
رئاسة مصر لمؤتمر مكافحة الفساد COSP9: دور فاعل وشراكات دولية
تسلمت مصر رئاسة الدورة التاسعة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد COSP9 لمدة عامين (2021-2023)، والمنعقد الآن في مدينة شرم الشيخ من الفترة 13 – 17 ديسمبر 2021، من دولة الإمارات العربية، وتلقى حسن عبد الشافي رئيس هيئة الرقابة الإدارية رئاسة المؤتمر من رئيس ديوان المحاسبة في دولة الإمارات العربية المتحدة حارب سعيد العميمي. فما أهمية هذا المؤتمر والجهود المصرية في مكافحة الفساد؟
أهمية مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية مكافحة الفساد الأممية
ترجع أهمية مؤتمر الأطراف المنظم تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة إلى توسيع دائرة المشاركة والتي تضم 144 دولة، وبمشاركة 2130 شخصًا، في تجمع بين الدول الأطراف المشاركة في التوقيع على الاتفاقية والتي تعد الصك القانوني الدولي الوحيد لمعايير مكافحة الفساد، وانضمت إليها 189 دولة وبدأ الإعلان عنها في ديسمبر 2003.
ويتزامن المؤتمر مع الجهود الدولية لمكافحة تحديات أزمة كورونا والذي انعكس على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والانغلاق الدولي، كما يُعد فرصة لتبادل وجهات النظر الدولية وعرض التجارب العالمية في مواجهة الفساد بوصفه أحد معوقات التنمية، وبالتالي يمثل أولوية على الأجندة الدولية. ويُنظم المؤتمر بشكل دوري كل عامين لمناقشة قضايا مكافحة الفساد.
وتتزامن رئاسة مصر لأعمال المؤتمر وعضوية ثلاث نواب من دول باكستان وبولندا وهندوراس ومقرر من دولة بلجيكا وذلك لمدة سنتين وحتى 2023، مع إعلان الأمم المتحدة عام 2021 عام مكافحة الفساد، وعقب أيام من اليوم العالمي لمكافحة الفساد والذي أقرته الاتفاقية الأممية يوم 9 ديسمبر.
وجاء إعلان شرم الشيخ تحت عنوان “تعزيز التعاون الدولي في مجال منع الفساد ومكافحته أوقات الطوارئ والاستجابة للأزمات والتعافي” للتأكيد على أولوية التوقيت للارتقاء بجهود مكافحة الفساد، من خلال توفير منصة للشراكة بين المؤسسات الدولية للتعاون من أجل تنفيذ معايير الاتفاقية، وهو الدور المنوط به كذلك مكتب الأمم المتحدة بتعزيز التعاون مع الدول لتعزيز قدراتها على محاربة الفساد بكل أشكاله.
وتعود أهمية الاجتماعات في شرم الشيخ إلى الدور المصري في طرح 4 قرارات من المنتظر الإعلان عنهم ضمن 9 قرارات في مجالات تعزيز التعاون الدولى لتنفيذ الاتفاقية الأممية، ووضع خارطة الطريق للعامين المقبلين واسترداد الموجودات. وقد طلبت الولايات المتحدة استضافة المؤتمر في دورته العاشرة عام 2023. ويهدف المؤتمر كذلك إلى تبادل البيانات الدولية في التعريف بأبرز الانجازات في مجال منع ومكافحة الفساد، وآلية تنفيذ الاتفاقية وتعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الحكومية الدولية. وتسعى الاتفاقية إلى توفير الموارد اللازمة للدول النامية لتحقيق بنودها والقدرة على مجابهة التحديات.
التحديات وسبل منع ومكافحة الفساد
يؤدي الفساد إلى إعاقة التنمية المستدامة وجودة الحياة وزيادة معدلات الفقر وحقوق الإنسان وضعف الثقة في المؤسسات العامة، وهو ما صاغته كلمة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي.
ووضعت غادة والي، المدير التنفيذي لمنظمة الامم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، عدة تحديات تواجه الدول ناتجة عن الفساد وتؤثر على التنمية، متمثلة في زيادة معدلات الجريمة مع حرمان 1,8 مليار شاب على مستوى العالم من الحصول على مكانة عادلة واستغلال قدراتهم والحد من مشاركتهم، هذا إلى جانب الوعي بأهمية مكافحة الفساد على كافة المستويات وهنا يأتي دور الإعلام ومنظمات المجتمع المدني.
وبالتالي فإن العدالة في تولي الشباب والنساء المناصب القيادية سيحد من شكل من أشكال الفساد، وكذلك الاندماج في المبادرات ذات الصلة مثل “مبادرة جلوب” المنضم لها ٨٠ جهة لمكافحة الفساد ومبادرة “رايس” التى تدعم ٤٥ دولة لاستعادة الممتلكات المسروقة، ومبادرة قادة لتأهيل الشباب وإعطائهم فرصة القيادة، وغيرها من المبادرات التي سيتم إعلانها لتعزيز فرص التعاون الدولي والتعليم والتوعية، وتعزيز فرص التنافس العادل.
وفيما يتعلق بموضوع المؤتمر والمرتبط معالجة آثار جائحة كوفيد -19، أشارت غادة والي إلى مفهوم “التعافي بنزاهة” لربط إعادة بناء النظم الصحية والتعليمية والاقتصادية بآليات مكافحة الفساد وتشريعاتها وسياسات الدولة. هذا إلى جانب ظهور العديد من الجرائم الإلكترونية، وبالتالي تم وضع أوراق وسياسات تشرح مخاطر الإنترنت وما يتعرض له المجتمع من الاستغلال الجنسى والاتجار فى البشر، وتقوم الأمم المتحدة بمحاولة تقديم الدعم الفنى والتقنى اللازم والتدريب للدول المشاركة.
وتقع عوائق الفساد على الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، مما يعرقل من عملية التنمية وتنفيذ معايير العدالة الاجتماعية، وهو ما يحتاج إلى تضافر جهود الدولة لمواجهة الفساد، خاصة في ظل تأثيرها على تنامي ظاهرة الإرهاب، وضعف الاستثمارات وبالتالي عدم تحسين جودة حياة المواطنين وانعدام الأمن. وبالتالي فإن المؤتمر وفقًا لما جاء في كلمة أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، بمثابة خطوة مهمة نحو تسريع العمل العالمي لمجابهة الفساد، وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، خاصة أن معالجة الفساد أمر ضروري لحماية حقوق الإنسان وتعزيز المساءلة الديمقراطية.
وعن الجريمة العابرة للحدود وتأثيراتها على الدول المختلفة، ودور التعاون الدولي وتبادل المعلومات في مواجهتها، وانطلاقًا من دور الرياضة في مواجهة ومكافحة الفساد والجريمة، تم الإعلان خلال فعاليات المؤتمر عن إطلاق الشبكة التشغيلية العالمية لسلطات إنفاذ القانون لمكافحة الفساد، وخطوات مواجهة الحد من الفساد في مجال الرياضة، من خلال شراكات جديدة مع اللجنة الأولمبية والاتحاد الدولي لكرة القدم.
الجهود المصرية في مكافحة الفساد
ترجع الجهود المصرية في تطبيق الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد في تطبيق المعايير العالمية للاتفاقية بما يحترم السيادة القانونية المصرية، وتعزيز سبل التعاون الدولي، بوصفها أحد ركئز الحكم الرشيد وتحقيق التنمية ومكافحة الجريمة وإشراك المجتمع في عملية صنع القرار وإعلامه وإتاحة المعلومات في إطار الشفافية بين الشعب ومؤسسات الدولة، ويمكن تحديد تلك الجهود على المستوى الدولي والقاري في التالي:
- تم وضع استراتيجية التنمية المستدامة 2030، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد وإطلاق أجندة 2063 الأفريقية، والتي صادقت عليها القمة الأفريقية في عام 2015 وما نتج عنها من الخطة العشرية الأولى 2014-2023 لتنفيذ الأجندة، وهي بمثابة إشارة للتعاون الدولي في منع ومكافحة الفساد، في إطار استراتيجية شاملة تتفق والأهداف الأممية الـ 17.
- توقيع اتفاقية شراكة فى النمسا وتدريب ٢٤٠٠ خبير فى مجال مكافحة الفساد، وإطلاق حملتين فى مصر فى مجال مكافحة الفساد في إطار التعاون بين مكتب الأمم المتحدة فى فيينا وهيئة الرقابة الإدارية، وتنظيم 100 حدث آخرين، في إطار برنامج الأمم المتحدة العالمى لمكافحة الفساد وتقديم الدعم إلى ١٢٠ دولة من خلال التدريب وتعزيز قدراتها على مكافحة الفساد والجريمة ونشر الوعي العام حول مكافحة الفساد.
- الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام ٢٠٠٥.
- إطلاق المنتدى الأفريقي الأول لمكافحة الفساد في مصر عام 2019، والانضمام إلى اتفاقية الاتحاد الأفريقي لمنع الفساد ومكافحته، والتي تعد الوثيقة القانونية الأساسية للقارة الأفريقية في مكافحة الفساد.
- توقيع مذكرة تفاهم مصرية سعودية فى مجال منع ومكافحة الفساد، على هامش مؤتمر الدول الأطراف الحالي.
- التعاون الدولي واللقاءات الثنائية وآخرها، لقاء الوزير حسن عبد الشافي أحمد رئيس هيئة الرقابة الإدارية والسيد شارل ديوشين رئيس هيئة مكافحة الفساد الفرنسية؛ بهدف تبادل الخبراء والخبرات بين الجانبين، والاهتمام بالتدريب على استخدام الوسائل الحديثة فى الكشف عن جرائم الفساد والتحريات المالية، واستقدام الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد خبراء من الجانب الفرنسي لتدريب الكوادر بالأجهزة النظيرة بالقارة الأفريقية فى ضوء اهتمام مصر بنشر المعرفة وتبادل الخبرات والثقافات بين مختلف البلدان الأفريقية.
ومن هذا المنطلق، اتخذت الدولة إجراءات إصلاح تشريعي تنظم وتتوافق مع كافة أحكام الاتفاقية، وتم استحداث إدارات مختصة لمكافحة صور الفساد المالي والإداري واتخاذ إجراءات التحول الرقمي لتعزيز الحوكمة الإدارية والمالية والمساعدة على القضاء على البيروقراطية، وتمثلت في التالي:
- حدد الدستور المصري 2014، مواد مكافحة الفساد، والتأكيد على استقلالية الهيئات والأجهزة الرقابية من الناحية الفنية والمالية والإدارية؛ ضمانًا للحفاظ على المال العام وتحقيقًا لحسن إدارته وتنظيم الاستفادة منه لصالح الشعب بالمقام الأول.
- تعديل قانون هيئة الرقابة الإدارية والتوسع في نطـاق اختصاصاتها وإضافة مكافحة الجريمـة المنظمـة وغسل الأموال والكسب غير المشروع واستغلال الصفة العمومية عام ٢٠١٧.
- تـعـديل قـانون العقوبـات عـام ٢٠١٨ وإضـافة تجـريم رشـوة الموظف العام الأجنبي وموظفي المؤسسات الدولية العمومية ليتوافق مع قرارات الدورة الخامسة للمؤتمر ببنما عام ٢٠١٣.
- وضع استراتيجية وطنية لمنع ومكافحة الفساد بمرحلتيها الأولى والثانية من 2014 حتى عام 2022، والتي استطاعت تحقيق نحو ٨٥% من المستهدف إنجازه تماشـيـًا مـع المـادة الخامسـة مـن الاتفاقية بمشاركة القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني بالتوافق مع إعلان مراكش، والتي ترتكز على ٣ موضوعات رئيسة لمنع ومكافحة الفساد فى أقرب وقت ممكن وإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة.
- إنشاء كل من اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد، والأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد كـأول أكاديمية تدريبية متخصصة على المستوى القاري والإقليمي، والتي توفر التدريب والتوعية وبرامج دراسات عليا في مجال مكافحة الفساد.
- تبني برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي عام 2016 للقضاء على تأثير الفساد على عمليات التنمية الشاملة وحقوق الإنسان، وذلك عام 2016، ويهدف إلى تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، وجذب الاستثمارات المحلية والدولية، وخفض معدلات الدين العام.
- البدء في سلسلة المشروعات القومية لتحقيق التنمية الاقتصادية وتوفير العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى المعيشة للقضاء على تأثير الفساد على الفئات الأكثر تهميشًا، والقضاء على التمييز وعدم المساواة، والعمل على ربط الاقتصاد غير الرسمي بالقطاع الرسمي.
- تعزيز برامج الحماية الاجتماعية في ظل الجهورية الجديدة، بإطلاق المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” ومشروع تطوير الريف المصري لتحسين المعيشة وجودة الحياة لما يقرب من 60 مليون مواطن مصري، وإطلاق برنامج “تكافل وكرامة” بوصفه أحد برامج التحويلات النقدية المشروطة، والذي وصل عدد المستفيدين منه في عام 2021 إلى حوالي 3.8 مليون أسرة.
- إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021-2026، في إطار التنمية الشاملة للجمهورية الجديدة بإرساء مبادئ مكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة وقيم النزاهة والشفافية.
- الرقمنة وميكنة الخدمات الحكومية للحد من الفساد من خلال الفصل بين طالب الخدمة ومُقدمها، وتعزيز الشفافية، والرقابة على المؤسسات.
- إصـدار قـانون التعاقـدات العامـة عـام ٢٠١٨ ليتوافـق مـع المعايير الدولية والمادة رقم 9 من الاتفاقية. وفي ذات الإطار، تنفذ مصر مشروعًا طموحًا للتحـول الرقمـي وتبني نظام إلكتروني لإجراءات التقاضي الجنائي والمدني.
- الإصلاح الإداري للدولة من خلال إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة بوصفها تعزيزًا للرقمنة وميكنة الخدمات الحكومية.
- التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمرأة ودمج الشباب في عمليات صنع وتنفيذ السياسات العامة.
ختامًا، يعد المؤتمر خطوة في ظل زيادة معاناة الدول عقب جائحة كورونا في إعادة ترتيب الأولويات، وتعزيز سبل التعاون الدولي والذي أكدت عليه الجائحة، في ظل الاعتراف الأممي بالدور المصري في مجال مكافحة الفساد وتحقيق التنمية الشاملة بالبلاد، بما سينعكس على الجانب الاقتصادي والاجتماعي للدولة المصرية، والتي لم تألُ جهدًا في تحقيق المعايير العالمية ونقل خبراتها من خلال التعاون الدولي والإفريقي والعربي.
باحثة بالمرصد المصري