المركز المصري في الإعلام

الزيات: خطاب الرئيس السيسي أمام مؤتمر باريس حول ليبيا حدد الإطار العام للبيان الختامي للمؤتمر

قال الدكتور محمد مجاهد الزيات المستشار الأكاديمي للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إن الفترة الحالية هي فترة مفصلية في عمر الأزمة الليبية، فالمؤتمرات الخاصة بالأزمة الليبية كثيرة بدءًا من مؤتمر الصخيرات ثم مؤتمر باليرمو وصولًا إلى مؤتمري برلين (1،2). إلا أن مؤتمر باريس الدولي حول ليبيا يجري في توقيت مهم لأنه من المفترض أن تجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بنهاية هذا العام وفقًا لخريطة الطريق. مضيفًا أنه رغم ذلك الاتفاق هناك محاولات لوقف هذه الانتخابات ووضع عراقيل بشأنها من قبل الشخصيات والكيانات المحسوبة على تنظيم الإخوان، مثل رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري الذي خرج في تصريحات غريبة يقول فيها “أنتم لا تعرفون من يقف وراءنا” في إشارة إلى تركيا و”أننا سنحاصر مفوضية الانتخابات وسنعيق عقد الانتخابات”. وكذلك خرجت الخمس ميلشيات الرئيسة المنتشرة في المنطقة الغربية لتتحدث عن مواجهة تتم لوقف الانتخابات أو تعديل القاعدة التي ستجرى الانتخابات على أساسها.

وأضاف الزيات في حوار مع برنامج مصر جديدة على قناة “etc” مع ضياء رشوان أن الغرب والأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أدركوا أن هناك محاولة لتعويق استمرار خارطة الطريق فتمت الدعوة لهذا المؤتمر لإقرار مواقف معينة وتهديد الأطراف التي تعوق الانتخابات بفرض عقوبات عليها من قبل الأمم المتحدة لأن ليبيا تقع تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. 

وذكر أن البيان الختامي لمؤتمر باريس حول ليبيا تضمن نفس الفقرات التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطابه أمام المؤتمر كما لو كان الرئيس حدد إطار ما سيتم التوصل إليه، وهو ما يعكس أن هناك شراكة مصرية من البداية في الصياغة، وأن هناك إدراكًا مصريًا لعناصر الأزمة بأبعادها المختلفة بالتشاور مع الأطراف الدولية المعنية في تلك القضايا، فأصبحت هذه الملفات واضحة والاتفاقات محددة المعالم.

وأشار المستشار الأكاديمي للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إلى أن الأطراف الدولية المشاركة في مؤتمر باريس لديها مصالح تفرض عليها أن تُنفذ خارطة الطريق في ليبيا؛ إذ إن استمرار الوضع الحالي في ليبيا يجعل منها خطرًا على أوروبا بسبب تنامي ظاهرتي الهجرة غير الشرعية والإرهاب في جنوب ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء، وانتقالهما إلى أوروبا. هذا فضلًا عن المصالح الاقتصادية لها في ليبيا والمتمثلة في مصالح الشركات البترولية وقضية إعادة الإعمار التي تعد في ظل الأزمة الاقتصادية قضية مهمة للشركات والدول الأوروبية والغربية. 

وقال إن هذه الأطراف الدولية، بجانب مصلحتها في تنفيذ خارطة الطريق، هي قادرة كذلك على تنفيذ بنود البيان الختامي للمؤتمر وإتمام تنفيذ هذه الخارطة، خاصة وأن ليبيا واقعة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ومن الممكن أن تُفرض عقوبات أو يُحدد تدخل عسكري عند الضرورة. ومن ثم فإن التفاهم الجاري الآن بين هذه الدول جرت صياغته خلال عدة سنوات شهدت تباينًا بين الموقفين الفرنسي والإيطالي وجرى تجاوزه. 

ورأى الزيات في حوار مع برنامج مصر جديدة على قناة “etc” مع ضياء رشوان أن خطاب الرئيس حدد الإطار العام للبيان الختامي لأنه أدرك أبعاد الموقف الحالي ومواقف الأطراف المختلفة وهامش الاتفاق بين هذه الدول فيما يتعلق بملفات الاشتباك الموجودة في ليبيا. مؤكدًا أن هناك إجماعًا دوليًا على ضرورة إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من ليبيا، ولكن الآلية عليها خلاف؛ فروسيا مثلًا تقول إن الإخراج يكون بالتدريج وذلك لأن لها عناصر موجودة في ليبيا، والمفاجأة كانت اليوم بإعلان اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 بأنها ستبدأ إخراج المرتزقة الموجودين لدى الجيش الوطني الليبي، وهؤلاء هم من مقاتلي فاجنر التابعين لروسيا. وبالتالي فالاتفاق على الخروج سيتم لكن الآلية ستختلف، مشيرًا إلى أن إجراء الانتخابات يستلزم قبلها إخراج المرتزقة حتى لا تعوق عملية الانتخابات.

وأفاد أن بعض الأطراف التابعين للإخوان المسلمين في ليبيا يقولون إنهم ليسوا المنوطين بالمخاطبة بشأن إخراج المرتزقة، وإنما تركيا بوصفها هي التي استقدمتهم في الأساس. ومن ثم فإن عدم حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمؤتمر باريس رغم دعوته إليه هو دليل واضح على أنه لا يريد الالتزام، وبالتالي ستُمارس عليه الضغوط. 

وأكد الزيات أن عدم تطرق البيان الختامي لمؤتمر باريس إلى تعديل القاعدة التي ستُجرى وفقًا لها الانتخابات كما كان يطالب عناصر تنظيم الإخوان المسلمين يعني إقرارًا للإطار القانوني الذي وضعه مجلس النواب الليبي للانتخابات، وبالتالي فإن الانتخابات سيتم إجراؤها، وقد يتولى مجلس المصالحة بإشراف المجلس الرئاسي تقريب وجهات النظر للراغبين في استمرار الحياة السياسية. ولكن سيبقى الأمر مرهونًا بالموقف التركي.

وقال إن المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا أكدت أن لديها القدرة على إجراء الانتخابات في موعدها، وقد تم تسجيل الناخبين، وربما تؤدي الإجراءات إلى إتمام إجراء الانتخابات في موعدها المحدد 24 ديسمبر أو تأخيرها شهر على أقصى تقدير بسبب إجراءات فتح باب الترشح ثم تقديم الطعون، خاصة وأن رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة أعلن رغبته في الترشح وهو بذلك تجاوز القانون الذي يفرض عليه تقديم استقالته قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات، ومن ثم فإن ترشحه قد يُقبل وقد لا يُقبل، وكل هذه الأمور ستتضح خلال الأيام القادمة.

وشدد المستشار الأكاديمي للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية على أن الكتلة التابعة لتنظيم الإخوان في ليبيا وخاصة خالد المشري ستعمل على إفشال الانتخابات وعرقلة إجرائها وإثارة مشكلات ميدانية، ولذلك أكد البيان الختامي لمؤتمر باريس على ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار، وهنا الأمر يتعلق بمدى قدرة الأمم المتحدة على ضبط الأوضاع، وهو أمر لن يكون سهلًا لأن هذه هي البؤرة الأخيرة لتنظيم الإخوان المسلمين في شمال أفريقيا.

وأكد أن موقف مصر قوي وواضح ومحدد المعالم، ولعل في كلمة الرئيس رسالة إلى كل الليبيين بأن مصر ليست مع طرف ضد طرف آخر، ومدت يدها لكل الأطراف، ولديها حضور في طرابلس من خلال السفارة والشراكة التي أقامها رئيس الوزراء الذي ذهب إلى هناك لفتح مجالات التعاون في إعادة الإعمار ونقل العمالة، وبالتالي مصر قريبة من كل الأطراف.  

وأوضح الدكتور محمد مجاهد الزيات أن هناك مساومات بين الأطراف الدولية فيما يتعلق بليبيا، منها مساومات بين روسيا وتركيا في ليبيا ويكون ثمنها في سوريا ومناطق أخرى، مبينًا أن إيطاليا وفرنسا لديهما مساومات أيضًا في التعامل مع الملف الليبي. ولذلك لن يكون هناك موقف دولي قوي، فهناك موقف محدد المعالم وربما يتدرج في قوته، وربما تُفرض عقوبات في البداية على الشخصيات الرئيسية ترغمها على اتخاذ مواقف تتوافق مع خريطة الطريق بشأن إقامة الانتخابات، ولكن يُستبعد تطور الأمر إلى تدخل عسكري. وهذه العقوبات تسمح للأمم المتحدة بإرسال قوات حفظ سلام تفصل بين الأطراف أو تحاصرها.

ولفت إلى أن الموقف بشأن الأطراف الليبيين الساعين لعرقلة الانتخابات سيتضح خلال أسبوعين؛ فإذا سُمح للدبيبة بالترشح بالمخالفة للقانون ربما يقسم ذلك الأطراف في غرب ليبيا، ويصبح هذا الموقف أكثر ضعفًا، وعندما يُكلف رئيس المجلس الرئاسي بتشكيل لجنة للمصالحة فهو بذلك يعطي المجلس الرئاسي دورًا، ومن ثم جزء من أعضاء المجلس الرئاسي سيكون محرجًا أمام الغرب وسيتعاطى إيجابيًا مع إجراء الانتخابات في موعدها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى