
تهديد متنامٍ: اتجاهات النشاط الإرهابي في تونس والسياقات المحفزة
أعلنت السلطات التونسية في 19 نوفمبر عن ضبط خلية إرهابية تتكون من 20 عنصرًا بمحافظة جندوبة شمال غرب البلاد. وأشارت وزارة الداخلية التونسية في بيان لها إلى أن “نشاط الخلية المذكورة تركز على القيام بعمليات رصد لبعض المؤسسات الحيوية وتمركز الوحدات الأمنية”، جدير بالذكر أن السلطات التونسية تُعلن بين الحين والآخر عن تفكيك خلايا إرهابية جديدة، وهو الأمر الذي يطرح العديد من التخوفات والتساؤلات التي تحاول الوقوف على طبيعة ومآلات النشاط الإرهابي في تونس، ومدى إمكانية توسع هذا النشاط خصوصًا في ظل الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، وما صاحبها من تداعيات اقتصادية – اجتماعية.
تحركات أمنية متنامية لتحجيم النشاط الإرهابي
شنت السلطات الأمنية التونسية –خصوصًا القوات المسلحة التونسية مدعومة بقوات الحرس الوطني– خلال الأشهر الأخيرة سلسلة كبيرة من العمليات الأمنية الناجحة ضد العديد من الخلايا الإرهابية الكامنة في البلاد، كجزء من تصاعد الفاعلية والنشاط الأمني التونسي ضد الأنشطة الإرهابية منذ العملية الإرهابية التي نفذها تنظيم داعش في سوسة عام 2015.
وكان آخر هذه العمليات هي تلك المشار إليها يوم 19 نوفمبر. وفي سياق متصل كانت السلطات التونسية قد أعلنت يوم 29 أكتوبر عن أن وحدات إدارتي مكافحة الإرهاب والاستعلامات والأبحاث بالإدارة العامة للحرس الوطني فككت خلية تابعة لتنظيم “داعش” في مدينة تطاوين بجنوب البلاد كانت تخطط لشن هجمات على قوات الأمن والجيش.
جدير بالذكر أن تصاعد عمليات الأجهزة الأمنية التونسية ضد الخلايا الإرهابية في البلاد، يأتي مدفوعًا بمخاوف من تكرار السيناريو الذي حدث في السنوات التي أعقبت سقوط نظام “ابن علي”، وما شهدته هذه السنوات من أزمات أمنية انعكست بالسلب على الأوضاع الاقتصادية والسياسية، فضلًا عن أن التعاطي الفعال والمبكر مع هذه الخلايا يدفع باتجاه محاصرة الأنشطة الإرهابية في تونس، ويساهم في تحجيم وتقليص موارد واقتصاديات هذه الخلايا.
وفي ذات السياق، يجد المتابع للمقاربة والنهج الأمني في التعاطي مع النشاط الإرهابي في تونس أن أجهزة الأمن التونسية لم تقصر ساحة المواجهة على الخلايا أو الذئاب المنفردة الموجودة في إطار المدن التونسية، بل تبنت تحركات استباقية ونفذت عمليات أمنية في المناطق الجبلية والمرتفعات ذات التضاريس الصعبة، والتي تلجأ إليها تنظيمات الإرهاب بشكل عام، لما تمثله هذه المناطق من فرصة للاستعداد والتدريب الجيد لشن هجمات جديدة، والاعتقاد بأن هذه المناطق قد تكون بعيدة عن أيدي الأجهزة الأمنية.
أشكال الحضور الإرهابي في تونس:
يجد المتابع للأنشطة الإرهابية في تونس في الأعوام الأخيرة، أو للخلايا والعناصر التي يتم إلقاء القبض عليها، أن التهديد الإرهابي في تونس يتخذ شكلين رئيسين:
1– خلايا تابعة لتنظيمات الإرهاب المعولم: ينشط في تونس كل من تنظيمي القاعدة (تعبر عنه جماعة أنصار الشريعة، وما يُعرف بـ”كتيبة عقبة بن نافع”)، وكذلك تنظيم داعش (يُعبر عنه بشكل رئيس ما يُعرف بتنظيم “جند الخلافة”)، مع الإشارة إلى أن هذه التنظيمات في تونس أقل من حيث الحضور والنشاط من بعض الدول العربية الأخرى، التي يوجد فيها التنظيمان بهيكل تنظيمي قوي، ونشاط عملياتي كبير.
جدير بالذكر أن حضور تنظيم القاعدة في تونس جاء كجزء من توجه تنظيم القاعدة منذ سنوات لـ”أقلمة الصراع” مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبناءً عليه أنشأ التنظيم ما يُعرف بـ”قاعدة المغرب الإسلامي”، وهو التنظيم الذي نشط عناصره في كافة دول المغرب العربي، حتى أن الكثير من التنظيمات الفرعية المنبثقة عن “قاعدة المغرب الإسلامي” تحمل نفس المُسمى.
أما تنظيم داعش فجاء حضوره في تونس في إطار خطة التنظيم منذ عام 2014 لإنشاء العديد من الولايات الخارجية، وهي الخطة التي عبر عنها الشعار الشهير للتنظيم “باقية وتتمدد”. وأعلن القائد الأسبق للتنظيم “أبو بكر البغدادي” في خطبة له بعنوان “ولو كره الكافرون” في نوفمبر 2014، عن تأسيس العديد من الولايات للتنظيم الإرهابي في دول المغرب العربي بما في ذلك تونس، حيث حصل تنظيم داعش على “بيعة” العديد من التنظيمات المسلحة المحلية وكان من أشهرها المجموعة التي انشقت عن كتيبة “عقبة بن نافع” والتي كان يقودها “خالد الشايب”.
وقد نفذت وتبنت خلايا تابعة لداعش العديد من العمليات الإرهابية المشهورة في السنوات الأخيرة مثل: الهجوم المسلح الذي استهدف متحف باردو في العاصمة تونس في 18 مارس 2015، وعملية مدينة سوسة الساحلية في 26 يونيو 2015، فضلًا عن تبني التنظيم لعملية اغتيال القائد اليساري “شكري بلعيد”، والبرلماني “محمد البراهمي” في فيديو مصور في ديسمبر 2014.
2- الذئاب المنفردة: يشير العديد من التقديرات إلى أن “الذئاب المنفردة” هي التهديد الأمني الأخطر بالنسبة لتونس، وذلك في ضوء التضييق الكبير الذي تقوم به أجهزة الأمن التونسية على الخلايا والمجموعات الإرهابية المُنظمة، والجاذبية التي تتمتع بها تنظيمات الإرهاب المعولم بالنسبة للعديد من التونسيين. ويعزز من صحة هذه الفرضية كون أكثر العمليات الإرهابية التي جرت في السنوات الأخيرة في تونس كانت عبر “ذئاب منفردة”، وبالتالي يمثل هذا النمط من أنماط النشاط الإرهابي الأكثر شيوعًا وخطورةً في تونس.
وقد تصاعد الحديث عن الذائب المنفردة في تونس منذ شهر أغسطس الماضي، منذ أن أعلنت أجهزة الأمن التونسية عن القبض على أحد “الذئاب المنفردة” الذي كان يخطط لاغتيال الرئيس التونسي “قيس سعيد” أثناء زيارته إلى إحدى المدن الساحلية.
سياقات مُحفزة
على الرغم من تراجع حدة النشاط الإرهابي في تونس منذ عام 2016، إلا أن هنالك العديد من السياقات والأزمات التي تمر بها البلاد، والتي قد تمثل “محفزات” للنشاط الإرهابي، وذلك على النحو التالي:
1- الأزمة السياسية: تشهد تونس منذ قرارات الرئيس “قيس سعيد” الاستثنائية في 25 يوليو، أزمة سياسية حادة تتصاعد يومًا بعد يوم، خصوصًا في ضوء تنامي الاتجاهات الرافضة لاستمرار العمل بهذه الإجراءات الاستثنائية، فضلًا عن الحشد الذي تقوم به حركة النهضة على المستوى الداخلي والخارجي من أجل العودة إلى المشهد السياسي. وهي معطيات قد تمثل فرصة بالنسبة للعديد من تيارات التطرف العنيف من أجل العودة إلى تونس وممارسة النشاط الإرهابي. ويبدو أن أجهزة الأمن التونسية استشعرت هذا الخطر فقامت منذ إجراءات 25 يوليو بإعادة الانتشار بشكل أكثر كثافة حول مؤسسات الدولة الحيوية.
2- العائدون من تنظيمات الإرهاب: يشير العديد من التقارير إلى مشاركة آلاف التونسيين مع تنظيمات العنف والإرهاب في صراعات الشرق الأوسط وتحركات هذه التنظيمات في العالم منذ 2011 وحتى اليوم، حتى أن مقاتلين تونسيين كانوا مسؤولين عن أربعة هجمات إرهابية في فرنسا وألمانيا بين عامي 2016 و2021. وبالتالي ومع إعادة تموضع تيارات العنف في المنطقة، قد يمثل هؤلاء قنبلة موقوتة حال عودتهم إلى تونس. كذلك تشير تقديرات إلى أن هنالك حوالي 2200 مسجون تونسي بتهم متعلقة بالإرهاب، سيتم الإفراج عنهم خلال السنوات الثلاثة القادمة، ومع تضاؤل احتمالات إعادة تأهيل هؤلاء داخل السجون، فإنهم قد يمثلون مصادر تهديد محتملة فور خروجهم من السجن.
3- تصاعد التهديدات الحدودية: تشهد منطقة المغرب العربي تفاقمًا للأزمات الأمنية خصوصًا في المناطق الحدودية، وهي التهديدات التي تفاقمت عقب اغتيال رئيس تشاد الأسبق “إدريس ديبي”، فضلًا عن التطورات الميدانية المرتبطة بالأزمة الليبية. جدير بالذكر أن رئيس المركز السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، كان قد ذكر في يوليو 2020 أن أجهزة الاستخبارات التركية نقلت أكثر من 2500 عنصر من تنظيم داعش من الجنسية التونسية، من سوريا عبر تركيا إلى ليبيا، وتمركزوا في مناطق الغرب الليبي، وهو الأمر الذي عدّته العديد من الدوائر التونسية تهديدًا مباشرًا للأمن القومي للبلاد.
ويبدو أن مخاوف التونسيين كانت مشروعة وحقيقية، فعقب قرارات الرئيس التونسي في 25 يوليو، أشارت تقارير إلى محاولة القيادي الداعشي أبو زيد التونسي التسلل من ليبيا عائدًا إلى مسقط رأسه في القيروان وسط تونس، قبل أن تنجح استخبارات الحرس الوطني في القبض عليه يوم 29 يوليو الماضي، وهو ما عكس سعي العديد من التنظيمات الإرهابية إلى استغلال الوضع في تونس من جانب، والأزمات الحدودية من جانب آخر، من أجل استعاد النشاط في تونس.
إجمالًا، يمكن القول إن هنالك جملة من السياقات والاعتبارات التي تعزز من مخاوف عودة النشاط الإرهابي إلى تونس، خصوصًا في ظل الأزمة السياسية بالبلاد وما يصاحبها من تداعيات اقتصادية – اجتماعية، وتفاقم الأزمات الأمنية في منطقتي الساحل والصحراء والمغرب العربي، فضلًا عن خطر العائدين من بؤر الصراعات ومن تنظيمات العنف والإرهاب، وأخيرًا وجود العديد من العناصر القابلة للاستقطاب والتجنيد في ظل الأزمات التي تعاني منها البلاد.