عين على الأحداثمكافحة الإرهاب

تهديدات متزايدة.. دوافع استخدام ” الدرونز” في الإقليم

ساهم التطور التكنولوجي في تغيير نمط الحروب الحديثة، كما أصبح إلزاميا على القوات المسلحة النظامية أن تقوم بدمج التقنيات الحديثة لرفع مستوى الاستعداد والاحترافية لقواتها، وذلك بالتزامن مع امتلاك بعض الفاعلين العنيفين من غير الدول لهذه التكنولوجيا التي مكنتهم من استنزاف مقدرات بعض الدول، والسيطرة على أراضيها تجلى ذلك في منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة وذلك باستخدام الطائرات بدون طيار “الدرونز”.

فقد تزايد اعتماد الجماعات المسلحة عليها في تنفيذ بعض العمليات الهجومية الموجهة ضد أهداف عسكرية، ومنشآت حيوية في مناطق الصراعات. كما استطاعت هذه الجماعات تصنيع وإنتاج الدرونز مزودة بإمكانيات أفضل -(بكاميرات، وأجهزة تحكم عن بعد)- تسمح لها بحمل أكبر قدر من المتفجرات، فضلا عن تمكنها من توجيه الانتحاريين، والقيام بعمليات التجسس دون رصدها. 

 وفيما يتعلق بمراكز الإنتاج في المنطقة، فتمثل إسرائيل أهم المنتجين الإقليمين، وثاني أكبر المصدرين دوليًا بعد الولايات المتحدة، بالتزامن مع صعود بعض القوى الإقليمية مثل تركيا التي أعلنت عن إطلاق “درونز” مُزودة بصواريخ محلية الصنع في أبريل 2016 والمعروفة باسم “بيرقدار التكتيكية بلوك 2”.  

                                 توظيفات متعددة

تنوعت الأهداف والاستخدامات الخاصة بالطائرات بدون طيار، ولكنها برزت بشكل كبير في مناطق الصراعات؛ حيث تعد سلاحا ذو حدين فبالرغم من قدراتها على القيام بالأعمال المدنية إلا إن بعض الدولة والجماعات وظفتها بشكل أمني وعسكري على النحو التالي:

  1. مكافحة الإرهاب؛ أصبحت “الدرونز” من أهم الآليات المستخدمة في عمليات مكافحة الإرهاب، فقد استخدمتها الولايات المتحدة في استهداف أول إرهابي مشتبه به بضربة قاتلة باستخدام “الدرونز” في نوفمبر 2002، وفي 2004 استهدفت زعيم التمرد في شمال غرب باكستان باستخدام “الدرونز”. كما زاد استخدامها في باكستان بشكل كبير في عهد الرئيس “جورج بوش الابن”، بمعدل غارة جوية كل أربعين يومًا.  وفي عهد الرئيس “باراك أوباما”، تنامت وتيرة الضربات بمعدل ضربة واحدة كل أربعة أيام. وفي عهد الرئيس “دونالد ترامب” استمرت الضربات ولكن ليست بنفس الوتيرة تمثل ذلك في عام 2017 الذي تم فيه توجيه ما يقرب من 8 ضربات إلى باكستان، وأكثر من 30 ضربة في الصومال، هذا بجانب ضربات أقل في كل من ليبيا وسوريا. الأمر الذي ساهم في التخلص من عدد كبير من العناصر الإرهابية مثل “رشيد قاسم” المنتمي إلى “داعش”. 
  • التوغل والإضرار بالمصالح؛ شهدت منطقة الشرق الأوسط عدد من العمليات الإرهابية، باستخدام الطائرات بدون طيار، بواسطة بعض الجماعات المسلحة والأذرع التابعة لقوى الشر في الإقليم التي استطاعت امتلاكها وتوظيفها لخدمة مصالحهم، فضلاً عن الأضرار بمصالح القوى الإقليمية العربية في عمقها الاستراتيجي. تجلى ذلك في هجمات المتمردين الحوثيين الذين تدعمهم إيران في اليمن؛ حيث استهدفت الهجمات البنية التحتية النفطية للمملكة العربية السعودية.
  • الردع بدون مواجهة؛ نتيجة حالة التنافس في المنطقة بين القوى الإقليمية والدولية، على خلق موطئ قدم جديد، مع إعادة التمركز والانتشار داخل مناطق الصرعات، تم نقل حالة التنافس بين إسرائيل وإيران إلى الميدان السوري؛ حيث استهدفت تل أبيب بعض المناطق والقواعد التابعة للقوات الإيرانية في سوريا. وعلى صعيد آخر؛ قامت طهران بالاشتباك مع طائرة تابعة للبحرية الأميركية باستخدام “الدرونز”، ردًا على إسقاط واشنطن طائرتين تابعتين لها في سوريا.
  • مواجهة القوات النظامية؛ نتيجة حالة عدم الاستقرار وتنامي عدد الفاعلين في المنطقة، أصبحت الحروب والصراعات غير متماثلة، فقد تعرضت القوات الروسية المتمركزة في سوريا للهجوم من قبل بعض الجماعات المسلحة باستخدام “الدرونز”، ولكن تم صدها بواسطة الدفاع الجوي الروسي. 
  •  استهداف مقدرات الدولة؛ ساهمت “الدرونز” في لعب دورًا بارزًا في الأزمة الليبية، فقد استخدمتها حكومة طرابلس لاستهداف بعض منشآت الدولة وخاصة التي يستخدمها الجيش الوطني الليبي مثل المطارات.

محفزات الاستخدام

تعد الطائرات بدون طيار من أهم الآليات الحديثة التي استطاعت أن تحقق تقدمًا واضحًا في الصراعات الميدانية، كما ساهمت في تقليل تكلفة الحرب المباشرة بين القوات المتصارعة.

وتتميز “الدرونز” بالقدرة على تحديد الهدف؛ بدقة والتحكم عن بعد، وتحجب الدور الإنساني في ارتكاب العنف في وقت واحد. كما إنها تستهدف أفراد وتظل باقية، تبحث بدقة عن الهدف على عكس الضربة الصاروخية التي يتم فيها اختيار هدف مادي أو جغرافي مسبقًا.

وتمثل الميزة الأساسية للدرونز في كونها تعزل مشغليها عن المخاطر، بالرغم من كونه يظل على اتصال بها لتوجيهها لحين إصابة الهدف بدقة.

وأصبح امتلاك “الدرونز” من أهم الآليات التي يتم من خلالها تعزيز القدرات الدفاعية للدول، للقيام بعمليات استطلاع ومراقبة للحدود، خاصة مع تزايد الفاعلين العنفين من غير الدول، ومحاولتهم المستمرة لزعزعة الاستقرار والأمن.

و تتميز “الدرونز” بقدراتها على التخفي، الأمر الذي ساهم في توظيفها في أعمال التجسس وخاصة من قبل الفاعلين من غير الدول على المناطق الحيوية والمؤثرة للدول، وقد تجلى ذلك في قيام حزب الله بتوجه “الدرونز” لاستكشاف الدفاعات الجوية الإسرائيلية، فضلاً عن استخدامها لصالح النظام السوري.

و تمكنت بعض الجماعات المسلحة من استغلال “الدرونز” لتعويض الفاقد من المقاتلين، وتأتي في مقدمتهم “داعش” التي أطلق ما يعرف باسم “وحدة مجاهدي الدرونز” في 2017، في سياق عملياتها العسكرية والرغبة في الصمود أمام ضربات التحالف. 

وساهمت تكنولوجيا الاتصالات في زيادة إمكانيات “الدرونز”، الأمر الذي ساهم في قدراتها على التحايل على عمليات الحظر، وهو ما تجسد إبان عمليات تحرير الموصل في 2016؛ حيث تجاوزت “داعش” حظر الطيران على الدرونز التجاري من خلال إدخال تعديلات على أنظمة التحكم، وتحديد المواقع في الدرونز. 

إجمالًا؛ من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة طفرة نوعية في أنظمة الاتصالات الخاصة بعمليات تطوير الطائرات بدون طيار لزيادة إمكانياتها وقدراتها للقيام بمهامها عبر مسافات أكبر ولفترات زمنية أطول دون ملاحظتها، مع إمكانية القدرة على التخفي والقدرة على المناورة، تجنبًا لرصدها وتعقبها واسقاطها. في المقابل ستسعى الدول إلى زيادة مقدراتها الدفاعية لمواجهة التهديدات المتزايدة على كافة الأصعدة.

كاتب

آية عبد العزيز

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى