
البحث عن خيارات: الجولة الإفريقية لوزير الخارجية الأمريكي
يجري وزير الخارجية الأمريكي جولة إفريقية، بدأت الثلاثاء الماضي، على أن تمتد لخمسة أيام وتشمل ثلاثة دول (كينيا – نيجيريا – السنغال). وتأتي هذه الجولة في ضوء التحديات المتصاعدة التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي، التي شهدت أبرز الاستجابات للسياسة الأمريكية خلال الفترة الماضية، في تعزيز للدور الأمريكي وتأكيد لسياسة الإدارة الحالية ” أمريكا عادت”، بعد فترة من الانحسار والتراجع شهدتها فترة سلفه الجمهوري ” دونالد ترامب”.
وتتزامن تلك الزيارة مع التصعيد الذي يشهده الصراع الإثيوبي، والتحديات التي تشهدها الفترة الانتقالية السودانية، على نحوٍ فرض البحث عن مزيد من الخيارات أمام السياسة الأمريكية التي اتخذت منحى متصاعدًا منذ بدء الصراع قبل أكثر من عام، وبالمثل يشهد الانتقال السوداني تحديات تنعكس بدورها على السياسة الأمريكية تجاه المنطقة. في ضوء ذلك، تأتي جولة الوزير “أنتوني بلينكن” كأولى جولاته الإفريقي بعد أكثر من عشرة أشهر على توليه منصبه، وبعد تلك التي تمّ إلغاؤها في أغسطس الماضي، نظرًا للانشغال بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
الجولة الإفريقية.. جدول الزيارة
وفقًا للأجندة المعلنة على موقع الخارجية الأمريكية، من المقرر أن يجري الوزير جولة للدول الثلاث على التوالي: كينيا، نيجيريا، السنغال. ومن المتوقع أن يناقش “بلينكن” تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة وإفريقيا بشأن الأولويات العالمية المشتركة، بما في ذلك إنهاء جائحة كوفيد -19، والعودة إلى اقتصاد عالمي أكثر شمولية، ومكافحة أزمة المناخ، وتنشيط الديمقراطية ومعالجة قضايا السلم والأمن.
وهي القضايا التي تعكس الأولويات الأمريكية إفريقيًا، والتي ظهرت في أجندة الرئيس الحالي “بايدن” وخلال حملته الانتخابية، في محاولة تأكيد الشراكة الأمريكية – الإفريقية، وتأكيد السياسة الديمقراطية الساعة إلى إصلاح فترة الجفاء خلال فترة “ترامب”. وقد أكدت أجندة بايدن، على عودة الشراكة الأمريكية – الإفريقية، وكذلك أولويات دعم الديمقراطية والحكم الرشيد.
واتصالًا بالديمقراطية والحكم الرشيد، فقد شهدت القارة تراجعًا ديمقراطيًا هذا العام يقتضي بدوره تعزيز الدبلوماسية الأمريكية في هذا الصدد، وهو ما ظهر بشكل جلي في جدول أعمال الوزير خلال هذه الجولة. فمن المتوقع أن يناقش مع الرئيس الكيني “أوهورو كينياتا” قضايا الأمن الإقليمي، خاصة الأوضاع في إثيوبيا والسودان والصومال، في ضوء عضوية كينيا في مجلس الأمن، كذلك مناقشة تعزيز التعاون بين كينيا والولايات المتحدة فيما يتعلق بالوصول إلى الطاقة النظيفة، وحماية البيئة، وكذلك تأكيد دعم الولايات المتحدة لإجراء الانتخابات الكينية في 2022 بشكل سلمي.
وبالمثل من المقرر مناقشة قضايا مماثلة خلال لقائه الرئيس النيجيري محمد بخاري، خاصة تعزيز التعاون في مجال الأمن الصحي العالمي، وتوسيع الوصول إلى الطاقة والنمو الاقتصادي، وتنشيط الديمقراطية، إضافة إلى مشاركة الوزير مع رواد الأعمال النيجريين في القطاع الرقمي.
ووفقًا لجدول أعمال الوزير، من المتوقع أن يلقي كلمة حول العلاقات الأمريكية – الإفريقية، في عاصمة أكبر ديمقراطية في إفريقيا “أبوجا”، تزامنًا مع حالة التراجع الديمقراطي التي تشهدها نيجيريا، اتصالًا بأعمال الشرطة النيجيرية ” سارس” والتقييد على الوصول إلى “تويتر”.
ويختتم الوزير جولته في العاصمة السنغالية ” داكار” حيث يعقد لقاءً مع الرئيس السنغالي “ماكي سال”، في ضوء العلاقات بين البلدين، ورئاسة السنغال القادمة للاتحاد الإفريقي. ومن المتوقع أن يتم مناقشة قضايا الأمن الإقليمي، ومناقشة سبل مكافحة تداعيات فيروس كورونا، ودور رائدات الأعمال السنغاليات.
ويتضح من جدول الأعمال المطروح، ملامح عامة رئيسة تحكم العلاقات أو الأولويات الأمريكية تجاه إفريقيا. ومن هذه الأولويات تأكيد استمرار القارة كشريك تجاري مهم، واستمرارها كساحة للتنافس مع الصين.
القرن الإفريقي.. اختبار للسياسة
مثّل القرن الإفريقي اختبارًا حقيقيًا للسياسة الأمريكية تجاه القارة، في ضوء إعادة صياغة السياسة الأمريكية بشكل عام ونحو القارة الإفريقية بشكل خاص. فرغم ما كانت تخطط له الولايات المتحدة من انسحاب أو تقليل الانخراط العسكري في القارة، ومنها الانسحاب الأمريكي من الصومال، مطلع العام الجاري، وفقًا للخطط التي بدأها “ترامب”؛ إلا أن أجندة الرئيس الحالي تستند إلى “مراجعة للسياسات والبحث عن أولويات”.
وربما هو السبب في حالة المراوحة التي تتسم بها تلك السياسات، واستناد أغلبها إلى دعم قضايا الديمقراطية والحكم الرشيد، في جزء أكبر لتحييد مخاطر التنافس الدولي، خاصة الصين وروسيا. وانعكس ذلك بشكل جلي في أزمات القرن الإفريقي، على النحو التالي:
الصراع الإثيوبي:
اقتصر التدخل الأمريكي منذ بدء الصراع على الدعوة إلى وقف إطلاق النار والحاجة إلى تكثيف المساعدات الإنسانية. وقد بدأ هذا التدخل في وقت مبكر من الصراع، مع الاتصال الذي أجراه وزير الخارجية السابق “مايك بومبيو” في 30 نوفمبر 2020، ثم تبعه اتصال الوزير الحالي في 2 مارس 2021، وقد دعا الوزيران رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” إلى وقف إطلاق النار والسماح لتدفق المساعدات الإنسانية.
وفي 21 مارس 2021، زار وفد أمريكي برئاسة السيناتور “كرس كونز” لبحث تسوية الصراع وتقديم المساعدات. وعلى الجانب الآخر، حرّكت واشنطن الملف الإثيوبي في مجلس الأمن ومع تصاعد أعمال العنف، والرغبة الأمريكية في استعادة الاستقرار الإقليمي، تمّ تعيين السفير “جيفري فيلتمان” مبعوثًا أمريكيًا للقرن الإفريقي، في إبريل 2021. وقد أجرى “فيلتمان” زيارة في منتصف مايو الماضي للعاصمة الإثيوبية، التقى خلالها “آبي أحمد” ووزير الخارجية الإثيوبي “ديميكي ميكونين”، وبحث خلالها الأوضاع الأمنية والإنسانية في البلاد.
وفي أوائل أغسطس، قامت مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية “سمانثا باور” بزيارة للعاصمة الإثيوبية “أديس أبابا” للوقوف على الأوضاع الإنسانية في الإقليم. وقام “فيلتمان” بزيارته الثانية في الفترة من 15 إلى 24 أغسطس، لكل من إثيوبيا وجيبوتي والإمارات، مع اتساع نطاق الصراع وامتداده لإقليمي “عفر وأمهرا”، وفي أعقابها أعلن المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية الانحياز الأمريكي إلى حكومة غير شرعية “جبهة تحرير التيجراي”.
وبجانب الأداة الدبلوماسية والإنسانية في الصراع، لجأت الولايات المتحدة إلى استخدام أداة العقوبات، لحمل أطراف الصراع على تسوية سياسية. ففي 22 أغسطس الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية توقيعها عقوبات على رئيس أركان الجيش الإريتري لضلوعه في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان على خلفية الصراع الذي يشهده إقليم التيجراي، وتضمن القرار تجميد كل ممتلكاته في الولايات المتحدة ومصالحه، وحظر تعامل المواطنين الأمريكيين معه.
وبعد مرور عام على الصراع، اتخذ منحنى تصعيديًا شديد الخطورة، بعد تحالف القوات المتمردة واتجاهها نحو العاصمة، بما دفع الحكومة الفيدرالي إلى إعلان حالة الطوارئ ودعوة المواطنين إلى الانضمام للجيش للدفاع عن البلاد؛ وهو التصعيد الذي دفع المبعوث الأمريكي “فيلتمان” لزيارة مجددة لأديس أبابا يومي الثالث والرابع من نوفمبر الجاري، فشل خلالها في لقاء “آبي أحمد”، وتزامن ذلك مع دعوات الخارجية الأمريكية والسفارة الأمريكية في إثيوبيا للرعايا الأمريكيين بمغادرة البلاد، بعد أن وصف البيان الوضع في البلاد بأنه مائع، وقال البيان : “لا تسافروا إلى إثيوبيا بسبب النزاع المسلح والاضطرابات المدنية وانقطاع الاتصالات والجريمة واحتمال الإرهاب والاختطاف في المناطق الحدودية”.
وفي محاولة جديدة لتكثيف جهود إدارة بايدن على المتورطين في الصراع، فرضت في 12 نوفمبر عقوبات على الحزب الحاكم في إريتريا، في ضوء الاعتقاد الأمريكي بأن المشاركة الإريترية هي من ساهمت في إطالة أمد الصراع. ويأتي هذا القرار اتصالًا بأمر تنفيذي صدر عن الإدارة الأمريكية في سبتمبر الماضي، لوّح من خلاله الرئيس الأمريكي “جون بايدن” بفرض عقوبات على الأطراف المشاركة في القتال. علاوة على إعلان البيت الأبيض، الشهر الجاري، أنه سيعلق المزايا التجارية لإثيوبيا، بدءًا من يناير المقبل، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
وتأتي هذه العقوبات استكمالًا لما فرضته الإدارة من قيود على تأشيرات السفر لبعض المسؤولين في في الجيش الإثيوبي، وفي حكومة رئيس الوزراء، آبي أحمد، وكذلك في إريتريا، بسبب تورطهم في الصراع. ولا تزال أداة العقوبات قاصرة ولم تسهم في حمل الأطراف على أية تسوية سياسية، بما يترك المستقبل غامضًا حول مستقبل السياسة الأمريكية تجاه الصراع.
التحول السوداني
انخرطت الولايات المتحدة بشكل كبير في التحولات السياسية التي يمرّ بها السودان، عقب سقوط البشير إبريل 2019، بعد عقود من إدراجها على قوائم الدول الراعية للإرهاب. واقترن رفع السودان من قوائم الإرهاب الأمريكية برغبة سودانية كبيرة لتخطي التحديات الاقتصادية التي تعاني منها والانفتاح والاندماج في النظام الدولي.
ومنذ رحيل نظام البشير، أعلنت الولايات المتحدة تقديمها الدعم للسودان من خلال وكالة المعونة الأمريكية، بما يحقق الدعم للانتقال الديمقراطي في البلاد. وقد خصص الكونجرس مبلغًا مقدرًا ب 700 مليون دولار للسودان، تديره وكالة المعونة الأمريكية ووزارة الخارجية.
ويتصل ذلك بإعلان وزير الخارجية السابق “مايك بومبيو” تخصيص مبلغًا قدره 81 مليون دولار للسودان، بعد يوم من إعلان الرئيس السابق “ترامب” شطب السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، في أكتوبر 2020، بعد 27 عامًا من العزلة الدولية.
ووافق السودان على تسوية ملف عائلات ضحايا هجمات تنظيم القاعدة في 1998 على سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا، وهجوم عام 2000 على المدمرة الأمريكية يو إس كول، ومقتل جون غرانفيل، موظف الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالخرطوم في 2008، فضلًا عن احتضان السودان لزعيم القاعدة “أسامة بن لادن”. ووفقًا لبيان البيت الأبيض، فقد حوّل السودان مبلغًا قدره 335 مليون دولار إلى “حساب ضمان لهؤلاء الضحايا وعائلاتهم”.
وخلال زيارة مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية لشرق إفريقيا، وزيارتها للسودان في الفترة بين 31 يوليو و3 أغسطس، أعلنت تقديم دعم إضافي للسودان يصل إلى 4.3 مليون دولار لدعم العملية الانتخابية في البلاد، ليصل بذلك إجمالي الدعم المقدم للسودان للعملية الانتخابية وحدها حوالي 12 مليون دولار أمريكي، في إطار الدعم الأمريكي المقدم للسودان للمضيّ قدمًا على طريق الرخاء والتنمية.
وكذلك، استثمرت الوكالة الأمريكية مبلغًا يصل إلى 20 مليون دولار، لبرنامج “دعم العائلة السودانية” وهو برنامج ضمن برامج شبكات الأمان الاجتماعي التي يرعاها البنك الدولي بالسودان، انخرط فيه 1.35 مليون عائلة، وتمّ تقديم مساعدات عينية لحوالي 400 ألف عائلة، ضمن مستهدفات البنك الدولي للوصول إلى 3 ملايين عائلة.
وفي أعقاب القرارات الأخيرة التي أقبل عليها الفريق ركن “عبد الفتاح البرهان” في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، أعلنت الولايات المتحدة الإيقاف المؤقت للمساعدات الطارئة للاقتصاد السوداني التي تصل إلى 700 مليون دولار، مع تقييم الخطوة التالية بشأن برنامج المساعدات المقدمة للسودان، وفقًا للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية “نيد برايس”. وعلى الجانب الآخر، أعلنت مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية، أن المعونة الانسانية التي تقدمها بلادها للسودان لن تتوقف، والتي تصل قيمتها خلال السنة المالية 2021 حوالي 386 مليون دولار.
وبجانب الملف الاقتصادي، الذي حاز مساحة كبيرة من العلاقات الأمريكية السودانية، خلال الفترة الأخيرة، والتي ارتبط بالانفتاح السوداني على إسرائيل، جاء تعيين المبعوث الأمريكي “جيفري فيلتمان” للقرن الإفريقي لدعم المسار الانتقالي في السودان، بجانب ما يمر به القرن الإفريقي من قضايا حاسمة للمصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
وقد أجرى “فيلتمان” زيارة للخرطوم في الفترة بين 28 سبتمبر حتى الأول من أكتوبر، أعلن خلالها الدعم الأمريكي الثابت للانتقال السياسي القائم في السودان، وأوضح خلال زيارته تلك، أن الفشل في المسار الديمقراطي من شأنه تعريض العلاقات السودانية – الأمريكية للخطر، بما في ذلك المساعدة الأمريكية الكبيرة، فضلا عن آفاق التعاون الأمني لتحديث القوات المسلحة السودانية، وكذلك دعم الولايات المتحدة للسودان في المؤسسات المالية العالمية وإعادة هيكلة ديونه، وأكد أهمية نقل رئاسة المجلس السيادي إلى شخصية مدنية في الموعد المتفق عليه، وإنشاء مجلس تشريعي انتقالي، ووضع الإطار القانوني والمؤسسي لانتخابات حرة ونزيهة، وإصلاح القضاء، وإطلاق عملية لإعادة هيكلة القوات الأمنية.
وفي ظل التطورات المتسارعة في السودان، عاد مرة أخرى لمحاولة التوفيق بين الأطراف، وغادر السودان ليلة القرارات الحاسمة التي اتخذها رئيس مجلس السيادة في 25 أكتوبر، بما دفع إلى تعليق المساعدات الأمريكية حتى العودة إلى المسار الانتقالي.
ويشير مجمل التفاعلات إلى عودة الاهتمام الأمريكي بالسودان، بعد سقوط نظام البشير، وتسهم هذه الأهمية في حشد السياسة الأمريكية نحو توجيه مسارات الانتقال السياسي في البلاد، بهدف إفراز نظام يمكن أن تتسق معه المصالح الأمريكية في البلاد.
المستقبل الصومالي
أبدت الولايات المتحدة اهتمامًا مبكرًا بالصومال، في أوائل التسعينيات بعد انهيار حكومة “سياد بري”، فقد شكّلت تحالفًا عسكريًا UNITAF عام 1992، أطلقت عليها عملية استعادة الأمل، نجحت في استعادة النظام والتخفيف من حدة المجاعة. وفي عام 1993، انسحبت معظم قوات الولايات المتحدة ليتم استبدالها بالقوات الأممية.
وبجانب القوات متعددة الجنسيات، شاركت القيادة الأمريكية ” أفريكوم” في الصومال بحوالي 700 جندي، تم انسحابهم في فبراير من العام الجاري، وفقًا لقرار الرئيس السابق “ترامب” بالانسحاب من الصومال كجزء من عملية تخفيض الانخراط العسكري حول العالم.
وشكّلت فترة الرئيس محمد عبد الله فرماجو، بداية عودة انخراط الولايات المتحدة بشكل دبلوماسي مع الصوال بعد ثلاثة عقود من الانقطاع، فقد تمّ تعيين الدبلوماسي الأمريكي دونالد ياماموتو، عام 2018، أول سفير أمريكي في مقديشيو منذ 1990. ومنذ عام 2017، كثّفت القوات الأمريكية في الصومال ضرباتها الجوية ضدّ حركة شباب المجاهدين، وفقًا لقرار النتاجون عام 2017 بإطلاق خطة لمنح صلاحيات لمنح صلاحيات للقوات العسكرية الأمريكية بشن حملة ضد حركة الشباب التي تُصنف ضمن الجماعات الإرهابية.
وقدمت الولايات المتحدة مساعدات إنسانية وعسكرية وتنموية إلى الصومال ووقّعت الحكومتان في 6 ديسمبر 2017 اتفاقية تنموية بقيمة 300 مليون دولار، وهي أول اتفاقية منذ أكثر من ثلاثين عاما بحسب بيان للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). جاء ذلك في ضوء الرهان الدولي على الرئيس محمد عبد الله فرماجو بتحقيق الاستقرار وخطط الانتقال في الصومال، وكذلك في ضوء الأهمية الاستراتيجية للصومال على البحر الأحمر، وما تمثله من فرض وما تحمله من مخاطر للسياسة الأمريكية في المنطقة.
ورغم ذلك الانخراط المكثف، إلا أن الصومال كانت واحدة ضمن البلدان التي أصدر الرئيس “ترامب” في 2017، قرارًا بمنع دخول الصوماليين بجانب السودانيين وغيرهم للولايات المتحدة. إضافة إلى قرار الانسحاب العسكري من البلاد. ورغم قرار انسحاب القوات الأمريكية، التي كانت بالأساس لا تتجاوز 700 جندي، لا تزال الولايات المتحدة تولي اهتمامًا بالعملية السياسية الصومالية وحالة الأمن والاستقرار، انطلاقًا من الأهمية الجيواستراتيجية التي تمثلها الصومال، وما زال هناك نحو 100 جندي أمريكي يقومون بأعمال استخباراتية لدعم القوات الصومالية، اتساقًا مع حالة مراجعة السياسات والبحث عن مستقبل للدور الأمريكي في المنطقة بما يتسق مع مصالحها الاستراتيجية.
وتزامنًا مع زيارة وزير الخارجية الحالية، فإن كبيرة الدبلوماسيين الأمريكيين لشؤون إفريقيا، تجري زيارة إلى الخرطوم الأسبوع المقبل، لتنضم إلى بلينكن في نيروبي لمناقشة جهودها في السودان. ولا تزال الولايات المتحدة تبحث عن محاولات لإحداث اختراق في الملفات المشتعلة في القرن الإفريقي، غير أن أداة المساعدات لم تسهم بدورها حتى الآن في تغيير مسار التفاعلات التي تتخذها الأحداث. ويبقى الثابت هو الاهتمام الأمريكي المتصاعد بالسياسة في القرن الإفريقي كجزء من الاهتمام بالسياسة في القارة ككل، بما يتعارض مع المساعي نحو تخفيض الانخراط عالميًا.
وبجانب أزمات القرن الإفريقي، فإن السياسة الأمريكية تحاول إعادة تأكيد الشراكة الأمريكية – الإفريقية في ضوء التراجع الذي شهدته الفترة الماضية. ومن المتوقع أن تدعم مبادرة “بناء عالم أفضل” سواء عبر دعم المبادرة الصحية أو تعزيز دبلوماسية المناخ ومكافحة الفساد كجزء من منافسة بكين في القارة.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية