
الخطاب التحريضي ضد الفلسطينيين في الإعلام الإسرائيلي.. أداة فعالة لإشعال الصراع
منذ قيام الحركة الصهيونية على يد “ثيودور هرتزل”، شكل الإعلام حجر الزاوية في الاستراتيجية الصهيونية؛ إذ أدركت الحركة ما يمثله من أهمية لإنجاح مشروعها. وقبل انعقاد “المؤتمر الصهيوني الأول” صرّح الحاخام اليهودي “راستورون” في خطاب له بمدينة براغ عام 1869 قائلًا ”إذا كان المال هو القوة التي نستطيع من خلالها السيطرة على العالم، فإن الإعلام لا يقل عنه قوة”.
وفي أعقاب ذلك، نص المؤتمر الصهيوني العام الأول على أهمية السيطرة على وسائل الإعلام. ومع تأسيس الدولة العبرية، اعتمدت وسائل الإعلام على منهجية ثابتة لصناعة الأكاذيب وترويج الإشاعات بِحرفية عالية، وأكدت ذلك مقولة “بن جوريون”: “لقد أقام الإعلام دولتنا، واستطاع أن يساعدنا في الحصول على مشروعيتها الدولية”؛ فقد كان يؤمن بأن وظيفة الإعلام الإسرائيلي الأساسية هو الدفاع عن المشروع الصهيوني، ولعل هذا ما دفعه لاحقًا إلى تأسيس ما يسمى “هيئة رؤساء تحرير الصحف”، والتي ضمّت كافة رؤساء الصحف المستقلة والحزبية آنذاك، والتي كانت أحد أهم أذرع الموساد الإسرائيلي.
ومع تطور تكنولوجيا الإعلام والصحافة، استغلت إسرائيل التلفزيون والإذاعة والصحف من أجل خوض الحرب الإعلامية، فازدادت الحملات الدعائية النفسية ضد الفلسطينيين، واستغل الإسرائيليون وسائل التواصل الاجتماعي وتم توظيفها لتعزيز الحرب النفسية وخلق صورة مثالية لإسرائيل، بالإضافة إلى تزوير الحقائق وبث الأفكار المضللة. واعتمد الإعلام الإسرائيلي كذلك على استخدام أسلوب التكرار وتشويه الحقائق من أجل إبراز مفاهيم معينة وتصديرها إلى العالم؛ إذ يعدّ التضليل الإعلامي من أعتى أدوات الإعلام الإسرائيلي، والتي بذلت كل الجهد في سبيل ترسيخ وصف الإسرائيلي بأنه ذكي وفعال قادر على الابتكار، بينما تصور الفلسطيني أنه عدواني مخرب.
التضليل والحرب النفسية.. أهداف راسخة
تتلخص أهداف وسائل الإعلام الإسرائيلية في الترويج للفكر الصهيوني وقوة إسرائيل؛ ولعل هذا ما يتضمنه البند الثالث من قانون الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلي، والذي ورد فيه أن “الهدف من الإعلام الإسرائيلي في كافة المجالات، هو إظهار الطابع الصهيوني لإسرائيل وكفاح اليهود وإبداعاتهم وأهم انجازاتهم على كافة المستويات، مع تعميق الإنتماء اليهودي والصهيوني معًا، والتعبير والدعاية للحياة الثقافية اليهودية في العالم أجمع، وبث برامج بالعربية لترويض الجمهور العربي في أراضي عام 1948، وترويج دعاية للفلسطينيين والعرب عمومًا وفق أهداف السياسة الصهيونية، إضافة إلى بث برامج خارج حدود إسرائيل لتحقيق أهداف الصهيونية، والدفاع عن السياسة الإسرائيلية، وخاصة العدوانية والمتعلقة بالاستيطان والتهويد وأعمال العنف الحربية التي تشنها إسرائيل”.
من هذا المنطلق فإن إسرائيل تعمل منذ عقود على استقطاب متابعين من الفلسطينيين والعرب إلى وسائل الإعلام الخاصة بها؛ لذلك، خصصت مساحة كبيرة لإعلامها باللغة العربية، فالإذاعة الإسرائيلية أفردت موجة خاصة للبث باللغة العربية، وأطلقت الفضائية الإسرائيلية باللغة العربية في عام 2001، ذلك بالإضافة إلى قناة “I24” التي تم تأسيسها قبل أعوام قليلة.
أما بالنسبة للصحافة، ركزت إسرائيل جهدها الأكبر على الصحافة الإلكترونية، ومن أهمها، موقع “تايمز أوف إسرائيل” الذي يبث تقارير معمقة ومتحيزة للرواية الإسرائيلية، بالإضافة إلى بعض المواقع الإسرائيلية باللغة العربية وأهمها، إسرائيل بالعربية، ووزارة الخارجية الإسرائيلية، ويتم الاعتماد بشكل أساسي على ما حققته الصفحات التابعة لتلك المواقع على وسائل التواصل الاجتماعي.
بشكل أساسي، تعتمد الاستراتيجية الإعلامية لإسرائيل على مبدأ التضليل كوسيلة لتحقيق الأهداف الصهيونية المتأصلة. وفي هذا السياق، قال ”مناحيم بيجن” رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق في أحد مؤلفاته: ”علينا أن نعمل، ولنعمل بسرعة فائقة قبل أن يستفيق العرب من سباتهم، فيطلعوا على وسائلنا الإعلامية الدعائية، فإذا استفاقوا ووقعت بأيديهم تلك الوسائل وعرفوا دعامتها وأسسها فعندئذ لن تفيدنا مساعدات أمريكا”.
ويعتمد الإعلام الإسرائيلي على الدعاية المنظمة ونشر الخطط ذات الأهداف الاستراتيجية الواضحة، حيث يركز على تكرار مجموعة من القضايا والدعاوى الباطلة لترسيخها في الأذهان وتثبيتها في الذاكرة حتى تصبح وكأنها حقائق مسلم بها، كما يتم ترسيخ مصطلحات محددة للتأثير على الإدراك الباطن لكل ما يخص القضية الفلسطينية.
وسائل التواصل الاجتماعي.. الأداة الأكثر فعالية لتعزيز خطاب الكراهية
استغلت إسرائيل مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لها وتصوريها على أنها دولة سلام متقدمة متسامحة تواجه الفلسطينيين الذين يتم تصوريهم كمخربين إرهابيين. ونجحت بالفعل في الانتشار وجذب الملايين من المواطنين العرب لمتابعة الصفحات الإسرائيلية، خاصة وأن المتحدثين الرسميين ناشطين على تلك الصفحات ويبذلون قصارى جهدهم لتبرير السياسات الإسرائيلية ورسم صورة مثالية عن إسرائيل.
وأبرز هؤلاء هو الناطق باسم الجيش الإسرائيلي “أفيخاي أدرعي”، حيث يعمل على استخدام مصطلحات ملطفة للتمويه على بشاعة الممارسات الإسرائيلية، ويستند إلى صناعة أخبار وهمية بل ويقوم بتزييف المعلومات التاريخية أيضًا حتى يبث صورة مثالية لإسرائيل في وعي المشاهد أو القارئ. وفي هذا الصدد، ذكرت “جولدا مائير” مقولة تدلل على هذا المنطق، وهي: “لن أسامح الفلسطينيين لأنهم يجبرون جنودنا على قتلهم”.
ومؤخرًا، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إذ يحاول كل طرف منهما الاستفادة من أدواته الإلكترونية لإيصال صوته وحشد الدعم العالمي لموقفه. وقد عملت إسرائيل على مدار السنوات الأخيرة على استغلال تلك المواقع من خلال بث المواد المزيفة والتحريض ضد الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، نشر “المركز العربي للنهوض بوسائل التواصل الاجتماعي” مؤشر العنصرية والتحريض في الشبكات الاجتماعية الإسرائيلية -وهو تقرير سنوي يصدر عن حملة “حملة”، يرصد تقاطع استخدام الخطاب العنصري والعنيف ضد العرب والفلسطينيين على مدار العام- وقد أظهرت نتائج مؤشر العنصرية والتحريض في الشبكات الاجتماعية الإسرائيلية خلال عام 2020، ارتفاع الخطاب العنيف ضد الفلسطينيين والعرب بنسبة 16٪ مقارنة بعام 2019. وأشارت النتائج إلى انتشار حوالي 574.000 محادثة تضمنت خطابًا عنيفًا تجاه الفلسطينيين والعرب، حيث احتوى 1 من كل 10 منشورات عن فلسطينيين وعرب على خطاب عنيف. مع نشر 495000 منشور عنيف في عام 2020، كانت هناك زيادة قدرها 79000 مشاركة مقارنة بالعام السابق.
وأظهرت النتائج أيضًا ارتفاع الخطاب العنصري تجاه الفلسطينيين والعرب بسبب وباء فيروس كورونا بنسبة 21٪، إذ شكل خطاب الكراهية 29٪ والتحريض 7٪ من هذه المنشورات. وكان أبرز منصة استخدمت لنشر العنصرية والتحريض خلال العام السابق هو موقع تويتر بنسبة 61٪ من جميع المنشورات العنيفة. وتعد الزيادة بأكثر من الضعف مقارنة بعام 2019. من ناحية أخرى، تراجع موقع فيسبوك إلى المركز الثاني بنسبة 19٪ وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 20٪ مقارنة بعام 2019.
تزايد مؤشر العنصرية والتحريض في الإعلام العبري
ووفقًا لتقارير وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، والتي تقوم برصد وتوثيق الخطاب التحريضي والعنصري في الإعلام العبري المرئي، والمكتوب، والمسموع، وبعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لشخصيّات سياسيّة واعتباريّة في المجتمع الإسرائيلي، فإن هناك تزايدًا مستمرًا لمؤشر الخطاب التحريضي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في وسائل الإعلام المختلفة.
ففي شهر أكتوبر 2021 فقط، جاء على صحيفة “معاريف” تفوهات عنصرية أطلقها عضو الكنيست “بتسلئيل سموتريتش” بحق النواب العرب، حيث قام بتوجيه تحريض تجاه أعضاء البرلمان العرب، ونعتهم بداعمي الإرهاب وأيديهم ملطخة بالدماء، وقال أيضًا “أنتم هنا بالخطأ، لأن بن جوريون لم ينه مهمته، ولم يقم برميكم عام 48، بن جوريون لو علم ما سيتمخّض عن المجتمع الفلسطيني في الداخل لما أوقف قوافل اللاجئين”، الأمر الذي أثار ضجة ضد تصريحاته والمطالبة بتقديمه لجلسة تأديبيّة
وفي صحيفة “يسرائيل هيوم” تطرّق مقالان إلى التحريض من المجتمع الإسرائيلي ضد الوجود الفلسطيني، معتبرين إقامة الحي الفلسطيني “لانا” بمثابة تهديد وجودي بالنسبة لهم. وفي الشهر نفسه، كتب عضو الكنيست عن حزب يمينا “عميحاي شيكلي”، على “الفيسبوك” عن المجتمع الفلسطيني داخل أراضي عام 1948، بقوله: العنف المستشري في المجتمع العربي هو نتاج عن الجينات الثقافية التي تميز الكثير من المجتمعات العربية في الشرق الأوسط، انظروا ماذا يحدث في سوريا ولبنان، حيث تقدّس هذه الجينات، فوق كل شيء، الاحترام والقوة، كما ترى في العنف وسيلة شرعية لحل المشاكل في الدائرة العائلية، المجتمعية والوطنية. وحين نضيف لتلك الجينات الغيرة الإسلامية الدينية والوطنية الفلسطينية فتكون النتيجة عبوة ناسفة لا يمكن التعامل معها باللطف أو بالحديث”.
أما بالنسبة لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين التحريضية، فالعديد منهم دعا إلى القضاء على الفلسطينيين، وأصدروا تصريحات غاية في العنصرية ضدهم، ومن هؤلاء، رئيس الوزراء الأسبق “مناحيم بيجن، حيث صرح “أن الفلسطينيين كجرد حيوانات تسير على قدمين”. وقامت “إيليت شاكيد”، وزيرة الداخلية، بكتابة منشور في عام 2014 على حسابها في “فيسبوك” وصفت فيه الشعب الفلسطيني بأنه بأكمله “عدو لإسرائيل” ودعت إلى تدمير المدن والقرى الفلسطينية وكل ما فيها من البنى التحتية، وفي تصريحات علنية لاحقا، حرضت شكد على قتل “الإرهابيين الفلسطينيين” وأمهاتهم وتدمير منازلهم. ولم يقف الأمر عند تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، بل أن الأحزاب الإسرائيلية أصبحت تتنافس فيما بينها بإصدار تصريحات عنصرية والتعبير عن مدى العداء والكراهية والحقد ضد الشعب الفلسطيني وقيادته وحقه في الاستقلال والدولة، وذلك كجزء من حملاتها الانتخابية.
وفيما يخص تزايد مؤشر التحريض والعنصرية في الإعلام الإسرائيلي، أصدر المركز العربي للحريات الإعلامية والتنمية والبحوث، في أغسطس الماضي، تقريرًا كميًا يرصد خطاب التحريض والعنصرية في الإعلام الإسرائيلي ضد كافة شرائح المجتمع الفلسطيني. وتضمّن البحث رصدًا للصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة، بالإضافة إلى تعقب صفحات سياسيين وإعلاميين إسرائيليين على مواقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك وتويتر”. ورصد التقرير 74 حالة تحريض وعنصرية ضد المجتمع الفلسطيني.
وقد تبين من النتائج أن المنصة الأكثر تحريضًا على الفلسطينيين هي “فيسبوك” بنسبة 41% (30 حالة من مجمل الحالات)، تليها صحيفة “يسرائيل هيوم” بنسبة 20% (15 من مجمل الحالات)، صحيفة “معاريف” بنسبة 18% (13 حالة) وشبكة “تويتر” بنسبة 12% (9 حالات من مجمل الحالات).
ووفقًا للتقرير، فإن الجهات المستهدفة في الإعلام الإسرائيلي تتغيّر وفقا للتطورات الأمنية والسياسية على الساحة الإسرائيليّة، فقد شهد شهر يوليو تحريضًا أرعن على الفلسطينيين سكان الضفة الغربية والقيادات السياسية في الداخل، وذلك عقب قانون المواطنة العنصري الذي يمنع الفلسطينيين من تقديم طلبات للم الشمل. وكذلك، جذب تعاون الأحزاب العربية مع الحكومة الحالية الكثير من التحريض ونزع الشرعية عن أعضاء البرلمان العرب.
تطرّق البحث، أيضا، إلى نوعية التحريض المتّبعة في المقالات والتقارير الاخبارية متنوعة؛ فبعضها يشرعن العقوبات الجماعية واستعمال القوّة ضد الفلسطينيين، بعضها الآخر يقوم بشيطنة الفلسطينيين واستعمال أسلوب التعميم، وهنالك مقالات تقوم بنزع الشرعية عن الفلسطينيين وقياداتهم، وبعض المقالات تبرز فيها الفوقية العرقية اليهودية واستخدام خطاب العنصرية وتصوير إسرائيل بدور الضحية. وحسبما ورد بالتقرير، فإن غالبية المقالات تحتوي على أكثر من نوع تحريضِ واحدِ في نفس المقال.
وفي يونيو الماضي، نشرت “حملة- المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي”، نتائج مؤشر العنصرية والكراهية والتحريض ضد العرب والفلسطينيين التي نشرت باللغة العبرية في الفترة ما بين 6-21 مايو المنصرم، أي خلال ذروة العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، والذي شهد عدوانًا امتد للفضاء الرقمي والحقوق الرقمية الفلسطينية، وقد أوضحت النتائج زيادة ب 15 ضعف في الخطاب العنيف مقارنة بالفترة الزمنية الممثالة من العام الماضي.
وأوضحت النتائج انتشار 183,000 محادثة تضمنت عنصرية أو سب أو تحريض ضد العرب من أصل 1,090,000 محادثة رصدها التقرير حول السكان العرب والفلسطينيين بشكل عام على الإنترنت، حيث شكل الخطاب التحريضي على العنف ما نسبته 29%، بينما شكلت الشتائم ضد العرب والفلسطينيين ما نسبته 31%. وقد شكلت المحادثات العنصرية تجاه العرب والفلسطينيين 40%.
وقد تنوعت الخطابات بين خطابات عنيفة في سياق عسكري وأمني بنسبة 76% من الخطاب، فيما شكل 11% من الخطاب مضمونًا حول القضية السياسية، والتي وجه معظمها إلى أعضاء الكنيست العرب ككل، وذلك على خلفية محاولات تشكيل حكومة تغيير تعتمد على الأحزاب العربية، وقد جاءت 5% من المحادثات العنيفة في السياق الاقتصادي، والتي تضمنت دعوات للمقاطعة الاقتصادية للسكان العرب، ووفقًا للمؤشر فقد وجد أن “تويتر” هي الأكثر “عنفًا” بنسبة 58%.
ويذكر أن مؤشر التحريض والعنصرية هو تقرير يرصد تقاطع استخدام التسميات والكلمات العنصريّة والعنيفة ضد العرب والفلسطينيّين، وقد قام المركز بهذا التقرير في الفترة السابق ذكرها لما شهده الفضاء الرقمي من هجمات على المحتوى الفلسطيني، وانتشار للخطاب العنيف الإسرائيلي على الإنترنت.
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية في يناير 2021، فإن نوعيّة التحريض المتّبعة تعتمد على التعريف المتعارف عليه أكاديميّا مثل العقاب الجماعي، وشرعنة استعمال القوة ونزع الشرعية والشيطنة، والتعميم، والفوقيّة العرقيّة والعنصرية وتصوير إسرائيل بدور الضحية. وتظهر النتائج أن 50 % من حالات التحريض على المجتمع الفلسطيني تأتي من قبل صحفيين، و46 % تأتي من قبل سياسيّين فعّالين، أي أنهم أعضاء برلمان ووزراء حاليين، و2 % من قبل شخصيات عسكرية، و2 % من قبل مستوطنين.
الأطر السياسية والعقائدية للخطاب الإعلامي الإسرائيلي
- الحرب النفسية تجاه الفلسطينيين:
تعد الحرب النفسية أحد مفردات الإعلام الإسرائيلي، الذي يشنُّ هجومًا مبرمجًا يستهدف التأثير على عقول الفلسطينيين ونفسياتهم، وتستند تلك الحرب في أدواتها على نشر الإشاعات والتعتيم الإعلامي وتكرار الحديث عن بعض الظواهر لأسباب أمنية في ثوب إعلامي.
وتتخذ الحرب الإعلامية الإسرائيلية طرقًا ووسائل عديدة في تحقيق الأهداف بصورة مرحلية، عبر إثارة الإشاعات والدعاية الكاذبة في صفوف الجماهير الفلسطينية، بهدف غرس الخوف والتمزق في نفوسهم من جهة، وهز ثقتهم بقياداتهم من جهة أخرى. وأوكلت إسرائيل إلى التليفزيون والإذاعة الناطقين باللغة العربية مهمة شن حرب نفسية لا هوادة فيها على الفلسطينيين والعرب، والتأثير بشكل واضح على روحهم المعنوية وحالتهم النفسية. ومن ثم، فإن هدف الإعلام الإسرائيلي منذ بداية تأسيسه هو تشويش وتشويه المعلومات، وهز الثقة بالنفس لدى الفلسطينيين.
- الترويج للأكاذيب واستخدام المصطلحات الموجهة:
تعتمد وسائل الإعلام الإسرائيلية على تشويه الحقائق والترويج للأكاذيب التي تصب في صالح تحقيق أهداف السياسة الإسرائيلية، ومن الأساليب التي تنتهجها وسائل الإعلام الإسرائيلية لتسويق الأكاذيب وترويجها، استخدام صيغة المبني للمجهول، كما في كلمة (قُتِل) لإبقاء الفاعل مجهولًا، وتقليل مسؤولية جيش الدفاع الإسرائيلي، كما تعتمد على طرح عدد من الروايات المتناقضة لحادث واحد، لوضع المتلقي بين علامات الاستفهام حول تلك الروايات.
وفي هذا الإطار، يستخدم الإعلام الإسرائيلي، مصطلحات محددة، مثل رئيس السلطة الفلسطينية، بدلًا من الرئيس الفلسطيني، وجيش الدفاع بدلًا من الجيش الإسرائيلي، ومناطق الحكم الذاتي بدلًا من الضفة الغربية، ويهودا والسامرة مقابل الضفة، وأورشليم بدلًا من القدس، وحائط المبكى بدلًا من حائط البراق، وجبل الهيكل في إشارة إلى المسجد الأقصى، بالإضافة إلى مصطلحات مطاردين ومخربين في وصف المقاتلين ومواطنين في وصف المستوطنين.
- تغييب الرواية الفلسطينية:
على الرغم من الإمكانيات الهائلة المتاحة لوسائل الإعلام الإسرائيلية، فإنها ظلت أحادية الجانب، بل لجأت خلال تغطيتها للحروب التي شنتها إسرائيل ضد الفلسطينيين إلى التهويل تارة، والتستر تارة أخرى، وبدلًا من عرض وجهات النظر المتعددة، فقد أخذت على عاتقها تعبئة الرأي العام الإسرائيلي من خلال الحرب النفسية والتحريض.
لذلك، لم يكن هناك توازن بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، في المقابلات ونقل المواقف، وبرز ذلك بوضوح في العدوان الأخير على قطاع غزة. وبشكل عام تقوم رواية الأحداث في الإعلام الإسرائيلي على النحو التالي:
- عدم مشاركة متحدثين فلسطينيين في البرامج الحوارية، وإنما إسرائيليون يتحدثون مع بعضهم البعض.
- إبراز الرواية الفلسطينية على أنها ادعاء، فدائمًا ما تستخدم كلمة يدَّعي أو ادعاء عند ذكر الفلسطينيين.
- تستقي التقارير الإخبارية معلوماتها من المصادر الحكومية الرسمية، مثل مكتب رئيس الحكومة، والوزراء، وأعضاء الكنيست، إضافة للمسؤولين العسكريين وجهاز الشرطة، مما يدفع الصحفيين والإعلاميين لقبول خطاب الأمن من أجل فهم الأحداث، لذلك أصبحت تلعب دورًا تعبويًّا؛ وتصطف بجانب بجانب المؤسسة العسكرية والأمنية، فالجندي الإسرائيلي هو معتَدى عليه دائمًا، والقصف الإسرائيلي وإطلاق النار على الفلسطينيين دفاع عن النفس، ورد على الاعتداءات الفلسطينية.
- لم يحدث أن نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية معاناة الشعب الفلسطيني في قراهم ومدنهم.
- تتجاهل وسائل الإعلام الإسرائيلية معظم الفعاليات الاحتجاجية ضد إسرائيل والتي تندد بالاحتلال وتدعم الحق الفلسطيني.
- استغلال الحروب كمادة غنية لتشويه الحقوق الفلسطينية في الإعلام الإسرائيلي؛ إذ تقدم الحرب بوصفها ردًّا إسرائيليًّا طبيعيّا ومنطقيًا على العنف الفلسطيني.
- تقوم الحكومة الإسرائيلية عادة قبل أي حرب تشنها إسرائيل على غزة بإنشاء إدارة خاصة للتأثير على وسائل الإعلام المختلفة، يرأسها مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، يعاونه ممثلون من وزارتي الخارجية والدفاع، ومكتب رئيس الوزراء، إضافة للأجهزة الأمنية التابعة للجيش والشرطة.
مما سبق، يتبين أن الإعلام الإسرائيلي يُعد سلاحًا قويًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقد ساهم بشكل رئيسي في تزايد حدة الصراع وبث المعلومات المغلوطة ونشر وجهة النظر الواحدة، وكرس كل جهده لطمس القضية الفلسطينية ودعم الممارسات الإسرائيلية وتبريرها. وقد شهدت الأعوام الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في وتيرة الخطاب التحريضي والعنصري ضد الفلسطينيين في وسائل الإعلام الإسرائيلية، خاصة مع زيادة فعالية مواقع التواصل الاجتماعي.
والحقيقة أن الاستراتيجية التي تتبعها وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة انعكست على تعزيز الكراهية ما بين الطرفين ولعبت دورًا أساسيًا في اتساع الفجوة ما بين إسرائيل والفلسطينيين، وعلى الرغم من الاعتقاد الإسرائيلي بأن السياسة الإعلامية نجحت في تنفيذ بعض الأهداف المرجوة، إلا أن إسرائيل ستتحمل العواقب، المتمثلة في الارتفاع المستمر لمؤشر العنف والكراهية وما سيترتب على ذلك من تضاؤل فرص تحقيق السلام والاستقرار والحفاظ على أمن في الدولة العبرية.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية



