
الجولة السابعة: هل تنجح مفاوضات فيينا النووية بين إيران والقوى الكبرى؟
انطلقت في العاصمة النمساوية فيينا أمس الاثنين 29 نوفمبر سابعُ جولات المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى، بعد توقفها في شهر يونيو الماضي بالتزامن مع تولي الرئيس الجديد المحافظ في طهران، إبراهيم رئيسي، مقاليد السلطة وفي يده أجندة تحمل توجهاتٍ محلية وإقليمية ودولية مختلفة بشكل ملحوظ عن حكومة سلفه الإصلاحي حسن روحاني.
وعند الحديث عن الجولة السابعة من مفاوضات فيينا، ينبغي التأكيد على أنها لا تتشابه في أوجه عدة مع الجولات الست الماضية، فضلًا عن أن الأجواء التي تُجرى داخلها هذه المحادثات النووية -التي كانت قد بدأت في شهر أبريل 2021- تختلف كثيرًا وبشكل ملحوظ عن محادثات (2013-2015) التي قادت إلى التوصل إلى الاتفاق الأصلي نفسه الذي تُبذل الجهود الآن من أجل العودة إليه.
فقد تغير الموقف الإقليمي والدولي المعني والمؤثر على مسار هذه المفاوضات بشكل واضح، فضلًا عن التحولات التي لحقت بالأجواء المحلية داخل كل بلد منخرط في هذه المفاوضات على حدة، سواء إيران أو الدول الكبرى الأخرى، وذلك على المستويات المجتمعية والاقتصادية. ولعل هذه التحولات المُشار إليها في حد ذاتها تحمل في طياتها مؤشرات نجاح أو فشل هذه المحادثات.
ما التغيرات التي لحقت بالبيئة المحيطة بالمفاوضات النووية؟
إذا عدنا للوراء ثماني سنوات، في عام 2013، سنجد أن الأجواء المحلية في إيران والظروف الدولية والإقليمية المحيطة بها آنذاك كانت مغايرة نسبيًا لما هي عليه في الوقت الراهن. وسنجد السيناريو نفسه يتكرر بطريقة متشابهة نسبيًا -مع فوارق رئيسة- لدى القوى الدولية المعنية بالمفاوضات النووية، بل وحتى لدى بعض دول إقليم الشرق الأوسط التي تعنيها المفاوضات وتبدي اهتمامًا بمآلاتها ونتائجها. ويمكن إجمال هذه التحولات على النحو التالي:
- – التحولات الخاصة بإيران:
وتنقسم إلى ما يلي:
- التحولات الداخلية:
لقد قادت حزم العقوبات الاقتصادية القاسية التي فُرضت على إيران خلال سنوات حكم الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إلى تأزم في كثيرٍ من مناحي الحياة الاقتصادية. فقد أضيفت هذه العقوبات الجديدة في ذلك الوقت إلى جملة من العقوبات الدولية المفروضة بالفعل على طهران منذ سنوات، وبعضها يعود لسنوات طوال سابقة.
فقد رأينا، على سبيل المثال، انهيارًا كبيرًا غير مسبوق في العملة الإيرانية (الريال)، وتضخمًا مرتفعًا للغاية وصل في بعض الأحيان إلى حوالي 50%، حسب تقارير دولية. هذا بالطبع إلى جانب نسبة الفقر المتقاربة مع نسبة التضخم.
وعلى النقيض من ذلك، لم تكن هذه التطورات الاقتصادية السلبية للغاية داخل إيران حاضرة بهذه النسب في المشهد التفاوضي النووي قبل عام 2015، أي قبل التوصل إلى الاتفاق الأساسي (JCPOA)، ما جعل الموقف مختلفًا عن الحالة الراهنة. وتمثل هذه المؤشرات الاقتصادية المتراجعة بشدة أيضًا ضغوطًا واضحة على إيران، ولصالح الدول الأخرى المتفاوضة، تدفعها لا شك إلى الجلوس على طاولة المفاوضات والدفع باتجاه إنجاح المحادثات.
وثمة تحولات سياسية أخرى جرت داخل المشهد الإيراني تمثلت في صعود حكومة محافظة جديدة يتزعهما رئيس القضاء الإيراني السابق إبراهيم رئيسي. وتحمل هذه الحكومة الإيرانية المحافظة أجندة سياسية، وحتى اقتصادية مختلفة، عن الحكومة الإصلاحية السابقة بزعامة حسن روحاني.
إذ تشدد حكومة “رئيسي” على أنها لن تربط الحياة الاقتصادية في إيران بالاتفاق النووي، وهي تعلن صراحة في الوقت نفسه أن على الولايات المتحدة والقوى الغربية رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد “حتى قبل الدخول في المفاوضات”، ما يعني أن هدف إيران النهائي من هذه المحادثات هو إزالة العقوبات الاقتصادية والتمكن من إعادة تصدير النفط.
- التحولات الإقليمية:
وقد صعدت هذه التحولات الإقليمية إلى المشهد بعد التحول الأمني الكبير وغير الواضح حتى الآن في أفغانستان بعدما تولت حركة “طالبان” الأفغانية الحكم في كابول منذ منتصف شهر أغسطس الماضي. وقد أدى هذا إلى بروز مخاطر وتهديدات أمنية، لا تزال محتملة حتى الآن، أمام إيران، ستحاول تبعًا لها تهدئة أنشطتها العسكرية في الإقليم الواقع إلى الغرب منها، ما يعني إمكانية الدخول في مساومة ترمي إلى الحد من النشاط العسكري الإيراني في مجمل الإقليم.
وعلى صعيد آخر، بدأت حكومة الرئيس “رئيسي” في تطبيق سياستها عمليًا والمتمثلة في التوجه شرقًا وليس غربًا، وذلك بعد التحول الذي لا يزال ناشئًا في علاقات بلاده بدول الإقليم سواء في الخليج العربي أو منطقة آسيا الوسطى. فقد أعلنت طهران أكثر من مرة أنها بصدد الحوار مع بعض دول الخليج العربية وهو ما أكدته الخارجية الإيرانية لاحقًا. وكذا، فإن زيارة النائب السياسي لوزير الخارجية الإيراني “علي باقري كني” إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي منذ أيام قليلة تُحسب على أنها مؤشر في هذا الاتجاه.
ويضيف هذا الأمرُ الأخير زخمًا إلى المفاوضات ويزيد من فرص نجاحها على أي حال؛ إذ إن دول الخليج العربي تملك نفوذًا وتأثيرًا لدى الدول الأوروبية والولايات المتحدة يمكن استثماره في إنجاح هذه المفاوضات.
- الصعيد الدولي:
ويتمثل التغير هنا في المحاولة الجادة التي تتبناها الإدارة الأمريكية في الوقت الراهن من حيث الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط تدريجيًا، في ظل رغبة واشنطن في التمركز في منطقة المحيط الهادئ في إطار الصراع مع الصين وروسيا. وتجيء جائحة فيروس كورونا أيضًا لتضيف زخمًا آخر إلى المشهد الدولي؛ إذ إن تأثيرات الجائحة ليست ببعيدة عن العوامل التي قد تقود في النهاية إلى نجاح هذه المفاوضات.
ولذا، يُرجح بشدة أن تساهم هذه المتغيرات الدولية الأخيرة المُشار إليها على وجه التحديد في تشجيع جميع أطراف المفاوضات على إتمامها وإنجاحها؛ رغبة منهم على الأقل في تجنب الصراعات السياسية أو العسكرية، إلى جانب التركيز على الإفلات من التأثيرات الاقتصادية لجائحة كورونا.
2 – التحولات الخاصة بالدول الغربية:
وتنقسم إلى ما يلي:
- التحولات الداخلية:
وتتركز أغلبها في الآثار الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا -كما تمت الإشارة- ورغبة هذه البلدان في تجاوز أزمة الفيروس وتحقيق معدلات نمو اقتصادية عالية. ويتضح هذا الأمر بشكل جلي في وضع إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، الاقتصاد المحلي على جدول الأولويات في ظل الجائحة، ورغبتها أيضًا في الانسحاب من الشرق الأوسط للعديد من العوامل من بينها التكاليف المادية الباهظة للوجود هناك. وستدفع هذه المتغيراتُ الدولَ الغربية المنخرطة في المفاوضات بشكل جدي إلى محاولة إنجاحها.
- التحولات الخارجية:
وتأتي في إطار الصراع الأمريكي والأوروبي مع الدول الكبرى المنخرطة أيضًا في المفاوضات وهي تحديدًا الصين وروسيا. فمن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن أبعاد هذا الصراع ورغبة الدول الأوروبية وواشنطن في عدم سيطرة بكين على السوق الاقتصادي الإيراني أو إيجاد موطئ قدم راسخ لها في طهران من شأنه أن يؤثر على عملية صنع القرار السياسي فيها تمثل عاملًا مساهمًا في تشجيع أوروبا والولايات المتحدة على الانخراط في المفاوضات ومحاولة إنجاحها.
ومن ناحية أخرى، تقود جائحة كورونا -إلى جانب عزم الشركات والمؤسسات الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة العودة إلى السوق الاقتصادي الإيراني الضخم الدول الكبرى- إلى محاولة تحقيق تقدم في المفاوضات وإعادة صياغة الاتفاق القديم.
ولا تُعد روسيا وفنزويلا، بعد الصين، منفصلتين عن هذا الإطار. إذ إن الاتفاقات الاقتصادية طويلة المدى الموقعة، أو المنتظر التوصل إليها بين الأطراف الثلاثة تُقلق الغربَ؛ لأنها تعني في النهاية خروج السوق الإيراني من يد أوروبا، علاوة على السيطرة السياسية الكاملة لهذه البلدان على إيران.
الاستنتاج العام
يمكننا بعد استعراض هذه المتغيرات والتحولات التوصل إلى استنتاج عام وهو أن العوامل المساهمة في إنجاح المفاوضات كبيرة ومتعددة، وتتمثل بشكل رئيسي في:
- سعي إيران الحثيث إلى إزالة العقوبات الاقتصادية.
- آثار جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي واقتصادات الدول المنخرطة في المحادثات النووية ورغبتها في التخلص منها.
- سعي الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى تقليل التأثير الصيني -على وجه الخصوص- في المستقبل على إيران وصناعة القرار بها، علاوة على قلقها من تشكيل ما يشبه “الائتلاف الرباعي الاقتصادي” بين روسيا والصين وإيران وفنزويلا وتداعياته على الاقتصاد العالمي، والإيراني قبل ذلك.
ويعني هذا أن فرص نجاح مفاوضات فيينا في المستقبل، وبعد انطلاق جولتها السابعة اليوم، باتت كبيرة. ولكن النجاح المتوقع للمفاوضات لا يخلو من عقبات كبرى أيضًا تتمثل في المخاطر التي تشكلها الصواريخ الإيرانية خاصة الباليستية ورفض إيران صراحة طرحها للتفاوض. وكذا، تشكل قلاقل بعض الدول الإقليمية والأخرى الدولية أيضًا -والمتمثلة في إمكان استئناف إيران تخصيب اليورانيوم حتى بعد التوصل إلى إعادة صياغة الاتفاق من جديد- عوائق أخرى أمام المفاوض الإيراني والغربي.
ولكن وعلى أية حال، فعلى الرغم من أن هذه الملفات وغيرها تشكل عوائق “كبيرة” أمام المفاوضين بمختلف جنسياتهم وأنها سوف تطيل من أمد المفاوضات إلى إشعار غير معلوم حتى الآن، إلا أن جميع الدول المشاركة في هذه المحادثات النووية من المرجح وبشدة أن تحاول إنجاح المفاوضات والتوصل إلى اتفاق نووي جديد ببنود مختلفة إو إعادة صياغة الاتفاق القديم؛ طبقًا للعوامل المساهمة المذكورة.
باحث بالمرصد المصري