الصحافة المصرية

(قمة تيكاد 7) ..حضور افريقي مختلف برئاسة السيسي

جاءت رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي حول اجتماعات مؤتمر طوكيو الدولى السابع للتنمية الإفريقية «تيكاد 7»، المقرر عقدها خلال الفترة من 28 حتى 30 أغسطس الجاري، والتي ستستقبلها مدينة أوكوهاما اليابانية وهي المدينة التي نجحت في استضافة أعمال القمة في عامي 2008 و 2013، والتي نشرها الموقع الرسمي لوزارة الخارجية اليابانية كما قالت الصحف المحلية، لتسلط الضوء على جزئين مهمين هما أن الاجتماع السابع سيكون مختلفاً بالنسبة للقارة الإفريقية ككل لأنها أعقبت الإعلان عن إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية في إفريقيا، وبالنسبة للدولة المصرية ستأتي في ظل رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي وتبنيها أجندة إفريقيا 2063. وربما جاءت هذه القمة لتسلط الضوء على التواجد الدولي في القارة الإفريقية والتنافس المحتدم بينهما.

وتعد قمة تيكاد 2019 هي القمة السابعة، والتي انطلقت منذ عام 1993 كمبادرة من حكومة اليابان، بهدف تعزيز الحوار السياسي رفيع المستوى بين أفريقيا وشركائها للتنمية، وحشد الدعم لصالح مبادرات التنمية الإفريقية.

ويشارك في تنظيم هذا الحدث المهم مع الحكومة اليابانية مفوضية الاتحاد الإفريقي والبنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومكتب المستشار الخاص بشأن إفريقيا التابع للأمم المتحدة.

وتمثلت أعوام استضافة اليابان للقمة في الأعوام التالية:

 .

كما يأتي ختام رسالة الرئيس السيسي حول قمة تيكاد 7، للرد على كل من يشكك في قدرة القارة السمراء على تحقيق الأهداف المتوقعة من اتفاقية التجارة الحرة القارية والتي انتقدها البعض نتيجة ضعف البنية التحتية الإفريقية، لتأتي كلمات الرئيس للمراهنة على قوة موارد القارة من ناحية، وتعريف شركاء القارة لهذه الامكانيات وحثهم على استغلالها بالشكل الأمثل للوصول لأقصى استفادة ممكنة للجانبين، موجهاً رسالته إلى الشريك الياباني، وذلك حيث قال “لا يساورنى أى شك بأن “التيكاد 7″ ستواصل تقاليدها الناجحة، بالتركيز على احتياجات وأولويات أفريقيا، واستغلال مناطق القوة لدى شركائها”. 

ما هي القمم الدولية التي شارك بها الرئيس منذ توليه فترة الرئاسة الثانية

ذكر تقرير الهيئة العامة للاستعلامات” أن مشاركة مصر في قمة السبع G7 كانت الـ 19، وبالتالي تأتي قمة تيكاد 7 لتكون العشرين.

فمنذ بداية الفترة الرئاسية الثانية في 8/6/2018، حضر الرئيس عبد الفتاح السيسي عدداً كبيراً من هذه القمم ليست لمصر عضوية بها، وإنما تمت دعوتها – كقمة G7، وكان الرئيس السيسي رئيساً لنحو (7) من هذه القمم خلال هذه الفترة التي شهدت قمتين أفريقيتين برئاسة مصر في إثيوبيا والنيجر، وقمتين عربيتين في تونس ومكة المكرمة، وقمة عربية – أوربية في شرم الشيخ، وقمتين بشأن ليبيا والسودان برئاسة مصرية، وقمة اسلامية في مكة المكرمة، وقمة مجموعة العشرين في طوكيو، وقمة صينية – أفريقية في الصين، وقمة أوربية – أفريقية في النمسا، ثم مؤتمر ميونخ للأمن في ألمانيا، وكذلك القمة المصغرة للقادة الأفارقة أعضاء المبادرة الألمانية للشراكة مع إفريقيا فى إطار مجموعة العشرين التي عقدت في ألمانيا، فضلاً عن دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقمم جماعية دولية أخرى في نيويورك، فضلاً عن عدد من القمم متعددة الأطراف كالقمة المصرية – الأردنية – العراقية، والقمة المصرية – الأردنية – الفلسطينية، والقمة المصرية – اليونانية – القبرصية وغيرها.

             التنافس الياباني/ الصيني في القارة

وتنظر اليابان إلى إفريقيا باعتبارها كيانا يتكون من 55 دولة متنوعة تضم أكثر من 1,2 مليار نسمة، تمتلك امكانيات سوقية ضخمة وموارد طبيعية متنوعة، وينشر موقع الحكومة اليابانية أن الاستقرار السياسي النسبي قد ساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة،  معلناً أن الاقتصاد الإفريقي قد شهد تغيراً كبيراً ونموًا ديناميكيًا.

وتتبع اليابان نهجين رئيسيين لتوجيه علاقاتها مع البلدان الأفريقية، وهما “تحقيق الجودة” من خلال التكامل والاستدامة والمرونة، وهي عبارة تستخدمها اليابان للتفرقة بينها وبين الأعمال التي تقوم بها الصين، والنهج الآخر هو تأهيل العنصر البشري باعتباره أمن القارة من خلال التركيز على بناء القدرات مع التركيز على كل فرد في أفريقيا. وتؤكد الحكومة اليابانية دوماً على ضرورة تعزيز الاستثمار في جودة البنية التحتية، والاستفادة الكاملة من التقنيات المتطورة التي تمتلكها الشركات اليابانية من أجل تحقيق نمو اقتصادي متوازن ومستقر، وتعلن أيضاً أن الشركات اليابانية ستعمل على تدريب الشباب في محاولة لنقل التكنولوجيا للقارة في إطار اهتمامها بالعنصر البشري.

وعليه تم تحديد موضوع تيكاد 7 بأن يركز على “الإنسان.. التكنولوجيا..الابتكار”

وتشهد أجندة القمة موضوعات حيوية تهتم بالقارة الإفريقية من خلال تحقيق التكامل الاقتصادي والاستدامة من خلال مناقشة موضوعات متعلقة بالاقتصاد الأخضر والازرق، والنفايات البلاستيكية ونقل التكنولوجيا وتحقيق المساواة والتغيرات الاجتماعية التي شهدتها القارة وكيفية تمثيل المرأة في الحياة السياسية كما حدث في رواندا، والاهتمام بالاستثمار في البنية التحتية في الدول الافريقية وخاصة الجابون باعتبارها الدولة الأسرع نمواً.

وتتخذ اليابان نفس اتجاه المعسكر الغربي والولايات المتحدة نحو ما تتعرض له  الصين لانتقادات بسبب قيامها بتسليم قروض كبيرة في إطار مبادرة تطوير البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق إلى دول غير قادرة على تسديد الديون، والمعروفة إعلامياً بـ “دبلوماسية فخ الديون”، وأوضحت الصحيفة اليابانية الناطقة باللغة الانجليزية “جابان تايمز” أن اليابان تعتزم الإعراب عن قلقها خلال أعمال القمة بشأن الديون المفرطة التي تمارسها الصين، في خطوة تهدف إلى تقويض ممارسات الإقراض الصينية في المنطقة.  

محاولات التواجد الأمريكي مقابل التقدم الروسي الصيني الياباني في إفريقيا

وتعد تيكاد 7 هي القمة الثانية التي تشهد التواجد المصري كرئيس للاتحاد الإفريقي في اليابان خلال هذا العام، ففي وقت لاحق شهدت أعمال قمة العشرين في أوساكا التواجد المصري، وتم مناقشة موضوعات حيوية تهم القارة مثل التجارة الحرة على أجندتها. وبالتالي فهي ليست القمة الاولى من نوعها بل تطورت النظرة الدولية للقارة الإفريقية منذ الحديث عن اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية وتغيرت سياسات الاتفاقات من الفكر الاستعماري التبعي إلى العلاقات الاقتصادية الاستثمارية المتبادلة، وتضمنت تنافس شرس بين الدول الراغبة في الاستثمار وزيادة حجم التبادلات التجارية وإقامة علاقات مستدامة طويلة الأمد، في المقابل قامت بعض الدول بحملات إعلامية ضخمة لتعميق استراتيجيتها في إفريقيا.

فعمد الإعلام الغربي والأمريكي إلى الإشارة إلى “دبلوماسية فه الديون” التي تقودها الصين في استثماراتها في إفريقيا، بينما أكد الإعلام الصيني دائماً على العلاقات المتبادلة ودعم الصين لإفريقيا في خطط التنمية والعمل على تطوير البنية التحتية للقارة الإفريقية للقضاء على معوقات اتفاقية التجارة الحرة القارية في إفريقيا، وهو ما اعتبرته مجلة “فورين بوليس” تدخل في المشهد الإعلامي، لخلق الوعي نحو مشروعاتها واستثماراتها الإفريقية،  وهو الدور الذي برعت فيه الولايات المتحدة بالسابق، كما تعمل الصين على بناء هوية داخل القارة الإفريقية من خلال نشر معاهد كونفشيوس في القارة

أما عن الجانب الروسي، فشهد اهتماماً متزايد نحو إفريقيا، والذي يظهر جلياً في تصريحات الرئيس بوتين حول انتقال العلاقات مع مصر باعتبارها شريك إفريقي إلى مستوى جديد باعتباره هدف اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي، التي تم توقيعها في أكتوبر 2018، وهو ما أشارت إليه وكالة الأنباء الروسية “تاس”. وتنظر روسيا لإفريقيا باعتبارها ضمان للاستقرار الروسي على الخريطة العالمية، وقد  تم التخطيط لعدة قمم وأحداث ثنائية، والتي ستتوج خلالها العلاقات الخارجية بأول قمة “روسية – أفريقية” تضم أكثر من 50 من القادة الأفارقة الذين سيتم استضافتهم بمدينة سوتشي الروسية في أكتوبر 2019، وبالتالي تعود روسيا إلى إفريقيا وتستخدم كل أدوات القوة لديها، بما في ذلك الدبلوماسية واستثمارات الطاقة والدعم العسكري لتقوية نفوذها.

أما عن العلاقات الامريكية بالقارة فيمكن وصفها من خلال التقارير الغربية تجاه القارة، فنشرت مجلة Foreign Affairs  إلى التوجه الأمريكي لتغيير سياسات ترامب كما أشار مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون تتضمن التجارة والاستثمار لمواجهة ما وصفته بـ “التغول الصيني” في القارة السمراء؛ إلا أنه تم اعتبار هذه الاستراتيجية قد تخطئ الهدف نظرا للاستثمارات المستدامة التي تقوم بها الصين في علاقات طويلة الأمد لا تعتمد على التجارة البينية التي ستقوم بها إدارة ترامب، هذا بالإضافة إلى تقرير شبكة “بي بي سي” الذي وصف الولايات المتحدة بأنها تفقد دبلوماسيتها في إفريقيا مقابل التزايد الدبلوماسي الصيني، من خلال الشغور بعض المناصب الدبلوماسية الأمريكية الأكثر أهمية في العواصم الأفريقية، كما تسعى القوى الصاعدة الأخرى، مثل تركيا والهند، إلى توسيع نطاق وجودها الدبلوماسي في أفريقي، وموافقة الهند على خطط تهدف إلى فتح 18 سفارة جديدة في إفريقيا. فقد كانت الولايات المتحدة أكبر مصدر للاستثمار المباشر في أفريقيا، لكن مساهمتها تتراجع، وأعلنت الصين في عام 2018 عن استثمارات إضافية بقيمة 60 مليار دولار (بعد 60 مليار دولار تعهدت بها في عام 2015) والتي شملت مشاريع البنية التحتية كجزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية لبناء طرق تجارية عالمية، هذا بالإضافة إلى روسيا.

وهذا ينقلنا إلى التساؤل الخاص بالإجراءات التي اتخذتها الدول لمواجهة ما اسموه بالتوغل الصيني في القارة؟

نشر موقع “اليابان نيوز”  اتخاذ الحكومة اليابانية للترتيبات النهائية بشأن الترويج لإطلاق الإستراتيجية الحرة والمفتوحة للهند والمحيط الهادئ بقيادة اليابان والولايات المتحدة في بيان في مؤتمر طوكيو الدولي المقبل حول التنمية الأفريقية (TICAD)، وسيتم تبني الإعلان عنها في نهاية المؤتمر،  في إطار الإجراءات التي تتخذها كل من اليابان والولايات المتحدة في تقديم المساعدة للدول الإفريقية في إطار تدخل الصين المتزايد في إفريقيا. وكشف رئيس الوزراء شينزو آبي عن مبادرة الهند – المحيط الهادئ لأول مرة خلال خطابه الرئيسي في الاجتماع السابق الذي عقد في كينيا في أغسطس 2016، على اعتبار أنها استراتيجية دبلوماسية تهدف إلى تعزيز السلام والاستقرار والازدهار في منطقة المحيط الهادئ الهندية ، والتي يربط بين القارات الآسيوية والأفريقية ، استنادا إلى سيادة القانون والنظام الدولي.

وأخيرا، هل ستتغير توجهات الدول تجاه إفريقيا كاليابان في تيكاد، وقمة روسيا – إفريقيا في سوتشي أكتوبر المقبل النظرة السياسية للقارة السمراء، والعمل على تغيير استراتيجيات الهجوم الإعلامي إلى التعاون القائم على الاستثمارات والدعم الاقتصادي طويل الأمد في القارة في ظل توقيع اتفاقية التجارة الحرة القارية؟ وهل ستشهد هامش فعاليات القمة بعض الاتفاقيات الخاصة بالتنمية الصناعية والحوافز الاستثمارية في مصر بشكل عام وفي المنطقة الاقتصادية في السويس على وجه الخصوص؟

كاتب

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى