
جهود رصينة لمكافحة ومنع الفساد بمصر
«الفساد» ظاهرة خبيثة، تجتاح جميع الدول دون تفرقة، لكنها تسهم في تهديد الأمن البشري وتدهور نوعية حياة المواطنين، وتقويض سيادة القانون والعدالة والقيم الأخلاقية، وتثبيط الاستثمار الأجنبي، وازدهار وانتشار الجريمة المنظمة والإرهاب. ودولية الظاهرة دفعت الدول إلى وضع اتفاقية أممية لمكافحة الفساد، وتعزيز التعاون الدولي في هذا الصدد.
رئاسة الدورة التاسعة
تسلمت مصر رئاسة الدورة التاسعة لمؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأُمم المُتحدة لمُكافحة الفساد، والتي تقام بقاعة المؤتمرات الدولية بشرم الشيخ، خلال الفترة من 13 إلى 17 ديسمبر الجاري، لمناقشة عدد من الموضوعات أبرزها: الوقاية من الفساد، وآلية استعراض تنفيذ الاتفاقية والتعاون الدولي بين الدول واسترداد الموجودات، وأخيرًا أوجه التعاون بين المنظمات الدولية الحكومية متعددة الأطراف.
يشارك في المؤتمر أكثر من 3000 خبير يمثلون الدول والمنظمات الدولية والإقليمية، منهم أكثر من 1500 فرد مُشاركة فعلية، علاوة على عدد 400 ممثل من منظمات المجتمع المدني. وكذلك، من ضمن المًشاركين افتراضيًا عدد 5 رؤساء جمهورية، و26 وزيرًا من بينهم 16 وزيرًا يشاركون بشكل فعلي، و63 رئيسًا لهيئات مكافحة الفساد من بينهم 54 يشاركون بشكل فعلي، و25 نائب وزير من بينهم 17 يشاركون بشكل فعلي.
ومن المنتظر أن يناقش المؤتمر 9 قرارات لتعزيز التعاون الدولي في مجال منع ومكافحة الفساد. بالإضافة إلى طلب الحكومة الأمريكية استضافة المؤتمر في دورته العشرة عام 2023. ويشهد المؤتمر أيضًا العديد من الفعاليات الجانبية التي بلغت 70 حدثًا جانبيًا، تنُظم مصر منها 3 أحداث جانبية لمناقشة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وأبرز الممارسات والتحديات، واسترداد الموجودات، ودور وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة. لتبادل أبرز الممارسات الناجحة بين الدول الأطراف بالاتفاقية.
اتفاقية الأُمم المُتحدة لمُكافحة الفساد
أقرت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في 31 أكتوبر 2003، ودخلت حيز التنفيذ عام 2005، وهي الصك العالمي الوحيد الملزم قانونيًا لمكافحة الفساد. ويجعل الطابع الإلزامي للعديد من أحكامها منها أداة فريدة لوضع استجابة شاملة لمشكلة عالمية.
وتغطي الاتفاقية الخمسة مجالات الرئيسة التالية: التدابير الوقائية، والتجريم وإنفاذ القانون، والتعاون الدولي، واسترداد الموجودات، والمساعدة التقنية وتبادل المعلومات. وتغطي الاتفاقية العديد من أشكال الفساد المختلفة، مثل الرشوة، والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة استغلال الوظائف، ومختلف أفعال الفساد في القطاع الخاص.
ومن أبرز ما يميز الاتفاقية إدراج فصل خاص بشأن استرداد الموجودات؛ بهدف إعادة الموجودات إلى أصحابها الشرعيين، بما في ذلك البلدان التي أخذت منها بطريقة غير مشروعة. والغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أطراف في هذه الاتفاقية. وانضمت مصر إلى الاتفاقية في ديسمبر 2003؛ إيمانًا منها بأهمية التضافر الدولي لمنع الممارسات الفاسدة حول العالم.
وقد قطعت مصر شوطًا كبيرًا في تعزيز الجهود الوطنية لمكافحة الفساد، بإصدار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بنسختيها الأولى والثانية. وتناولت النسخة الأولى، والتي امتدت منذ 2014 حتى 2018، تعريف الفساد وأسبابه، وأشارت إلى الأهداف الرئيسة للاستراتيجية. أما النسخة الثانية فتمتد من 2019 حتى عام 2022، وتتناول نتائج متابعة تنفيذ الاستراتيجية الأولى، والخطة التنفيذية للاستراتيجية. واستطاعت الجهود الأمنية مؤخرًا ضبط عدد من قضايا الفساد، هذا بخلاف الإجراءات التكنولوجية والإدارية التي اتخذتها الحكومة المصرية لمنع الفساد.
ما هو الفساد، وأسبابه؟!
وقبل تناول أبرز جهود الدولة في منع ومكافحة الفساد، سنعرج بإيجاز على تعريف الفساد، وأهم أسبابه من خلال الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بنسختيها الأولى والثانية.
لا يوجد تعريف جامع مانع لظاهرة الفساد، إلا أن أكثر التعريفات التي تم قبولها على المستوى العالمي تصفه بأنه “إساءة استغلال السلطة المخولة لتحقيق مكاسب خاصة”. وتختلف أنواع الفساد بين فساد إداري، ومالي، وسياسي؛ ويتم التفرقة بينها وفقًا لمعيارين: الأول هو حجم المتحصلات من جريمة الفساد والدرجة الوظيفية لمن يقوم بها. والثاني هو طبيعة القطاع الذي يحدث فيه الفساد.
ويؤثر انتشار الفساد على جذب الاستثمار الأجنبي، وثقة المواطنين في أجهزة الدولة، ويتم قياس الفساد عبر تقدير حجم الدخول غير المشروعة، وذلك من خلال طريقتين للتقدير، هما:
- تقدير حجم الدخول الناتجة عن ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي أو الخفي –وذلك باعتبار أن الاقتصاد غير الرسمي يحفز على الفساد؛ فيرى صاحب النشاط أن إجراءات التسجيل ستكلفه أموالًا إضافية نظير التكاليف القانونية والرشاوي لإنهاء أوراق التسجيل فيفضل البقاء في الظل- كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
- تستخدم الطريقة الثانية للتقدير البيانات المجمعة عن الجرائم المسجلة مثل جرائم التهرب الضريبي والجمركي بواسطة جهات إنفاذ القانون.
وبلغ إجمالي حجم التهرب الضريبي عام 2013 حوالي 61 مليار جنيه، من إجمالي المتحصلات الضريبية المقدرة بحوالي 366 مليار جنيه. في حين وصل إجمالي حجم التهرب الجمركي إلى حوالي 1.2 مليار من إجمالي إيرادات الرسوم الجمركي المقدرة بحوالي 21.55 مليار جنيه. وأرجعت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في نسختها الأولى (2014-2018) أسباب الفساد في مصر إلى عدة أسباب، أبرزها ما يلي:
- أسباب اقتصادية:
- انخفاض مستوى الدخول وتفاوتها: ومن أهم المقاييس المستخدمة في هذا الشأن معامل جيني GINI Coefficient، وبلغ معامل جيني الخاص بمصر عام 2012 نسبة 28.3%، في إشارة إلى غياب العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للدخول والثروات، إلا إنها شهدت تحسنًا نسبيًا لتصل إلى 31.5% عام 2017 وفقًا لتقديرات البنك الدولي.
- المبالغة في الإنفاق الحكومي: فالمبالغة في إنفاق الجهاز الإداري يؤدي إلى توجيه موارد الدولة توجيهًا خاطئًا، وهو ما يؤثر في النهاية على مستوى دخل الفرد وعدم إشباع حاجاته، وما يرتبط بذلك من زيادة فرص وقوع الفساد.
- التوسع في إنشاء الصناديق الخاصة: وتتمثل الصناديق الخاصة في مجموعة من الرسوم المالية التي يتم فرضها على المواطنين ووضعها في صناديق تتبع عدة جهات خارج الموازنة العامة؛ فلا تعرض على مجلس النواب، على الرغم من أنه يتعين خضوعها لمراجعة الجهاز المركزي للمحاسبات. والتوسع في إنشائها صعّب من حصرها ورقابتها.
- أسباب إدارية:
- وجود قصور في الهياكل التنظيمية للجهاز الحكومي والإداري للدولة: ويشمل ذلك تداخل الاختصاصات بين الجهات الحكومية وبعضها، وأيضًا عدم تحديد الاختصاصات داخل الجهة الواحدة بشكل دقيق.
- البيروقراطية الحكومية وتعقد الإجراءات: من حيث زيادة العبء على الموظفين بمنافذ تقديم الخدمة، إلى جانب تكدس المواطنين الراغبين في الخدمة، خاصة في ظل عدم توافر وسائل كافية لتعريف المواطنين بإجراءات الحصول على الخدمات بصورة مسبقة، مع عدم وجود قنوات اتصال واضحة وفعالة بين جمهور المتعاملين وكبار المسؤولين بالوحدات الخدمية لحل أي مشكلة قد تطرأ أثناء التعامل، مما يخلق مناخًا ملائمًا لجرائم الفساد.
- ضعف الرقابة الداخلية على الأجهزة الحكومية: وتتمثل أهم مظاهرها في ضعف الرقابة المركزية على الوحدات الفرعية لأجهزة الدولة، كذلك فاعلية الرقابة الداخلية بتلك الوحدات، إلى جانب عدم توقيع عقوبات فعّالة ورادعة وناجزة في حالة وجود مخالفات.
- نظم التعيين والتقييم والترقية في الوظيفة العامة: ففي كثير من الأحيان يعتمد نظام التعيين على تعيين أبناء العاملين أو استخدام الوساطة، مما خلق هيكلًا حكوميًا مترهلًا يعاني من البطالة المقنعة.
- نظم المرتبات والأجور: والتي تعاني من أوجه قصور جوهرية، أبرزها عدم العدالة في توزيع الأجور بين العاملين، وعدم ربط الأجور المتغيرة بالأداء الفعلي. مما خلق مناخًا صالحًا لتفشي الرشوة والتربح والاستيلاء على المال العام.
- ضعف مهارة الإدارة: يؤدي عدم توافر مهارات إدارية مناسبة لدى المديرين إلى تفشي ظواهر التسيب والإهمال واللامبالاة، وإتاحة الفرصة للتلاعب والتربح.
- أسباب قانونية:
- ضعف الحماية للشهود والخبراء والمجني عليهم والمبلغين: وذلك لعدم وجود تشريع شامل، حينها، ينظم حماية الشهود والخبراء والمجني عليهم والمبلغين.
- طول الإجراءات القانونية والقضائية: طول الفترة الزمنية المستغرقة في التحقيق والمحاكمة يضعف من قوة الردع القانونية تجاه المفسدين، مما يرسخ شعورًا بعدم جدية إجراءات مكافحة الفساد.
- التراخي في تنفيذ العقوبات الصادرة في جرائم الفساد وضعف العقوبات المقررة على بعض الجرائم، مثل تهريب السلع المدعمة.
- تعدد القوانين واللوائح المنظمة لعمل الجهات الحكومية وتداخلها: وأبرزها تطبيق أكثر من لائحة تحكم ذات الإجراءات، وصعوبة فهم المواطن العادي للقوانين واللوائح والإجراءات المترتبة عليها مما يجعله عرضة لتوجيه الموظف المختص، وهو ما يفتح الباب لممارسات الفساد كدفع الرشاوي.
- عدم توافر الشفافية الكافية:
فعلى الرغم من تصديق مصر على العهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحقوق السياسية والمدنية 1966، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ونص الدستور بالمادة 68 لعام 2014، إلا أنه توجد صعوبات بإتاحة المعلومات للأفراد، الأمر الذي يتنافى مع مكافحة الفساد والحد من آثاره.
- أسباب تتعلق بالترتيبات المؤسسية لمكافحة الفساد:
- التحديات التي تواجه بعض جهات الرقابة الخارجية: كوجود بعض القيود الإجرائية بشأن التحقيق مع شاغلي الوظائف العليا، كذلك افتقار أعضاء الأجهزة الرقابية إلى الحصانات الكافية للقيام بدورهم. هذا بخلاف قلة الموارد المادية والبشرية لبعض الجهات الرقابية.
- محدودية التنسيق بين الجهات الرقابية: هذا بخلاف عدم الاستعانة بالنظم التكنولوجية.
- عدم توفر الوعي الكافي لدى المواطنين بالجهات المعنية بمكافحة الفساد في مصر.
- أسباب اجتماعية
يعاني المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة من مظاهر اجتماعية سلبية، أهمها:
- التراجع في القيم والعادات السلوكية: وذلك نتاج العديد من الظروف الاقتصادية والسياسية المتعاقبة.
- ضعف الثقة في الحكومات المتعاقبة: انتشار الفساد في عدة هيئات حكومية وغياب المساءلة وعدم احترام القانون أدى إلى فقدان الثقة في الحكومات المتعاقبة، وقبول الفساد كوسيلة ناجزة من وجهة نظرهم للحصول على حقوقهم.
- اللجوء إلى الوساطة والمحسوبية وعدم تحمل المسؤولية المجتمعية من ذوي القدرة على العطاء في منع ومكافحة الفساد.
- القبول الاجتماعي للفساد الصغير: بظهور ثقافة جديدة وهي التسامح مع الفساد بوصفه وسيلة مقبولة للحصول على الحقوق.
- أسباب أخرى:
- ضعف دور وسائل الاعلام في توعية المواطنين بمظاهر وآثار وطرق علاج الفساد.
- غياب مشاركة المجتمع المدني في التوعية بمشكلة الفساد.
- إحجام المواطنين عن الإبلاغ عن وقائع الفساد خشية عرقلة مصالحهم أو التعرض لردود فعل انتقامية.
الأهداف الرئيسية للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد:
ارتكزت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد على 10 أهداف رئيسة، هي كالتالي:
- الارتقاء بمستوى أداء الجهاز الحكومي والإداري للدولة وتحسين الخدمات الجماهيرية
ومن أجل تحقيق الهدف تم ميكنة نيابات المرور وإطلاقها Online لخدمات الاستعلام عن المخالفات وتقديم خدمات التراخيص، وتم توقيع وتفعيل مناقصة الشراء الموحد للأدوية والمستلزمات الطبية، وتتوجه الدولة نحو التحول الرقمي وميكنة عدد من الوثائق الرسمية، كذلك تطبيق سياسة التدوير الوظيفي للوظائف الأكثر عرضة للفساد بوحدات الجهاز الإداري للدولة،
هذا بخلاف بناء منظومة متكاملة لتبادل البيانات والمعلومات بين وحدة مكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب والمؤسسات المالية المصرفية، وتشكيل مجموعة عمل من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار لوضع خطة لبناء خريطة متكاملة لمتابعة المؤشرات الدولية والإقليمية لتحديد أوجه التميز والقصور وسبل معالجتها.
- إرساء مبادئ الشفافية والنزاهة لدى العاملين بالجهاز الإداري للدولة.
من خلال تفعيل مدونة السلوك الوظيفي للعاملين بالجهاز الإداري للدولة، وعقد العديد من الدورات التدريبية لهم لنشر قيم الشفافية والنزاهة والتوعية بمخاطر الفساد، كذلك إعداد مدونات سلوك وظيفي للدبلوماسيين والمبعوثين بوزارة الخارجية وعدد من الجهات الحكومية والخاصة، كذلك إنشاء منظومة الشكاوى الموحدة، والمجلس القومي للمدفوعات الذي يختص بخفض استخدام أوراق النقد خارج القطاع المصرفي، والعمل على تحقيق الشمول المالي.
- سن وتحديث التشريعات الداعمة لمكافحة الفساد.
إصدار وإجراء تعديلات بعدة تشريعات للتوافق مع المواثيق الدولية ومنها دستور جمهورية مصر العربية 2014، وقانون حظر تعارض مصالح المسؤولين في الدولة رقم 106 لسنة 2013، وقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية رقم 8 لسنة 2015 وذلك للحد من الأموال المستخدمة في هذا المجال ومصدرها جرائم فساد، وقانون إنشاء وتنظيم اللجنة القومية لاسترداد الأموال والأصول والموجودات في الخارج رقم (28) لسنة 2015.
هذا بجانب، قانون مكافحة الإرهاب رقم (94) لسنة 2015 وذلك للحد من الأموال المستخدمة في هذا المجال ومصدرها جرائم فساد، قانون تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي رقم (70) لسنة 2017، قانون الرياضة رقم (71) لسنة 2017، وقانون الاستثمار رقم (72) لسنة 2017 لتبسيط الإجراءات والقضاء على البيروقراطية من خال النافذة الموحدة للمستثمرين، وإجراء تعديلات ببعض التشريعات منها قانون العقوبات المصري تضمنت تجريم رشوة الموظف العام الأجنبي أو موظف مؤسسة دولية عمومية،
كذلك، قانون مكافحة غسل الأموال رقم (36) لسنة 2014 تضمن التوسع في جريمة المصدر (أي جناية أو جنحة) وزيادة الجهات الملزمة بالإخطار بشبهة جريمة غسل أموال، قانون الكسب غير المشروع بإضافة مواد التصالح مع المتهم وإدارة الأموال المتحفظ عليها والمنع من السفر، قانون الإجراءات الجنائية بإضافة مواد التصالح مع المتهم في جرائم العدوان على المال العام، كذلك إصدار قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية.
- تطوير الإجراءات القضائية لتحقيق العدالة الناجزة.
من خلال زيادة عدد المحاكم الابتدائية على مستوى الجمهورية، وإعداد قاعدة بيانات بكافة القضايا والمستندات الخاصة بها وأرشفتها إلكترونيًا؛ بهدف تيسير العمل وسهولة الوصول للمستندات والمعلومات دون التعرض لحقوق المواطنين.
- دعم الجهات المعنية بمكافحة الفساد.
تخصيص فرع كامل من دستور 2014 (المواد من 215 حتى 221) للهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، كذلك تعديل قانون هيئة الرقابة الإدارية ومنحها الاستقلال الفني والمالي والإداري والشخصية الاعتبارية بهدف منع الفساد ومكافحته. وإنشاء الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد لعقد الدورات التدريبية والندوات.
- الارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية. (تم إلغاؤه عند وضع النسخة الثانية من الاستراتيجية)
تم إصدار العديد من القرارات الإصلاحية والتي تراعي محدودي الدخل دعمًا لمنظومة العدالة الاجتماعية ومنها مضاعفة نصيب الفرد من المقررات التموينية، وزيادة المعاش المقدم من برنامج تكافل وكرامة، ومنح علاوات استثنائية للمخاطبين وغير المخاطبين بأحكام قانون الخدمة المدنية، وكذلك دعم الأماكن الأكثر فقرًا.
- رفع مستوى الوعي الجماهيري بخطورة الفساد وأهمية مكافحته وبناء ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.
إعداد حملات إعلامية للتوعية بمخاطر الفساد خلال تحت شعار “مصر أقوى من الفساد”، و”أنت مراية نفسك”، كذلك تضمين مفاهيم ذات صلة بالشفافية والنزاهة ورفض الفساد بالمناهج الدراسية بصورة غير مباشرة لمختلف المراحل التعليمية، كذلك تخصيص محاضرات بكافة الجامعات لتوعية الطلاب بمخاطر الفساد والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والتعريف بالأجهزة الرقابية واختصاصها.
- تعزيز التعاون المحلى في مجال مكافحة الفساد.
تم عقد عدد 13 دورة تدريبية بالأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد لأعضاء جهات إنفاذ القانون بواقع عدد 250 متدرب لتفعيل التنسيق وتبادل المعلومات في مجالات مكافحة جرائم العدوان على المال العام والإتجار بالوظيفة العامة، ومكافحة جرائم الكسب غير المشروع وتعارض المصالح، ومكافحة الجرائم الاقتصادية والمعلوماتية، غسل الأموال وتعقب الأصول.
كذلك قيام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بالتنسيق مع هيئة الرقابة الإدارية بإعداد مؤشر إدراك الفساد المحلي. وإعداد دراسة عن التعديات على أراضي أملاك الدولة.
- تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الفساد.
صدر قرار مجلس الوزراء بأن تكون هيئة الرقابة الإدارية هي الهيئة الرسمية الممثلة لمصر لدى الأمم المتحدة في تطبيق الاتفاقية الأممية. وقيام جهات إنفاذ القانون بتبادل الخبرات والزيارات مع أجهزة مكافحة الفساد المناظرة، وتدريب كوادر أجهزة الوقاية ومكافحة الفساد بعدد 25 دولة أفريقية لعدد 265 متدرب بالتنسيق مع الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية بوزارة الخارجية. كذلك قيام وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بتقديم المساعدة الفنية لعدة دول عربية وافريقية لتمكينهم من الانضمام إلى مجموعة (إجمنت(
- مشاركة منظمات المجتمع المدني في مكافحة الفساد.
صدور قانون تنظيم عمل الجمعيات والمؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي يلزمهم بنشر ميزانياتهم على مواقعها الإلكترونية تحقيقا للشفافية والنزاهة.
جهود الدولة الأخيرة لمكافحة الفساد
بخلاف جهود الدولة التشريعية والإدارية والتدريبية لتحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، حققت الحكومة المصرية وأجهزتها المختلفة عدة ضربات أمنية موسعة خلال الفترة الأخيرة، وذلك انطلاقًا من مبادئ الاستراتيجية التي تؤكد على المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، ومبدأ الفاعلية في مكافحة الفساد الذي يرتكز على الرصد والتقييم المستمرين لجهود المكافحة، كذلك مبدأ الوقاية والتدخل المبكر الذي بموجبه يمكن تقليص فرص وقوع الفساد والقضاء عليه في الوقت المناسب.
ومن أبرز قضايا الفساد المالي التي تم ضبطها خلال الشهر الأخير، إلقاء القبض على مدير الإدارة الهندسية بمديرية الصحة بالبحيرة وآخرين، بتهمة تقاضي مبالغ مالية على سبيل الرشوة، بلغت ٢ مليون جنيه من بعض الموردين المتعاملين مع المديرية. وفي اليوم ذاته تم القبض على رئيس جامعة دمنهور وآخرين، بتهمة تقاضي مبالغ مالية على سبيل الرشوة، بلغت قيمتها ٤ مليون جنيه مقابل تسهيل استلام توريدات من بعض الموردين المتعاملين مع الجامعة. وأيضًا ضبط سكرتير عام محافظه القاهرة السابق لقيامه باستغلال وظيفته وتربيح أحد الاشخاص المتعاملين مع المحافظة مبلغ ٧٦ مليون جنيه.
ورغم الجهود التي تقوم بها الدولة إلا إنه مازال هناك عدد من التحديات التي تواجه تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد على الوجه الأكمل، أبرزها: عدم صدور قوانين لحماية المبلغين والشهود والضحايا والخبراء، وللتعاون الدولي في المسائل الجنائية، وحرية تداول المعلومات، كذلك عدم صدور قانون بتعديل القانون رقم 62 لسنة 1975 بشأن الكسب غير المشروع يسمح بتقديم إقرارات الذمة المالية إلكترونيًا، وأيضًا تفعيل قانون حظر تعارض المصالح. وعدم كفاية التفاعل على الموقع الإلكتروني “قيم خدماتك” لإصدار تقرير عن رضاء المواطنين عن الخدمات الحكومية.
ووفقًا لتقرير نتائج متابعة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2019 – 2022، الصادر في أكتوبر 2021، وصل ما تم تنفيذه من الأهداف والإجراءات خلال العامين الأول والثاني إلى 60.95% من إجمالي الاستراتيجية بمعدل نجاح 85.27%. بمشاركة الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والتي بلغت 104 جهة.
مصر في مؤشرات الفساد
جهود الدولة خلال السنوات الأخيرة في مكافحة الفساد ومنعه كان لها بالغ الأثر على تحسن ترتيب مصر العالمي، فقد أظهر تقرير لمنظمة الشفافية العالمية، تحسن ترتيب مصر في مؤشر مدركات الفساد لعام 2018، بنحو 12 مركزًا، لتحتل الترتيب الـ 105 بين 180 دولة مقابل الترتيب الـ 117 في عام 2017، إلا أنها عاودت التقهقر مرة أخرى لتسجل الترتيب 117 عام 2020، لتكون قيمة المؤشر 33 درجة من 100 درجة (التقييم صفر يدل على أن هذه الدولة أكثر فسادًا، وكلما اقتربت من 100 كلما عكس ذلك زيادة نزاهتها) في حين حصلت الدولتان صاحبتا المركز الأول (نيوزلندا – الدنمارك) على 88 درجة فقط.
أما على الصعيد المحلي، فأكد مؤشر إدراك ومكافحة الفساد الإداري الصادر في ديسمبر 2020 عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، -والذي تم إجراؤه وفقًا لعينة تقدر بـ 11591 مواطنًا و283 شركة و14 خبيرًا- انخفاض الإدراك العام للفساد الإداري بأكثر من 28 درجة مقارنة بعام 2016، نتيجة الجهود المبذولة لمنع ومكافحة الفساد الإداري. ويتكون المؤشر من مؤشرين فرعيين هما مؤشر إدراك الفساد الإداري (54.2 درجة) ومؤشر إدراك جهود منع ومكافحة الفساد الإداري (69.2 درجة).
وأكدت نتائج الإصدار الأخير عن عام 2019، أن إدراك المجتمع بالجهود الحكومية لمنع ومكافحة الفساد الإداري يفوق إدراكهم بوجود وانتشار الفساد. حيث سجل مؤشر إدراك الفساد الإداري 49 درجة مقابل 69.2 درجة لمؤشر إدراك جهود منع ومكافحة الفساد الإداري.
ويرى الخبراء أن الفساد الإداري منتشر بشكل أقل مقارنة بالمواطنين ومسؤولي الشركات عام 2019؛ حيث سجلت قيمة المؤشر للخبراء 54.2 درجة مقابل 38.7 درجة لمسؤولي الشركات و33.4 درجة قيمة مؤشر إدراك المواطنين للفساد الإداري. فيما يعد المواطنون قاطنو المناطق الحضرية هم الأكثر إدراكًا بوجود الفساد الإداري (32.3 درجة) مقارنة بقاطني المناطق الريفية (34.3 درجة). كذلك يعد المواطنون الذكور هم الأكثر إدراكًا بوجود الفساد الإداري (31.9 درجة)، مقارنة بالإناث (34.6 درجة).
على الجانب الآخر، يرى 58.7% من مسؤولي الشركات أن قانون الاستثمار الجديد هو أحد العوامل التي ساعدت على الحد من انتشار الفساد الإداري في الدولة عام 2019، مقابل 13.8% يرون إنه غير مؤثر. فيما يرى الخبراء انخفاض إدراك الفساد الإداري عام 2019 مقارنة بالأعوام السابقة، ويعد الخبراء في مجال إدارة الشركات الأكثر إدراكًا بوجود الفساد الإداري.
على جانب آخر، يعد مسؤولو الشركات هم الأكثر إدراكًا بجهود منع ومكافحة الفساد الإداري، حيث بلغت قيمة المؤشر 81.2 درجة، مقابل 66.6 درجة للخبراء، و66.4 درجة للمواطنين. فيما يرى حوالي 71% من المواطنين أن الحكومة جادة في جهودها لمكافحة الفساد، مقابل 6.7% يرون أنها غير جادة، كما أعرب 84.8% عن رضاهم عن جهود الجهات الرقابية في مكافحة الفساد.
في حين يرى 86.2% من مسؤولي الشركات أن الحكومة جادة في جهودها للحد من الفساد، فيما يرى 69.6% من مسؤولي الشركات أن الجهود الحكومية فعّالة في مكافحة الفساد. وبالنسبة للخبراء، فيعد خبراء القانون هم الأكثر إدراكًا بجهود منع ومكافحة الفساد (87.9 درجة)، يليهم خبراء الاقتصاد (70 درجة).
ختامًا، لقد قطعت مصر شوطًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة في مجال مكافحة الفساد بمختلف صوره؛ حفاظًا على المال العام، وتحقيقًا لحسن إدارته وتنظيم الاستفادة منه لصالح الشعب بالمقام الأول، ولأن الفساد أحد أبرز العقبات الحقيقية لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة.
ولم تكن الجهود على المستوى المحلي فقط، وإنما شهدت تعاونًا إفريقيًا ودوليًا للوصول إلى أفضل الممارسات في هذا المجال. ورغم ذلك ما زالت الدولة لمزيد من الجهد والتشريعات والإجراءات بجانب تعاون المواطنين وكافة الجهات (الرقابية، والأمنية، والتشريعية، والقطاع الخاص والمدني … وغيرها) المعنية بمكافحة ومنع الفساد.
باحث أول بالمرصد المصري