
قمة “اللحظات الحرجة”: بوتين وبايدن يناقشان التصعيد العسكري على الحدود الأوكرانية
يذهب الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، ونظيره الأمريكي، “جو بايدن”، اليوم 7 ديسمبر إلى قمة افتراضية تنعقد بعد أن قضى بايدن أيامًا في مشاورات مكثفة مع شركائه الأوروبيين في مسألة تحديد رد مشترك في حالة تعرض أوكرانيا لغزو روسي.
ومن المؤكد أن الرئيس الأمريكي سيذهب إلى القمة مسلحًا بمجموعة واسعة النطاق من الإجراءات التي تعتزم بلاده والغرب اتخاذها في حالة إقدام روسيا على خطوة الاجتياح العسكري. ووفقًا لتصريحات “أنطوني بلنيكن”، وزير الخارجية الأمريكي، فإن الرد الأمريكي سيتشمل على إجراءات اقتصادية عالية التأثير كانت بلاده قد امتنعت عن اتخاذها في الماضي.
ومن جهة أخرى، صرح “ديميتري بيسكوف”، المتحدث الرسمي باسم الكرملين، أنه لن يتم بث القمة بشكل مباشر، وأنه من المخطط أن يتم عرض اللقطات الأولى فقط من اللقاء، وعقب ذلك سينتقل الزعيمان إلى عقد لقاء مغلق. وبالنسبة لما ستحتوي عليه أجندة القمة، قال “بيسكوف”، أن الرئيسين سيناقشان التوترات حول أوكرانيا وتقدم حلف الناتو إلى الحدود الروسية، وسيناقشان كذلك مبادرة الرئيس الروسي بشأن تقديم ضمانات أمنية لازمة للاتحاد الروسي. مضيفًا، أنه سيكون من الضروري مناقشة كيفية تنفيذ التفاهمات التي تم التوصل إليها من قبل في جنيف، والمضي قدمًا للأمام، ومعرفة ما تم تنفيذه بالكامل، وهو الأمر الذي يتطلب جهودًا إضافية”. وشدد المتحدث باسم الكرملين كذلك على أن الضمانات الأمنية لا يمكن أن تكون أحادية الجانب، وأن “الضمانات لا تكون إلا متبادلة”، مشيرا إلى أن “الرئيس بوتين هو السياسي الذي يصر على أن تكون العلاقات الثنائية ذات طبيعة عادلة ومحترمة متبادلة”.
“موسكو- كييف”.. تصعيد مستمر ومواجهة عسكرية محتملة
تصاعدت الأزمة الروسية الأوكرانية في الأيام الأخيرة بشكل غير مسبوق بالتزامن مع وجود أكبر حشد عسكري روسي على الحدود الأوكرانية، لم يُر له مثيل في السنوات الأخيرة إلا في خلال اللحظات الأخيرة قبل غزو شبه جزيرة القِرم في 2014، مما يشير إلى أن الأزمة قد بلغت بالفعل أسوأ حالاتها منذ عام 2014. وبدأ الحديث في الصحافة والإعلام الغربي يدور عن أن كافة المؤشرات تؤكد أن الأراضي الأوكرانية على وشك أن تشهد شتاءً ساخنًا بوقت يقدر خلال يناير من العام القادم على أقصى تقدير.
ومن جهة أخرى، أعلنت الخارجية الأمريكية، أن وزير الخارجية الأمريكي “أنطوني بلينكن”، قد تبادل الحديث مع الرئيس الأوكراني، “فلاديمير زيلينسكي”، أمس الاثنين 6 ديسمبر، وأكد مجددًا دعم واشنطن الثابت في مواجهة العدوان الروسي. بينما ذكر “زيلينسكي”، في تغريدة نشرها عبر موقع تويتر أنه اتفق مع بلينكن على مواصلة العمل المشترك والمتضافر.
وكانت روسيا قد جمدت بالفعل الاتصالات المباشرة مع الرئيس الأوكراني وحكومته، والذي اتهمته موسكو بالتحضير لهجوم على عدة مناطق في جنوب شرق أوكرانيا تسيطر عليها قوات الانفصاليين المدعومة من روسيا، بينما نفت أوكرانيا هذه المزاعم. في غضون ذلك، أبلغ وزير الدفاع الأوكراني “أليكسي ريزنيكوف” برلمان بلاده، الجمعة 3 ديسمبر، أن روسيا لديها ما يقدر بنحو 94 ألف جندي بالقرب من الحدود الأوكرانية، وربما تستعد لشن هجوم سيبدأ في أواخر يناير القادم.
وقد أعطى المسؤولون الأمريكيون تقديرات مماثلة لأعداد القوات الروسية والجدول الزمني المحتمل للهجوم، وذلك يأتي بالتزامن مع تصاعد لهجة الرئيس بوتين التي اتخذت شكلًا أكثر حدة تجاه الغرب، والذي اتهمه بوتين بتجاوز الخطوط الحمراء لأمن الاتحاد الروسي فيما يتعلق بتقديم الدعم العسكري لحكومة كييف.
يُشار كذلك إلى المقترح الذي تقدم به الرئيس الروسي في مطلع ديسمبر الجاري، والذي يدعو فيه إلى أن يتم تنظيم مفاوضات موضوعية بشأن تقديم ضمانات قانونية لعدم توسع حلف الناتو في مناطق الفضاء ما بعد السوفيتي. وأشار إلى تنامي التوترات على الحدود الغربية وضرورة توفير ضمانات أمنية موثوقة وطويلة الأمد، شريطة أن تكون مكتوبة؛ لأن الدول الغربية، وفقًا له، لا تفي بتعهداتها الشفهية.
وشدد بوتين في الخطاب نفسه، على ضرورة ألا يفكر أحد في تجاوز ما يسمى بالخط الأحمر للأمن الروسي. وبتاريخ 3 ديسمبر، قال بايدن للصحفيين قبيل مغادرته لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في كامب ديفيد “إنه لا يعترف بالخطوط الحمراء لأي شخص”. وقال، “لقد عرفنا منذ فترة طويلة تصرفات روسيا، وأعتقد أن أمامنا محادثة طويلة”.
سيناريوهات ما بعد القِمة الروسية الأمريكية
قال مسؤول أمريكي بارز، مطلع الأسبوع الجاري، إن بايدن سيوضح لبوتين خلال القمة أن الولايات المتحدة لن تستبعد عضوية أوكرانيا المستقبلية في الناتو كما طالب الرئيس الروسي بوتين من قبل. وأعلنت الولايات المتحدة أنها سترسل تعزيزات عسكرية إلى الجناح الشرقي للناتو ردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا –في حالة وقوعه بالفعل- فضلاً عن فرض إجراءات اقتصادية جديدة صارمة.
وعبرت “جين بساكي”، متحدثة البيت الأبيض الرسمية، عن أن الرئيسين يعتزمان أيضًا مناقشة قضايا الأمن السيبراني والاستقرار الاستراتيجي، فضلًا عن المشكلات الإقليمية، لكن محور الحديث سيدور بشكل رئيس حول قلق الولايات المتحدة بشأن النشاط العسكري الروسي المتصاعد على الحدود الأوكرانية. ومن جانب آخر، وكما ذكرنا آنفًا، سيذهب بوتين إلى هذا اللقاء للحديث في المقام الأول عن ضمانات أمنية ملموسة لعدم المساس بالخطوط الحمراء المعلن عنها لروسيا. لذلك، ربما ينتج عن هذا الاجتماع عدد من السيناريوهات المحتملة، نسردها في النقاط التالية:
- سيناريو الحلول الوسط:
بمعنى آخر، قد يُطلق على هذا السيناريو لفظة سيناريو الحلول المؤقتة أو سيناريو تأجيل المواجهة وليس تلافيها بالكامل. في هذه الحالة، سيطرح الرئيسان على بعضهما البعض الطلبات التي سبق الإعلان عنها من قِبَل الجانبين. ومن المؤكد أن روسيا سترفض تمامًا أن تقبل أي إمكانية لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، سواء اتضح أن هذا الانضمام سيكون في الوقت الراهن أو سيحدث في فترة مستقبلية. وواشنطن لن تبذل في هذا الصدد أكثر من مجرد محاولة للضغط، وذلك استنادًا لما سبق وأعلنه مسؤول أمريكي بارز بأن بايدن سيخبر بوتين أنه لا يستبعد انضمام كييف للناتو في المستقبل. والسؤال هنا، لما لا يفكر بايدن بمحاولة إقناعه –على سبيل المثال- بانضمامها في الوقت الراهن؟!
الإجابة عن هذا السؤال، تأتي في ضوء معرفة واشنطن سلفًا بمدى تشبث موسكو بخطوطها الحمراء. ولو لم يكن الأمر كذلك، لكانت كييف وتبليسي قد انضمتا بالفعل الى حلف الناتو منذ سنوات مضت. لكن يدرك الغرب بوضوح مدى جاهزية روسيا واستعدادها للتصرف بعدوانية حيال هذا الأمر وتصعيد الأمور وصولاً الى حرب لا يرغب فيها الجميع.
لذلك قد تنتهي المفاوضات بحل وسط، يفيد بأن تسحب روسيا الغالبية العظمى من حشودها العسكرية على الحدود الأوكرانية، وأن يتراجع حلف الناتو والغرب عن المساس بنطاق النفوذ الجغرافي الروسي لفترة من الزمن. وسيتضمن هذا السيناريو كذلك وعودًا شفاهية من الرئيس الأمريكي، وليس اتفاقًا مكتوبًا كما أراد بوتين. وكذا، لن يتضمن هذا السيناريو سوى وعود روسية شفاهية بتهدئة التحركات العسكرية على الجبهة في دونباس.
ويعد هذا السيناريو مُرجحًا بنسبة كبيرة، والسبب في ذلك هو أن الرئيسين قررا الذهاب الى طاولة المفاوضات. ولو كانت لديهم نوايا حقيقية لمواصلة التصعيد وصولًا الى لحظة الصدام العسكري، لما جلسا على طاولة المفاوضات من الأساس. فضلًا عن أن لا أحد يرغب –حقيقة- في اندلاع حرب كبرى جديدة ستنال نيرانها من أطراف عدة.
- سيناريو استمرار التصعيد:
يذهب بايدن إلى اللقاء بعد أن عقد مشاورات مكثفة مع شركائه الأوروبيين. وفي هذا السيناريو، قد يخبر بايدن نظيره الروسي خلال القمة عن إصرار حلف الناتو على الوجود في مناطق النفوذ الروسي. ويؤكد له أن أوكرانيا ومن بعدها تبليسي ستصبحان جزءًا من الناتو، مما يعني أن تحتوي أراضيهما على قواعد عسكرية للحلف، وتصبح روسيا في مرمى نيران الغرب. عندها سيُصر بوتين على الرفض، وسيطالب بإجراء تهدئة عادلة وتقديم وعود بالتراجع. وفي هذه الحالة سيرفض كل طرف قبول مطالب الآخر، وسوف تفشل القمة. مما يعني حتمية وقوع غزو روسيا للأراضي الأوكرانية.
وهو سيناريو مستبعد بنسبة كبيرة، لأن الطرفين –كما ذكرنا آنفًا- ذهبا للمفاوضات، مما يعطي بوادر جيدة على بدء إنهاء الأزمة المتصاعدة. هذا بجانب أن بادين لن يُهدد برد عسكري أمريكي مباشر على أي اقتحام روسي لأوكرانيا، والسبب، ربما يرجع إلى عدم رغبته في إقحام القوات الأمريكية التي انسحبت للتو من أفغانستان مرة أخرى في صراع عسكري جديد خارج الحدود.
- سيناريو الانضمام الأوكراني الصوري للغرب:
يناقش هذا السيناريو أن يتوصل الزعيمان لاتفاق وسط، يتيح لأوكرانيا أن تدخل في شراكات عسكرية أكثر عمقًا مع الغرب. بمعنى، أن تصبح مثل الجزء الغائب الحاضر من حلف الناتو. وفي هذه الحالة، سترفض روسيا تمامًا الإجراء وستُصر على التشبث برأيها وربما لن تذهب لتنفيذ قرار الغزو في التوقيت المعلن عنه وفقًا لتقديرات خبراء غربيين، لكنها ستظل محتفظة بحشودها العسكرية في حالة تأهب على الحدود.
ووفقًا لهذا السيناريو، نعود مرة أخرى إلى خيار الاجتياح الروسي الذي سيكون خيارًا مؤجلًا ولكن غير ملغي. وهذا أيضًا يعد سيناريو مُرجحًا بقوة، والسبب في ترجيحه هو رفض روسيا لوجود أي شكل للوجود العسكري الغربي بالقرب من حدودها، بغض النظر عما إذا كان هذا الوجود على صورة حلف الناتو أو غيره. بجانب أنه مستبعد في الوقت نفسه، لأن بقاء الحشود العسكرية في مكانها على الحدود لفترة طويلة من الزمن سيتسبب في استنزاف موسكو.
- سيناريو الهُدنة مع أوكرانيا:
في هذه الحالة، ستكافح روسيا لإقناع الغرب بضرورة إجبار كييف على الالتزام بصيغة نورماندي التي تم التوصل إليها في 2015-2016، وتوصل الطرفان بموجبها إلى اتفاق حول خطوط ترسيم الحدود، وسحب الأسلحة لاسيما الثقيل منها من على خطوط المواجهة، ووقف إطلاق النار وغيره. وقد تفشل موسكو في إقناع بايدن باستخدام نفوذه لحث أوكرانيا على تنفيذ الصيغة، فتؤول الأمور في النهاية إلى اقتراح بشأن توقيع هدنة بين موسكو وكييف تهدف في المقام الأول إلى وقف إطلاق النيران في إقليم دونباس.
ويستمد هذا السيناريو احتماليته من تصريحات الرئيس الأوكراني، أمام برلمان بلاده، الأربعاء 1 ديسمبر، والتي دعا من خلالها إلى ضرورة الدخول في مباحثات مباشرة مع موسكو بشأن إنهاء الحرب في دونباس. لكنه مع ذلك أصر على أن استعادة “القرم” ستظل هدفًا لبلاده.
ويعد هذا السيناريو مُرجحًا، لأنه سيعني أن كييف وصلت إلى شكل من أشكال الاتفاقية المشتركة مع روسيا يحل بموجبها السلام على الإقليم الذي أغرقته نيران الحرب من ناحية، ولكنها من ناحية أخرى ستظل مخلصة لتوجهاتها ومساعيها نحو الانضمام للغرب. وكذا، سيمثل هذا المقترح نوعًا من أنواع المُسكنات، التي تؤجل الأزمة ولا تحلها، وذلك نظرًا إلى أن أوكرانيا لم تعترف بعد بروسية “القِرم”. وبوجه عام، وعلى الرغم من أن كل المؤشرات تؤدي إلى الاقتناع بعزم روسيا على اتخاذ قرار الاجتياح العسكري لأوكرانيا، إلا أنه تظل هناك احتمالات بأن تنتهج روسيا سبلًا جديدة لتعزيز مواقفها أثناء جلوسها على طاولة المفاوضات. علاوة على أنه ليس من الضروري أن تقترن أي تهدئة للأوضاع في دونباس بحلول جذرية فيما يتعلق بالاعتراف الغربي بروسية “القِرم”. بمعنى، أن اجتماع الزعيمين قد يحمل بوادر تهدئة مؤقتة، لكن احتمالات أن يتوصل كلاهما لحلول جذرية بشأن الوجود الغربي العسكري في الفضاء ما بعد السوفيتي، تظل ضعيفة.
باحث أول بالمرصد المصري