
“توشكى الخير”.. إعادة الحياة لجنوب مصر
إنجاز جديد يضاف للدولة المصرية اليوم، وتحديدًا في صعيد مصر؛ وهو افتتاح أكبر مشروع استصلاح زراعي في منطقة الشرق الأوسط “توشكى”، وهو أحد أكبر المشاريع العملاقة التي أعاد الرئيس عبد الفتاح السيسي الحياة إليها بعد معاناة مع التدهور أصابت هذا المشروع القومي جنوب أسوان، والتي تعد من أهم مدن مصر والبوابة الجنوبية لها، ليعود هذا المشروع من جديد ضمن خطة البرنامج الرئاسي لزراعة 4 ملايين فدان.
عودة للحياة بعد عقود من الإهمال
رأي الكثير من الناس أن مشروع “توشكى” مشروع وهمي، أُنفقت عليه المليارات دون تحقيق أي جدوى منه؛ فكيف تتحول أرض صحراوية جرداء إلى واحة خضراء مليئة بالخير وبالنماء؟
دشن هذا المشروع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في يناير عام 1997، وكان الهدف الأساسي منه هو خلق وادٍ جديد في الصحراء الغربية باستصلاح وزراعة 540 ألف فدان حول منخفضات توشكى، وتصل مستقبلًا إلى مليون فدان موازٍ لوادي النيل، وذلك من خلال تخصيص هذه الأراضي للمستثمرين والشركات التابعة للدولة، وذلك في إطار خطة الدولة لتوسيع رقعة المساحة المعمورة من 5% إلى 25% من مساحة مصر.
“توشكى”، الأرض البكر التي لم تطأها قدم إنسان من قبل، الحلم القديم بإنشاء وادٍ جديد موازٍ للوادي القديم، يربط بين أربع واحات، واحة الخارجة، وواحة الداخلة، وواحة سيوة، والواحات البحرية، مرورًا بشرق قناة الشيخ زايد، إلى أن وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتنمية جنوب الوادي، وتحويل مشروع “توشكى” إلى واقع ملموس ليصبح أهم المشاريع القومية في العصر الحديث، وليس لاستصلاح الأراضي فقط، بل لتأمين مستقبل أجيال.
يهدف المشروع إلى التغلب على الفجوة الغذائية وذلك بزيادة الرقعة الزراعية بحوالي 540 ألف فدان، لتتطور وتصل في المستقبل إلى مليون فدان، مع تعظيم عائد الموارد المتاحة، وزيادة الصادرات الزراعية، مما يساعد في تقليل العجز في الميزان التجاري، وتوفير فرص العمل لآلاف الشباب وخاصة في صعيد مصر.
بدأ العمل بالمشروع في 1 أكتوبر، 2020، بتكلفة تصل إلى 6.4 مليار جنيه، وذلك بمضاعفة الآلات والمعدات العاملة، لتسريع عمليات شق الترع وتفريعات المفيض لاستثمار مياهه، والتي كانت تضيع هباءً ولا تستفيد منها مصر بشكل كبير، وتذهب في البحر أو لتغذية الخزان الجوفي بالصحراء الغربية. ومن هنا، كان لا بد من ضرورة استثمار هذه الكميات الضخمة من المياه في زراعات استراتيجية عملاقة، حيث ستحقق توشكى حلم الاقتراب من الاكتفاء الذاتي من القمح بشكل كبير، ولن نحتاج إلا لاستيراد أقل من ربع الكمية، بل وسنعمل على التصدير للخارج.
وبداية تحقيق الحلم كان باستصلاح 85 ألف فدان من 100 ألف فدان مخططة للاستصلاح عام 2021، وزراعة 1.35 مليون نخلة على مساحة 21 ألف فدان، ومن المقرر أن تصل إلى 2.3 مليون نخلة على مساحة 37 ألف فدان.
وكذلك، تم حفر وتبطين ترعتين بإجمالي أطوال 38 كم، بإجمالي كميات حفر تقدر بـ 9 ملايين مترً مكعب، وتم إنشاء محطتي رفع مياه بإجمالي 10 طلمبات، بطاقة إنتاجية 3 ملايين متر مكعب في اليوم، بالإضافة إلى مد شبكات الري بأطوال 1107 كم، بأقطار تتراوح من 180 مم إلى 1200 مم، بإجمالي حفر 4 ملايين متر مكعب. وتم تنفيذ جميع أعمال الكهرباء لتغذية محطات الطلمبات وأجهزة الري المحوري، وتتمثل في 12350 برجًا هوائيًا بإجمالي 2247 كم هوائيات، وتم تركيب وتشغيل 1103 جهاز ري محوري.
ونظرًا إلى خطة الدولة لاستصلاح أكثر من مليوني فدان في أكثر من منطقة كـ “توشكى” و”شرق العوينات” والدلتا الجديدة، وشمال ووسط سيناء، يقوم جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالتعاون مع شركات “السويدي إليكتريك” بإنتاج أجهزة الري المحوري بأيادٍ مصرية خالصة ماهرة ومدربة، في مصنع مخصص في المنطقة الصناعية بالعين السخنة، على مساحة 120 ألف فدان.
وذلك من أجل تعظيم القيمة المضافة، وتوطين الصناعات الاستراتيجية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من تلك الأجهزة، وتحقيق أعلى استفادة من المياه، فضلًا عن توفير الكثير من العملة الصعبة، وتحقيق عائد اقتصادي ضخم، وخلق الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة تصل إلى 2000 فرصة.
كيف يصل الماء إلى أراضي توشكى؟
تبدأ الرحلة من بحيرة ناصر، وهي أكبر بحيرة صناعية في العالم، تقوم بتخزين الماء الفائض من السد العالي، فعندما يصل مخزون الماء في بحيرة ناصر إلى 178 م، تبدأ المياه بالتحرك إلى محطة الرفع الموجودة جنوب السد العالي على بعد 200 كم، ليتم ضخ المياه في قناة الشيخ زايد التي يبلغ طولها 50.8 كم، بعمق 6 أمتار، وبتكلفة 1.5 مليار جنيه مصري، والتي تعد شريان الحياة الذي سيغذي هذا المشروع بالكامل.
وعن طريق قنوات متفرعة من القناة الرئيسية، تسير المياه لتغطي مناطق كثيرة من الأراضي، ويسهل بهذه الطريقة ري الأراضي. وبنهاية القناة الرئيسية يتفرع منها فرع 1 و2 بقنطرة لخدمة 240 ألف فدان على الفرعين 1و2 بالتساوي، بمجموع أطوال 75 كم وتكلفة تقدر بـ 650 مليون جنيه، أما عن فرع 3 و4، فمن المفترض أن يقوما بخدمة ري لـ 300 ألف فدان، ففرع 3 يروي 100 ألف فدان، وفرع 4 سيروي 200 ألف فدان، بمجموع أطوال 118 كم، وتكلفة تقدر بـ 750 مليون جنيه.
والمسؤول عن رفع كل هذه المياه هي محطة” مبارك” العملاقة التي تعد من أضخم المحطات في العالم من حيث عدد الوحدات وكمية المياه المنصرفة، وتقوم بتوفير مياه الري لمساحة 540 ألف فدان بالصحراء الغربية عن طريق محطة رفع عملاقة تقوم بضح المياه من بحيرة ناصر إلى قناة الشيخ زايد من ثم إلى فروعها الأربعة بطول حوالي 250كم.
وتتكون المحطة من ثلاثة أجزاء رئيسية: قناة المأخذ وحوض المصب وعنبر الطلمبات وخطوط وحوض الطرد: وقناة المأخذ يبلغ طولها حوالي 4.5 كم داخل البحيرة، حيث تم استخدام حفارات عملاقة في حفر هذه القناة بأعماق متفاوتة بمتوسط 40 م علاوة على استخدام أسلوب التفجير الصامت تحت المياه، ولضمان الوفاء باحتياجات الري لزمام المحطة البالغ 540 ألف فدان تم تركيب نظام تشغيل وتحكم يعمل أوتوماتيكيًا ويدويًا باستخدام الدوائر المنطقية. وكذلك، توجد آبار مخصصة لري الأراضي الزراعية في توشكى، فمن خلال المرحلة الأولى كان من المخطط توفير 316 بئرًا، لري 30 ألف فدان.
منظومة عملاقة
أكد السيد الرئيس عبا الفتاح السيسي، أن الدولة المصرية تعمل بجهد، مستغلة كل المجهودات والموارد من أجل تحقيق التنمية المستدامة لأبنائها، بما في ذلك الشركات الوطنية والمدنية والهيئة الهندسية. وأكد أن جميع العاملين على المشروعات لن يرتاحوا إلا بعد الانتهاء الكامل من جميع المشروعات التي ستحقق الخير للوطن.
وتطرق الرئيس السيسي إلى العقبات التي واجهت العاملين على هذا المشروع، ومنها الحاجز الجبلي الموجود في فرع 4 من توشكى، والذي منع وصول المياه إلى 300 ألف فدان، ويحتاج إلى 3 ملايين طن مفرقعات لتفجيره، وهذا كان فشل توشكى قديمًا، لأن الدولة لم تكن تملك المال اللازم لإزالة هذا الحائط الصخري الذي يمتد إلى 9كم، وبعمق 20 مترًا تحت الأرض. مؤكدًا أن هناك فرقًا بين الفكر والتخطيط النظري، ولا بد من تجاوز هذه التحديات مهما كانت.
ومن ضمن العقبات التي تحدث عنها الرئيس اليوم، أن الدراسات الأولية للمشروع قد أثبتت أن 60% من الأراضي فقط كانت قابلة للزراعة، ولكننا كنا مجبرون عليها لأن الأراضي الصالحة للزراعة موجودة في الدلتا وحوض النيل، وقد تم استنزافها من خلال البناء عليها، ومن هنا أصبحت زراعة توشكى مسألة أمن قومي، ولا يمكن إجبار المستثمرين على حل مشكلات الأمن الوطني، وبالتالي كان يجب على الدولة أن تتدخل بنفسها لمعالجة الأراضي.
وأشار الرئيس السيسي أنه خلال أكتوبر القادم، سيتم الانتهاء من هذا المشروع بجميع مراحله، وبما يشمله من مشاريع صناعية، لتصنيع المنتجات القادمة من خير هذه الأراضي.
وشهد الرئيس السيسي افتتاح طريق توشكى – شرق العوينات بطول 360 كم، وتكلفة 6.9 مليار جنيه، وقد أطلق سيادته اسم رئيس الوزراء السابق، كمال الجنزوري، على محور توشكى، كونه أحد المخططين للمشروع منذ البداية، وكان بالنسبة له مسألة استراتيجية من أجل تعويض الفاقد من الأراضي الطينية الخصبة في منطقة الدلتا، وحتى يتوفر غذاء صحي آمن للشعب المصري.
باحثة بالمرصد المصري