
افتتاح طريق الكباش: تحرك الدولة المصرية نحو تعزيز الاستفادة من مقوماتها السياحية والأثرية
يترقب العديد من عشاق التاريخ والآثار حول العالم اليوم افتتاح مشروع تطوير طريق المواكب الكبرى أو طريق الكباش الواقع في محافظة الأقصر، في احتفال عالمي كبير على غرار موكب المومياوات الملكية. وذلك في إطار ترميم وتطوير معبدي الكرنك والأقصر، وإعادة إحياء الاحتفال بـ “عيد الأوبت” الفرعوني، ضمن خطه حكومية شامله لإبراز الحضارة المصرية وتاريخها العريق. وفي هذا الإطار، يستهدف مشروع تطوير طريق الكباش تحويل الأقصر إلى أكبر متحف مفتوح في العالم، بما تملكه من تاريخ غني وفريد من نوعه، ومقومات طبيعية ساحره.
نبذه عن طريق الكباش
يربط طريق الكباش بين معبدي الكرنك والأقصر مرورًا بمعبد موت، ويبلغ طوله 2700 متر. وقد تم تشييد هذا الجزء من الطريق خلال عصر الأسرة الثامنة العشرة، ثم قام الملك نختنبو الأول من ملوك الأسرة الثلاثين بتشييد الجزء المتبقي من الطريق. ويتكون الطريق من رصيف من الحجر الرملي يتراص على جانبيه 1059 تمثالًا تتنوع بين الكباش وما هو على هيئة أبو الهول برأس كبش (أحد الرموز المقدسة للمعبود آمون) وتماثيل أخرى في المسافة بين الصرح العاشر بالكرنك حتى بوابة معبد “موت” في مشهد أثري خلاب لا مثيل له في العالم.
وقد أُضيفت بعض الملحقات للطريق في عصور مختلفة، مثل: استراحات للزوارق، ومقياس للنيل، ومعاصر للنبيذ المستخدم في الاحتفالات الكبرى التي كانت تقام على الطريق مثل أعياد الأوبت وعيد الوادي الجميل وغيرها، وحمامات وأحواض اغتسال، ومنطقة تصنيع فخار، ومخازن لحفظ أواني النبيذ. وقبل أكثر من خمسة آلاف عام، شق ملوك مصر الفرعونية في طيبة عاصمه مصر القديمة (الأقصر حاليًا) طريق الكباش لتسير فيه مواكبهم المقدسة خلال احتفالات أعياد الأوبت التي كانت تقام سنويًا، وكان الملك يتقدّم الموكب ويتبعه رموز الدولة كالوزراء وكبار الكهنة ورجال الدولة، إضافة إلى الزوارق المقدسة المحمّلة بتماثيل رموز المعتقدات الدينية الفرعونية.
وفي هذا السياق، يعد معبد الكرنك أكبر وأكثر المعابد ثراءً بتاريخ زاخر وماضٍ عريق في مصر القديمة، ويعد أكبر دار عبادة في العالم حيث ترجع شهرته إلى كونه مجمع معابد ويضم الطريق المؤدي لهذا المجمع على طريق الكباش، الذي يقع على جانبيه تماثيل لحيوان الكبش الذي يرمز للقوة لدي الفراعنة ويضم العديد من الاثار المميزة كطريق الإله، وبهو الأعمدة، وقدس الأقداس، ومعبد آمون رع، فضلًا عن قاعات الملوك.
استراتيجية سياحية
تتضمن استراتيجية مصر للتنمية المستدامة “رؤية مصر 2030” خطة سياحية وأثرية؛ كون هذا المحور أحد المحاور الرئيسة التي قد تساهم في تعزيز قوة الاقتصاد المصري، وينعكس الارتقاء بهذا الملف إيجابيًا على العاملين في هذا القطاع الحيوي، فضلًا عن تعزيز صورة ذهنية جيده لدي السائح والمستثمر الأجنبي بأن مصر تمتلك مقومات هائلة في كافة المجالات. فرغم طغيان صوره نمطية سلبية عن الشرق الأوسط وأفريقيا بصفه عامه إلا أن الدولة أثبتت جديتها في التعامل مع هذا الملف، ونجحت في إبراز مصر كوجهة سياحية مميزة تتمتع بمقومات سياحيه لا مثيل لها في العالم.
وفي ضوء ما تقدم، عكفت الدولة المصرية على تحقيق الأهداف الأممية للتنمية المستدامة 2030، وقد تمثلت أولى الخطوات في دمج وزارتي السياحة والآثار في وزارة موحدة، إذ إن القطاعين وجهان لعملة واحدة. وتضمنت خطه وزارة السياحة والآثار 6 محاور رئيسة للارتقاء بالمنظومة السياحية تتضمن إصلاحًا مؤسساتيًا وتشريعيًا، وتعظيم الاستفادة من الوسائل التكنولوجية، خاصة أن الترويج السياحي الحديث بات يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي بصورة أكبر من الوسائل الدعائية التقليدية، هذا بجانب الدور الذي تلعبه البعثات الدبلوماسية المصرية بالخارج في الترويج للسياحة والاستثمار من خلال الندوات والاجتماعات.
بالإضافة إلى ما سبق، تتجه الدولة المصرية نحو تعزيز المشاركة الاجتماعية الفعالة؛ كونها أحد أهم أدوات تعزيز السياحة الداخلية، وكذلك رفع كفاءه الموارد البشرية المرتبطة بتقديم الخدمات السياحية، لا سيّما وأن هذه الخدمات وجودتها وجودة تقديمها تمثل أهم عنصر للترويج السياحي. هذا علاوة على ما تستهدفه وزارة السياحة والآثار من زيادة أعداد السائحين وعدد الليالي السياحية ومعدلات الإنفاق السياحي، وذلك من خلال خطط تستهدف شرائح جديدة من السائحين ذات إنفاق عالٍ. ذلك جنبًا إلى جنب مع الحفاظ على التوازن البيئي بما يحقق استدامة النشاط السياحي والأثري.
وتأتي هذه الخطط والاستراتيجيات انعكاسًا مباشرًا لأهمية قطاع السياحة الذي يعمل فيه نحو مليون شخص بطريقة مباشرة ونحو 2.4 مليون شخص بطريقة غير مباشرة من خلال العمل بالصناعات التكميلية. ومع بدء تعافي قطاع السياحة مؤخرًا والذي تضرر بشكل كبير جرّاء جائحة كورونا وإجراءاتها الاحترازية، تتجه الدولة إلى افتتاح العديد من الوجهات السياحية والمتاحف، وترميم المقاصد السياحية والأثرية، ومن أهم هذه المشروعات تطوير طريق الكباش الذي سيُفتتح اليوم، وكذلك افتتاح متحف الحضارة الذي جرى من خلال الموكب الأسطوري لنقل المومياوات الملكية في 3 أبريل 2021 إلى مستقرهم الأخير في حجراتهم الملكية داخل المتحف؛ الحدث الذي نال إعجاب الملايين حول العالم، وعودة مصر إلى مقدمة أهم المقاصد السياحية في العالم.
وانطلاقًا من هذا الأساس، يعد مشروع إحياء طريق الكباش نقله حضارية وأثرية كبيرة تساهم في إثراء القطاع السياحي، خاصة بعد وباء كورونا، فضلًا عن تعظيم الاستفادة من المناطق المحيطة بالمقصد السياحي والأثري في طريق الكباش من خلال إقامة العديد من الاحتفالات والمناسبات الثقافية والسياحية على مدار العام لجذب المزيد من السائحين.
طريق الكباش وإبراز القوة الناعمة
يعد مشروع تطوير طريق الكباش أداة جديدة لإبراز القوة الناعمة المصرية، وحضارة مصر العريقة، على نحو يعكس دوليًا ثراء مصر بوجه عام والأقصر بوجه خاص كمقصد سياحي عالمي متكامل الجوانب. ويأتي المشروع في إطار خطة كبيرة لتطوير البنية السياحية لمحافظة الأقصر كإبراز هوية بصرية فريدة خاصة بها، وتطوير الكورنيش، ورفع كفاءة المباني.
وعلاوة على ذلك، يأتي مشروع تطوير طريق الكباش بالتوازي مع العديد من المشروعات لإبراز العديد من المناطق الأثرية والسياحية كتطوير ميدان التحرير، ومشروع حدائق الفسطاط، وإنشاء العديد من المتاحف فضلًا عن مشاريع وخطط مماثله لتجميل الوجه الحضاري للعاصمة وغيرها من المحافظات لإثراء المجتمع بتاريخه العريق وتعزيز الانتماء الوطني للأجيال الصاعدة.
وختامًا، سيكون الاحتفال الأسطوري اليوم بافتتاح طريق الكباش بمثابة باب جديد لتحقيق العديد من النجاحات على المستوى السياحي والاقتصادي والتنموي لمصر، فضلًا عن إبراز وتعزيز مقومات قوتها الناعمة التي تضاهي مقومات قوتها الصلبة. وكذا يتيح لمصر إظهار جمالها ومقوماتها السياحية والأثرية والثقافية التي لا مثيل لها في العالم، ما ينعكس إيجابًا على جذب الاستثمارات الأجنبية، ولا سيّما في القطاع السياحي.