموية بين الحضر والريف، وخاصة في محافظات الصعيد التي عانت نقصًا في العديد من الخدمات الطبية على مدار السنوات السابقة، لذا تسعى الدولة جاهدة لتحسين هذه الخدمات، من خلال إطلاق المبادرات الصحية، وكذلك مبادرة حياة كريمة، والتي تهدف جميعها إلى تحسين المنظومة الصحية على المديين القصير والمتوسط.
فنجد أن القوافل الطبية تعمل على سد العجز في قرى الصعيد من خلال تقديم خدمات طبية في تخصصات غير متوافرة بالوحدات الصحية، بالإضافة إلى حملات التوعية والندوات الطبية التي تعقد في القرى بهدف رفع الوعي الصحي لدى المواطنين. أما مبادرة حياة كريمة فتعمل على تقديم خدمات على المدى الطويل من خلال إنشاء وتطوير مستشفيات أو إنشاء ورفع كفاءة وحدات صحية.
أما منظومة التأمين الصحي الشامل فتهدف إلى تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين من خلال تقديم خدمات علاجية بجودة عالية، وتساعد على تقليل إحساس المواطن البسيط بالتهميش الذي عانى منه لسنوات طويلة. ومن ثم، تسير الدولة بخطوات ثابتة على طريق تحقيق التنمية في المجال الصحي.
باحثة بالمرصد المصري