مصر

مبادرة البنك المركزي للتحول لنظام الري الحديث.. خطوة جديدة لإدارة الموارد المائية

وضعت الدولة المصرية الاستراتيجية القومية (استراتيجية 2050) بهدف تحقيق الأمن المائي لمصر فى الحاضر والمستقبل حتى عام 2050،  وذلك من خلال تحقيق إدارة مستدامة للموارد المائية، و هنا قررت القيادة السياسية لوضع هذا الهدف على رأس أولوياتها.

واتخذت الدولة خطوة التحول لاستخدام وسائل الري الحديث في الأراضي الزراعية، من خلال مبادرة البنك المركزي المصري لتمويل تحويل 4 ملايين فدان لاستخدام الطرق والوسائل الحديثة والذكية لري الأراضي الزراعية، في إطار خطة الدولة لترشيد استخدام المياه.

استراتيجية 2050.. وإدارة الموارد المائية المصرية

بما أن الموارد المائية فى حصة مصر من نهر النيل تتمثل فى 55.5 مليار متر مكعب سنويًا، وهى الحصة المتفق عليها طبقًا لاتفاقية مصر والسودان عام 1959م، فإن الدولة المصرية تواجه مجموعة من التحديات المائية، لذلك تم وضع استراتيجية طويلة الأمد حتى عام 2050، بهدف مواجهة هذه التحديات المتمثلة فى التالى:

  •  الزيادة السكانية وتحسن مستوى المعيشة و التى تعتبر من التحديات الرئيسية التى تواجه الدولة، لأن ذلك يتطلب زيادة الموارد المائية، حيث كان عدد سكان مصر عام 1959 يقترب من 20 مليون نسمة  إلى  أن أصبح حاليًا  104 ملايين، بالاضافة إلى أن  نصيب الفرد في مصر لا يتجاوز 560 مترًا مكعبًا سنويًا من المياه، في الوقت الذي عرّفت فيه الأمم المتحدة  الفقر المائي بأنه 1000 متر مكعب للفرد في السنة .
  • اتساع الفجوة الغذائية تتطلب زيادة الإنتاج الغذائي و المتمثل فى اتساع الرقعة الزراعية، مما يعد أمر بالغ الصعوبة خاصة فى ظل محدوية الموارد المائية للدولة.
  • انخفاض كفاءة استخدام المياه، فى جميع القطاعات المستهلكة للمياه، سواء كانت زراعة أو استهلاكات منزلية أو صناعية.
  • الاجراءات الأحادية التي يقوم بها الجانب الإثيوبي فيما يخص سد النهضة، حيث أنجزت إثيوبيا مرحلتين من ملء السد خلال العامين الماضيين، ومن المخطط استكمال الملء الثالث خلال الشهور القليلة القادمة.
  • التغيرات المناخية التى من الممكن أن تؤثر على إيراد نهر النيل و كذلك على الاحتياجات المائية خاصة فيما يتعلق بالجانب الزراعي.

لذلك وضعت الدولة استراتيجية طويلة الأمد حتى عام 2050  بهدف مواجهة ومعالجة المشاكل التى تتعلق بالأمن المائي، وتتمثل الاستراتيجية فى أربعة محاور وهى: تنمية الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية، ترشيد الاستخدامات المائية وتعظيم العائد من المياه فى القطاعات المستهلكة للمياه سواء الزراعة أو الصناعة  أو الشرب، تحسين جودة المياه من خلال مجابهة تلوث الموارد المائية، تهيئة البيئة الملائمة للإدارة المتكاملة للموارد المائية.

وبما أن ترشيد استخدام المياه فى القطاع الزراعي من أكبر التحديات التى تواجهها الدولة، لذا تضمنت “استراتيجية  2050” أن يتم التوجه إلى تطوير نظام الري الحقلي إلى اتباع طرق حديثة، تمكننا من زيادة الانتاج الزراعي وتحسين كفاءة نقل المياه و تحقيق عدالة توزيعها.

مبادرة البنك المركزى.. خطوة للتحول للرى الحديث

أطلق البنك المركزى مبادرة جديدة لتمويل التحول لاستخدام وسائل الري الحديث في الأراضي الزراعية بدلًا من نظام الري الحقلي، وذلك من خلال التعاون مع البنك الأهلي المصري والبنك الزراعي، وتأتي المبادرة ضمن خطة الدولة قى ترشيد استخدام المياه و تعظيم الاستفادة منها، بالإضافة إلى زيادة إنتاجية الفدان للمزارع والتيسير عليهم. وقد كان البنك المركزى أصدر خلال العام الحالي مبادرة لنفس الغرض و لكن بعائد (5%). أما المبادرة الحالية و التى تم إصدارها منذ يومين بعائد (صفر%).

ويبلغ إجمالي التمويل المخصص للمبادرة الجديدة 55.5 مليار جنيه، تم إصدارها بضمان وزارة المالية لتمويل المشروع لحوالي 4 ملايين فدان لاستخدام الآليات والوسائل الحديثة لري الأراضي الزراعية، حيث يقوم المزارعون المستفيدون من المبادرة بسداد تكلفة التحول لنظم الري الحديثة للبنوك على أقساط خلال 10 سنوات دون يتحمل المزارع أي فوائد، بل يسدد أصل الدين فقط، على أن يكون أول قسط بعد عام من إنهاء التنفيذ والتحول الكامل لنظم الري المستهدفة، على أن يقوم البنك المركزي بتعويض البنوك بالمشاركة مع وزارة المالية. ويمكن أيضًا تمويل الجمعيات التعاونية الزراعية بغرض التحول لطرق الرى الحديثة، ومن المتوقع أن يتم تحويل كافة الأراضي الزراعية لوسائل الري الحديث خلال الثلاث السنوات القادمة.

مؤتمرات وحملات توعية..للتحول لنظام الرى الحديث

 بدأت وزارة الزراعة واستصلاح الاراضى منذ أكثر من عام عمل حملات توعية وإرشادية التحول  لنظام للري الحديث، وذلك من  خلال شرح أهمية هذه المنظومة للمزارعين، والحث على ضرورة التحول من نظم الري بالغمر إلى الري الحديث، الأمر الذي يساهم في ترشيد استخدام المياه، والأسمدة والمبيدات، فضلًا عن زيادة الإنتاجية وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من وحدتي الأرض والمياه، بالاضافة إلى تدريب المزارعين على أساليب صيانة شبكات الري الحديث، وتنفيذ برامج التسميد والري من خلال نظم الري الحديثة.

كما تم تنظيم العديد من المؤتمرات الموسعة بمختلف المحافظات بالتنسيق مع وزارة الري و الموارد المائية و وزارة الزراعة والبنك الأهلي والبنك الزراعي والمحافظين حول تأهيل المساقي والتحول من الري بالغمر إلى الري الحديث، كما قامت الوزارة بطرح عدد (١٥) عقد بمحافظات (القليوبية – الدقهلية – المنوفية – الإسكندرية – الفيوم – أسيوط) بإجمالي عدد (٥٥٧) مسقى بأطوال ٤٦٢ كيلومتر وتم نهو التنفيذ في ١١.٢٨ كيلومتر وجارى التنفيذ في باقى الأطوال.

تساهم المبادرة فى تحقيق العديد من النتائج الايجابية، كالتالى:

  • ترشيد استهلاك المياه: بما أن مصر تعاني من فجوة بين الموارد المائية والاستخدامات الحالية، بالاضافة إلى تراجع نصيب الفرد منها، فإن للمبادرة دور إيجابي فى ترشيد الاستهلاك، فوفقا لتقديرات وزارة الموارد المائية فإن الفرق بين استهلاك الفدان، في حالتي الري التقليدي والري الحديث، نحو ٢٠ ٪، وهو ما يوفر قدرًا كبيرًا من المياه يبلغ على الأقل ١٢ مليار متر مكعب سنويًا.
  • تحقيق الاكتفاء الذاتى: وذلك نتيجة زيادة الرقعة الزراعية نتيجة تطبيق نظام الرى الحديث.
  • خفض أسعار المنتجات الزراعية: و هو ما يترتب بالتبعية على زيادة الرقعة الزراعية،من خلال اتباع نظام الرى الحديث الذى يساعد فى زيادة الأراضي الزراعية وبالتالي زيادة المنتجات المعروضة من السلع الزراعية، مما يؤدي إلى انخفاض أسعارها.
  • تحسين الأوضاع المعيشية للفلاحين: حيث أن طرق الري الحديثة توفر للمزارعين من تكاليف الإنتاج وعلى رأسها السماد بنسبة ٣٠ ٪ وتزيد في الإنتاجية بنسب تتراوح من ١٥ إلى ٥٠ ٪، بالإضافة إلى أن القروض التى تقدم للفلاحين عن طريق البنوك بدون فوائد.

ويتضح مما سبق، أن الدولة تعمل جاهدة لإدارة مواردها المائية المتاحة بشكل أفضل فى الحاضر و المستقبل، وأن المبادرة القومية الخاصة بالتحويل لنظام الرى الحديث،  تحقق العديد من المكاسب سواء على مستوى نصيب الفرد فى المياه أو زيادة الأراضى الزراعية. 

منى لطفي

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى