
إعادة بناء تحالف شركاء الحكم: إمكانية نجاح شركاء الحكم الانتقالي في التحالف من جديد
بعد أن قام رئيس المجلس السيادي السوداني المنحل ورئيس أركان القوات المسلحة السودانية الفريق ركن عبد الفتاح البرهان بفض الشراكة بين المكونين العسكري والمدني؛ بحل حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وحل مجلس السيادة وإعفاء ولاة الولايات من مناصبهم، وتعليق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية، مع تأكيد استمرار العمل بها؛ دخلت البلاد مرحلة من التخبط والغموض بشأن المسار الديمقراطي وشكل نظام الحكم الذي يرسيه الشركاء في مرحلة ما بعد البشير.
ومثّلت الخطوات المحورية التي أقدم عليها الجانب العسكري (25 أكتوبر 2021) تحولًا محوريًا ولحظة مفصلية في مرحلة التحول الديمقراطي أو الانتقال السياسي الذي تمر به السودان، بعد سقوط البشير في إبريل 2019. ومنذ ذلك الحين، وتشهد البلاد حالة من التخبط بين المكونين المدني – العسكري، أفضت في نهاية المطاف إلى المشهد الذي يعيشه السودان حاليًا.
وتعيد الجهود والوساطات الإقليمية والدولية الأمل في إعادة بناء الشراكة واتفاق لتقاسم الحكم بين المدنيين والعسكريين من جديد، ظهرت بوادرها في الأيام القليلة الماضية، رغم حالة التصعيد والخلاف التي تصاعدت خلال اليومين الماضيين.
سياق فضّ الشراكة
هشاشة العملية السياسية مثّلت السياق الحاكم للمشهد السوداني منذ بدء المرحلة الانتقالية؛ كشف عنه ضعف الممارسة الحزبية، وغياب الرؤية الواضحة للبلاد، وعدم التوافق سوى على إسقاط البشير، ما عدا ذلك سادت الأجندات الحزبية والمطالب العرقية على رؤية وطنية جامعة لإعادة بناء البلاد.
وانعكس ذلك التباين في الرؤى على طريقة إدارة المرحلة الانتقالية، ما جعل إجراءات الانتقال السياسي عملية معقدة ومتشابكة؛ فجاءت كافة الممارسات لتكشف عن حجم الصراعات في الرؤى والمواقف؛ الأمر الذي انعكس على صعوبة تشكيل هياكل الحكم الانتقالي كالمجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وتعيين النائب العام، وتعيين الولاة وغيرها من الأمور المؤسسية.
وانصرف التباين كذلك على المواقف من كافة القضايا الانتقالية، كالموقف من تسليم البشير، ومحاكمات فض الاعتصام ولجنة إزالة التمكين، علاوة على مواقف السياسة الخارجية والقضايا الاقتصادية، فضلًا عن ملف السلام والترتيبات الأمنية التي كشفت عن تباين صارخ بين المكونين العسكري والمدني.
وتنامى هذا التباين داخل المكون المدني، على النحو الذي كشف عنه الانقسامات الحزبية داخل قوى الحرية والتغيير -الحاضنة السياسية للحكومة المدنية- على نحوٍ أضعف من الممارسات السياسية وأضعف أداء الحكومة نفسها. وفي ضوء هذا السياق المتشابك، تصاعد انعدام الثقة وتبادل الاتهامات بين المجلس العسكري والمكون المدني، خاصة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 21 سبتمبر 2021 والتي مثلت نقطة محورية في التصعيد بين المكونين.
وعلى خلفية هذا التصعيد، خرجت الخلافات بين الحرية والتغيير إلى العلن، مع إعلان انشقاق مجموعة من الحرية والتغيير “مجموعة الميثاق الوطني” التي أعلنت انحيازها للمكون العسكري ومطالبته بحلّ الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات وطنية، للخروج من عباءة المصالح الحزبية الضيقة.
وحاول البرهان إقناع حمدوك بحل الحكومة وتشكيل حكومة جديدة برئاسته، للخروج من هذا المأزق، إلا أن الأخير تمسك بإجراءات الانتقال المدني، في الوقت الذي خرجت فيه مجموعة الميثاق الوطني للشارع في 16 أكتوبر لمطالبة المجلس السيادي بحلّ حكومة حمدوك، والتي أعقبها خروج المكونات المدنية وعلى رأسها الحرية والتغيير في 21 أكتوبر لدعم حكومة حمدوك، بما أعاد خروج المليونيات والخروج للشارع للمشهد من جديد.
ومع فشل مبادرات رأب الصدع والشقاق بين المكونين المدني والعسكري خلال تلك الفترة، خرج البرهان صباح 25 أكتوبر الماضي معلنًا حلّ حكومة حمدوك والتحفظ عليه في منزل البرهان، قبل أن يتم إطلاق سراحه إلى منزله ووضعه تحت الإقامة الجبرية، واستمرار حبس مجموعة من الوزراء، أعلن عن نية إطلاق سراحهم كبادرة لإطلاق حوار بين الشركاء من جديد.
إعادة بناء التحالف
بعد فشل اتفاق تقاسم السلطة (الوثيقة الدستورية) بين المكونين المدني والعسكري في قيادة البلاد ثلاث سنوات حتى إجراء انتخابات ونقل الحكم لحكومة مدنية؛ لا تزال كافة المؤشرات الداخلية والخارجية تدفع باتجاه إعادة بناء هذا التحالف من جديد عبر صفقة وحوار بين البرهان وحمدوك.
تأتي هذه الضغوط مدفوعة بحقيقة أنه لا يمكن بقاء الحكم في أيدي المؤسسة العسكرية بشكل منفرد، وإلا عادت البلاد لحالة القمع والانغلاق التي كانت عليها في عهد البشير، كنموذج للحكم العسكري بطابع إسلامي. غير أنه في الوقت الذي تدفع فيه كافة الأطراف إلى الحوار وعودة الحكم المدني تأسيسًا على الوثيقة الدستورية، مثلما دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش؛ إلا أن التطورات على الأرض تضفي قدرًا من الصعوبة على تلك الصيغة وإن كانت هي الأرجح حتى الآن.
وتأتي هذه الصعوبة من حالة عدم الثقة بين كافة الأطراف، وكذلك الشروط المسبقة التي يضعها الطرفان، وهي الشروط التي إن كان الالتزام بها أمرًا يسيرًا لما فضّ الطرفان الشراكة من الأساس. ورغم انفتاح ” البرهان” على الحوار وكذلك إفصاحه عن نيته لإعادة التحالف والتعاون مع حمدوك ودعوته لتشكيل الحكومة من جديد، دون تدخل من الجانب العسكري في اختيار الوزراء، إلا أنه من غير المتوقع أن يرضخ حمدوك لتلك المطالب، إلا إذا جاءه إقناع دولي بتلك الشراكة.
فحتى الآن يتمسك حمدوك بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه، ولم تتضح مؤشرات تجاوزه لمكونات الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية لحكومته السابقة)، رغم أن شرط إخراج الحرية والتغيير من المشهد الذي يتمسك به البرهان هو الذي حرّكه من الأساس. واتضح ذلك في تصريحاته بأنه “نضّف الميدان لحمدوك ويمكنه تشكيل حكومة كفاءات وطنية من غير قوى الحرية والتغيير التي انشغلت بالمحاصصة على حساب قضايا الوطن”، وهو ما يعني أنه شرط حاسم في المشهد.
وعلى مدار أسبوع، قادت قوى الحرية والتغيير مظاهرات احتجاجية على استيلاء العسكريين على السلطة، كان أبرزها تلك التي خرجت السبت وسُميت “مليونية 30 أكتوبر” دعت إلى استعادة الحكم المدني بالبلاد. وبجانب الضغوط الداخلية، يمارس المجتمع الدولي قدرًا هائلًا من الضغوط على البرهان لاستعادة الحكم المدني من جديد.
ودعا إلى ذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال لقائه رئيس الاتحاد الإفريقي على هامش قمة مجموعة العشرين. ويمارس المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي وساطة بين كافة الأطراف السودانية، وقد التقى حمدوك في منزله لإقناعه بقبول تشكيل الحكومة الجديدة. وعلى الجانب الآخر تمارس مؤسسات التمويل الدولية والاتحاد الأوروبي ضغوطًا على السودان لاستعادة الحكم المدني، وإلا تعرضت البلاد لضغوط اقتصادية لا يحتملها الاقتصاد السوداني الذي يعاني بالأساس.
ورغم إبداء البرهان انفتاحه على مبادرات الحوار والوساطة، إلا أن ما زال ماضيًا في إجراءات تثير المكونات المدنية بالسودان، خاصة القرارات التنفيذية بإعفاء نحو 60 دبلوماسيًا سودانيًا بالخارج، بعد أن أعلنوا رفضهم لما يرونه انقلابًا بالبلاد. ورغم تلك الإجراءات الثورية، إلا أن البرهان لا زال يعرب عن رغبته في استعادة المدنية وإجراء الانتخابات في موعدها وإعادة تشكيل حكومة كفاءات تقود إلى الانتخابات بعيدًا عن المحاصصة.
وقد تمثل موافقة حمدوك على تشكيل الحكومة الجديدة عاملًا من عوامل التهدئة وتخفيف الضغوط الخارجية، إلا أن خروجه من عباءة الحرية والتغيير سيدفع البلاد إلى مواجهة مواكب الاعتصام والاحتجاج التي شهدتها خلال عامي 2018 و2019، والتي مثّلت أحد عوامل الضغط على النظام.
وعلى الرغم من الإعلان عن الإفراج عن بعض الوزراء المحتجزين مثل وزراء الإعلام والثقافة والتجارة والصناعة، إلا أن هذه الخطوة لم تمثل خطوة مرضية في اتجاه الوساطة مع حمدوك. ويقود جهود الوساطة حاليًا، بجانب المبعوث الأممي والمبعوث الأمريكي للسودان، لجنة داخلية تتكون من سبع شخصيات مدنية، من بينهم الصحفي محجوب محمد صالح ورجل الأعمال أنيس حجار؛ لمحاولة إقناع حمدوك بقبول تشكيل الحكومة الجديدة. وتتضمن بنود الوساطة تشكيل مجلس للدفاع العام برئاسة البرهان، وتعيين حمودك رئيسًا للحكومة، بالإضافة إلى تشكيل المجلس التشريعي بنسبة تتمثل في 40 % من الشباب، وتشكيل مجلس الشيوخ ليكون بديلًا لمجلس السيادة ويتكون من 100 شخصية مدنية وسياسية وعسكرية.
وتمثل هذه المبادرة حلًا وسطًا ما بين رغبة المكون العسكري في إبعاد القوى الحزبية من العمل التنفيذي، وكذلك الاستجابة لمطالب الشباب بإنهاء الإجراءات الاستثنائية والإفراج عن المحبوسين وتشكيل حكومة جديدة، وبين إرضاء شروط المجتمع الدولي المتمسك والدعم لحمدوك.
لكن يشير هذا الموقف إلى صعوبة التوصل السريع إلى اتفاق، تقوده جهود الوساطة الدولية والداخلية، مع لقاء مبعوث الأمم المتحدة للسودان “فولكر بيتريس“ الذي التقى الأطراف السودانية بما فيهم حمدوك، لحثهم على الحوار وتجاوز الوضع الراهن؛ خاصة مع تمسك كل طرف بشروطه الخاصة.
ومن شروط حمدوك الصعبة، استعادة الأوضاع لما كانت عليه، وكذلك سحب بعض الملفات من المجلس السيادي مثل ملف السلام وتسليم شركات الجيش الاستثمارية لوزارة المالية (عدا الشركات التي تختص بالشؤون العسكرية)، وكذلك إسناد مسؤولية تعيين وزيري الداخلية والدفاع للمكون المدني الانتقالي، مع بقاء الجيش بشكل مهني واحترافي في السلطة.
وربما يضفي ذلك التباين في وجهات النظر والمصالح قدرًا كبيرًا من الصعوبة على المشهد، وكذلك على إعادة صياغته، لكن من الواضح أن مواقف الدول الخارجية، كذلك الضغوط الداخلية وخاصة مع احتكام القوى المدنية للشارع، كلها أمور ستدفع وستحكم عملية إعادة صياغة المشهد السوداني، وفق معادلة تستند إلى مصفوفة مصالح داخلية وخارجية متقاطعة.
الضغوط لتقاسم السلطة
تكشف المؤشرات عن انفراجة قد تؤدي إلى استعادة المرحلة الانتقالية إلى المسار مرة أخرى، ذلك بضغوط إقليمية ودولية لدفع أطراف المرحلة لإعادة التوافق مرة أخرى، عبر اتفاق لتقسام السلطة من جديد. وتشير الأخبار إلى حوار تم إجراؤه في العاصمة الخرطوم، الثلاثاء الماضي، بين كل من البرهان وحمدوك وجماعات مسلحة. لا يزال التدوال بشأن إبرام اتفاق نهائي قيد النقاش، وتشير الأخبار الأولية إلى التباين في وجهات النظر بين الطرفين، مع اقتراح أقرب للتوافق بتشكيل حمدوك لحكومة تكنوقراط.
وتأتي كافة جهود الوساطات في ضوء مبادرة من بعثة الأمم المتحدة في السودان لفتح حوار بين الأطراف المدنية والعسكرية لتجاوز الأزمة التي تمر بها البلاد. ورغم محاولات حلحلة الأزمة، إلا أن التباين الشديد في الرؤى والمواقف يثير التخوفات بشأن إجراء صفقة هشة تترك الأوضاع غير مستقرة، بما ينذر بعودة الانتكاسة مرة أخرى، خاصة في ظلّ الخبرة التي تفيد بفشل اتفاقات تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين.
فحتى اللحظة الأخيرة، يحذر رئيس حركة تحرير جيش السودان أركو مناوي من العودة إلى الوضع قبل 25 أكتوبر؛ إذ يعني عودة اعتصام القصر وإغلاق الشرق. على الجانب الآخر تتمسك الأحزاب والنقابات بالمسار الانتقالي المتمثل في الوثيقة الدستورية، كما تعارض مجموعة من الحركات المسلحة الإجراءات التي اتخذها البرهان.
وتشير الأخبار إلى صفقة تتضمن مسؤولية الجيش عن مجالس الأمن والدفاع التابعة للحكومة، مع دور أكبر للحكومة، وكذلك استمرار التوافق بشأن المجلس السيادي برئاسة البرهان مرة أخرى؛ فهناك حديث عن تشكيل مجلس تشريعي يتكون من مجلسي النواب والشيوخ، على أن يتكون الأخير من 100 عضو، عوضًا عن المجلس السيادي.
وتأتي هذه الصفقة في ظل الضغوط التي تمارسها واشنطن عبر المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي، إضافة إلى جهود مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان، الذي يقود مبادرة للتوسية تتضمن: عودة حمدوك لرئاسة حكومة ذات سلطات تنفيذية واسعة، وتكوين مجلس سيادة شرفي من 3 شخصيات وطنية، ومجلس للأمن والدفاع يقوده الشق العسكري.
وأعلن تجمع المهنيين، السبت 6 نوفمبر، مقترحًا جديدًا ينص على شكيل سلطة انتقالية مدنية مدتها 4 سنوات، واختيار شخصية مستقلة لرئاسة الحكومة، ومجلس وزراء من كفاءات، وتشكيل برلمان خلال شهرين، وإلغاء الإعلان الدستوري، إلا أن المقترح لم يلق تجاوبا من قبل البرهان.
ونص المقترح على أن يكون مجلس الوزراء مُساءلًا أمام البرلمان، وأن تتوافق القوى الموقعة على الإعلان والميثاق على اختيار مجلس سيادي مدني مصغر لا يتجاوز الخمسة أعضاء بصلاحيات تشريفية. ونصّ كذلك على تشكيل المجلس التشريعي خلال شهرين عبر اختيار القوى الثورية القاعدية في 189 محلية بالبلاد لشخصيات تمثلها، إلى جانب 61 مقعدًا مخصصا للتمثيل النوعي (النقابيين والمهنين والكائنات المطلبية والفئوية الأخرى) بما يضمن التمثيل العادل للشباب والمرأة، علاوة على إعادة هيكلة القوات المسلحة عبر تغيير عقيدتها لتتماشى مع دورها في حماية الوطن والدستور، وتصفية جهاز أمن حكومة الرئيس المعزول عمر البشير، وتأسيس جهاز أمن قومي جديد مهمته جمع وتحليل المعلومات التي تهم الأمن الوطني وتقديمها للجهات العدلية والتنفيذية.
واجتمع الأحد (7 نوفمبر 2021) عبد الله حمدوك بمجموعتي المجلس المركزي والميثاق الوطني بقوى الحرية والتغيير، وقد دعا حمدوك خلال اللقاء القوى المدنية إلى الاتفاق على موقف موحد، في حين أشار بعض المصادر إلى استمرار تمسك الطرفين بموقفيهما، مع تمسك حمدوك برفع حالة الطورائ وإطلاق سراح المعتقلين وتهيئة المناخ للحوار. ومن بين الآراء المطروحة بين القوى السياسية إيجاد رئيس وزراء جديد بموافقة حمدوك.
وفي ظل هذا السياق الملتبس، وتمسك حمدوك بموقف قوى الحرية والتغيير، تصاعد الخلاف مرة أخرى بين الطرفين، وغادر وسطاء كل من جنوب السودان والاتحاد الإفريقي دون تقريب في وجهات النظر، مع تصعيد تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير مرة أخرى، والعودة إلى الاعتصامات مرة أخرى، والدعوة إلى فض الشراكة مع المكون العسكري. ويثير هذا الموقف المرتبك الكثير من الشكوك حول مستقبل الشراكة وكذلك مستقبل المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد.
في ظلّ هذا التعنت واستمرار الاعتصمات في الشارع، من المرجح أن يتم تشكيل حكومة لا توافق عليها القوى المدنية، بما يدفع باستمرار الأزمة والانقسام في الشارع، في ظلّ رفض أطراف الوثيقة الدستورية لتلك الإجراءات، كذلك رفض بعض الحركات المسلحة لتلك الإجراءات، مع عدم إمكانية تعيين كفاءات تحل محل الحركات المسلحة في المقاعد المخصصة لها في الحكومة. وهي الإشكاليات التي تجعل من التوافق في الفترة المقبلة عملية معقدة.
ويبقى مستقبل السودان في الأخير مرهونًا برؤى الأطراف الحاكمة للمشهد، ومصالح الأطراف الدولية المتدخلة بأجندات مختلفة، على نحوٍ يضفي ليس فقط صعوبة في مسار البلاد الديمقراطي، ولكن يضفي مزيدًا من التوجس حول شكل نظام الحكم الذي تكون عليه البلاد بعد أعوام من إحكام القبضة العسكرية، وكذلك سيادة الصراعات العرقية وهشاشة الممارسة الحزبية، وضعف المؤسسات السياسية، وغياب ثقافة سياسية وممارسة ديمقراطية تقود البلاد إلى ترسيخ حكم مدني ديمقراطي.
وهذه المعضلات المتعلقة بغياب الثقافة السياسية والمؤسسات الدستورية الاحترافية تفرض على أطراف العملية السياسية -خاصة الأحزاب السودانية المتشرذمة- العمل على إعادة توحيد النخب والرؤى، والاصطفاف مع مستقبل بناء البلاد، وفق رؤية وطنية شاملة، بعيدًا عن المحاصصات الحزبية والمظالم العرقية والتاريخية، وحالة التشرذم والتقسيم الذي تسود ليس فقط تراب البلاد وأطرافها المترامية جغرافيًا، ولكن كذلك تسود أجندات الفواعل والنخب السياسية التي تقود دفة الحكم بالسودان.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية



