
على عِلّتِه: انعكاسات القرار البريطاني بتصنيف حماس كمنظمة إرهابية
لم يكن الفلسطينيون يتوقعون أنه بعد أيام من إحيائهم لذكرى وعد بلفور ومطالبتهم لبريطانيا بتقديم اعتذار عن وعد اعطاه من لا يملك لمن لا يستحق، حتى أقدمت لندن عن طريق وزارة داخليتها بالتقدم بمشروع قرار للبرلمان البريطاني تضمن تصنيف حركة المقاومة الإسلامية “حماس” كمنظمة إرهابية بدافع أن الجماعة لها قدرات إرهابية “هائلة” فضلًا عن كونها تهدد أمن اليهود الموجودين في المملكة المتحدة.
كما بررت لندن قرارها على مستوى آخر بأن حركة حماس لها أنشطة اقتصادية في بريطانيا بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين، التي أصبحت بريطانيا بحاجة لأن تقرر موقفها منها “عاجلًا وليس آجلاً” – إذ أشارت السجلات البريطانية إلى أن حماس استهدفت جمع أكبر تبرعات ممكنة وسحب الأموال من الخليج والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من خلال إنشاء أذرع مالية وإعلامية وكيانات اقتصادية.
للتوقيت معنى
إذا شئنا الحديث عن توقيت القرار فإنه يأتي مع زيارة وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل إلى واشنطن. وهي نفس الوزيرة التي أجبرت في عام 2017 على الاستقالة من حكومة تيريزا ماي بعد أن تبين أنها أجرت اجتماعات سرية مع الحكومة الإسرائيلية وناقشت منح أموال المساعدات الخارجية البريطانية للجيش الإسرائيلي، ولكنها عادت مرة أخرى للحكومة البريطانية مع وصول بوريس جونسون للسلطة حيث تعد من أكثر المقربين لرئيس الوزراء البريطاني.
كما يمكن تفسير التوقيت الذي أقدمت فيه لندن على اتخاذ القرار، بأن الدول العربية قد سلكت هذا المنحى عندما قامت بوضع حماس على قوائم الإرهاب كما أن بعض العواصم العربية قد طبّعت العلاقات مع إسرائيل، مما سهل لبريطانيا أن تسلك نفس السلوك باعتباره مقبول على المستوى العربي، لأن كل دولة تتمتع بسيادة ولها شأنها الخاص وما يتوج كل هذه الأسباب انتهاء الدور الوظيفي لجماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط باعتبارها جماعة وظيفية وحركة حماس إحدى فروعها.
تداعيات ومآلات
للقرار تداعيات فيما يخص جماعة الإخوان المسلمين التي أصبحت في قلب العاصفة، حيث ستعمل الحكومة البريطانية على الحد من أنشطة التنظيم سياسيًا وإعلاميًا في ظل تنامي التهديد التي تمثله على الهوية الأوروبية والبريطانية؛ خصوصًا وأن هناك دراسة أصدرها المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب أشار خلالها إلى أن الحكومة البريطانية أصبحت في أمس الحاجة لحسم موقفها من الإخوان، واتخاذ سياسة قوية، من أجل تضييق الخناق على نفوذ الجماعة. حيث حذرت الدراسة من خطر الإخوان كـ “مصدر الإلهام الرئيسي للأيديولوجيا المتطرفة التي تستخدمها الجماعات الإرهابية”.
من زاوية أخرى، فإن الخطوة البريطانية تأتي تأكيدًا على أحد الدوافع التي حثت بريطانيا على خروجها المدوي من الاتحاد الأوروبي، وهو التغريد بعيدًا عن السياسة الخارجية الأوروبية التي تُعرف بمواقفها الأكثر مرونة مع الجانب الفلسطيني من الولايات المتحدة على سبيل المثال، ولذلك يبدو قرار وزارة الداخلية محاولة للتقرب من الموقف الأمريكي وربما إشارة إلى أن بريطانيا باتت تسير في ركاب السياسة الخارجية الأمريكية التي تراها أكثر ملائمة لمصالحها، ويمكن أن يُفهم منه كذلك أن لندن ستتخذ موقف مشابه لواشنطن من طهران في توقيت حساس يستبق العودة إلى طاولة المفاوضات في فيينا من خلال الضغط على طهران بحظر أحد حلفائها المهمين.
أما الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هنا، هو أن الولايات المتحدة تصنف حماس جماعة إرهابية منذ عام 1993، وهو ما يطرح تساؤلًا حول موقف الغرب من القضية الفلسطينية بشكل عام بعد رحيل ترامب من البيت الأبيض، والذي لم يشهد أية انفراجة، وانعكس ذلك بشكل واضح على مستوى التمثيل الأمريكي في فلسطين أو بمعنى آخر الزيارات التي قام بها مسؤولون أمريكيون إلى رام الله بعد وصول جو بايدن للسلطة، فكانت أولها في مايو الماضي وتحديدًا بعد حرب غزة التي ألقت مصر فيها بثقلها السياسي لوقف إطلاق النار، وهي الزيارة التي كانت مخصصة لتقديم الدعم كما مهدت للطرح الخاص بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية التي لم تفتح حتى الآن.
ومن المتوقع أن الوضع لن يشهد أي تقدم في ظل تراجع مواقف الإدارة الديمقراطية من الفلسطينيين؛ لأن إعادة افتتاح واشنطن لقنصليتها في القدس الشرقية له معانٍ مهمة، أهمها على الإطلاق اعتراف صريح من الأمريكيين بحق الفلسطينيين في القدس الشرقية. وفي هذا الإطار، بدا أن الإدارة الأمريكية تتلمس خطواتها بشدة مع إسرائيل قبيل استئناف مفاوضات فيينا التي تثير من الأساس القلق الإسرائيلي لأنها قد تعني الوصول لاتفاق جديد مع طهران بعيد عن تل أبيب. وفي نوفمبر الجاري انخفض مستوى التمثيل في الزيارات، إذا زارت سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة رام الله وخلال الزيارة صرحت السفيرة بأنها لن تلتقي ممثلي المنظمات المدنية الست.
قرار سياسي
لندن التي دفعت بأن السبب وراء قرارها هو أن حماس تمارس أعمالًا وصفتها بـ “الإرهابية” تهدد اليهود الموجودين في بريطانيا، لم تسق دليلًا واحدًا على هذه الممارسات داخل بريطانيا خصوصًا إذا ما وضعنا إلى جانب ذلك كون وزيرة الداخلية البريطانية منتمية لليمين المتطرف ومناصرة جادة للمصالح الإسرائيلية في الأروقة البريطانية. وخطورة القرار هنا ليس في أنه يستهدف حماس ولكن في أنه سيشكل مقدمة لتصنيف العديد من المنظمات وحركات المقاومة الفلسطينية في المستقبل مما يجعل الأراضي المحتلة بدون أي غطاء مقاومة يذكر.
من زاوية أخرى، تظهر بريطانيا بمظهر المنقذ لشعبية إسرائيل المتراجعة في الأوساط البريطانية والدولية بإعادة العزف على وتر الجماعات الإرهابية، وتذكير العالم بأن حماس تمارس أعمالًا إجرامية وتمتلك من السلاح والعتاد ما يمكنها من ذلك وهو السلاح الذي توفره لها “إيران”، ومن هنا يطرح تساؤل حول موقف بريطانيا من حزب الله كجماعة وظيفية إيرانية لها نفس مصادر التمويل وتمثل نفس التهديد بالنسبة لإسرائيل. إذ لربما تتمكن بريطانيا من حث دول أوروبية أخرى على اتخاذ نفس القرار.
تداعيات مؤرقة
حسب مراقبين، فإن تصنيف حماس جماعة إرهابية له العديد من التداعيات التي استهدفتها بريطانيا قبل اتخاذ القرار، ومنها التشويش على إجراءات المحكمة الجنائية الدولية والتي تباشر جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل باعتبار أن حماس تمارس أعمال إرهابية أيضًا، كما أن هذا القرار يأتي في الوقت الذي تحاول مصر فيه الاضطلاع بدور كبير في تقريب وجهات النظر بين حماس وإسرائيل مما يشكل ضغطًا كبيرًا على حركة المقاومة الإسلامية “حماس” للقبول بالشروط الإسرائيلية على علتها.
من زاوية أخرى، فإن وضع حماس على قوائم الإرهاب من قبل دولة عظمى كبريطانيا يؤجج الداخل الفلسطيني حيث كيف يمكن أن تجرى انتخابات مقبولة دوليًا بمشاركة تنظيم إرهابي، وهو الأمر الذي يفقد عملية الانتخابات برمتها الشرعية المطلوبة.
إجمالاً، من المؤسف أن القضية الفلسطينية وبعد أن استعادت بعض الزخم على خلفية حرب غزة الأخيرة وكذلك بسبب رحيل الإدارة الجمهورية الأمريكية، عادت لتتراجع مرة أخرى وسط تحول دولي للاهتمام بمنطقة المحيط الهادئ اتباعًا للنهج الأمريكي ومن ثم تتسلط أنظار العالم على تايوان من جهة ثم على أفريقيا من جهة أخرى بسبب الصراع الدامي والذي يبدو بلا نهاية في الداخل الإثيوبي، كما تولي القوة الدولية أهمية كبيرة للملف النووي الإيراني والعودة لمفاوضات فيينا، ولذلك فإن على الفلسطينيين استغلال البقية الباقية من الزخم حول قضيتهم والسعي لإنهاء الانقسام الذي تشجعه إسرائيل، والذهاب للخيار الانتخابي في ظل أوضاع لا تبشر بالكثير من الخير.
باحث أول بالمرصد المصري