شرق المتوسط

تصعيد التعاون … قمة ثلاثية جديدة بين مصر واليونان وقبرص

انطلقت صباح اليوم في العاصمة اليونانية أثينا فعاليات القمة الثلاثية بين كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكي، والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، في خطوة جديدة على مسار التواصل المستمر والعلاقات المتطورة بين الدول الثلاث، خاصة في ظل تعدد التحديات المشتركة، والتوسع المطرد في مجالات التعاون والشراكة في مختلف المجالات.

يتوقع أن يتم خلال هذه القمة، بحث تشكيلة واسعة من الملفات المشتركة والإقليمية والدولية، على رأسها مراجعة ومناقشة المستوى الذي وصلت إليه العلاقات بين الدول الثلاث، ووضع محددات وأسس تعزيز هذه العلاقات في المدى المنظور، بجانب مناقشة ملفات أخرى من أهمها ملف الهجرة غير الشرعية، وملف التغير المناخي، والتعاون في مجال الطاقة، بجانب بحث تطورات الملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، من بينها التعاون في مجال الطاقة والتطورات الإقليمية.

محطة جديدة من محطات التعاون المشترك

هذه القمة هي التاسعة من نوعها بين البلدان الثلاثة، منذ انطلاق اولى جولاتها في العاصمة المصرية في نوفمبر 2014، وحينها تم الاتفاق على المحددات العامة لانعقاد هذه القمة بشكل دوري، والتي تضمنت احترام القانون الدولي والأهداف والمبادئ التي يجسدها ميثاق الأمم المتحدة. وشهدت القمم التالية الاتفاق على قضايا وملفات استراتيجية وسياسية واقتصادية عالية الأهمية؛ فقد احتضنت قبرص في أبريل 2015، القمة الثانية بين الدول الثلاث، وحينها تم إصدار “إعلان نيقوسيا”، الذي تضمن الخطوط العريضة لترسيم الحدود البحرية بين قبرص ومصر، وبنود أخرى تتعلق بتنشيط السياحة بين الدول الثلاث، وكذا التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

في القمة الثالثة التي احتضنتها العاصمة اليونانية أثينا في ديسمبر 2015، نوقش ملف ترسيم الحدود البحرية بين الدول الثلاث، وإمكانية استغلال الموقع الجغرافي الحيوي للدول الثلاث، من أجل دفع التعاون بين قارتي أفريقيا وأوروبا في مجالات النقل والتجارة والطاقة، وهو محور ظل أساسيًا في المناقشات التي تضمنتها القمم التالية، مثل القمة الرابعة التي احتضنتها القاهرة في أكتوبر 2016، والقمة الخامسة التي احتضنتها قبرص في نوفمبر 2017، والقمة السادسة التي احتضنتها اليونان في أكتوبر 2018، وتم خلالها الاتفاق على تدشين منتدى غاز “شرق المتوسط” ومقره القاهرة، ليكون مظلة لتعزيز التعاون في مجال الطاقة في منطقة شرق المتوسط.

وكذا تم التوافق على إنشاء سكرتارية تنفيذية للآلية المشتركة بين الدول الثلاث مقرها قبرص، لتنسيق ومتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن اجتماعات القمة السابقة واللاحقة. تضمنت هذه القمة أيضًا توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بمجالات التأمينات الاجتماعية، والتعاون الجمركي الفني، والتعليم، والمشروعات الصغيرة، وريادة الأعمال، والاستثمار.

انعقدت القمة السابعة بين الدول الثلاث في أكتوبر 2019 بالعاصمة المصرية، وخلالها نوقش ملف مكافحة الإرهاب بشكل أكثر استفاضة، خاصة كيفية دفع الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة هذه الظاهرة ومموليها. وتم بحث تطورات الملف الليبي والملف السوري التي ترافقت مع انعقاد هذه القمة، وتم التأكيد على المواقف السابقة الخاصة بالقضية القبرصية. 

القمة الثامنة التي جمعت بين قادة الدول الثلاث، احتضنتها قبرص في أكتوبر 2020، وخلالها تم تقييم ما تم التوصل إليه في القمم السبع السابقة، ومتابعة المشروعات المشتركة الجاري تنفيذها في إطار الآلية الثلاثية، وتم الاتفاق على تأسيس مرحلة جديدة من التكامل الاستراتيجي بين الدول الثلاث قائمة على الأهداف التنموية المشتركة. وقد حملت هذه القمة أيضًا رسائل واضحة لبعض الدول الإقليمية، التي تحاول من خلال تحركاتها في مناطق الصراع في المنطقة، خلط الأوراق وتهديد مصالح الدول الثلاث.

جسور الربط “الكهربائي” بين أفريقيا وأوروبا

قمة اليوم تأتي بعد سلسلة من التطورات التي شابت العلاقات المشتركة بين الدول الثلاث، من بينها تطور مهم الشهر الجاري يتمثل في توقيع مذكرتي تفاهم للربط الكهربائي بين مصر واليونان وقبرص، بهدف إنشاء شبكة ربط مباشر لتبادل الكهرباء بين البلدان الثلاثة، لتحسين أمن الإمداد بالطاقة، وإنشاء خطوط نقل كميات ضخمة من الطاقة الكهربائية المولدة من الطاقة المتجددة. تستند مذكرتا التفاهم السالف الإشارة إليهما، إلى اتفاقات ترسيم المناطق البحرية بين الدول الثلاث، وتعد هذه الخطة الأولى من نوعها بين أفريقيا وأوروبا، خاصة أنها ستستخدم لنقل الطاقة الكهربائية المصرية المولدة حصرًا بوسائل صديقة للبيئة.

فمصر استثمرت بكثافة في إنتاج الطاقة عبر المصادر المتجددة، والتي ستصل إلى 10 جيجاوات في العامين المقبلين، وباتت حاليًا تمتلك بنية تحتية قوية فيما يتعلق بهذا المجال، منها مجمع “بنبان” لتوليد الطاقة الشمسية الكهروضوئية في محافظة أسوان، الذي يتكون من 39 منشأة كهروضوئية بقدرة إجمالية تبلغ 1.86 جيجاوات، يتم توليد نحو 1.5 جيجاوات حاليا. وتستهدف مصر زيادة إمدادات الكهرباء المولدة من المصادر المتجددة إلى 20٪ بحلول عام 2022 و42٪ بحلول عام 2035، بحيث تمثل الطاقة الشمسية الكهروضوئية 22٪، وطاقة الرياح 14٪، والطاقة الكهرومائية 2٪.

تعد هاتان المذكرتان جزءًا من اتفاقية إطارية حول الطاقة وقعتها الدول الثلاث عام 2019، تحت اسم مشروع “يورو أفريكا”، بإجمالي استثمارات يبلغ 4 مليار دولار. وتنص كلا المذكرتين على مد خط لنقل الطاقة الكهربائية من مصر إلى قبرص ثم إلى اليونان، بطول نحو 1650 كيلومترًا بقدرة 2000 ميجاوات، حيث سيتم ربط مصر بقبرص بخط يبلغ طوله 498 كيلومترًا، ثم توصيل قبرص بجزيرة كريت اليونانية بخط يبلغ طوله 898 كيلومترًا، ويصل عمق مد الكابلات إلى 3000 متر تحت مستوى سطح البحر في بعض المناطق بين جزيرة كريت وقبرص. سيتم الشروع قريبًا في المرحلة الأولى من هذا المشروع بقيمة 2.5 مليار يورو، بإنشاء ومد خطوط التواصل بين الشبكات الكهربائية للدول الثلاث، على أن يتم تشغيل هذه الخطوط بحلول ديسمبر 2023 بقدرة أولية تبلغ 1 جيجاوات.

هذا المشروع، الذي يعد نموذجًا للتعاون الاقتصادي البنّاء والمثمر بين الدول الثلاث، سيكون محل مناقشات إضافية خلال قمة اليوم، وهو يعزز التوجهات المصرية المعلنة منذ فترة، لجعل مصر ليس فقط مركزًا لنقل الطاقة على المستوى الأليمين، بل أيضًا جسرًا للتواصل بين أفريقيا وأوروبا، وهي نفس الزاوية التي يمكن من خلالها قراءة التواصل المصري المستمر مع دول مجموعة “فيشجراد” في وسط أوروبا. 

هذا المشروع سيسرع أيضًا إنشاء ممر مستدام للطاقة في شرق البحر المتوسط، ويزيد من أمن ومرونة إمدادات الطاقة، وهو ما سيصب في النهاية في تعزيز التكامل الإقليمي والتعاون في مجال الطاقة المتجددة، وهو من الملفات الأساسية في العلاقة الاستراتيجية بين الدول الثلاث. جدير بالذكر أن اجتماع اليوم يتوقع ان يتناول أيضًا ملف خط الغاز بين مصر وقبرص، بهدف تفعيل الاتفاقية التي وقعتها مصر وقبرص في سبتمبر 2018، في نيقوسيا، لإقامة خط أنابيب بحري مباشر من أجل نقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي إلى محطات الإسالة بمصنع إدكو لإسالته ومن ثم إعادة تصديره إلى الأسواق الخارجية.

اجتماعات متتالية حول التعاون الدفاعي والعسكري بين الدول الثلاث

سبق لقاء القمة المنعقد اليوم، لقاءات تمت خلال الأشهر الماضية على المستوى الثنائي بين قادة الدول الثلاث، منها استضافة الرئيس عبد الفتاح السيسي لرئيس الوزراء اليوناني في يونيو 2021. وكذا، استضافت القاهرة الشهر الماضي، أعمال الدورة الأولى للجنة العليا الحكومية المشتركة مع قبرص. اللافت في هذين اللقاءين، أنهما تناولا بشكل أساسي تعزيز التعاون العسكري بين البلدان الثلاث، والذي شهد تقدمًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بالمناورات العسكرية المشتركة، وعلى رأسها مناورات “ميدوزا” البحرية والجوية، وكذا انخراط البلدان الثلاثة في مناورات أوسع نطاقًا، مثل مناورات “النجم الساطع” الأخيرة، بجانب عشرات التدريبات البحرية العابرة.

في الواقع هذا التوجه من جانب مصر واليونان تجاه قبرص، يحمل اعتبارات أكبر من مجرد توسيع التعاون المشترك، فكلا البلدان قدما الدعم الكامل لقبرص حيال إعادة إحياء انقرة لمشكلة منطقة “فاروشا” المتنازع عليها بين قبرص الشمالية وقبرص الجنوبية، وهذا ترافق مع تزايد التواجد الجوي والبحري التركي في شمال الجزيرة المقسمة. لذا كان ملحوظًا الاجتماع المهم الذي ضم في أبريل الماضي، هيئة الأركان العامة للدفاع الوطني لكل من اليونان ومصر وقبرص، وتم فيه توقيع اتفاقية للتعاون العسكري الثلاثي، بهدف توسيع التعاون العسكري وقابلية التشغيل البيني بين القوات المسلحة للدول الثلاث، من خلال المزيد من التدريبات المشتركة وأنشطة التدريب. تلا هذا الاجتماع اجتماع آخر يعد الرابع من نوعه، احتضنته قبرص في شهر مايو الماضي، لوزراء دفاع الدول الثلاث، تم خلاله التأكيد على تطوير التعاون المشترك في المجال العسكري، ومناقشة إمكانية مشاركة دول أخرى في التدريبات العسكرية الثلاثية المشتركة.

الملفات الإقليمية في واجهة قمة اليوم

بطبيعة الحال يتوقع أن يتم تناول الملف التركي في اجتماعات اليوم، خاصة في ظل الوضع السالف الإشارة إليه في منطقة “فاروشا”، وكذلك التوتر الذي شاب العلاقات بين اليونان وقبرص من جهة، وتركيا من جهة اخرى، بشأن التنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية اليونانية والقبرصية، وكذلك رفض أنقرة التصريح بمرور طائرة تقل وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، أثناء عودته من العراق. الملفان السوري والليبي يرتبطان بشكل وثيق بهذا الملف، خاصة في ظل تزايد احتمالات قيام تركيا بعملية عسكرية في الشمال السوري، وقد سبق للدول الثلاث إصدار موقف حاد تجاه عملية تريكة سابقة في سوريا، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالتواجد العسكري التركي في ليبيا.

تعد رؤية البلدان الثلاثة من القضية الفلسطينية رؤية مشتركة تتعلق بضرورة استمرار الجهود لتسوية القضية الفلسطينية على أساس مقررات الشرعية الدولية، وكذا أهمية إنهاء حالة الجمود الراهنة واستئناف المفاوضات؛ سعيًا لتحقيق هذا الهدف المنشود. وتتفق نيقوسيا وأثينا مع موقف القاهرة بشأن قضية سد النهضة فيما يتعلق بضرورة الوصول إلى اتفاق عادل ومتوازن بين مصر وإثيوبيا والسودان على قواعد الملء والتشغيل للسد.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى