
حذر أوروبي وترقب روسي.. ماذا يحدث على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا؟
تأزم كبير يسود العلاقات بين بيلاروسيا من جانب وبولندا وخلفها الاتحاد الأوروبي على الجانب الأخر؛ نتيجة أزمة المهاجرين الساعين إلى عبور الحدود البولندية من بيلاروسيا، الأمر الذي دفع بولندا إلى إغلاق المعبر الحدودي مع جارتها، نتيجة تزايد أعداد المهاجرين الذين قُدّروا بالآلاف.
وهذا التأزم دفع كثيرًا من القادة الأوروبيين إلى اتهام “مينسك” بالسعي إلى زعزعة استقرار الاتحاد الأوروبي وسط استمرار تدفق المهاجرين من بيلاروسيا نحو أوروبا. ومُعظم هؤلاء المهاجرون أتوا من بلدان الشرق الأوسط واّسيا فرارًا من تأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلدانهم.
يُلقى الاتحاد الأوروبي باللوم على بيلاروسيا في تدبير هذه الموجة من الهجرة غير القانونية؛ وذلك ردًا على العقوبات الأوروبية المفروضة على نظام الرئيس البيلاروسي “ألكسندر لوكاشينكو”. ومع قلق دول الاتحاد الأوروبي من أن يؤدي صعود طالبان غير المتوقع إلى السلطة في أفغانستان إلى اندلاع أزمة مهاجرين جديدة، فإن أعضاء الكتلة المتاخمة لبيلاروسيا يخوضون مواجهة مع الزعيم “لوكاشينكو”، الذي هدد بإرسال اللاجئين في طريقهم انتقامًا من العقوبات الغربية ضد حكومته.
لكن يبقى السؤال هنا: هل يُمكن أن تتطور الأمور بين بيلاروسيا وبولندا وخلفها الاتحاد الأوروبي إلى مواجهة؟ وما مخاوف الاتحاد الأوروبي من تطور هذه الأزمة؟ وهل تٌعد روسيا العقل المدبر للرئيس البيلاروسي في هذه الأزمة؟ وأيُّ حلّ ينتظر أزمة المهاجرين غير الشرعيين؟ في السطور التالية سنحاول التطرق للإجابة على هذه الأسئلة.
ماذا يحدث على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا؟
في تصعيد كبير لأزمة الهجرة المستعرة على حدود الاتحاد الأوروبي؛ تشهد الحدود بين بيلاروسيا وبولندا وجودًا لأعداد كبيرة من المهاجرين –وكثير منهم من مواطني دول الشرق الأوسط- وتتهم السلطات البولندية الحكومة البيلاروسية بتسهيل دخول هؤلاء المهاجرين إلى الأراضي البولندية.
حاول هؤلاء المهاجرون اجتياز السياج الحدودي الفاصل بين بيلاروسيا وبولندا، لكنًّ قوات الشرطة البولندية تصدت لهم، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بينها وبين المهاجرين لدفعهم للتراجع. ولم تكتفِ السلطات البولندية بالتصدي بحزم لمحاولة اختراق المهاجرين لحدودها، بل قامت بفرض حالة الطوارئ، ومنعت وصول المساعدات إلى المهاجرين المحاصرين في المنطقة الحدودية قارسة البرودة.
في السياق ذاته، وقّع الرئيس البولندي ” أندريه دودا” مشروع قانون يهدف إلى بناء جدار على الحدود مع بيلاروسيا لمنع دخول المهاجرين بشكل غير قانوني، وذلك بعد تمريره من قبل البرلمان البولندي. ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة الجدار الحدودي أكثر من 350 مليون يورو، وسيستغرق تشييده عدة شهور. وفي 20 أكتوبر قامت بولندا بزيادة عدد جنودها على الحدود مع بيلاروسيا إلى نحو عشرة اّلاف جندي، وذلك في محاولة لوقف زيادة الهجرة.
وتلقي بولندا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ودول أخرى باللوم على بيلاروسيا لتعمد إشعال الأزمة من خلال السماح للأشخاص الذين يرغبون في القدوم إلى الاتحاد الأوروبي من الشرق الأوسط وأفريقيا بالسفر إلى مينسك، ثم توفير وسائل النقل لهم إلى الحدود البولندية.
ويُفسر القادة الأوروبيون دوافع مينسك في حشد المهاجرين على الحدود البولندية؛ إلى رغبة الرئيس البيلاروسي “ألكسندر لوكاشينكو” في الانتقام من العقوبات الغربية والانتقادات التي توجه إلى تعامل حكومته القاسي مع المعارضة البيلاروسية، بينما يميل آخرون إلى تفسير أنه يريد انتزاع تنازلات من الاتحاد الأوروبي.
رد فعل المجتمع الدولي؟
وفي تصعيد للأحداث، زادت الدول الغربية من الضغط على مينسك؛ بتقديم دعم أكبر لبولندا وليتوانيا ولاتفيا لمراقبة الحدود، وتنوي أيضًا فرض عقوبات على شركات الطيران التي تقوم بنقل المهاجرين من البلدان الأخرى للمنطقة الحدودية. وقد فرض الاتحاد الأوروبي بالفعل عقوبات على 166 فردًا مرتبطًا بالنظام البيلاروسي، بما في ذلك لوكاشينكو ونجله.
فيما دعت المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية بولندا إلى السماح بالوصول إلى المنطقة الحدودية لتوفير الإمدادات والمساعدات الطبية من أجل منع حدوث أزمة إنسانية. إلا أن حالة الطوارئ الحكومية التي فرضتها بولندا تُبقي كلاً من منظمات الإغاثة والصحفيين خارج مناطق معينة، وتمنعهم من الوصول للمهاجرين.
هل تقف روسيا وراء أزمة اللاجئين؟
في البداية يمكن القول إن سياسة موسكو تجاه بيلاروسيا تختلف بشكل جذري عن سياستها في الأزمات الأخرى، كأزمة القرم أو دونباس؛ فلا يمكن لموسكو الاستيلاء على مينسك بطريقة السيطرة ذاتها على القرم أو دونباس، وإنما تسعى إلى تعميق اعتماد بيلاروسيا عليها في كافة المجالات، فضلًا عن مساعيها لضمان استقرار “مينسك”.
في هذا السياق، استغل “بوتين” تدهور علاقة “مينسك” مع الغرب، وعزلة الرئيس “لوكاشينكو”، لا سيًّما عقب حملة القمع البيلاروسية ضد الاحتجاجات المناهضة له منذ العام الماضي، الأمر الذي حدّ من قدرته على مُجابهة المساعي الروسية للسيطرة على بلاده.
وتُدرك موسكو جيدًا هشاشة موقف “لوكاشينكو” ومحدودية قدرته على التفاوض، الأمر الذي دفع روسيا إلى استغلال هذا الأمر، وتعهدت بتقديم دعم مالي بمقدار (600) مليون دولار في شكل قروض وتعهدات مُتعلًّقة بالغاز الطبيعي، وذلك على هامش اللقاء الأخير الذي جمع بوتين ولوكاشينكو في سبتمبر الماضي. وجدير بالذكر أن الدعم الاقتصادي الروسي لبيلاروسيا حال دون انهيار اقتصاد الأخيرة.
النفوذ الروسي على بيلاروسيا لم يقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، وإنما مارست موسكو العديد من الضغوط على “مينسك” لتعميق التعاون العسكري بين الجانبين. ففي ضوء عضوية بيلاروسيا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) تمكًّن البلدان من دفع العلاقات العسكرية قُدمًا، وتطوير نظام دفاع جوي مُشترك، وإقامة دوريات على الحدود المُشتركة بينهما.
وشهدت العلاقات العسكرية بين الجانبين زخمًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، بالتحديد مناورات “زاباد – 2021” العسكرية، والتي شارك فيها نحو 200 ألف جندي روسي وبيلاروسي، والتي انطلقت في 10 سبتمبر الماضي، لتٌعد بذلك المناورات الأكبر من نوعها في أوروبا على مدار العقود الأربعة الماضية.
في السياق ذاته، بعثت موسكو برسالة دعم قوية لمينسك، عندما أرسلت قاذفتين نوويتين من طراز (Tu-22M3) في مهمة دورية فوق بيلاروسيا. ووصفت وزارة الدفاع الروسية الانتشار النادر للقاذفات الاستراتيجية بأنه اختبار استعداد لشبكة الدفاع الجوي المشتركة بين روسيا وبيلاروسيا.
وعادة ما يتم إيلاء الاهتمام إلى الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية للعلاقة الروسية البيلاروسية، ويتفق الجانبان على تنفيذ سياسة اقتصادية مشتركة عامة، وتكامل أنظمة الدفع، وتعميق التعاون في أمن المعلومات، والجمارك، والضرائب، والطاقة، وغيرها من المجالات.
ترتيبًا على ما سبق، اتهمت بولندا روسيا بأنها العقل المدبر للأزمة للتسبب في أزمة مهاجرين أخرى داخل الاتحاد الأوروبي، واصفة الأزمة بأنها نوع جديد من الحرب، حيث يتم استخدام الناس كدروع حية. وهو الأمر الذي دفع المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” إلى حث بوتين على التدخل للتأثير على النظام البيلاروسي. وكذا، حثت فرنسا روسيا على استخدام روابطها الوثيقة مع بيلاروسيا لضمان وقف تدفق المهاجرين من هذا البلد إلى حدود الاتحاد الأوروبي. لكنًّ روسيا نفت أي تورط في الأحداث، وألقت باللوم على أوروبا، ودعت إلى إجراء مناقشة حول المشاكل الحالية، مع ضرورة إجراء اتصالات مباشرة بين ممثلي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وبين بيلاروسيا.
السيناريوهات المحتملة
- سيناريو التصعيد: حتى الآن تقوم القوات البولندية برد المهاجرين ومنعهم من اختراق الحدود، وذلك بنشر المزيد من قواتها على الحدود. وفي المقابل تقوم بيلاروسيا بمناورات عسكرية. والتخوف من أن يقود هذا التصعيد إلى حرب بين الطرفين، خاصة أن بيلاروسيا أعلنت استعدادها للرد بقسوة على أي هجوم، إضافة إلى تصريحات الرئيس البيلاروسي بأن بلاده قد توقف تدفق الغاز عبر أراضيها إلى أوروبا كرد على توسيع العقوبات. في المقابل لن يتخلى الغرب عن بولندا، خاصة مع الدعم الروسي الخفي للنظام البيلاروسي.
- سيناريو التهدئة: خاصة مع إعلان بعض الدول ومنها العراق عن إعادة المهاجرين العراقيين الراغبين في العودة إلى بلادهم من بيلاروسا. في السياق ذاته، حظرت أنقرة على السوريين والعراقيين واليمنيين السفر من مطارات تركية إلى بيلاروس على خلفية أزمة اللاجئين، ولتجنب العقوبات الغربية على شركات الطيران التابعة لتلك الدول.
في الأخير، تُدرك أوروبا المخاطر الكبيرة لأزمة اللاجئين والهجرة غير القانونية، لذا تسعى دول الاتحاد إلى التنسيق والتكاتف من أجل تبنًّي أفضل الخيارات المُمكنة لوقف نزيف الهجرة للاتحاد الأوروبي.
باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية