
في أوقات الشدة والنجاح، وقفت الصين وإفريقيا معًا لتشكلا مثالًا قويًا يحتذى به من أجل بناء مجتمع عالمي ذي مستقبل مشترك. وبالرغم من الاضطرابات والتحديات الناجمة عن وباء كوفيد-19، تم عقد المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي” FOCAC”، مما يظهر الأهمية الكبيرة التي تعلقها إفريقيا والصين على تعزيز علاقاتهما، وكذا الثقة المتبادلة العميقة التي سوف تخلق المزيد من الفرص للشريكين التقليديين للتعاون.
وقد شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الصيني شي جين بينج، وعدد من الرؤساء الأفارقة في افتتاح المؤتمر عبر تقنية “الفيديو كونفرانس”، والذي تم عقده يومي 29-30 نوفمبر بالعاصمة السنغالية داكار، لمناقشة سبل ترسيخ الشراكة البناءة بين الصين والقارة الإفريقية، والتشاور حول التحديات التي يواجهها الجانبان في سبيل التعافي الاقتصادي من تداعيات كورونا.
آلية فعالة للتعاون الصيني الإفريقي
أُنشئ المنتدى عام 2000، بسبب شعور الصين بالحاجة إلى إقامة مؤسسة للتشاور والتعاون مع البلدان الإفريقية، لتعزيز التنمية المتعمقة للعلاقات الصينية الإفريقية. وتحول المنتدى إلى منبر مهم للحوار الجماعي، وآلية فعالة أفادت الشعب الصيني والإفريقي بصورة عميقة للغاية، وعمل على إعادة تشكيل التعاون الدولي مع إفريقيا.
ينعقد هذا المؤتمر كل ثلاث سنوات بالتناوب بين الصين وإحدى الدول الإفريقية، ودعت حكومة الصين إلى عقد المؤتمر الأول لمنتدى بكين للتعاون الصيني –الإفريقي عام 2000، بهدف البحث في كيفية إرساء نظام سياسي واقتصادي دولي جديد في القرن الحادي والعشرين، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وإفريقيا. وحظيت هذه الدعوة باستجابة واسعة من قبل الدول الإفريقية، وحضر المؤتمر 45 دولة إفريقية لها علاقات دبلوماسية مع الصين، لينتهي المؤتمر بتبني وثيقتين رسميتين، وهما إعلان بكين، برنامج التعاون الصيني – الإفريقي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
واتفقت الدول الأعضاء بعد ذلك على أن تقوم أعمال المنتدى على المساواة والاستقرار والمنافع المتبادلة، ومناقشة أهم القضايا منها السلم والأمن الإقليمي، والتعاون الاقتصادي في الأمن الغذائي والبنية الأساسية، وقطاع الخدمات، ومجال الاستثمار، فضلًا عن التعاون الثقافي.
وقد استضافت شرم الشيخ الاجتماع الوزاري الرابع للمنتدى في نوفمبر 2009، وكان موضوعه: “تعميق نوع جديد من شراكة استراتيجية صينية إفريقية من أجل تنمية مستدامة”، وانتهى المنتدى بنجاح كبير، وتم إقرار “إعلان شرم الشيخ” و” خطة عمل شرم الشيخ“، وتم تحديد برامج جديدة للتعاون بين الجانبين خلال الأعوام الثلاثة التالية.
وفي ديسمبر 2015، استضافت “جوهانسبرج” بجنوب إفريقيا قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي، وركز قادة الجانبين على تقدم الصين وإفريقيا، وذلك عن طريق التعاون القائم على منفعة الجانبين من أجل التنمية المشتركة، وتعزيز الصداقة والتعاون والتنمية بين الجانبين في مجالات التصنيع والبنية التحتية والتعليم والصحة والزراعة وتدريب الكفاءات وغيرها من المجالات، إضافة إلى دعم إفريقيا وتخفيف ديون الدول الإفريقية، لمواجهة تحديات التنمية وتحقيق أجندة “إفريقيا لعام 2063”.
ومع استمرار توسيع وتعميق التعاون الصيني الإفريقي، تم إنشاء العديد من المنتديات الفرعية في إطار منتدى التعاون الصيني الإفريقي، وهي تشمل:
- منتدى الشعب الصيني الإفريقي
- منتدى القادة الشباب بين الصين وإفريقيا
- المنتدى الوزاري حول التعاون الصحي بين الصين وإفريقيا
- منتدى التعاون الإعلامي الصيني الإفريقي
- مؤتمر الصين وإفريقيا للحد من الفقر والتنمية
- منتدى FOCAC القانوني
- منتدى الصين
- تعاون الحكومات المحلية بإفريقيا
- منتدى مؤسسات الفكر والرأي بين الصين وإفريقيا
وتحت راية المنتدى، تم تعميق الثقة السياسية المتبادلة بين الصين وإفريقيا بشكل مستمر، وأكملت العلاقات الصينية الإفريقية قفزة على ثلاثة مستويات من “شراكة جديدة” إلى “شراكة استراتيجية جديدة” ثم إلى “شراكة استراتيجية شاملة”.
العلاقات الصينية الإفريقية
بعد سنوات من الجهود المتوالية والمتفانية، ازدهر التعاون الإفريقي الصيني ليثمر صداقة متينة. وتنبع هذه العلاقات الصينية الإفريقية المتينة من الثقة السياسية المتبادلة، والتعاون الاقتصادي السريع، والتوسع المتزايد في التنمية الاجتماعية والتبادلات الثقافية وبالطبع التعاون الثابت في مجال الأمن والسلام.
- التعاون الاقتصادي:
أشارت الإحصائيات إلى أن الصين كانت أكبر شريك تجاري لإفريقيا على مدار 12 عامًا منذ 2009، ومثّلت التجارة الصينية الإفريقية أكثر من 21% من إجمالي التجارة الخارجية لإفريقيا في عام 2020، وقد زادت الصين وارداتها من المنتجات غير المتعلقة بالموارد، وعرضت معاملات بدون تعريفات جمركية على 97% من المواد الخاضعة للضريبة من جانب 33 دولة من أقل الدول نموًا في إفريقيا.
وبحلول نهاية عام 2020، تجاوزت الاستثمارات المباشرة للشركات الصينية في إفريقيا 43 مليار دولار أمريكي، ووفرت أكثر من 3500 شركة صينية في جميع أنحاء القارة بشكل مباشر وغير مباشر ملايين الوظائف.
وفي سياق مشاركة الصين في استخراج الموارد الطبيعية في إفريقيا، تحرص دائمًا على مساعدة الدول المضيفة على تطوير قطاع تصنيع المواد الخام ليرفع القيمة الإضافية للمنتجات ويساهم في بناء منظومة الصناعات الوطنية لهذه الدول بما يمكنها من تحويل المزايا المتفوقة في الموارد إلى القوة الدافعة لتحقيق التنمية المتوازنة والمستديمة. وتحرص المؤسسات الصينية على تحمل مسؤولياتها الاجتماعية من خلال المساهمة الجادة في الأعمال الخيرية لتحسين المرافق العامة المحلية.
إن الصين تولي اهتمامًا بالغًا لبناء القدرات التنموية للدول الإفريقية، وتعمل على تفعيل التعاون مع الدول المعنية في تنمية الموارد البشرية، وهناك عدد كبير من الخبراء والمتطوعين الصينيين يعملون في هذا المجال لمساعدة الدول الإفريقية في رفع قدرتها الذاتية على تحقيق التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي.
ولا ننسى البنية التحتية، فإن مشاركة الصين وشركاتها العملاقة ساهمت في تطوير البنية التحتية بشكل عميق ليس مبالغًا فيه، وقد وقعت جميع البلدان الإفريقية التي لديها علاقات دبلوماسية مع الصين بالفعل اتفاقات بشأن التعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، حيث انضمت إليها 141 دولة و32 منظمة دولية. ومثلت المشاريع التي نفذتها الشركات الصينية 31.4% من جميع مشاريع البنية التحتية في إفريقيا في عام 2020.
وتماشيًا مع ارتفاع حجم التجارة، تزايدت أنواع البضائع في قوائم التجارة الصينية الإفريقية أكثر فأكثر، وترتفع جودة الصادرات الصينية إلى إفريقيا ويزداد مستواها العلمي والتقني بصورة مطردة. وفي المقابل، يتسارع نمو الصادرات الإفريقية إلى الصين بشكل عام، ومن المنتجات الزراعية بشكل خاص؛ إذ تجد الموالح المصرية والكاكاو الغانية والقهوة الأوغندية وزيت الزيتون التونسي والسمسم الإثيوبي إقبالًا متزايدًا في الأسواق الصينية.
وتحرص الحكومة الصينية وحكومات الدول الإفريقية على توفير ظروف مواتية لتسهيل تجارة الجانبين، فقد تم إبرام اتفاقية التجارة الثنائية بين الصين و45 دولة إفريقية، ويتنامى التعاون بين السلطات المختصة في الجانبين في مجالات الجمارك والضرائب والحجر الصحي.. إلخ.
ومنذ انطلاق “FOCAC”، استخدمت الشركات الصينية أموالًا مختلفة للاستثمار مع البلدان الإفريقية في بناء وتحديث أكثر من 10 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية، وقرابة 100 ألف كيلومتر من الطرق السريعة، ونحو ألف جسر و100 ميناء، و66 ألف كيلومتر من نقل وتوزيع الطاقة، وأسهمت في بناء قدرة توليد طاقة مركبة تبلغ 120 مليون كيلو وات، وشبكة اتصالات أساسية يبلغ طولها 150 ألف كيلومتر، وخدمة شبكة تغطي قرابة 700 مليون محطة مستخدم، وجميع أنواع البنية التحتية التي تقوم الصين ببنائها، والتي ستضع إفريقيا في وضع جيد لتنمية الأسواق العابرة للقارات.
ومن المتوقع، أن يعزز الجانبان محركات النمو الجديدة مثل التجارة الإلكترونية، وبناء شبكات الجيل الخامس” 5G”، والتوجه نحو الاقتصاد الأخضر بهدف تعزيز التنمية المشتركة عالية الجودة والمستدامة.
- العلاقات السياسية:
الصين ليس لها ماض استعماري في إفريقيا، ولا تتدخل في السياسات الداخلية للدول ولا تسعى لسلخ الشعوب من ثقافاتها، حيث تؤمن بأن إفريقيا قارة للأفارقة، وهي قادرة بكل جدارة على التصرف في قضاياها بما يخدم مصالحها الأساسية، ولا نتدخل في الشؤون الداخلية لدولها.
وهذه العوامل مجتمعة تبعث على الثقة لبناء شراكة استراتيجية معها، خاصة في هذه المرحلة التي ازداد فيها الصراع على إفريقيا، ومن هنا جاءت الثقة المتبادلة من الدول الإفريقية تجاه الصين، واستمرار الحفاظ على نجاح هذا المنتدى في جميع دوراته.
ومع تطور العلاقات بين القارة الإفريقية والصين، نجد تعاونًا أيضًا في المجالات العسكرية، فهناك إقبال كبير من جانب الدول الإفريقية على شراء الأسلحة والمعدات العسكرية الصينية، نظرًا لجودتها العالية وتكلفتها المنخفضة مقارنةً بنظيرتها الأوروبية والأمريكية.
وقد بنت الصين أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في جيبوتي، وتعد نقلة نوعية في النفوذ الصيني الإفريقي وله أكثر من مدلول، الأول بسب كثرة مصالح الصين في إفريقيا ولا بد من قوة عسكرية هائلة لتأمينها، والثاني هو الدور الصيني الكبير للمنافسة على الريادة العالمية مع الولايات المتحدة وأوروبا.
وتتعمق الثقة السياسية المتبادلة بين الجانبين على الصعيد الثنائي، فقد تمت إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين و49 دولة إفريقية، ومن بينها ارتقى البعض إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية مع الصين، وتستمر الزيارات المتبادلة على مختلف المستويات بوتيرة متزايدة في إطار التنسيق والتشاور المتواصل بين الصين والدول الإفريقية حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وعلى الصعيد الجماعي، ففي إطار منتدى التعاون الصيني الإفريقي، تمت إقامة آليات متعددة من التواصل السياسي على مختلف المستويات، تساهم في تكثيف التواصل السياسي وتعميق الثقة السياسية المتبادلة بين الصين ودول إفريقيا بما يتفق مع رغبة الجانبين في تعزيز التنسيق والتعاون لمعالجة القضايا التي تخص مصالحهما الحيوية، ولمواجهة التحديات ذات الأهمية العالمية، وفي مقدمتها:
- آلية المؤتمر الوزاري الذي انعقد 4 دورات
- آلية تشاور وزراء الخارجية على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.
- آلية اجتماع كبار المسؤولين للمنتدى.
- آلية الحوار بين الأمانة الصينية للمنتدى والسفراء الأفارقة في بكين
- آلية الحوار الاستراتيجي بين الصين والاتحاد الإفريقي.
- التعاون الثقافي:
يتوسع نطاق التعاون الصيني الإفريقي، حيث يتوطد التعاون المشترك في المجالات التقليدية ومنها المجالات الثقافية والصحية والتعليمية وغيرها، في الوقت الذي أدخلت فيه مقومات جديدة لإثراء هيكل التعاون الصيني الإفريقي تتمثل في قطاعات العلوم والتكنولوجيا والمالية والسياحة والطيران وحماية البيئة والطاقة الجديدة، وغيرها.
نجحت الصين في وضع استراتيجية قائمة على استخدام القوة الناعمة للنفاذ إلى القارة الإفريقية، واستطاعت إبراز هويتها الثقافية، وتصدير تلك الصورة للعالم الخارجي، والتي تصور الشعب الصيني بالشعب المحب للقيم، والأخلاق، ولمبدأ الإنسانية، واحترامهم للآخر، وأنها تتعامل مع العالم على أساس المبادئ القائمة على احترام الآخرين، وعدم التدخل في الشئون الداخلية لهم.
واستطاعت الصين التعامل مع مشاكل الهوية الثقافية الإفريقية، والتي تتسم بالتنوع والتعدد، وأبرزت الفرق بينها وبين القوى الغربية القائمة على استغلال الدول الإفريقية فرفعت شعارات مثل: “صداقة وشراكة بلا استغلال”، التعاون القائم على مبدأ “تبادل المصالح”، وحرصت على التشاور المستمر، والإشادة بالثقافة الإفريقية من خلال المعارض التي تقام في الصين لعرض المنتجات الصينية، وزيادة أعداد الطلاب الأفارقة المبتعثين للصين. واستطاعت الصين أن تكسب ثقة العديد من النظم الإفريقية، التي ترى أن النظام الصيني هو نموذج يمكن أن يحتذى به، مما يعد مؤشرًا قويًا لنجاح القوة الناعمة الصينية في اختراق القارة الإفريقية.
وقد تم إنشاء آليات ومنصات تبادل للعلوم الإنسانية المهمة، مثل حفل الشباب الصيني الإفريقي، ومنتدى الذكاء، ومركز تبادل الأخبار، كما أنشئت آليات ومنصات أخرى للتبادل الإنساني واحدة تلو الأخرى، وأقامت الصين العديد من المراكز الثقافية في إفريقيا، حيث أسست ٦١ معهدًا «كونفوشيوس» و٤٨ فصلًا دراسيًا.
- السلام والأمن:
لأن التزود بالموارد الطبيعية الإفريقية وخصوصًا ما يخص الطاقة باتت من مرتكزات الأمن القومي الصيني، لتوافرها بشدة وانخفاض ثمنها، تعمل الصين على حماية للمناطق التي يمتد إليها نفوذها في هذه القارة، سواء عبر المشاركة في عمليات حفظ السلام المنتشرة في بعض الدول الإفريقية (ليبيريا، كوت ديفوار، جنوب السودان، السودان، الكونغو الديمقراطية)، أو عن طريق توريد السلاح، مستغلة بذلك نفور بعض الدول الإفريقية التعامل مع بعض الدول الغربية لاستيراد الأسلحة، بسبب الشروط التعسفية من الدول الغربية لتقديم المساعدات إلا بعد تحسين ملفات حقوق الإنسان، وإحلال الديمقراطية والقضاء على الفساد، فإفريقيا استوردت مثلًا 13% من صادرات الصين من الأسلحة التقليدية خلال الفترة 2007-2012، بقيمة تبلغ 6 مليار و462 مليون دولار.
وتدعم الصين جهود الدول الإفريقية والاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية الإفريقية في سبيل حل النزاعات وبسط السلم والأمن في القارة، وقامت الحكومة الصينية بتعيين مبعوث خاص للشؤون الإفريقية، وتلعب الصين دورًا بناءً في مجلس الأمن الدولي وغيره من المحافل الدولية لدفع القضايا الإقليمية الساخنة نحو الحل المبكر والسليم.
مكافحة الوباء
يسود الدعم المتبادل في العصر الجديد للتعاون بين الصين وإفريقيا، بداية من الزلزال المدمر الذي ضرب مقاطعة “سيتشوان” جنوب غرب الصين في 2008 إلى إعصار “إيداي” الذي اجتاح زيمبابوي وموزمبيق وملاوي في 2019، ومن تفشي فيروس “الإيبولا” في غرب إفريقيا في 2014 إلى وباء كوفيد-19 المستمر بتطوراته وتحوراته وتتابعاته.
وخلال أصعب الأوقات في مكافحة الصين لوباء كوفيد-19، قدمت الدول الإفريقية والمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي دعمًا قويًا لها، وبعد أن ضرب الوباء إفريقيا، عرضت الصين دتقديم مساعدات إنسانية، بما فيها الإمدادات الطبية واللقاحات التي باتت الحاجة إليها ماسة. وقبل أيام، أُنجز بناء الهيكل الأساسي للمبنى الرئيسي للمقر الرئيسي للمراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها الذي تموله الصين، واستضاف الرئيس شي جين بينج قمة على الإنترنت حول الوحدة الصينية الإفريقية ضد الوباء.
وكانت الصين أول دولة في العالم تعقد قمة مع القارة الإفريقية حول مكافحة الوباء، وقامت بتقديم 120 دفعة من المساعدات المادية الطارئة لمكافحة الوباء إلى 53 دولة إفريقية والاتحاد الإفريقي، وأرسلت فرقًا طبية من الخبراء لمكافحة الوباء إلى 17 دولة إفريقية. في ذات الوقت، تلتزم الصين بجعل اللقاحات منتجًا عامًا عالميًا. وإلى نوفمبر من العام الحالي، زودت الصين المجتمع الدولي بأكثر من 1.8 مليار جرعة من لقاح كورونا، لتمثل مقاومة الوباء مناسبة جديدة لتعميق الصداقة بين الصين وإفريقيا.
ومن خلال المؤتمر، أعلن الرئيس الصيني أن الصين ستقدم مليار جرعة إضافية من لقاحات كوفيد-19 لإفريقيا، منها 600 مليون جرعة على هيئة تبرعات، و400 مليون جرعة سيتم توفيرها من خلال وسائل مثل الإنتاج المشترك لشركات صينية ودول إفريقية ذات صلة.
بالإضافة إلى ذلك، ستنفذ الصين 10 مشروعات طبية وصحية للدول الإفريقية، وسترسل 1500 فرد طبي وخبير صحة عامة إلى إفريقيا، وتعهد الرئيس الصيني بالتنفيذ المشترك لتسعة برامج للتعاون المستقبلي بين الصين وإفريقيا بعد الوباء وهي: البرنامج الطبي والصحي، وبرنامج الحد من الفقر والتنمية الزراعية، وبرنامج تعزيز التجارة، وبرنامج تعزيز الاستثمار، وبرنامج الابتكار الرقمي، وبرنامج التنمية الخضراء، وبرنامج بناء القدرات، وبرنامج التبادل الثقافي والشعبي، وبرنامج السلام والأمن.
مشاركة مصر المتميزة في المنتدى الإفريقي الصيني
شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في المنتدى من خلال “الفيديو كونفرانس” وذلك بسبب الإجراءات الاحترازية التي تفرضها الجائحة حاليًا، وتحدث الرئيس عن أهمية المنتدى في تعزيز التكاتف والتضامن المشترك المبني على تحقيق المصالح والمكاسب المتبادلة بين الجانبين، والتكاتف من أجل التعافي الاقتصادي من الجائحة، وذلك بما يتطلبه من تعزيز للتعاون التجاري والاستثماري بين الصين والقارة الإفريقية بشكل يعود بالفائدة الكبيرة على مختلف شعوب القارة، بما في ذلك تخفيف الديون المتراكمة، بالإضافة إلى مساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على تجاوز الأزمة الاقتصادية.
ونفي نفس السياق، أكد الرئيس ضرورة استكمال تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة الإفريقية سعيًا لتحقيق التكامل الاقتصادي والتجاري، وهو الأمر الذي يتطلب ضخ المزيد من الاستثمارات في مشروعات البنية التحتية للربط القاري بين الدول الإفريقية، وأهمية الشراكة مع الصين لتنفيذ هذا التوجه.
وأشار الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أن مصر ستسعى أيضًا إلى تحقيق هذا التوجه في ظل رئاستها الحالية لتجمع “الكوميسا”، وأنها ستعمل جاهدة لجذب الاستثمارات الأجنبية، ومن أجل تحقيق التكامل بين القطاع الخاص الإفريقي ونظيره في الدول الصديقة، وأنها تسعى دائمًا نحو التوسع في مجالات التحول الرقمي والتجارة الإلكترونية.
وشدد الرئيس السيسي على أهمية الاستفادة من الدروس المستخلصة من تجارب الدول التي قطعت إنجازًا كبيرًا في احتواء فيروس كورونا ومواجهته، ونقل تجاربها لبناء قدرات الدول الأخرى التي تحتاج إلى المساعدة لتخطي هذه الأزمة، وذلك عن طريق تبادل الخبرات في مجالات الوقاية والتكنولوجيا الحيوية والتصنيع الدوائي، مشيدًا بنجاح التجربة المصرية الصينية في مجال تصنيع اللقاحات، والتي استطاعت مصر من خلالها أن تنجح في أن تكون أول دولة إفريقية تمتلك القدرة على تصنيع لقاح مضاد لفيروس كورونا.
ومن المنتظر، بدء تصدير اللقاح الصيني محلى الصنع في مصر، نهاية عام 2021، أو مطلع 2022 على الأكثر، حسب الدراسات التي تجريها الجهات المعنية في مصر، مع ارتباط هذه الخطوة بالكميات الفعلية المتوفرة من لقاحات كورونا لاستخدامها داخل مصر.
ومن ضمن التحديات التي ناقشها الرئيس السيسي في المنتدى، هو تغير المناخ وتبعاته السلبية، فيرى الرئيس أن هذا الشأن هو على رأس التحديات التي تتطلب تكاتفًا وتضامنًا، وقد أخذ في اعتباره التبعيات الاقتصادية والاجتماعية السلبية التي نشأت بسبب تغير المناخ على مخلف أنحاء القارة الإفريقية، مؤكدًا على اعتزام مصر من خلال الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر المناخ “COP27” الذي ستستضيفه مصر عام 2022، أن تعمل مع كافة الأطراف باسم القارة الإفريقية ولصالحها، من أجل دعم الجهود الدولية لمواجهة تغير المناخ.
وأكد السيد الرئيس على ضـرورة التنسيق المشـترك بـين إفريقيـا والصـين اتصـالًا بالقضـايا الخاصـة بتعزيـز السـلم والأمـن، وذلك بهدف تحقيق الأهداف المنشودة في أجندة التنمية الإفريقية “2063”.
آفاق جديدة تفتحها الصين في إفريقيا
تعهد الرئيس الصيني من خلال افتتاح المؤتمر، بأن الصين تحتاج إلى فتح آفاق جديدة للتعاون مع إفريقيا، وتوسيع نطاق التجارة والاستثمار، وتبادل الخبرات بشأن الحد من الفقر، وتعزيز التعاون في الاقتصاد الرقمي، وتعزيز ريادة الأعمال بين الشُبان الأفارقة، وتنمية الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم”، كما دعا إلى تعميق التعاون العملي بين الجانبين.
وأكد أن الصين تعمل على تنفيذ 10 مشاريع في مجال الحد من الفقر ومجال الزراعة لصالح إفريقيا، وستقدم 10 مليارات دولار أمريكي من التمويل التجاري لدعم الصادرات الإفريقية، وستبني في الصين منطقة رائدة من أجل التعاون التجاري والاقتصادي المتعمق بين الصين وإفريقيا، ومجمعا صناعيا صينيا إفريقيا للتعاون في إطار “الحزام والطريق”.
المبادرات الصينية لا تنبع من الحكومة وحسب، فقد ذكر شي جين بينج أن الصين ستشجع أيضًا شركاتها على استثمار ما لا يقل عن 10 مليارات دولار أمريكي في إفريقيا في السنوات الثلاث المقبلة، وستنفذ 10 مشروعات للاقتصاد الرقمي، وستنفذ 10 مشروعات للتنمية الخضراء وحماية البيئة والعمل المناخي، وستساعد في بناء أو تطوير 10 مدارس في إفريقيا، وستدعو 10 آلاف خبير إفريقي رفيع المستوى لحضور ندوات وورش عمل المخصصة لكل ذلك، لتتحول الصين إلى أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا، في هدف حاسم من أجل تحسين ظروف التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر القارة السمراء.
وختامًا، وبعد أن أصبحت الصين الشريك الأول للقارة السمراء حاليًا، والمستورد الأول للكثير من معادنها، نرى أن استراتيجية الصين في القارة الإفريقية تهدف إلى تأكيد نفوذها كقوة عالمية، من خلال نموذج اقتصادي قوي يستند إلى مبدأ الاستثمار والتجارة والمساعدات المالية الميسرة دون شروط سياسية.
ويلعب “منتدى التعاون الصيني الإفريقي” دورا محوريًا ورياديًا في وضع الإطار العام والاتجاه الرئيس والتخطيط الكلي لتطوير العلاقات الصينية الإفريقية بالرؤية المستقبلية والروح العملية، ويبقى مبدأ المساواة والمنفعة المتبادلة ركيزة أساسية للتعاون الصيني الإفريقي.
باحثة بالمرصد المصري