السودان

تجميد لجنة إزالة التمكين في السودان.. دوافع وتداعيات

شكٌلت قرارات الفريق “عبد الفتاح البرهان” القائد العام للقوات المسلحة السودانية في الخامس والعشرين من أكتوبر نقطة تحول جذرية في المشهد السياسي السوداني المتأزم، ولعل ذلك التحرك والإطاحة بالحكومة السودانية هو ترجمة حقيقة لوضعية الصدام والتصدع التي شهدها المجتمع السياسي وتحديدًا بين المكونين المدني والعسكري، ومآلات ذلك الخطيرة على الوضع العام الداخلي.

ولعل تضمين تلك القرارات للبند التاسع منها والمتمثل تجميد عمل لجنة إزالة التمكين لمراجعة أعمالها، بمثابة نقطة رجوع مرة أخرى لما قبل الوثيقة الدستورية، إلى جانب أنها تفتح هامشًا للمناورة من جانب مناصري نظام “البشير”، غير أن تلك الخطوة تأتي كإجراء مكمل لإعادة النظر والتقييم الشامل للفترة الانتقالية السابقة.

دوافع متعددة

إن المتأمل لقرار “البرهان” حيال تلك اللجنة رغم ما حققته من إنجازات على الأرض عبر الضربات المتعددة لمعاقل النظام السابق والشبكات المختلفة التي تعاونت مع “البشير”؛ يدرك أنه يأتي لدوافع متعددة تتجلى في الآتي:

  • تناقضات الصلاحيات: لعل هذا القرار جاء في ضوء وضعية الاضطراب والتداخل في الصلاحيات بين لجنة إزالة التمكين وعدد من الجهات الأخرى على رأسها السلطة القضائية، وقد برز ذلك في قرار المحكمة العليا بإبطال القرارات الصادرة من اللجنة حول إنهاء خدمة 17 قاضيًا من ضمنهم 7 قضاة من المحكمة العليا. ولعل انعكاس ذلك تجلى في قرار نادي القضاة بتعليق جميع المحاكم لمدة ثلاثة أيام منذ 29 سبتمبر 2021، وهذا يُعد تكتيكًا من جانب اللجنة لفرض هيمنتها على المشهد السياسي السوداني والكيانات المختلفة مما قد يُسبب في ضرب المؤسسات وإحداث أزمة مؤسساتية، لذا جاء قرار التجميد لحين تحديد الصلاحيات وتقييم أعمالها المختلفة.
  • الانحياز والخروج عن الحيادية: لقد برز في الفترة الأخيرة انحياز عن خط الحيادية والعدول على طبيعة المهام الخاصة باللجنة، ورغم استقلاليتها عن العمل السياسي إلا أنه في ضوء تصاعد الأزمة بين المكون المدني العسكري بات هناك انخراط واضح للجنة في المشهد السياسي، وانحياز واضح للمكون المدني دفاعًا عن الحكومة السودانية وتقويض عمل مهام القوات المسلحة.

وبرز ذلك غير مرة في الدعوات التحريضية التي أطلقتها اللجنة للنزول إلى الشارع لدعم حكومة “حمدوك” ورفض الحكم العسكري، بل التحريض لقيام الشعب بتوسيع دائرة الاحتجاجات الشعبية المناهضة لحكم العسكريين، وبرز ذلك في توصيف عضو لجنة إزالة التمكين في السودان “إسماعيل التاج” تعاطي المكون العسكري مع الأزمة بأنه “تجاوز الخطوط الحمراء، ومن ثٌم يجب عزل “البرهان””، وما تبعها من التفاف من جانب قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة حيال مطالب اللجنة، مما يُذكي التناحر الشعبي الداخلي وإحداث تصدع بين الرأي العام والمؤسسة العسكرية.

فضلًا عن ذلك فقد انحازت اللجنة بصورة كبيرة لبند توحيد المؤسسة العسكرية بحيث يكون جيش موحد يعمل في إطار التعاون مع مؤسسات الدولة، تلك الدعوة لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية سببت ضغطًا مضاعفًا في الشارع للضغط على “عبد الفتاح البرهان” وقائد قوات الدعم السريع “محمد حمدان دقلو” في هذا الملف الذي يُعد محل رفض تام بالنسبة لدقلو”، وباتت اللجنة تنتهج أسلوب إثارة الكراهية ضد القوات النظامية.

  • افتعال الأزمات مع الأجهزة الأمنية: وهو ما برز بصورة واضحة في التصريحات المختلفة الصادرة عن اللجنة حول قيام الأجهزة الأمنية بوضع 11 شخصًا على قائمة الممنوعين من السفر في ضوء حرب الشائعات الداخلية، ولعل تشكيل لجنة من المخابرات العامة وتمثيلها في لجنة إزالة التمكين ومحاولة مزجها باللجنة المشكلة برئاسة مجلس الوزراء السوداني للتحقيق في قائمة الممنوعين من السفر يُمثل رغبة من المكون المدني في استقطاب الأجهزة الأمنية ذات الأهمية الكبيرة داخل الساحة السودانية وذات تأثير على مجريات الأمور.

وذلك في إطار رغبة هذا المكون في تحقيق توازن مع المكون العسكري، خاصة في ظل فشل بعض القوى الثورية والحزبية في إحداث هزة نوعية في العلاقة بين “البرهان” و “حميدتي” تحت مظلة تأسيس جيش موحد بين المؤسسة العسكرية وقوات الدعم السريع والفصائل المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، لذا تلجأ دائمًا القوى السياسية للأوراق البديلة وهو ما دفع بها إلى محاولة استقطاب المخابرات العامة لصالحها في ضوء تلك المعادلة المرٌكبة.

  • إعادة تقييم شامل: مثّلت تحركات اللجنة وقراراتها المختلفة نقطة ضغط مضاعفة على المجلس السيادي وخاصة الجانب العسكري، فقد كانت سببًا وراء احتجاجات شرق السودان وهو ما يُفسر مطالب الشرق بحل اللجنة كأحد مطالبهم الرئيسة، مما راكم سخط أنصار النظام السابق تجاه المؤسسة العسكرية، وهو الأمر الذي دفع شرق السودان للتلويح باستخدام ورقة الحكم الذاتي والانفصال في حال استمرارية عمل تلك اللجنة، لذا جاء التجميد لتحقيق تهدئة نسبية في هذا الإقليم الاستراتيجي، وجاء قرار سحب القوات الأمنية المكلفة بتأمين وحراسة نحو 22 مقرًا تابعًا للجنة دليلًا آخر على حالة التخلي عن دعمها، خاصة وأنها أصبحت طرفًا في معادلة التصعيد التي شهدها السودان.

انعكاسات محتملة

نتيجة للموقف الراهن وتقديرًا لمآلات تجميد لجنة إزالة التمكين فإنه من المحتمل أن يترتب عليه جملة من التداعيات يمكن توضيحها في الآتي:

  • إفساح المجال أمام تحرك عناصر النظام السابق: لقد لعبت اللجنة دورًا كبيرًا في تقليص أنشطة الكيانات والأفراد التابعة لنظام الإنقاذ وتفكيك البنية السياسية وشبكة العلاقات التي تم تأسيسها خلال تلك الفترة، بيد أن توقف اللجنة عن عملها يُتيح لأعضاء حزب “المؤتمر الوطني” المنحل العودة مرة أخرى لتحريك الشارع السياسي وإرباك المشهد العام، وهو ما يُنذر بعودة تدريجية لأعضاء جماعة الإخوان بالسودان.
  • الانخراط الميداني: إن قرار التجميد للجنة إزالة التمكين ربما يفُضي إلى انشقاقات داخل اللجنة ذاتها ما بين داعم لما جاء من قرارات القيادة العامة للقوات المسلحة، وشريحة أخرى عريضة تُشارك بصورة ميدانية مع التظاهرات والاحتجاجات المناهضة لتلك القرار.
  • هامش مناورة للتكتلات الموالية: إن توقف عمل اللجنة يُعطي مرونة حركة للتكتلات والجماعات الداعمة لنظام البشير في عمليات نقل الأموال أو التصرف بها استغلالًا لحالة الاضطراب الداخلي وعودة الدولة الموازية، خاصة الفاعلين الخارجين كما هو الحال بالنسبة لحركة حماس التي أصدرت اللجنة في الثالث والعشرين من سبتمبر 2021 بمصادرة عدد 12 شركة من ممتلكاتها، وهذا التوقف لعمل اللجنة ليس في صالح مسار السودان في الإجراءات المتعددة التي تم اتخاذها لتفكيك قواعد ومرتكزات النظام البائد.

وفي التقدير؛ إن قرار القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية فيما يتعلق بتعليق عمل لجنة إزالة التمكين سيؤثر بصورة كبيرة على المحطات الفيصلية التي خاضتها اللجنة لتفكيك النظام السابق وقواعده المختلفة، وخاصة القاعدة الاقتصادية قبل السياسية، والنجاحات التي استطاعت من خلالها تقويض تحرك منتسبي نظام البشير للتأثير أو محاولة القفز على الأوضاع الحالية. لذا يتطلب الأمر توسيع دائرة المشاركة داخل لجنة إزالة التمكين من الأطراف جميعًا، إلى جانب تدشين لجنة للاستئناف والانتقال من فكرة تصفية الحسابات التي باتت سائدة حيال تلك اللجنة إلى حالة موضوعية تُعلى من المصلحة العليا للسودان، ويأتي ذلك بالتوازي مع تشكيل حكومة تكنوقراط توائم متطلبات المرحلة الراهنة مع توسيع قاعدتها السياسية، بدون أي تأخير، وذلك لسد ثغرات ربما تدفع رموز وعناصر النظام السابق للعودة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى