سوريا

الطريق إلى إدلب محفوف بالأطماع التركية

بعد أن فرض الجيش السوري سيطرته على مدينة خان شيخون الاستراتيجية جنوبي محافظة إدلب، بدأ في تكثيف عملياته العسكرية والتقدم نحو المحافظة، معلنًا بذلك اشتباكه الصريح مع القوات التركية هناك، خاصة بعد أن استهدف رتلًا عسكريًا تركيًا كان في طريقه إلى نقطة مراقبة في إدلب.

التحرك السوري جاء مدعومًا بتأييد عسكري روسي على أوسع نطاق، تعدّى حدود الإسناد الجوي فقط، إلى وجود قوات روسية تساهم في المعارك على الأرض بجانب الجيش السوري، في إشارة واضحة إلى تركيا بأن مساعيها لن تتحقق عسكريًا على الإطلاق.

تركيا بين شقي الرحى

هجمات الجيش السوري في إدلب تهدد الأمن القومي التركي، تأكيد جاء على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لنظيره الروسي فلاديمير بوتين في اتصال هاتفي يوم الجمعة 23 أغسطس الجاري، انتقد فيه التعامل السوري مع المسلحين في شمال سوريا، وخاصة إدلب، واستهداف تحركاتهم وتحصيناتهم، ومحاولة استعادة السيطرة على المحافظة التي تُعدُّ آخر المناطق التي يلوذ بها الإرهابيون في سوريا، بدعوى أن ذلك ينتهك وقفًا لإطلاق النار في إدلب، ويلحق الضرر بالجهود الرامية إلى حل الصراع في سوريا.

ولكن في حقيقة الأمر، فإن الاستياء التركي راجع إلى أن العمليات السورية تستهدف فصائل وجماعات مسلحة تدعمها أنقرة، وتتخذ تركيا من نقاط مراقبتها داخل إدلب التي تم الاتفاق عليها في سوتشي في سبتمبر عام 2018، سبيلًا لتوفير الدعم اللازم لهذه الجماعات، ولذلك تصر على أن تبقي تواجدها في هذه النقاط، حتى نقطة المراقبة التاسعة الواقعة في بلدة مورك التي يحاصرها الجيش السوري، إذ أكد وزير الخارجية التركي، أن جنود بلاده لن يغادروا نقطة المراقبة المطوقة جنوب إدلب.

هذا على الرغم من استمرار الحشد العسكري السوري في إدلب، واقتراب الجيش من السيطرة على معرة النعمان، بعدما تمكّن من السيطرة على كافة البلدات والقرى التي كانت تحت سيطرة الجماعات الإرهابية في ريف حماة الشمالي، وقبلها استعادة السيطرة على خان شيخون.

لا مناص من التهدئة

لا يمكن للتحركات التركية في إدلب أن تستمر كما كانت، ولا يمكن للوضع العسكري في إدلب أن يعود إلى ما كان عليه، في ظل التغيرات الجارية على الأرض، بتقدم الجيش السوري على محاور عدة في طريقه نحو السيطرة على إدلب كاملة، والدعم الروسي غير المحدود له، ولا قِبَل لتركيا وجيشها بمواجهة عسكرية مع روسيا، خاصة مع تصريحات الرئيس الروسي السابقة بأن روسيا تدعم جهود الجيش السوري للقضاء على الإرهاب في إدلب، ولذلك فلم يعد أمام أردوغان إلا أن يلجأ إلى التهدئة ومحاولة الوصول إلى اتفاق يحفظ ماء وجهه، ويُبقي على آخر ما تبقى له في سوريا.

ويمكن النظر إلى الزيارة المرتقبة للرئيس التركي إلى روسيا ولقائه بنظيره الروسي، يوم الثلاثاء المقبل 27 أغسطس الجاري، والتي تم الإعلان عنها اليوم، ضمن هذا الإطار، خاصة بعد الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيسين يوم الجمعة الماضي، وتم الاتفاق خلاله على تفعيل الجهود المشتركة بشأن إدلب.

ولكنّ هذه الجهود “المشتركة” سبقتها عمليات “مشتركة” أيضًا بين واشنطن وأنقرة ينظمها مركز في أنقرة، بدأ أعماله بشكل كامل اليوم، للتنسيق بشأن إنشاء المنطقة الآمنة في إدلب، وستكون التطورات في إدلب هي موضوع اتصال هاتفي سيجمع أردوغان والرئيس الأمريكي ترامب في الأيام القادمة. فتركيا بذلك تلعب على الوترين الأمريكي والروسي في الوقت ذاته، طمعًا في تحقيق أكبر مكاسب ممكنة، ولكن قد يتبخر هذا الحلم في النهاية دون تحقيق شيء.

فرغم الاتفاق التركي الأمريكي على إقامة المنطقة الآمنة في إدلب، فلا يمكن التصور بأن إنشاء هذه المنطقة سيكون بالأمر اليسير، لأن دمشق ومن ورائها موسكو يرفضان تمامًا هذا المقترح التركي، ويمكنهما التصدي له بكافة السبل العسكرية، وخاصة بعدما حمّلت دمشق أنقرة مسؤولية ما يحدث في إدلب، على إثر عدم التزامها باتفاق سوتشي ووجود قواتها غير المشروع في الشمال السوري، وإرسالها تعزيزات عسكرية إلى نقاط المراقبة في إدلب.

الاتفاق وارد

 ولذلك لجأ أردوغان إلى الخيار السياسي والدبلوماسي، وقد يجد نفسه في وقت من الأوقات مجبرًا على المضي قدمًا في مساري أستانا وسوتشي وفقًا للمعطيات الجديدة، مع وجود احتمالية أيضًا إلى التوصل لاتفاق رباعي يجمع موسكو وواشنطن وطهران وأنقرة، قد يتم التوصل إليه في الاجتماع الذي ستستضيفه العاصمة التركية أنقرة في 16 سبتمبر المقبل بين رؤساء كل من تركيا وروسيا وإيران.

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى