مصر

مع ختام حملة الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة.. ما الذي آلت إليه الاستراتيجية القومية لمناهضة الختان؟

شهد عام 2020، نهاية الخطة التنفيذية للاستراتيجية القومية لمناهضة ختان الإناث، والتي انطلقت في عام 2016، بعد أعوام عدة من انتشار الظاهرة التي صنفت كإحدى أبشع ممارسات العنف الموجهة ضد النساء. ومع ختام حملة الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة والتي تطلقها الأمم المتحدة سنويًا في الفترة من 25 نوفمبر وتستمر حتى10 ديسمبر، يتناول المقال تقييمًا للاستراتيجية المنتهية والتي تضمنت ثلاثة محاور وهي (إنفاذ القانون–آليات المتابعة والتقييم–توفير المناخ الثقافي والاجتماعي).

مؤشرات الختان في المجتمع المصري

طبقًا لآخر مسح سكاني صحي، والذي تم تنفيذه في عام 2014، بلغت معدلات انتشار ختان الإناث في العمر الإنجابي “15-49” حوالي 92%، وقد جاءت هذه النسبة منخفضة عن المسح السكاني الصحي لعام 2005 بنسبة 4%. أما وسط الفتيات الصغيرات في الفئة العمرية من “15-17” عامًا، فقد انخفضت معدلات انتشار الختان، لتصل إلى 61%، بعد أن كانت 74%.

 أما عن العمر الذي يتم فيه الختان فقد لوحظ ان أن أكثر من 75% من حالات الختان تتم للفتيات في العمر 9-12 سنة، و14% للفتيات الاصغر من 7 سنوات، والنسبة الأقل وقدرها 3% يتم ختانها في سن 13-20 عام، مما يشير إلى أن أغلب حالات الختان تتم قبل بلوغ سن الاثني عشر عامًا. وجدير بالذكر أن انخفاض نسبة الختان في العمر من 15حتى 49 ستظل محدودة، لأن أغلب تلك النساء قد تم ختانهن بالفعل، لذلك أولت الاستراتيجية الاهتمام بخفض معدلات ختان الإناث بنسبة تتراوح من 10% إلى 15% وسط الأجيال الجديدة في الفئة العمرية من 10- 19 سنة.

أولًا: التشريعات والإجراءات

اهتمت الاستراتيجية بضرورة إنفاذ السياسات والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية التي تلزم بالتخلي عن ختان الإناث وتفعيل تجريم ومحاسبة فاعليها أو المتعاونين في حدوثها سواء على الصعيد التشريعي أو في اللوائح والقرارات الخاصة بوزارة الصحة. وقد شهد هذا المحور تطورات متتالية:

ففي عام 2008 تم إصدار أولى النصوص الجنائية المتعلقة بالحماية ضد ختان الإناث، حين عدل قانون العقوبات لينص على عقوبات تجرم ختان الإناث، فنصت المادة 242 مكرر على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، ولا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تقل عن 1000 جنيه مصري، ولا تزيد على 5000 جنيه مصري كل من يقوم بختان الإناث. 

وفي عام 2013، أيدت المحكمة الدستورية العليا قانون تجريم ختان الإناث، ورفضت الدعوى المقامة من قِبل بعض المتشددين دينيًا لإلغاء قانون تجريم ختان الإناث لعام 2008.

 وبحلول عام 2016، بموجب القانون رقم 78 تم تغليظ العقوبة بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تجاوز سبع سنوات على كل من قام بختان أنثى “دون مبرر طبي”، والسجن المشدد “إذا أدى الختان إلى عاهة مستديمة، أو إذا أفضى إلى الموت”. ومعاقبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز ثلاث سنوات كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه. 

وقد تجلت الإيجابيات في تلك التعديلات أولًا: بإضافة تعريف لختان الإناث، متطابقًا مع التعريف الذي أوردته منظمة الصحة العالمية بعد أن كان تعريف الختان مبهمًا، ثانيًا؛ تحويل جريمة الختان إلى جناية بدلًا من جنحة، مما يمد فترة حق الإبلاغ عن تلك الجرائم، ويعطي الفرصة للفتيات للإبلاغ بأنفسهن عن الحادث بعد مرور عدة سنوات.

وفي عام 2021، اعتبر المشرع المصري مصطلح “مبرر طبي” الوارد في القانون بمثابة ثغرة استغلها بعض الأطباء لممارسة تلك الجريمة، لذلك تم تعديل القانون ليصبح “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من أجرى ختانا لأنثى بإزالة جزء من أعضائها التناسلية أو سوى، أو عدل، أو شوه، أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء، فإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مستديمة، تكون العقوبة السجن المشدد، لمدة لا تقل عن 7 سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت، تكون العقوبة السجن المشدد، لمدة لا تقل عن 10 سنوات. على أن تكون العقوبة السجن المشدد إذا كان من أجرى الختان طبيبًا أو مزاولًا لمهنة التمريض، فإذا نشأ عن جريمته عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 15 سنة، ولا تزيد على 20 سنة”.

ووفقًا للتعديل، تقضي المحكمة، فضلًا عن العقوبات المتقدم ذكرها، بحرمان مرتكب الختان من وظيفته مدة لا تزيد على 5 سنوات إذا ارتكبت الجريمة بسبب أو بمناسبة تأدية وظيفته، وحرمان مرتكبها من ممارسة المهنة لمدة مماثلة، وغلق المنشأة الخاصة التي أجرى فيها الختان، وإذا كانت مرخصة تكون مدة الغلق مساوية لمدة المنع من ممارسة المهنة.

أما على جانب اللوائح والقرارات، فقد أصدر النائب العام السابق المستشار نبيل صادق عام 2016 كتابًا دوريًا إلى كافة أعضاء النيابة العامة، بشأن تشديد العقوبة المقررة لجرائم ختان الإناث، وأصبح هذا الكتاب مرجعًا لوكلاء النائب العام، في التحقيقات الخاصة بتلك الجرائم، وبموجبه يتحتم على أعضاء النيابة العامة استيفاء التحقيقات التي تجرى فيها جرائم ختان الإناث.

وكذا، أصدر وزير الصحة والسكان عام 2017 كتابًا دوريًا يلزم فيه المستشفيات وجميع المنشآت الصحية الحكومية والخاصة والأهلية بضرورة إبلاغ الشرطة عند استقبال حالات تعاني من مضاعفات ختان الإناث، كالنزيف وغيرها لحفظ حقوق الفتيات. وفي عام 2017 أيضًا، تم إدراج ختان الإناث في مناهج كلية الطب كممارسة غير مهنية؛ وذلك لتكوين موقف طبي أخلاقي من تلك الممارسة.

وعلى الرغم من الإيجابيات التي تحملها التعديلات الأخيرة إلا أن هناك تخوفًا من أن يكون تغليظ العقوبة “خاصة لأهل الضحية” حائلًا دون الإبلاغ عن ارتكاب هذه الجريمة، خاصة في حالات الوفاة التي تنجم عن الختان؛ خوفًا من توقيع العقوبة المغلظة التي قد يراها البعض غير ملائمة لقدر الجرم المرتكب، مما يترتب عليه تواطؤ جميع الأطراف في التستر على الجريمة وإفلات الجاني، فيما لا يتم رصد الحجم الحقيقي لتلك الممارسة، ودراستها بطريقة سليمة.

ثانيًا: آليات المتابعة والتقييم

تلخصت فجوات المتابعة والتقييم التي رصدتها الاستراتيجية عام 2016 في غياب البيانات والمعلومات الخاصة بختان الإناث والحاجة إلى إجراء مسح سكاني شامل محدّث يضم معلومات دقيقة لبيان مدى تراجع أو تزايد تلك الظاهرة في الفترات التالية لوضع الاستراتيجية.

واستمرت تلك الفجوات مع انتهاء مدة الاستراتيجية، فحتى الآن لم تصدر أي دراسة عن معدلات انتشار ختان الإناث في مصر خلال السنوات الأخيرة، أو على الأقل مؤشرات التغير في معدلات الختان من سن 9 – 13 عامًا؛ وهو السن الذي يمكن فيه تقييم فاعلية الاستراتيجية والإجراءات المتخذة لمناهضة الختان. وإلى الآن ما زال المسح السكاني الصحي لعام 2014 هو أحدث مصدر للبيانات عن الختان في مصر. 

وفي هذا السياق يعد توفير قاعدة بيانات محدثة بشكل دوري ومنتظم ركيزة مهمة في المساعدة على فهم ثقافة ختان الإناث، والقدرة على مقارنة البيانات، وفهم أثر التباينات الجغرافية والاجتماعية على انتشار الظاهرة، وعلاقة مؤشرات أخرى بانتشارها مثل ” الفقر- التعليم- البعد الجغرافي”.

أما عن الجزء الرقابي، فرغم الجهود التي يبذلها قطاع العلاج الحر والتراخيص الطبية في التفتيش على العيادات والمستشفيات لمنع تلك الممارسة، إلا أن الرقابة الفنية لا تزال غير كافية؛ فلا يتم الإبلاغ عن العيادات إلا في حالة حدوث مضاعفات للفتيات جراء العملية، أو في حالة وفاتهن من النزيف، مما يؤدي إلى صعوبة الكشف عن تلك العيادات. ولهذا ينبغي مراجعة آليات التقييم والمتابعة من خلال توافر الإجراءات الآتية: 

  • تنفيذ مسح صحي شامل على غرار السنوات 2005، 2008، 2014 لمعرفة مؤشرات التغيير في معدلات ختان الإناث.
  • حصر أعداد البلاغات الخاصة بختان الإناث الواصلة لخط نجدة الطفل، وتتبعها لمعرفة كيفية التعامل مع تلك البلاغات.
  • حصر عدد البلاغات المقدمة عن عيادات ومستشفيات تقوم بإجراء ختان الإناث، كذلك عدد العيادات والمستشفيات التي أغلقت بالضبطية القضائية لإجرائها عملية الختان.
  • حصر عدد القضايا الخاصة بختان الإناث، التي حكم فيها والتي لا تزال قيد التحقيق. 
  • إشراك المجتمع المدني والقيادات النسائية في نظم المتابعة والتقييم.

ثالثًا: توفير المناخ الثقافي والاجتماعي

 تضمن المحور الثاني للاستراتيجية توفير مناخ ثقافي واجتماعي داعم لحقوق الطفل والمرأة والأسرة، ورأي عام أكثر إيجابية لدعم الحقوق المتكاملة للفتاة المصرية، وحمايتها من ممارسة الختان ودعم الشراكة مع رجال الدين والمؤسسات الدينية، لتعزيز التوعية ضد ممارسات ختان الإناث والتمييز النوعي والعنف الأسرى.

وفي هذا الصدد تم إطلاق العديد من الحملات الاعلامية التوعوية تحت عنوان “احميها من الختان” على مدار السنوات الأخيرة، ولاقت نلك الحملات رواجًا واسعًا فأذيعت على التلفاز ومحطات الراديو، بما فيها إذاعة القرآن الكريم، مما أكد على مجابهة جميع مؤسسات الدولة لتلك العادة. وحسب المجلس القومي للمرأة تم تنفيذ 124 حملة لطرق الأبواب و69 قافلة توعوية و185 ندوة في 26 محافظة في إطار تلك الحملة. 

ورغم الإيجابيات التي حققتها تلك الحملات، إلا أنها اتصفت بضعف انتشارها على المواقع الإلكترونية التي تستقطب أعدادًا ضخمة من المتابعين، واتصفت أيضًا بعدم استمراريتها واقتصارها على فترات ظهور بعض الحوادث الخاصة بختان الإناث إعلاميًا، أو في الشهور التي تتضمن الأيام العالمية لمكافحة العنف ضد النساء عامة ومن ضمنها اليوم العالمي لمكافحة ختان الإناث خاصة.

وبشكل عام، افتقر المحور الثقافي والاجتماعي إلى الترابط مع محور المتابعة والتقييم، من حيث تكثيف الحملات الإعلامية حسب المحافظات الأكثر إجراءً لتلك الممارسة، والتقييم المستمر لأثر تلك الحملات على معدلات انتشار ختان الإناث في تلك المناطق. بالإضافة إلى الدور المحصور لمنظمات المجتمع المدني في تنفيذ هذ المحور. ويمكن دعم المناخ الثقافي والاجتماعي عن طريق الآتي: 

إشراك رجال الدين في الحملات التوعوية وتضمين عادة ختان الإناث في الدين ضمن خطب الجمعة لضمان الوصول إلى شريحة أكبر من فئات المجتمع المختلفة.

الاستعانة بالداعيات الدينيات التابعات لمؤسسة الأزهر في حملات طرق الأبواب التي يقوم بها المجلس القومي للمرأة.

توظيف الدراما لمناهضة الختان، وتقديم أثرها السلبي على الفتيات من خلال قصص واقعية تمس المشاهد.

تركيز الحملات التوعوية وحملات طرق الأبواب على المحافظات الأعلى في معدلات انتشار ختان الإناث.

وأخيرًا، فقد حققت الاستراتيجية نجاحًا مهمًا على الجانب التشريعي والذي يخص تجريم ممارسة الختان ومحاسبة المسؤولين عنه أو المتسببين فيه، والتزمت الاستراتيجية في هذا الجانب بالمؤشرات الخاصة بالدراسة القانونية ومراجعة القوانين لسد الثغرات التي تعيق مساءلة المتسببين في تلك الممارسة. إلا أن غياب البيانات والمعلومات والمسوح الخاصة بمعدلات انتشار تلك الظاهرة تمثل عائقًا أمام التقييم الموضوعي الدقيق لجدية التنفيذ، والأثر المجتمعي المحقق، ومن ثم معرفة ما إذا كان سيستمر العمل بالاستراتيجية بعد إقامة التعديلات اللازمة أم ستكون هناك استراتيجية أخرى تعمل من نقطة انتهاء الاستراتيجية الحالية.

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

د.آلاء برانية

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى