مصر

حقبة جديدة … الصناعات العسكرية المصرية ما بعد إيديكس 2021

فوارق كبيرة ونوعية بدت ظاهرة للعيان ما بين النسخة الأولى من معرض “إيديكس” – التي أنعقدت عام 2018 – وبين النسخة الثانية التي انعقدت منذ أيام قليلة. هذه الفوارق لا تنحصر فقط في تزايد عدد الشركات والمؤسسات الصناعية العسكرية العالمية المشاركة في نسخة هذا العام، أو حداثة المنظومات الدفاعية والهجومية التي تضمنتها الأجنحة المختلفة، بل أيضاً في تزايد المؤشرات الدالة على حدوث تغيرات جذرية في الذهنية العسكرية المصرية في ما يتعلق بالتسليح والتصنيع العسكري، بشكل يمكن اعتباره بمثابة حقبة جديدة تدخلها المؤسسة العسكرية في هذا الإطار.

الفارق الأساسي الذي يمكن ملاحظته بين النسختين الأولى والثانية من معرض إيديكس، كانت في التزايد الملحوظ في أعداد المنتجات العسكرية المصرية الجديدة، ودخول مصر فعلياً في مرحلة التصنيع المحلي “الكامل” لمنظومات قتالية نوعية، بعد أن كان التصنيع المحلي مركزاً بشكل شبه كامل خلال العقود الماضية على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، حيث رأينا بشكل موسع تزايد قدرة منظومة التصنيع العسكري المصرية بمختلف روافدها، على إنتاج نوعيات جديدة من الأسلحة، على رأسها مجموعة من الطائرات بدون طيار والقطع البحرية، بجانب التوسع في إنتاج العربات المدرعة بمختلف أنواعها ومهامها، وكذلك دخول مجال تصنيع الرادارات المختلفة ووسائط الحرب الإلكترونية والوسائط الأرضية المسيرة.

اللافت في هذه النقاط، وضوح مدى استفادة الجيش المصري من الدروس الميدانية التي نتجت عن عمليات مجابهة العناصر التكفيرية في شمال سيناء، وكذا أنشطة مكافحة التهريب وعمليات تسلل العناصر الإجرامية والإرهابية سواء في الاتجاه الجنوبي أو الأتجاه الغربي للبلاد. هذه الدروس الميدانية – التي تعد في العلوم العسكرية بمثابة المحك الرئيسي لاختبار الأسلحة وتكتيكات استخدامها، وكذلك استخلاص الدروس التي من خلالها يتم تطوير وتحديث وإنتاج المنظومات العسكرية المختلفة.

الفارق الجوهري الثاني في هذا الصدد كان وضوح انتقال الصناعات العسكرية المصرية بشكل شبه تام من مرحلة التجميع المحلي – التصنيع بموجب ترخيص، إلى مرحلة الشراكات التصنيعية والإنتاج المحلي الكمي شبه الكامل، وهو التوجه الذي كان واضحاً في أغلب الصفقات العسكرية المصرية خلال السنوات الأخيرة – خاصة في الجانب البحري – والتي كانت مشروطة دوماً بنقل تكنولوجيا التصنيع إلى القاهرة، وتصنيع بعض المنظومات المتعاقد عليها مع الخارج على الأراضي المصرية.

الطائرات بدون طيار … دخول موسع وتطور لافت

مثل معرض “إيديكس” – سواء في نسخته الأولى أو نسخته الثانية – شرارة إطلاق الجهود المصرية للحصول على قدرات متفوقة وهجومية في مجال الطائرات بدون طيار. في النسخة الأولى من هذا المعرض، كانت المعروضات المصرية من الطائرات بدون طيار محدودة للغاية، حيث اقتصرت حينها على ثلاثة أنواع ينتجها مصنع الطائرات التابعة للهيئة العربية للتصنيع، منها نوع يصنع بترخيص من الصين، وهو الطائرة  الاستطلاعية “ASN-209″، ونوعين من انواع الطائرات الهدفية التي تصنع محلياً، و تستخدم في تدريب كتائب الدفاع الجوي على الرصد والاشتباك، هما الطائرة “هرم-36” والطائرة “قائد-36″، وقد تم عرض الأنواع الثلاثة أيضاً خلال نسخة هذا العام من المعرض. الطائرتين “هرم” و”قائد”  يتم إطلاقهما يدوياً او عبر ممر يصل طوله إلى عشرة أمتار، وتتراوح سرعتهما بين 140و150 كيلو متر، ويستطيعان نقل حمولات تصل زنتها إلى 1 كيلو جرام، وتكون في هذه الحالة قنابل دخانية، والتحليق بشكل متواصل حتى نصف ساعة تقريباً.

وعلى الرغم من أن كلا الطائرتين لا تعدان ضمن فئة الطائرات بدون طيار الاستطلاعية، إلا أن ظهورهما عام 2018 كان مؤشراً على أن مصر تحاول خلق قاعدة صناعية محلية لهذا النوع من الطائرات، بعد عقود من تصنيع الطائرات بدون طيار بموجب تراخيص من الدول المصنعة، منذ حصول الجيش المصري عام 1978 على طائرة الإستطلاع ذات المحرك الصاروخي “سكاراب-324” التي تصنعها شركة “تيلدين ريان” الأمريكية، مروراً بالتجميع المحلي بموجب تراخيص لبعض أنواع طائرات الإستطلاعية بدون طيار، ومنها “ASN-209” التي تصنعها شركة “كاتيك” الصينية، و”يارارا” التي تصنعها مصر بموجب ترخيص من شركة “نوسترومو” الأرجنتينية منذ عام 2007.

في نسخة هذا العام من معرض “إيديكس”، كان الوضع مختلفاً تماماً عن النسخة الأولى في ما يتعلق بالطائرات بدون طيار، حيث شهدت هذه النسخة ظهور ثمار الخبرة الطويلة التي اكتسبتها مصر من تصنيع عدد من طائرات الاستطلاع بدون طيار بترخيص من الخارج، وذلك بالظهور الأول للطائرة الاستطلاعية بدون طيار – المصنعة بشكل كامل بمكونات وأياد مصرية – “نوت”، وهي تعد ضمن فئة طائرات الإستطلاع متعددة المهام، حيث تستطيع تنفيذ كافة مهام الاستطلاع والمراقبة، بما في ذلك عمليات مراقبة الحدود ومرافقة الأرتال المتحركة، وعمليات الاستطلاع التكتيكي، ومهام تتبع تحديد الأهداف، وتصحيح نيران المدفعية، ومهام تقييم نتائج الضربات سواء كانت ضربات جوية أو مدفعية. تبلغ سرعتها القصوى 180 كيلومترًا في الساعة، وسقف ارتفاعها يبلغ خمسة كيلو متر. يمكن تزويدها بحزمة استطلاع تصل زنتها إلى 50 كيلو جرام، تتضمن كاميرات رقمية واخرى تعمل بالأشعة تحت الحمراء، ويمكن ان تحلق بشكل متواصل لمدة عشر ساعات.

من النقاط اللافتة في هذه الطائرة، أنها تعتبر عملياً منصة يمكن من خلالها التأسيس لسلسلة كبيرة من أنواع الطائرات بدون طيار مختلفة المهام، بما في ذلك الطائرات الهجومية، وهو ما يجعلها بمثابة نقطة تحول رئيسية في برنامج صناعة الطائرات بدون طيار في مصر. اسم الطائرة كان أيضاً لافتاً، وهو أسم فرعوني يرمز لآلهة السماء عن المصريين القدماء، الذين للمفارقة كانت لهم بعض المحاولات في ما يتعلق بالطيران الشراعي، وهو ما اكدته بعض النماذج الخشبية التي تم العثور عليها عام 1898 في منطقة سقارة، والتي حلقت بنجاح عند اطلاقها في الجو يدوياً، وحلق نموذج مكبر منها بشكل ناجح خلال تجارب تمت عام 1999.

النوع الثاني من الأنواع الجديدة للطائرات بدون طيار المصرية الصنع، هو الطائرة الهدفية “EAB0 – 3A” المعروفة أيضاً بإسم “الطائر المصري الرشيق”، وهي من انواع الطائرات الهدفية عالية الأداء، حيث تتفوق على الأنواع المصرية الأخرى من الطائرات الهدفية – مثل “هرم” و”قائد” – نظراً لأن سرعتها القصوى تبلغ 400 كيلو متر في الساعة، يوفرها محرك نفاث، وتستطيع التحليق بشكل مستمر لمدة 50 دقيقة، على ارتفاعات تصل إلى 6 كيلو متر، ومدى يصل إلى 80 كيلو متر.  اللافت في هذا النوع من الطائرات أنه يعمل ضمن أسراب مكونة من خمس طائرات، يتم إطلاقها عبر قاذف أرضي، والتحكم بها عبر محطة تحكم مثبتة على مقطورة متحركة، بحيث تشكل هذه الطائرات تحدياً أكبر لوحدات الدفاع الجوي أثناء التدريبات، خاصة انها تحمل ما يوازي 1 كيلو جرام من الحمولة، والتي يمكن أن تشمل نافثات المشاعل الخاصة بتضليل الصواريخ الحرارية، بجانب عواكس لأشعة الرادار. النقطة الأهم في ما يتعلق بهذه الطائرة هو تصميمها المميز، الذي يختلف تماماً عن كافة تصاميم الطائرات الهدفية المصرية الصنع الأخرى، ويمكن أن يمثل نقطة بداية نحو تطوير “ذخائر جوالة” مصرية الصنع، أو ما يعرف بـ “الطائرات الإنتحارية دون طيار”، وهي التقنية الأهم حالياً في مجال الطائرات بدون طيار.

جدير بالذكر هنا أن الطائرات الهدفية بدون طيار القياسية شهدت أيضاً المزيد من الأضافات خلال نسخة هذا العام من معرض “إيديكس”، وذلك عبر الطائرة الهدفية “عرابي-1″، وهي مخصصة لتدريب وحدات الدفاع الجوي قصير المدى، ويتم انتاجها في شركة بنها للصناعات الإلكترونية، وتستطيع التحليق بسرعة تصل إلى 120 كيلو متر في الساعة، على ارتفاعات تصل إلى 2 كيلو متر، ومدى يصل إلى 40 كيلو متر. تستطيع التحليق بشكل متواصل لمدة ساعة كاملة، ويتم تحميلها أيضاً بعواكس لأشعة الرادار ونافثات المشاعل الحرارية.

الطائرات الهجومية بدون طيار كان لها تواجد أول في معرض هذا العام، عبر الطائرة المصرية “30 يونيو”، المصنعة في مصر أشتقاقاً من تصميم الطائرة الهجومي بدون طيار “يبهون – فلاش 20″، المصنعة بشكل مشترك بين الإمارات العربية المتحدة وروسيا البيضاء. هذا النوع الذي يتميز بتعديلات جذرية تمت على بعض أنظمته، خاصة المحرك الخاص به الذي يختلف عن النسخة الإماراتية، يعد ضمن فئة الطائرات بدون طيار متوسطة الإرتفاع طويلة المدى، التي تستطيع تنفيذ المهام القتالية والاستطلاعية على ارتفاعات تصل إلى 7 كيلو متر، وسرعات تصل إلى 260 كيلو متر فى الساعة، وتستطيع التحليق بشكل متواصل لمدة 70 ساعة، مع حمولة قتالية او استطلاعية تتراوح زنتها بين 250 و500 كيلو جرام. هذه المواصفات تيسر لهذا النوع تنفيذ طائفة واسعة من المهام، وبشكل خاص المهام الهجومية. المعلومات المتاحة تشير إلى أن هذا النوع مازال قيد التطوير، خاصة أن الذخائر الخاصة به لم تظهر حتى الآن، ولكن المتوقع انه بحلول النسخة القادمة من معرض إيديكس، ستكون كافة تجارب التحليق الخاصة بهذا النوع قد تمت بشكل كامل.

لم تقتصر المنتجات المصرية من الطائرات بدون طيار على هذا الحد، فقد تم الإعلان عن الطائرة الاستطلاعية “طيبة-30″، التي تنتجها شركة مصرية من شركات القطاع الخاص تدعى “ICER”، وهي ملائمة بشكل كبيرة لعمليات الإستطلاع والمراقبة والرصد، سواء كانت هذه العمليات عسكرية أو مدنية، حيث تستطيع حمل معدات تصل زنتها إلى 250 كيلو جرام، بسرعة قصوى تصل إلى 250 كيلو متر، على ارتفاعات تصل إلى 7 كيلو متر، ومدة تحليق تصل إلى 30 ساعة. كما تتميز هذه الطائرة بأمكانية برمجة عمليات إقلاعها وهبوطها بشكل آلي.

يضاف إلى ما سبق بعض الشراكات التصنيعية التي توافرت مؤشرات على أن مصر قد بدأتها مع دول أخرى في مجال الطائرات بدون طيار، مثل الطائرة “Sarisa SRS-1A” وهي طائرة هجومية بدون طيار ذات إقلاع عمودي، تنتجها شركة “أميستون” اليونانية، وظهرت خلال المعرض بجانب علمي مصر واليونان. تستطيع هذه الطائرة حمل ذخائر هجومية عبر منصات يمكن تعديلها وتغييرها حسب نوع الذخيرة المستخدمة، بحد أقصى للوزن يبلغ 25 كيلو جرام، مثل قاذف رباعي خاص بالصواريخ الغير موجهة من عيار 70 ملم “هيدرا”، كما تمتلك هذه الطائرة القدرة على تنفيذ المهام الاستطلاعية ومهام نقل الحمولات العسكرية، وتستطيع التحليق بشكل متواصل لمدة 20 دقيقة.

مهام مكافحة الطائرات بدون طيار ورصدها

خلال النسخة الأولى مع معرض “إيديكس” عام 2018، عرضت الصناعات العسكرية المصرية لنوعين من أنواع وسائل إعاقة واستهداف الطائرات بدون طيار، الأول هو بندقية تشويش كهرومغناطيسي،  تستهدف قطع الأتصال بين الطائرة المعادية بدون طيار ومحطة التحكم الخاص بها، والثاني هو منظومة الإعاقة الألكترونية “AD-21″، التي تستهدف تحييد إشارات التحكم بالطائرات بدون طيار، سواء كانت تلك الإشارات لاسلكية قادمة من وحدات التحكم، او خاصة بمنظومات تحديد المواقع العالمية.

أما في نسخة هذا العام، تعددت الوسائط الجديدة الخاصة بهذا المجال، حيث أعلنت شركة بنها للصناعات الألكترونية عن جهاز الإعاقة المضاد للطائرات بدون طيار “G0A-G0B”، وهو عبارة عن محطة محمولة لقطع إشارات الملاحة بالقمر الصناعي عن الطائرات المعادية بدون طيار – خاصة الأنواع الصغيرة والمتناهية الصغر – ما يؤدى إلى فقدانها التوجيه وخروجها عن السيطرة، وتتميز هذه المحطة بقدرة على بث الترددات بشكل ثابت يضمن جودة البث وعدم انقطاعه، وتتراوح قدرة البث الخاصة بها بين 10 و30 وات، لمدى يصل إلى 4 كيلو متر، على جميع النطاقات الخاصة بمنظومتي تحديد المواقع العالمية سواء الأمريكية “جي بي أس” أو الروسية “جلوناس”. 

من المنتجات الجديدة أيضاً في هذا الصدد جهاز الإعاقة الألكترونية المضاد للطائرات بدون طيار “DJ-400” والذي يعد تطوير لمنظومة الإعاقة “AD-21″، وهو عبار عن منصة عمودية يمكن تثبيتها في المواقع التي تتواجد بها شخصيات هامة، أو على متن العربات المتحركة، بهدف التشويش في نطاق تبلغ زاويته 360 درجة على أية طائرات بدون طيار تقترب من نطاق يبلغ نصف قطره 4 كيلو متر، مع قدرة عالية على العمل بكل متواصل لفترات طويلة وفي ظل ظروف جوية صعبة.

يضاف إلى ذلك الإعلان عن تطوير الرادار المصري “P-01 برداويني”، وذلك عبر تعاون مشترك بين الكلية الفنية العسكرية ومصنع بنها للصناعات الإلكترونية، وهو رادار مصمم للعمل ضمن تردد “أكس”، لرصد الطائرات بدون طيار الصغيرة ومتناهية الصغر، حيث يمتلك القدرة على كشف طائرة بدون طيار متناهية الصغر يصل مقطعها الراداري إلى 0.01 متر من مدى يصل إلى 3 كم، بجانب امكانية رصد الأهداف البرية على نطاقات تتراوح بين 7 و25 كيلو متر. كذلك يمتلك هذا الرادار القدرة على مقاومة وسائط التشويش والإعاقة، عبر تغيير الترددات التي يستخدمها في حيز يبلغ 150 ميجا هرتز. جدير بالذكر هنا أن الشركة العربية العالمية للبصريات، بدأت بشكل فعلي في إنتاج أنظمة الرصد والتصويب الخاصة بالطائرات بدون طيار، بالتعاون مع بعض الشركات الفرنسية وعلى رأسها شركة “تاليس”، وهي انظمة أساسية لعمل الطائرات بدون طيار.

الأنظمة الأرضية المسيرة حاضرة في معرض إيديكس

نعود مرة أخرى إلى التجربة الميدانية للجيش المصري شمالي سيناء، فقد انبثق عن التعامل بشكل مستمر مع مخاطر العبوات الناسفة مختلفة الأنواع، خبرة كبيرة في مواجهة هذا التهديد الذي يعد أساسياً في المواجهات مع العناصر الإرهابية. هذه الخبرة أفضت إلى ظهور أحدى أهم مفاجأت النسخة الثانية من معرض “إيديكس”، وهي عرض نوعين مختلفين من أنواع الروبوتات المخصصة للتعامل مع الألغام الأرضية والعبوات الناسفة، هما “أكس-300” و”أم-300″، وهما نتاج تعاون مشترك بين إدارة البحوث الفنية والتطوير في وزارة الدفاع المصرية، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ووزارة الإنتاج الحربي. يبلغ وزن الروبوت “أم-300” نحو 2800 كيلو جرام، وتصل سرعته إلى 18 كيلو متر، ويستطيع العمل بشكل مستمر لنحو 4 ساعات، وتم تزويده بـ ست كاميرات للرؤية النهارية والليلية، بجانب ذراع يبلغ طولها 275 سنتيمتر للتعامل مع العبوات الناسفة.

الروبوت “أكس-300″، يعد خطوة متقدمة في مجال مكافحة العبوات الناسفة، حيث تم تزويده بثمانية كاميرات للرؤية النهارية والليلية في مختلف الأتجاهات، وذراع قاطع للأسلاك الخاصة بالشراك الخداعية، يمكن استخدامها أيضاً في إبعاد او فحص العبوات الفوق أرضية، وكذا الحفر لأستخراج العبوات المدفونة تحت الأرض، بزاوية حركة قدرها 180 درجة، بجانب تزويده بجرافة سفلية لأعمال الحفر والتجهيز الهندسي. يتم تشغيل هذا الروبوت بمحرك يعمل بالسولار تصل قدرته إلى 75 حصان، ويتم التحكم به عن طريق وحدة لاسلكية تستطيع تشغيله من مسافة 500 كيلو متر، مع امكانية توسيع هذه المسافة بشكل أكبر عن طريق التحكم السلكي.

نقلة نوعية في مجال التسليح البحري

شاركت القوات البحرية المصرية بشكل لافت في نسخة هذا العام من معرض “إيديكس”، ممثلة في ترسانة القوات البحرية والشركة المصرية لاصلاح وبناء السفن. كان من الواضح أن التصنيع العسكري المصري في المجال البحري بدء يتخذ نمطاً أكثر نوعية، يتم فيها تجاوز المرحلة السابقة التي صنعت فيها مصر بشكل كامل طائفة مختلفة من فئات السفن العسكرية والمدنية والمساندة والمساعدة، وصولاً إلى تصنيع زوارق الدورية والمرور السريع، وزوارق القوات الخاصة “RHIB”، لتدخل مرحلة جديدة يتم فيها تصنيع الكورفيتات ذات الطبيعة الشبحية والقطع البحرية المتوسطة، وهذا يعد من ثمار سياسة نقل تكنولوجيا التصنيع التي اتبعتها القوات البحرية في كافة صفقاتها الخارجية، خاصة صفقة فرقاطات الفئة “ميكو-أيه200” مع ألمانيا، علماً أنه بالتزامن مع نسخة هذا العام من معرض “إيديكس”، أعلنت ترسانة الاسكندريه البدء في تصنيع أول فرقاطة من هذه الفئة.

تضمنت نسخة هذا العام من المعرض، عرض لنموذج الكورفيت الشبحي المصري “CC-60” الجاري العمل على تطويره، بحيث يكون متعدد المهام، ويبلغ طوله 60 متر، وتصل سرعته القصوى إلى 32 عقدة بحرية، ومداه الكلي إلى 2400 ميل بحري، مع مدة إبحار متواصل تصل إلى 20 يوم. تم تزويد هذا الكورفيت برادار فرنسي الصنع من نوع “Smart-S MK2” يصل مداه إلى 250 كيلو متر، كما تم تسليح هذا الكورفيت بـ ٨ خلايا إطلاق عمودية لصواريخ الدفاع الجوي، ومدفعين في منتصف البدن من نوع “DS30M” بريطاني الصنع، من عيار 30 ملم، وهذا المدفع مزود أيضاً بصواريخ الدفاع الجوي الموجهة بالليزر “مارتليت”.

النموذج الثاني المثير للأهتمام في هذا الصدد، هو زورق صاروخي سريع يسمى “PV-43″، تم إشتقاق تصميمه من الزورق الكرواتي الصنع “OOB-31″، ويصل طوله إلى 43 متر، وسرعته القصوى 30 عقدة بحرية، بمدى كلي يصل إلى 1500 ميل بحري، ومدة إبحار متواصل تصل إلى عشرة أيام. يتسلح هذا الزورق بمدفع أمامي من نوع “DS30M” بريطاني الصنع عيار 30 ملم، ملحق به منصة لإطلاق صواريخ الدفاع الجوي الموجهة بالليزر “مارتليت”، كما تم تزويد هذا الزورق بمنصة إطلاق خلفية رباعية لصواريخ “أوتومات” المضادة للقطع البحرية.

المشروع الثالث الجديد الذي تم عرضه في نسخة هذا العام، هو زورق الدورية “NAVY-1″، الذي يصل طوله إلى نحو 12 متر، ويستطيع نقل عشرة أفراد، وتصل سرعته القصوى إلى 45 عقدة. واللافت هو تسليحه بمحطة قتالية آلية يتم التحكم بها عن بعد ومزودة بآلية تهديف كهروبصرية، وهو توجه سيتم تعميمه في معظم الزوارق الحربية المصرية، بالنظر إلى أن الشركة العربية العامة للبصريات باتت تنتج هذه المحطات محلياً.

من المعروضات اللافتة التي تضمنتها نسخة هذا العام من معرض “إيديكس”، قذيفة الأعماق “نورس-1″، وهي من عيار 250 ملم، مخصصة لاستهداف الغواصات وإصابتها بأضرار كبيرة عن طريق الموجات التضاغطية التي يسفر عنها انفجار الشحنة المتفجرة الخاصة بهذه القذيفة، وزنتها 30 كيلو جرام. يتراوح مدى هذه القذيفة بين 1700 و3600 متر، وتستطيع العمل حتى عمق 300 متر تحت سطح الماء، وهو ما يجعلها فعالة ضد كافة انواع الغواصات. يتم إطلاق هذا النوع من القذائف من قاذف “RBU-1200” وهو قاذف سوفيتي التصميم تتسلح به كافة القطع البحرية ذات المنشأ الشرقي.

مصر تتعاقد على امتلاك أسلحة متطورة برية وجوية وبحرية (صور)

جدير بالذكر أن فعاليات المعرض تضمنت توقيع اتفاقية بين قائد القوات البحرية المصرية الفريق أحمد خالد حسن سعيد مع إريك بيرانجر الرئيس التنفيذي لشركة “‏MBDA‎” الأوروبية، وظهر خلال التوقيع على هذه الأتفاقية مجسمين الأول لصاروخ “اوتومات” المضاد للقطع البحرية، وصاروخ الدفاع الجوي “ميكا”، وهو ما قد يشير إلى أن هذه الاتفاقية تتعلق بكلا النوعين. قائد القوات البحرية أعلن أيضا خلال المعرض عن تدشين المعرض البحرى الأول “Naval Power” للقوات البحرية المصرية، والذي سيقام في سبتمبر المقبل، وهو ما يعكس رغبة القوات البحرية في تعزيز مكتسباتها الحالية في مجال التصنيع البحري.

التسليح البري … البناء على المكتسبات السابقة

كانت العربات المدرعة مصرية الصنع بمثابة النقطة المحورية في معروضات النسخة الأولى من معرض “إيديكس” للصناعات الدفاعية، لكن كانت النقطة الأساسية في هذا الصدد هي أن هذه العربات كانت جميعها مدولبة، رغم أن مصر كانت في ذلك التوقيت تعمل على عدة مشاريع للعربات المجنزرة. باكورة هذه المشاريع ظهرت في نسخة هذا العام، عبر عربة القتال “سيناء-200″، والتي تم إشتقاق تصميمها من تصميم عربة القتال المدرعة السوفيتية “BMP-1”. تتميز هذه المدرعة بمستوى حماية من القذائف والطلقات النارية أكبر من النموذج السوفيتي، حيث تم تصفيحها جانبياً بالمستوى الرابع من الدروع المضادة للعبوات الناسفة، ومن أسفل بالمستوى الثالث، بجانب تصفيحها بشكل كامل بدروع المستوى الثالث المضادة للطلقات الخفيفة.

يضاف إلى ذلك تزويدها بآلية لتثبيت الدروع الشبكية والقفصية، التي تتيح لها الحماية من القذائف المضادة للدروع. تتراوح سرعتها القصوى بين 45 و65 كيلو متر في الساعة، ويبلغ عدد طاقمها التشغيلي إلى فردين بجانب نقل ستة جنود، وتصل قوة محركها إلى نحو 360 حصان. تخطط الهيئة العربية للتصنيع لتطوير نسخ مختلفة من هذه المدرعة، لتخدم كافة الأغراض القتالية والمساعدة، لكن النسخة التي تم عرضها في معرض هذا العام كانت مسلحة بمحطة مزودة بمدفع نصف بوصة متحكم بها عن بعد بواسطة منظومة كهروبصرية، وهي محطة مصرية الصنع من إنتاج الشركة العربية العالمية للبصريات، يتم تعميمها على كافة العربات المدرعة مصرية الصنع.

خلال النسخة الأولى من معرض “إيديكس”، تم عرض عدة انواع من العربات المدرعة كانت حاضرة أيضاً في معرض هذا العام، منها عربات “ST-500” المدرعة، التي تعاقدت وزارة الدفاع المصرية خلال المعرض على شراء مائة عربة منها، كما كان حاضراً هذا العام أيضاً العربات المدرعة “تمساح-1” و”تمساح-2″، وقد تضمن معرض هذا العام النسخ الأحدث من هذه السلسلة، وهي “تمساح – 2 و 3 و 4″، وقد ظهر تأثير الدروس الميدانية بشكل واضح على النسخ الجديدة خاصة العربة المقاومة للألغام “تمساح-4″، المزودة بكافة وسائل الحماية من تأثيرات العبوات الناسفة، بداية من المستوى “BR6” من الحماية الباليستية، مروراً بداعم العجلات ومقاعد مزودة بحماية من الصدمات الانفجارية. كذلك تم تزويد هذه المدرعة بأربعة كاميرات خارجية، ونظام للقيادة عن طريق منظومة تحديد المواقع العالمية، ويصل مداها الأقصى دون التزود بالوقود إلى 500 كيلو متر، وسرعتها القصوى 95 كيلو متر، وزودت بمحطة متحكم بها عن بعد للأشتباك القريب من إنتاج الشركة العربية العالمية للبصريات.

في ما يتعلق بالمدفعية، وبعد أن عرضت مصر خلال النسخة الأولى من “إيديكس”، تعديلاتها على المدافع السوفيتية “دي-30” و”إم-46″، التي تنتجها مصر فعلياً منذ سنوات طويلة، وتم بموجب هذه التعديلات تحويلها إلى مدافع ذاتية الحركة، تعاقدت مصر مع شركة “هانوا” الكورية الجنوبية، لبدء الإنتاج المشترك لمدفع الهاوتزر ذاتي الحركة من عيار 155 ملم “K-9″، بحيث تكون مصر قادرة بحلول عام 2026 على إنتاج ما يصل إلى 50 بالمائة من مكونات هذا المدفع، الذي يعد إضافة قوية للتسليح والتصنيع العسكري المصري، نظراً لمميزاته الفريدة، بداية من بنيته المدرعة التي تستطيع تحمل الطلقات النارية حتى عيار 14.5 ملم، مروراً بمنظومة تنقية الهواء المعززة بحماية من تأثيرات أسلحة الدمار الشامل، والمحرك الألماني الصنع الذي تصل قدرته إلى 1000 حصان، ونظام التعليق المتطور الذي يتيح للمدفع الثقيل التحرك والتموضع بشكل فعال في كافة التضاريس.

يتميز هذا المدفع أيضاً بإلكترونيات متطورة لإدارة النيران، وكومبيوتر باليستي لتنظيم عمليات الإطلاق وحساب المسافات، معزز بأنماط قتالية فعالة منها نمط يتيح اطلاق عدة قذائف متتالية بفاصل زمني خمس ثواني فقط، بزاوية إطلاق مختلفة لكل قذيفة، ونمط أخر يتيح إطلاق 3 قذائف في الدقيقة لمدة ساعة كاملة دون توقف. يستطيع هذا المدفع أطلاق ما يصل إلى 8 قذائف في الدقيقة الواحدة، نظراً لتزويده بملقم آلي.

يضاف إلى كل ما سبق، بعض المعروضات المصرية اللافتة، منها بنادق مصرية مطورة بالكامل بقدرات محلية، عرضتها الهيئة القومية للأنتاج الحربي، بجانب غرفة حراسة مدرعة، تعتبر من نتائج الدروس الميدانية شمالي سيناء، حيث تم تدريعها بشكل يحمي من بداخلها من كافة الأعيرة النارية الصغيرة، وزودت بسريرين ومقعدين يمكن طويهم جميعاً لتوفير المساحة الداخلية، وهي مزودة أيضاً بإمكانية تعديل تدريعها ليشمل دروش شبكية أو قفصية، أو دروع مضادة لأنفجارات القنابل اليدوية والعبوات الناسفة، أو زيادة مستوى التدريع الكلي ليصبح مقاوم للأعيرة النارية المتوسطة.

نظام “نمط-أ” للحماية من تأثير أسلحة النبضة الكهرومغناطيسية، يعد من الإضافات النوعية التي تضمنها معرض هذا العام، وبه تدخل الصناعات العسكرية المصرية مرحلة جديدة، خاصة أن هذا النوع من الأسلحة يعتبر من التقنيات المستحدثة خلال الأعوام القليلة الماضية، وهي تقنية تعتمد على توليد صدمات تقوم بشل فاعلية كافة الاجهزة الكهربائية والالكترونية في نطاق تأثيرها، خاصة منظومات القيادة والسيطرة ومحطات ادارة الدفاع الجوي والرادارات، وبالتالي تتيح المنظومة المصرية الجديدة توفير الحماية الكاملة لمنظومات القيادة والسيطرة من تأثيرات هذه التقنية.

وأخيراً وليس أخراً – بالنظر إلى أن كل ما تم عرضه في نسخة هذا العام من معرض إيديكس ليس كل ما تم إنتاجه محلياً من أسلحة ومنظومات قتالية في مصر – نصل إلى شراكة مصر مع شركة “Escribano” الإسبانية، لتصنيع برج قتالي ذو تسليح عالي، يشمل مدفع من عيار 30 ملم، بجانب رشاش محوري متوسط، وقاذف مزدوج للقذائف المضادة للدبابات، وهو ما سيتيح مستقبلاً، تزويد العربات المصرية المدرعة به، بشكل يحول ناقلات الجند إلى عربات قتال كاملة التسليح. 

بالنظر إلى ما سبق، يمكن القول ان المرحلة المقبلة من التصنيع العسكري المصري، باتت تميل بشكل واضح نحو الأنظمة المسيرة المتحكم بها عن بعد، بحيث يشمل ذلك الأنظمة البرية والبحرية منها، بجانب التوسع بشكل أكبر في تطوير الطائرات بدون طيار لتشمل الطائرات الهجومية والذخائر الجوالة. على المستوى البحري بات التوجه واضحاً نحو تطوير قطع بحرية كبيرة ومعقدة التسليح، في حين تستهدف مصر في المرحلة المقبلة دخول معتركين أساسيين، الأول هو منظومات الدفاع الجوي، التي كان لمصر سابقاُ تجربة جيدة فيها، والثاني هو الذخائر الذكية الموجهة، خاصة الأنواع الجوية منها، بالتزامن مع بدء الأنتقال بشكل كلي إلى تصنيع آليات القتال المدرعة المدولبة والمجنزرة، وعدم الاقتصار في التصنيع على ناقلات الجند. الأكيد أن هذا التقدم الواضح كان محصلة جهود السنوات الماضية، والتي فيها تم الجمع بين الجهود الذاتية والخبرات المكتسبة من اتفاقيات التصنيع المشترك وعقود نقل تقنيات التصنيع.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى