أسواق وقضايا الطاقة

مصر تحقق قفزة في حجم صادراتها من الغاز الطبيعي المسال مع توقعات بمزيد من الازدهار

جائحة كورونا كانت وما زالت اختبارًا صعبًا لقدرات الدول، ليس على المستوى الصحي فقط، بل والقطاعات الصناعية والخدمية المختلفة أيضًا في القدرة على الصمود والتعايش مع الجائحة، خاصة وأن العالم أصبح وكأنه دولة واحدة باقتصاد متشابك يؤثر ويتأثر ببعضه البعض. وكان من بين أكثر القطاعات تأثرًا بالجائحة قطاع الطاقة، والتي انطلقت أزمتها من أوروبا، مرورًا بآسيا وأمريكا الذين سارعوا في التزاحم للحصول على شحنات الغاز الطبيعي المُسال، في ظل تعديل عدد من الدول من هيكل صادراتها ووارداتها نظرًا لاضطراب أسعار المواد البترولية وعلى رأسها أسعار الغاز الطبيعي المسال. لكن مع إنتاج عدد من اللقاحات المضادة بدأ مشوار التعافي من آثار جائحة كورونا حول العالم.

الوضع العالمي والعربي

وكمؤشر على استمرار تعافي السوق العالمي في الربع الثالث من العام على غرار الربع السابق له والذي حقق نموًا مرتفعًا بلغ 10.8%، تزايدت صادرات الغاز الطبيعي المسال في السوق العالمي والعربي خلال الربع الثالث من عام 2021، فبلغ إجمالي صادرات الغاز الطبيعي المسال في السوق العالمي خلال الربع الثالث من العام الجاري حوالي 91.2 مليون طن، مقارنة بـ 82.5 مليون طن خلال الربع المماثل من عام 2020، أي بمعدل نمو على أساس سنوي حوالي 10.5%.

وكانت أعلى الدول غير العربية تصديرًا الولايات المتحدة، لتكون في المرتبة الثانية عالميًا، والتي حققت قفزة في حجم صادراتها محققة نسبة نمو على أساس سنوي بلغ 150.7%، بإجمالي صادرات 17.8 مليون طن.

أما عن الدول العربية فحافظت على مستويات مرتفعة من صادرات الغاز الطبيعي المسال خلال الربع الثالث من عام 2021، لتستحوذ على حصة سوقية عالمية بلغت حوالي 29.1%، بعد الأداء الاستثنائي الذي حققته خلال الربعين الأول والثاني، إذ بلغ إجمالي الصادرات العربية 26.5 مليون طن مقابل 25.7 مليون طن خلال الربع المماثل من عام 2020، بنسبة نمو على أساس سنوي بلغت نحو 3.2%، لكنه أقل من النمو الذي تحقق في الربع الثاني والذي بلغ حوالي 11.1%.

وجاء النمو الأكبر في حجم صادرات الدول العربية خلال الربع الثالث من عام 2021 من مصر التي قامت بتصدير نحو مليون طن من الغاز المسال، لتحقق نموًا على أساس سنوي يقدر بـ 900%، وهو الأعلى عالميًا خلال الربع الثالث من العام. وبشكل عام، السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال شهدت ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار، والتي كانت أشبه بسباق بين السوق الآسيوية والسوق الأوروبية على الريادة في رفع الأسعار. 

ويعود ذلك إلى عدة عوامل أبرزها معاودة النشاط الاقتصادي الذي دعم نمو الطلب، ليس فقط على الغاز الطبيعي المسال بل على كافة أنواع مصادر الطاقة، وذلك بعد حالة تراجع استخراج الفحم والنفط والغاز الطبيعي. بالإضافة إلى تراجع الامدادات من بعض الدول المصدرة بسبب أعمال الصيانة الدورية.

وهذا بخلاف تزايد المخاوف من عدم تخزين كميات كافية من الغاز في مرافق التخزين في السوق الأوروبية تمهيدًا لتلبية ذروة الطلب المتوقعة في فصل الشتاء المقبل. خاصة بعد استهلاك كميات ضخمة جدًا من احتياطات الغاز في أوروبا، على خلفية أزمة الطاقة التي بدأت من أوروبا، والتي كان تغير المناخ أحد الفواعل الرئيسيين فيها، والذي تسبب في انخفاض توليد الطاقة في كبرى الدول المُصدرة للنفط بنسبة 40%، نتيجة انخفاض إنتاج توربينات الرياح للكهرباء –تسهم في إنتاج الطاقة بنسبة 30%- مما جعل الغاز أكثر ضرورة، مما تسبب في رفع أسعاره نحو 500% في غضون عام فقط، نتيجة ارتفاع الطلب، لاستعادة هذه الاحتياطيات التي تم استهلاكها.

وقد تأثرت مصر بهذه الأزمة، والتي أدت إلى إعلان لجنة التسعير التلقائي بوزارة البترول، عن رفع أسعار البنزين والغاز الطبيعي في مصر مؤخرًا، متأثرة بارتفاع أسعار النفط العالمية. وقد تتأثر مصر بهذه الأزمة أيضًا، عن طريق رفع أسعار المواد المُستوردة من أوروبا وآسيا، خاصة وأن حوالي 15% من الواردات المصرية خلال العام الأخير من الصين.

أوابك: مصر الأولى عالميًا

أما عن سوق الغاز الطبيعي المصرية الآن، فحققت مصر خلال الربع الثالث من عام 2021 معدل نمو في حجم صادرات الغاز الطبيعي المسال هو الأعلى عالميًا على أساس سنوي يقدر بـ 900%؛ إذ صدرت نحو مليون طن، في حين بلغت صادراتها خلال نفس الفترة من العام السـابق 2020 نحو 0.1 مليون طن فقط. الأمر الذي أرجعه تقرير تطورات الغاز الطبيعي المسال والهيدروجين خلال الربع الثالث من عام 2021، والصادر عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، إلى تهاوي الأسعار الفورية في الأسـواق العالمية التي لم تحقق الجدوى الاقتصادية للتصدير.

وقد صدرت مصر في أول 9 أشهر من عام 2021 نحو 4.4 مليون طن مقابل نحو 500 ألف طن خلال نفس الفترة من عام 2020، والذي شهد إغلاقات حكومية محلية وعالمية. ويرجع ذلك إلى إعادة تشغيل مجمع الإسـالة في دمياط في شهر فبراير 2021 والذي تبلغ طاقته الإنتاجية نحو 5 مليون طن/السنة، بعد أن كان متوقفًا عن التشغيل لنحو 8 سنوات، بجانب استمرار تشغيل مجمع “إدكو” الذي تبلغ طاقته الإنتاجية نحو 7.2 مليون طن/السـنة.

ووفقًا لتقرير منظمة أوابك، فالربع الثالث من عام 2021 شهد تصـدير نحو 0.6 مليون طن من مجمع دمياط ليصـل إجمالي الصـادرات من المجمع منذ معاودة تشـغيله في فبراير 2021 إلى نحو 1.6 مليون طن، مثلت حوالي 39 شحنة غاز، والتي اسـتهدفت عدة أسـواق في آسـيا في مقدمتها الهند، كأهم الدول المستقبلة لشحنات الغاز الطبيعي المسال من محطة دمياط بنحو 430 ألف طن، وفى المرتبة الثانية باكستان بنحو 380 ألف طن، والصـين في المرتبة الثالثة بحوالي 220 ألف طن، والباقي تم تصـديره إلى إسـبانيا وبنجلاديش وبلجيكا والكويت واليابان.

وتتوقع المنظمة أن تحقق مصر رقمًا قياسيًا في صادرات الغاز الطبيعي المسال بنهاية 2021 بعد استئناف نشاط التصدير بهذه الوتيرة العالية. فأزمة الطاقة في أوروبا قد تعود ببعض النفع على مصر، نتيجة ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المُصدر إلى مستويات غير مسبوقة؛ بهدف تأمين الإمدادات، خوفًا على انقطاع الخدمات. فضلًا عن أنه من المتوقع زيادة كمية الصادرات المصرية من الغاز إلى أوروبا، خاصة مع ارتفاع ضغط الطلب على روسيا، مما قد يجعلها غير قادرة على توفير الإمدادات الكافية، وتتجه البوصلة بشكل أكبر إلى مصر. وما يجعل مصر أيضًا مُصدّرًا رئيسًا للغاز الطبيعي لدول أوروبا المتعطشة للنفط، هو أن احتياطاتها بلغت نحو 2.186 تريليون متر مكعب، أي ما يعادل 77.2 تريليون قدم مكعب. 

مقومات النجاح

حقق قطاع الغاز الطبيعي في مصر خلال السنوات الثلاث الأخيرة طفرة هائلة والتي جعلت مصر واحدة من أهم الدول عالميًا في تصدير الغاز الطبيعي المسال، كخطوة نحو تحول مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة، وذلك في ضوء الاهتمام الدولي الذي يحظى به منتدى غاز شرق المتوسط ويوضح مدى نجاح الجهود المصرية التي قادت تأسيس هذا المنتدى وتطويره.

ورغم إرجاع منظمة أوابك زيادة الصادرات إلى إعادة تشغيل مجمع الإسـالة في دمياط، إلا أن حقيقة الأمر أن زيادة الصادرات ترجع إلى عدة مقومات أهمها: تحقيق عدة اكتشافات للغاز والإسراع بتنميتها، استطاعت من خلالها تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز، بخلاف تنفيذ 29 مشروعًا لتنمية الحقول باستثمارات 437 مليار جنيه. وتستهلك مصر محليًا 6 مليار قدم مكعبة يوميًا، يستحوذ قطاع الكهرباء على نصيب الأسد منها بنسبة 62%، يليه قطاع الصناعة بنسبة 22%، ثم قطاع البتروكيماويات بنسبة 10%، وأخيرًا 5% للاستهلاك المنزلي وتموين السيارات.

وتبلغ صادرات مصر من الغاز المسال نحو 1.8 مليار قدم مكعب يوميًا. في حين يبلغ إنتاج مصر من الغاز في الوقت الراهن بين 7 و7.2 مليار قدم مكعبة في اليوم، ففي خلال العام (2018-2019) تم تحقيق 15 كشفًا جديدًا، 5 منها في البحر المتوسط، والـ 10 اكتشافات الأخرى في الصحراء الغربية. وتم تنفيذ 7 مشروعات لتنمية الحقول لتزيد الإنتاجية في 2018/2019 بنسبة 21%، واستثمارات 10.5 مليار دولار. 

هذا بخلاف امتلاك محطتي إسالة بدمياط وإدكو، تعمل بطاقة استيعابية إجمالية تقدر بـ 2.1 مليار قدم مكعب يوميًا، وتقدر تكلفة إنشائهما بحوالي 3.2 مليار دولار، وقت بداية تشغيلهما في أوائل القرن الحالي، والتي تضاعفت قيمتها الاقتصادية إلى خمس أضعافها الآن، وتقوم بتحويل الغاز الطبيعي من حالته الغازية إلى الحالة السائلة، حتى يمكن تحميله على سفن وتصديره.

وقد أسهم امتلاك مصر لهاتين المحطتين في تعزيز عقد مزيد من التعاقدات الدولية، وتوسيع شبكة التصدير والاستيراد المصرية، وخاصة مع عدم امتلاك غالبية دول الشرق الأوسط، وجميع أعضاء المنتدى لمصانع إسالة الغاز. وكان من أبرز هذه التعاقدات: 

  • خلال الشهور القليلة الماضية، برزت مصر كمورد رئيس للغاز الطبيعي المسال إلى السوق التركية، إذ تم شحن 7 شحنات منذ أكتوبر 2021. تقدر بحوالي 0.1 مليار متر مكعب.  ومن المتوقع أن يصل الطلب التركي على الغاز إلى مستويات قياسية هذا العام تصل إلى 60 مليار متر مكعب، بسبب زيادة الاستهلاك في قطاع الطاقة.
  • من المقرر أن تبدأ مصر في تصدير الغاز إلى لبنان مع نهاية العام الحالي 2021. وذلك على خلفية توصل وزراء الطاقة والبترول في كل من مصر والأردن وسوريا ولبنان، في 8 سبتمبر الماضي، إلى ما يسمى “خارطة طريق” من أجل إمداد لبنان بالغاز المصري، عبر الأراضي الأردنية والسورية، من خلال خط الغاز العربي، لتغذية معمل دير عمار وقدرته حوالي 450 ميجاوات، والذي يؤمّن أكثر من 4 ساعات تغذية بالطاقة الكهربائية للمواطنين اللبنانيين، وذلك حرصًا من مصر على التخفيف عن كاهل الشعب اللبناني والمساهمة في دعم لبنان واستقراره.
  • وفي منتصف عام 2018، تم عقد اتفاق إقامة خط أنابيب بحري مباشر من أجل نقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي إلى محطات الإسالة بمصر وإعادة تصديره إلى الأسواق المختلفة. ومن المقرر ان تصل الطاقة الاستيعابية لتلك الخطوط إلى 700 مليون قدم مكعب سنويًا، ومن المقرر بدء عملية الضخ في 2022.

هبة زين

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى