
مجمع التحرير.. قلب القاهرة التاريخية في ثوبٍ مصري بطراز عالمي
في عصر انتهجت فيه الدولة المصرية فكرًا إداريًا جديدًا يواكب الجمهورية الجديدة، ووضعت استراتيجيات طويلة المدى، ليس فقط للقضاء على بيروقراطية الماضي أو تحسين الوضع الحاضر، ولكن أيضًا للحفاظ على مستقبل الأجيال القادمة، فنجدها على غرار عدد كبير من دول العالم التي تستثمر في الأصول الثابتة غير المستغلة لديها، قامت مصر متمثلة في صندوق مصر السيادي بطرح مجمع التحرير -ذلك المبنى الأيقوني الذي يُعد أكبر مؤسسة عمل على مستوى مصر- للتطوير. وقد فاز التحالف الأمريكي المتخصص في إعادة تأهيل وتطوير المباني التاريخية، والذي يضم مجموعة “جلوبال فينتشرز”، ومجموعة “أوكسفورد كابيتال”، وشركة “العتيبة للاستثمار” بشراكة صندوق مصر السيادي في عملية التطوير وإعادة التأهيل لمجمع التحرير.
ويتمثل نموذج الشراكة في مساهمة الصندوق السيادي بالأصل المتمثل في مجمع التحرير والدراسات الفنية والرفع المساحي، فيما سيساهم التحالف الأمريكي “المطور العقاري” بالتمويل بقيمة 3.5 مليار جنيه ومكونات التطوير الأخرى، حيث سيشهد المشروع تطوير مبنى مجمع التحرير وتحويله إلى منطقة جذب متعددة الاستخدامات. سيضم غرفًا فندقية ومساحات تجارية وإدارية وثقافية، إضافة إلى مقر للمؤتمرات. مع اشتراط صندوق مصر السيادي على التحالف الأمريكي بالمحافظة على الطابع التاريخي والمعماري للمبنى. علمًا بأن التحالف الأمريكي الفائز بالشراكة المصرية له سابقة أعمال ثرية لتطوير مجموعة من المباني التاريخية في أمريكا وأوروبا. وسيضمن التنويع في استخدامات المبنى وجود عائد استثماري مستمر وخاصةً من المكون الفندقي أو التجاري.
تاريخ معماري مميز
يعود تاريخ إنشاء مجمع التحرير إلى عام 1948، وتم الانتهاء منه وافتتاحه عام 1951، أي منذ 70 عامًا، بموجب تكليف ملكي كأول مبني إداري يضم دواوين الحكومة في مصر وحمل اسم “مجمع الحكومة”، والذي تم تغيير اسمه فيما بعد لـ “مجمع التحرير”.
وهذا المبنى العملاق كان قد تم تصميمه من قِبل شيخ المهندسين “محمد كمال إسماعيل” على الطراز المعماري الحداثي القائم على الأشكال الهندسية الميسرة الخالي من الزخارف الخارجية، وبلغت مساحته 28 ألف متر وارتفاعه 55 مترًا، ويحتوي على 1356 حجرة للموظفين. وهو يتميز بالصالات الواسعة والمناور والنوافذ العديدة والممرات الكثيرة بكل دور، وبلغت تكلفة هذا المبنى الإداري الضخم الذي يتكون من 14 طابقًا نحو 2 مليون جنيه مصري.
ويمتاز مجمع التحرير بإطلالاته المميزة جدًا، على النيل من ناحية، وعلى ميدان التحرير المطور من ناحية أخرى، وكذا يطل على القاهرة الخديوية ومباني أخرى يتم تطويرها. وقد بدأ مجمع التحرير بتسعة آلاف موظف حكومي إلى أن وصلوا بمرور السنوات إلى نحو 18 ألف موظف، وأصبح يتردد عليه عشرات الآلاف من المواطنين يوميًا، مما أدى إلى التزاحم بشكل كبير، وإعاقة الحركة المرورية.
بداية التطوير وأهميته
ولبحث مصير المبنى التاريخي، عكفت الحكومة المصرية مع الصندوق السيادي المصري لوضع تصور لكيفية إعادة استغلاله، وخلصت نتيجة المناقشات مع المستثمرين إلى اقتراح تطوير وتحويل مجمع التحرير إلى مبنى متعدد الوظائف والأغراض يضم أنشطة ثقافية وفندقية وتجارية متنوعة.
وكانت خطة تطوير مجمع التحرير هي جزء من خطة حكومية للاستفادة من الأماكن والمباني الحكومية والمناطق التي يمكن استثمارها، بهدف توسيع قاعدة الفرص الاستثمارية المتاحة وتعظيم الاستفادة من الأصول المستغلة وغير المستغلة للدولة، وتنويع مصادر التمويل لزيادة تنافسية وإنتاجية الاقتصاد وتحديد أهداف التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، خاصةً مع توجه الحكومة إلى إنشاء عاصمة إدارية جديدة وصدور قرار من الرئيس عبدالفتاح السيسي، حمل رقم 459 لسنة 2020، بإزالة صفة النفع العام عن عدد من المنشآت المملوكة للدولة، ونقل ملكيتها لصالح صندوق مصر السيادي، ومن بينها أرض ومبنى مجمع التحرير بمساحة 3.055 فدان.
وتأتي أهمية تطوير مجمع التحرير لقيمته التاريخية والرمزية لدى الشعب المصري كونه الموقع الحكومي الأكثر شهرة ومكانة وتعددًا للأشكال والإطلالات، إذ يبدو من أحد جوانبه كمقدمة سفينة، ويبدو من منتصف ميدان التحرير على هيئة قوس، ومن ظهر المجمع يبدو كجزء من الدائرة.
وتأتي أهمية تطوير مجمع التحرير أيضًا في وقت مناسب بعد النجاح الكبير للحدث التاريخي لموكب نقل المومياوات الملكية من المتحف المصري إلى متحف الحضارة مرورًا بمجمع التحرير والذي ظهر بشكل متميز. ويعد هذا التطوير بداية الطريق لمجموعة من الفرص الاستثمارية لاستعادة استغلال المباني غير المستغلة، علاوة على أنه نقلة نوعية لنوع جديد من الاقتصاد العقاري والسياحي والخدمي في مصر.
وتنبع أهمية التطوير كذلك من نوعية الاتفاقية والشراكة، والتي تنبع من عراقة مجمع التحرير الذي يعد أصلًا من أصول مصر الفريدة من نوعها بين صندوق مصر السيادي والتحالف الأمريكي.
صندوق مصر السيادي
تم تأسيس صندوق مصر السيادي وفقًا قانون خاص يسمح بتكوين شراكات استثمارية تتيح له خلق فرص استثمارية في مجموعة أصول فريدة للمستثمرين، ودعم دور الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، مما يؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي في مختلف القطاعات، وهو القانون رقم 177 لسنة 2018، والذي صدر نظامه الأساسي في فبراير بقرار رئيس الوزراء رقم 555 لسنة 2019 لاستكمال خطة الإصلاح الاقتصادي الشامل، ورفع معدلات النمو.
ويهدف الصندوق السيادي إلى جذب الاستثمارات الخاصة لمصر من خلال تعظيم الاستفادة من الأصول غير المستغلة المملوكة للدولة واستثمارها من أجل زيادة قيمتها وفاعليتها للاقتصاد المصري، وتتم إدارة الصندوق بشكل مستقل، من خلال كوادر متميزة من قطاع المال والأعمال.
فالصندوق السيادي هو أحد الحلول غير التقليدية التي تهدف لاستغلال الأصول المملوكة للدولة بفكر استثماري وتحويلها إلى منتج يجذب رؤوس الأموال لتمويل المشروعات وفرص الاستثمار المتاحة، وفتح الباب للمشاركة مع القطاع الخاص المصري والعربي والأجنبي في تمويل المشروعات في مصر، إلى جانب جذب استثمارات الصناديق السيادية الأخرى في المنطقة إلى مصر، بعيدًا عن الإجراءات البيروقراطية المعوقة للاستثمار. ويساهم في توفير فرص عمل وتقليل معدل البطالة نتيجة إطلاق مشروعات استثمارية جديدة.
واستهدف صندوق مصر السيادي جذب مطورين وشركاء من كافة أنحاء العالم، واستخدام كل الأفكار الإبداعية من مستثمرين متخصصين؛ إذ نجح الصندوق السيادي في جذب تحالف استثماري يدخل السوق المصرية لأول مرة وهو التحالف الأمريكي الذي يضم مجموعة “جلوبال فينتشرز”، ومجموعة “أوكسفورد كابيتال”، وشركة “العتيبة للاستثمار”، لتطوير مجمع التحرير، كأحد الأصول المعمارية المتميزة في وسط القاهرة، وخلق قيمة مضافة له تحقق عوائد مستمرة للدولة المصرية مما يساهم في حماية حقوق الأجيال القادمة من خلال تعظيم قيمة أصول الدولة.
التحالف الأمريكي
التحالف الفائز يتميز بالخبرة العريقة في إعادة استخدام المباني، والابداع في إعادة تخيل المباني التاريخية على غرار مجمع التحرير، ويضم التحالف:
- مجموعة أكسفورد كابيتال “Oxford Capital Group, LLC”:
هي شركة استثمار وتطوير وإدارة عقارية دولية حائزة على جوائز متعددة، وتتفرع من أكسفورد كابيتال شركة أخرى لتنمية وإدارة للفنادق والمنتجعات، متخصصة في تشغيل وإدارة ووضع العلامات التجارية على فنادق ذات نمط حياة مميز وعالي التصميم، وأماكن للطعام والمشروبات. وتمتلك شركة تابعة للتطوير السكني متعدد العائلات، وهي منصة رئيسية خاصة بالاستثمار والإدارة في مجال الإسكان.
وتجمع أكسفورد بين أعلى المعايير الإبداعية والديناميكية والطاقة في ريادة الأعمال، وتتركز الأنشطة الاستثمارية بها على عمليات التطور وإعادة التطوير المعقدة والواسعة النطاق، ومجالات تركيزها الأساسية هي الضيافة، والاستخدام المختلط، والسكن لكبار السن، والعائلات، وتجارة التجزئة الحضرية، ومواقف السيارات، وغيرها من أشكال العقارات المكثفة من الناحية التشغيلية، بما في ذلك الصحة واللياقة والنوادي الرياضية والرياضية/ الترفيهية، والأماكن أعلى الأسطح المتضمنة أماكن الترفيه الليلي وغيرها من منافذ بيع الأطعمة والمشروبات.
يشمل التركيز الجغرافي لأوكسفورد في كندا والولايات المتحدة من أسواق منتجعات مختارة بما في ذلك: بوسطن وشيكاغو ولوس أنجلوس وميامي ونيويورك وبورتلاند ومينيابوليس وأوستن وسان دييغو وسان فرانسيسكو وسياتل وتامبا وناشفيل وواشنطن العاصمة، تشارلستون، نيو أورلينز وأسواق مختارة في جميع أنحاء فلوريدا.
وتشمل أحدث مشاريع الشركة مبنى لاندن هاوس في شيكاغو وهو مبني عمره 100 سنة تم إعادة احيائه كفندق ومبنى تجاري، وهو مبنى بينه وبين مجمع التحرير ملامح مشتركة. وكذلك نفذت الشركة مشروعات فندق جودفري في هوليوود كاليفورنيا، ورينيسانس في شيكاغو.
- جلوبال فنتشرز جروب:”Global Ventures Group”
تأسست جلوبال فنتشرز جروب عام 2018 ويقع مقرها الرئيسي في دبي، وتضم مجموعة محترفة من المهنيين الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الخبرة في جميع جوانب التطوير العقاري والعمليات، مع خبرة دولية واسعة النطاق في التصميم القانوني والمعماري وتخطيط الأعمال.
وشارك مؤسسو شركة جلوبال فنتشرز جروب وشركاؤها في جوانب تطوير الأعمال وتنفيذ المنتجات وتطوير العقارات وعمليات الإدارة من خلال الخبرة الدولية في مجالات التصميم القانوني والمعماري والتطوير وتخطيط الأعمال والإدارة.
- شركة العتيبة للاستثمار:
تقوم الشركة باستثمارات بملايين الدولارات منذ عام 1980 وتواصل نموها، ويتمثل نشاطها الرئيسي في الاستثمار في الأسهم العامة في دولة الإمارات العربية المتحدة. والعتيبة للاستثمار هي مساهم في أكبر 50 شركة في الإمارات العربية المتحدة، والتي منها: اتصالات، دو، إعمار، يونيون كووبس.
وختامًا، يتضح أن الدولة المصرية تنتهج تطبيق فكرة اقتصاد القرارات الإدارية، حيث سيتم ضخ 3.5 مليار جنيه لتطوير عجلة الاقتصاد المصري في تطوير مجمع التحرير بدون اللجوء للقروض نظير عقد انتفاع لمدة 45 عامًا للتحالف الأمريكي، وتنتظر مصر أن تبرز مجمع التحرير في ثوبه الجديد بعد تطويره، والذي من المتوقع أن يتم البدء فيه في النصف الأول من 2022، ويستغرق تطويره 24 شهرًا وفقًا للدراسات المقدمة من التحالف الأمريكي.