إيران

كيف يخطط الحرس الثوري الإيراني لمواجهة هجوم إسرائيلي؟: دلالات مناورات “الرسول الأعظم 17”

بدأت القوات البرية والبحرية و”الجوية الفضائية” التابعة للحرس الثوري الإيراني الاثنين 20 ديسمبر الجاري نسختها السابعة عشرة من مناورات “الرسول الأعظم” العسكرية. وإلى جانب هذه الأفرع التابعة للحرس الثوري، تشارك منظمة الحرب السيبرانية الإيرانية في هذه التدريبات التي تجري لمدة خمسة أيام على الحدود الغربية للبلاد في محافظات هرمزجان وبوشهر وبعض مناطق خوزستان (الأحواز). 

وتتزامن هذه النسخة الجديدة من المناورات العسكرية الإيرانية الشاملة مع تعثرٍ واضحٍ في المفاوضات النووية الإيرانية مع مجموعة (4+1) والولايات المتحدة الأمريكية، والتي تنعقد في العاصمة النمساوية فيينا بعد استئنافها في 29 نوفمبر الماضي، وتهديدات عسكرية جدية غير مسبوقة خلال العقدين الماضيين من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل عقب اتهامات لطهران باستغلال الوقت لصالح تصنيع أسلحة نووية.

وقالت إيران إنها سوف تستخدم في هذه المناورات أنواعًا جديدة من الأسلحة، علاوة على تأكيدها بأنها تحمل رسائل “مباشرة” إلى الخارج. ولكن هذه الجولة الجديدة من المناورات العسكرية الإيرانية تحمل، إلى جانب رسائلها المباشرة، دلالاتٍ أخرى على المستوى العسكري.

“الردع الفعّال”: رسالة مناورات “الرسول الأعظم 17”

(محافظة هرمزجان على السواحل الغربية لإيران، المصدر: جوجل)

لا شك أن التوقيت الذي تجري فيه مناورات “الرسول الأعظم 17” الإيرانية يوضح مغزى رسالتها المباشرة إلى الخارج، وخاصة إلى إسرائيل. فهذه المناورات تُحسَب على أنها رسالةُ ردٍ مباشرة على التهديدات الإسرائيلية الأخيرة بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية عقب تعثر مفاوضات فيينا النووية في جولتها السابعة وما تلاها من جلسة قصيرة في طليعة الجولة الثامنة.

إن الجانب الإيراني لم يخفِ طبيعة هذه المناورات وحقيقة تلك الرسائل؛ فقد قال قائد وحدة “خاتم الأنبياء” العسكرية -الأكثر أهمية على الإطلاق داخل وحدات الحرس الثورية العسكرية- الجنرال “غلام علي رشيد”، خلال لقاء مع أبرز قادة الحرس تزامنًا مع بدء المناورات يوم الاثنين، إنه في حالة دخول هذه التهديدات المُشار إليها حيّز التنفيذ فإن القوات المسلحة الإيرانية “وبدون تردد، سوف تهاجم بعنف جميع المراكز، والقواعد، والمسارات والأجواء التي استُخدِمَت في عبور الاعتداء، وأيضًا منشأه، وذلك طبقًا للخطط العملياتية التي تم التدرّب عليها”.

لقد أكد المتحدث الإيراني باسم مناورات “الرسول الأعظم 17” ومساعد القائد العام للحرس الثوري لشؤون العمليات العامة العميد “عباس نيلفروشان” الاثنين 20 ديسمبر أن هذه المناورات تأتي في ظل “زيادة مستوى الاستعداد القتالي للحرس الثوري، وعلى أساس محاكاة واحدة من أحدث الخطط الهجومية في الحروب الهجينة”.

رزمایش مشترک پیامبر اعظم17 سپاه در جنوب کشور آغاز شد

وأوضح نيلفروشان أن قوات الحرس الثوري البرية والبحرية والجوية الفضائية، وإلى جانب منظمة الحرب الإلكترونية السيبرانية، تقوم في سواحل إيران الغربية بتنفيذ “عملية هجوم وتوغل على المستوى الاستراتيجي لتدمير مصادر هجمات العدو المفترض”. 

وفي إشارة مهمة، لفت نيلفروشان إلى أن قوات التعبئة الإيرانية (البسيج) توفر الكوادر البشرية للتعبئة البحرية والقتال البري، مشددًا على أن “بعض المنظومات والأسلحة التي تسلمتها القواتُ مؤخرًا يتم استخدامها في هذه المناورات. وفي تصريحاته، أكد المسؤول العسكري في الحرس الثوري أن “رسالة هذه المناورة الدفاع والحفاظ على الأمن القومي”، علاوة على ما أطلق عليه “الردع الفعّال”. 

اقتناع إيراني بجدية التهديدات: الدلالات العسكرية لمناورات “الرسول الأعظم 17”

حملت هذه النسخة الـ17 من مناورات “الرسول الأعظم” الإيرانية عددًا من الدلالات العسكرية البارزة، سواء في مسار التصنيع والاستراتيجية العسكرية الإيرانية بوجه عام، أو في إطار المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة.

  • مشاركة قوات البسيج (التعبئة):

ولعل على رأس هذه المؤشرات تأتي المشاركة الواسعة لقوات البسيج (التعبئة) الإيرانية في المناورات العسكرية، والتي أكد الحرس الثوري أنها تعمل على تأمين وتوفير العناصر البشرية في القوات البحرية والبرية. وتُعد هذه المشاركة من جانب البسيج دلالة واضحة على مدى أهمية هذه التدريبات العسكرية؛ وتوقع طهران لجدية تحقق التهديدات العسكرية هذه المرة. 

  • استخدام التكتيك الهجومي:  

وهو وإن كان قد وظفته إيران أكثر من مرة في المناورات السابقة، إلا أنه يحمل في ثناياه الآن إشارات ضمنية على احتمالية توجيه إسرائيل -سواء بمشاركة الولايات المتحدة أو بدونها- ضربة لمنشآت عسكرية أو نووية في إيران، وما يستتبعه من احتمالية رد عسكري إيراني.

وتوضح تصريحاتُ “غلام علي رشيد”، التي أبرز فيها تخطيط إيران للهجوم على المناطق (الدولة) التي يمر من خلالها أي هجوم إسرائيلي أو أمريكي ضد إيران علاوة على مهاجمة المنطقة التي يُحتمل انطلاق هذا الهجوم منها، أخذ طهران احتمالية توجيه ضربة عسكرية إلى بعض منشآتها على محمل الجد؛ إذ إن هذا يُعد تهديدًا ضمنيًا لأي دولة يمكن أن تصبح أراضي عبور في المستقبل القريب لأي هجوم ضد طهران.

  • افتراض واقعي وخطة مواجهة عملياتية: 

 لقد قامت مناورات “الرسول الأعظم 17” على افتراض وقوع هجوم حقيقي ضد إيران عن طريق دخول القوات الأجنبية من منطقة “قشم” في محافظة هرمزجان الساحلية الغربية، واستطاعة هذه القوات الوصول إلى محافظة “فارس” إلى الشمال الغربي من هرمزجان. وهنا، وعند وصولهم لفارس، حسب الخطة الإيرانية الموضوعة، سوف تعمل قوات البسيج في جميع مدن محافظة “فارس” على إيقاف ومنع تقدم القوات الأجنبية. 

إن ما يؤكد الاستعداد الإيراني الجدي لمواجهة هجوم محتمل هو بقية تفاصيل الخطة العسكرية التي وضعها الحرس لمواجهة مثل هذه الحدث؛ فقد تم التشديد في مناورات “الرسول الأعظم 17” على ضرورة التدريب على مواجهة “التهديدات” الداخلية والخارجية التي يمكن أن تواجهها إيران حال وقوع أي هجوم خارجي، علاوة على تلقين الجنود في هذه العمليات فنون حرب الشوارع ومواجهة الاضطرابات والكمائن وتفتيش المركبات والاستطلاع الفردي وكيفية النجاة بالنفس في حالة مواجهة حوادث محتملة. ويُضاف إلى كل هذا التدريب على مواجهة عمليات النهب العامة. 

وركزت هذه المناورات أيضًا على مشاركة مختلف الأسلحة التابعة للحرس الثوري المتمركزة غربي البلاد على طول الساحل من الشمال الغربي إلى الجنوب، بما في ذلك مضيق هرمز الحيوي.

  • الحرب الهجينة ومشاركة القوات السيبرانية الإلكترونية: 

يمكن القول إن مشاركة القوات السيبرانية الإيرانية يأتي إدراكًا من المسؤولين العسكريين في طهران لأن الهجمات السيبرانية الإليكترونية لا تنفصل عن الهجمات التقليدية الصاروخية الأخرى، إذ إن الهدف واحدٌ وهو إيقاف النشاط النووي الإيراني أو تعطيله على الأقل.

وتشمل الحربُ الهجينة فنون الحرب التقليدية والأخرى غير النظامية، إلى جانب الهجمات السيبرانية الإليكترونية المتبادلة. وعند إعادة النظر في الخطة العملياتية المُشار إليها آنفًا، سنجد أن هذه النوعية من الحرب التي تتوقعها إيران وأطلقت مناورات على إثر احتمالات وقوعها هي هجينة بامتياز. 

  • إجراء تدريبات عسكرية فوق أجواء المفاعل النووي في “بوشهر”: 

لقد انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعية في إيران أنباءٌ صباح أمس تفيد بسماع دوي أصوات انفجارية بالقرب من مفاعل بوشهر النووي في المدينة التي تحمل الاسمَ نفسه غربي البلاد. وأكد مسؤولون عسكريون إيرانيون أن هذه الأصوات التي سُمعت في الخامسة صباحًا بتوقيت إيران يوم 20 ديسمبر كانت ضمن تدريبات عسكرية فوق محطة بوشهر النووية. 

إننا لا يمكن أن نجتزأ هذه التدريبات عن سياق الأحداث التي وقعت خلال الأسابيع الماضية، بدءًا من تعثر المفاوضات النووية وما تلاها من تهديدات إسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد منشآت نووية إيرانية، ليس مفاعل بوشهر بعيدًا عن أن يكون من بينها. 

ولذا، فإن إجراء تدريبات عسكرية فوق أجواء “بوشهر” قد يرجح وجود تهديدات جدية إزاءه، خاصة وأنه يقع غربي البلاد، وإذا ما وقع هجومٌ فإنه قد يكون من بين أولى المنشآت التي تتعرض لضربات جوية. 

الاستنتاج

إن جميع العناصر السابقة تشير إلى تشكل “اقتناعٍ” لدى العسكريين والساسة الإيرانيين بعد الجولة السابعة من مفاوضات فيينا النووية بأن احتمالية توجيه ضربة عسكرية لمنشآت نووية قد باتت خيارًا مطروحًا بقوة على الطاولة هذه المرة، وذلك على النقيض من التهديدات السابقة.

وعلى أي حال، فإن أجواء هذه التهديدات قد تقود على أرض الواقع إلى قبول إيران بتنازلات أكبر على طاولة المفاوضات في فيينا حين الاجتماع مرة أخرى مع مجموعة (4+1) وواشنطن.

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى