السودانعين على الأحداث

من لم يحاكم بالجنائية الدولية حوكم بغيرها ..البشير في قبضة العدالة

بالجلباب الأبيض السوداني، وصل البشير إلى مقر محاكمته في العاصمة الخرطوم ،يرافقه موكب مؤلف من آليات عسكرية وعناصر أمنية مسلحة ليمثل أمام هيئة المحكمة الوطنية، من رفع عصاه مرات عديدة راقصًا بها أمام جماهير لا حصر لها يحاكم اليوم في تهم لا حصر لها أيضًا بين إبادة جماعية وحيازة نقد أجنبي وفرض حالة الطوارئ دون مسوغ قانوني وغيرها.
مشاهد متلاحقة للبشير في جلسات محاكمته ذكرت بمشاهد من وقفوا وراء القضبان من قبل صدام حسين الذي أعدم في صبيحة عيد الأضحى ومبارك الذي انتهت جلسات محاكمته بتبرئته مما نسب إليه من تهم سياسية وتهم شملت الفساد المالي وقتل المتظاهرين.

وفي الرابع والعشرين من أغسطس الجاري ، استمعت هيئة قضائية في الخرطوم لأقوال 3 من الشهود في الجلسة الثانية لمحاكمة الرئيس المعزول “عمر البشير” من ضمنهم وكيل نيابة كان قد شارك في حصر النقود التي عثر عليها في منزل “البشير”، وقدرت بـ 7 ملايين يورو، و351 ألف دولار، و5 ملايين و721 ألف جنيه سوداني.
وحسب مصادر مطلعة فقد أقر الرئيس السوداني المعزول في أولى جلسات محاكمته بتلقيه تسعين مليون دولار نقدا من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وما خفي هو دائمًا أعظم.

جبهة الدفاع:
أكثر من 130 محامياً شكلوا فريق الدفاع عن الرئيس المعزول عمر البشير، الفريق الذي تقدم بطلب للمحكمة لإطلاق سراح البشير بكفالة في القضية التي يحاكم فيها، متوقعاً موافقة المحكمة على الطلب، مبررًا طلبه بأن هذه القضية من القضايا التي يجوز فيها إطلاق سراح المتهم بالضمان ، كما تقدم الدفاع بطلب للمحكمة لتمكينه من لقاء المتهم المحبوس في سجن كوبر.
ضبط وإحضار.. لا حصانة لمنصب:
عقب نجاح الثورة سودان في إسقاط نظام عمر البشير أصرت الجنائية الدولية على تجديد أمر الضبط والإحضار الصادر بحق الرئيس المعزول في 2010 على خلفية تورطه في جرائم إبادة جماعية في إقليم دارفور. فطلبت المحكمة رسميًا تسلم البشير من السلطات السودانية وحذرت أي دولة من إيوائه.

وعلى الرغم من أهمية طلب المحكمة الجنائية الدولية بعد ثورة السودان لأنه يدلل على أن البشير لن ينجو بفعلته، إلا أن ضبطه وإحضاره قبل نجاح ثورة السودان كان سيكون أكثر وقعًا، لأن الهدف الأبلغ من ورائها كان محاكمة البشير وهو لا يزال على رأس السلطة في رسالة إلى كل زعماء العالم أنه لا حصانة لمنصب عندما يتعلق الأمر بالقتل والإبادة الجماعية.
العسكري.. البشير لن يسلم للجنائية الدولية:

أجلت محاكمة الرئيس المعزول “عمر البشير” حسب ممثل هيئة الدفاع السودانية من 17 إلى 19 من أغسطس الجاري حيث انطلقت أولى جلساتها وقد جاء التأجيل على خلفية تزامنها مع إتمام التوقيع النهائي على وثائق الحكومة الانتقالية في السودان، وقد جاءت تصريحات المجلس العسكري الانتقالي مطمئنة بعد الشيئ عندما أكد أن الرئيس المعزول عمر البشير سيحاكم على كافة الجرائم المتهم بها من قبل المحكمة الجنائية الدولية بالخرطوم، في إطار رفض المجلس لمحاكمة أي سوداني أمام محكمة غير وطنية وهو نفس المجلس الذي أكد أن قرار تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية ليحاسب على جرائمه في الإبادة الجماعية لن يتم إلا بقرار حكومة منتخبة.
البشير قيد الإقامة الجبرية:
وُضِع البشير قيد الإقامة الجبرية منذ 11 الحادي عشر من إبريل الماضي، بعد عزله من منصبه وخلال نفس الشهر نُقِل البشير إلى سجن كوبر المركزي بالخرطوم، واحتُجِز في مكان منفصل عن مكان احتجاز شخصيات أخرى في نظامه ممن اعتقلوا بعد الإطاحة به. وأفادت تقارير محلية بأنه يُعاني تدهورًا في حالته النفسية.
ووسط ذلك تعالت أصوات حول “هزلية” المحاكمة وتساءلت عن جدلية محاكمة البشير بتهم الفساد المالي مثل حيازة النقد الأجنبي وغسيل الأموال في الوقت الذي لا تزال يديه ملطخة بدماء السودانيين في دارفور ويرسل برسائل ضمنية مفادها أن القضاء السوداني غير عازم على محاكمة المعزول في جرائمه الحقيقية وهو ما نفاه “الصادق المهدي” خلال لقائه مع رئيس الوزراء السوداني الجديد “عبد الله حمدوك” ، وفي حديثه أشار “المهدي” إلى أن قائمة جرائم البشير ضد الإنسانية تطول وهي جرائم لا تسقط بالتقادم وهو ما توافق عليه مجلس الأمن بالقرار 1593، الأمر الذي يعد الضامن الوحيد بأن هذه الملاحقة قائمة ومستمرة وأنه حتى إن لم يحاكم عليها البشير فذاكرة الأيام والسودانيين لن ترحمه.
وحسب أرقام الأمم المتحدة فإنّ الحرب التي دارت في دارفور خلّفت أكثر من 300 ألف قتيل و2,5 مليون مشرّد يعيشون في معسكرات ، دارفور هي جرم البشير الحقيقي .
صوت العدالة لا يمكن إسكاته:
حول محاكمة البشير قالت “الفاينانشيال تايمز” أن “عمر البشير” الذي نجح في تفادي الوقوف أمام المحكمة الجنائية الدولية في عام 2010 لثبوت ارتكابه لجرائم الإبادة الجماعية في دارفور وقف أخيرًا أمام محكمة جنائية ليقاضى على جرائمه أمام محكمة وطنية في البلد الذي أحكم فبضته عليه لمدة 30 عامًا منذ انقلاب 1989.
على أي حال فإن صوت العدالة لا يمكن إسكاته، ولحظة مثول البشير أمام هيئة المحكمة مثلت لحظة حاسمة وفارقة تضاف إلى سجل اللحظات السوادنية الحافل بعد النجاح في إسقاط نظام الحكم الإسلامي وتوافق القوى السودانية العسكرية والمدنية على اتفاق سياسي وإعلان دستوري انتهى بتشكيل مجلس سيادي يدير السودان لمدة 39 شهرًا.وينهي عهدًا من الصور النمطية التي رفع فيها البشير عصاه راقصًا أمام جموع شعبية في كل المناسبات وإيذانًا وإقرارًا بأن البشير وأيامه قد ذهبوا إلى غير رجعة.

كاتب

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى