مقالات رأي

محمد أبو الفضل يكتب : الخروج الكبير من ليبيا

وضعت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة المعروفة بـ 5+5 خطة لخروج القوات الأجنبية وتفكيك المرتزقة في ختام اجتماعها الأخير في جنيف الجمعة الماضي، لها عنوان عريض يتكون من ثلاث كلمات رئيسية هي: تدريجي ومتوازن ومتزامن، لخصت به المطلوب لطي ملف مزعج يحول دون عودة الأمن والاستقرار في البلاد، ويؤثر سلبا على مصير الانتخابات المقرر عقدها قبل نهاية العام الجاري. رأى البعض أن هذا العنوان يمكن أن يصبح فخا يطيل عمر الأزمة بسبب التأويلات التي تنطوي عليها الكلمات الثلاث والألغام التي تتضمنها، وأهمها أنها لم تضع سقفا زمنيا أو جدولا محددا لرحيل جميع القوات الأجنبية، ما يعني أن معالجة هذه القضية يمكن أن تستمر إلى ما بعد إجراء الانتخابات والتأثير في نتائجها وتنفيذ مخرجاتها. ويرى آخرون أن الصيغة التي اعتمدتها اللجنة العسكرية للخروج الكبير عملية وتراعي الأوضاع على الأرض بدقة، وتأخذ في اعتبارها حسابات الدول التي لها قوات في ليبيا وتغلغلها في مجالات عديدة، ومواقف القوى الدولية التي سمحت بتدفق المرتزقة وصمتت على وصولهم وغضت الطرف عن تدخل الكثير من القوات الأجنبية بصور مختلفة وقبلت التعايش معهم وهي تعلم أنهم من أسباب إطالة الأزمة. يمنع الخروج التدريجي حدوث هزة في الموقف الميداني، حيث توصل الطرفان الرئيسيان في المعادلة وهما حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة وقبلها حكومة الوفاق، والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، إلى تفاهمات مع جهات خارجية لها قوات على الأراضي الليبية، ويخشى أحد الطرفين خروج داعميه فجأة فتميل الكفة لصالح الطرف الآخر، من هنا بدت كلمة تدريجي مقبولة من الطرفين والقوى المعنية بالأزمة، وتمثل حلا وسطا للشكوك المتبادلة. جاءت كلمة متوازن لتضفي بعدا مهما على تدريجي، بما يضمن عدم حدوث خلل في الأدوار التي تقوم بها القوات الأجنبية والمرتزقة، فقد انخرطت أعداد في كثير من هياكل الدولة وتمكنت من السيطرة على بعض مفاصلها، وأخذت تلعب دورا عسكريا لصالح الطرف الذي تتحالف معه. وقد اختيرت الكلمة بعناية لتؤكد التفاهم بين مكونات اللجنة العسكرية المشتركة التي أثبت أعضاؤها أهمية الدور الذي يقومون به لتثبيت وقف إطلاق النار، وحرصهم على تغليب المصالح الوطنية على غيرها من مصالح شخصية وجهوية ومناطقية. يعزز التزامن في الخروج الكبير للقوات الأجنبية حسن نوايا اللجنة العسكرية وحيادها ورغبتها في البحث عن حل جاد، وتدعم رؤيتها المرنة الهدف الذي جاءت من أجله، وهو وضع حد لحالة الفوضى في البلاد. وتؤهلها هذه الخطوة للشروع في مواصلة عملية توحيد المؤسسة العسكرية التي يؤدي الوصول لها إلى تجاوز الكثير من العراقيل التي تسبب فيها انتشار عناصر أجنبية في ربوع ليبيا، فوجود مؤسسة نظامية قوية ومحترفة ينهي دور العصابات المسلحة ويردع كل جهة سياسية تسول لها نفسها الاستعانة بميليشيات أو قوات أجنبية. حظيت الخطة التي وضعتها اللجنة العسكرية بمباركة البعثة الأممية في ليبيا وقوى إقليمية ودولية متباينة وثمنت دورها أخيرا، ما يعني أنها تملك تأييدا خارجيا للمضي قدما في تنفيذها، لكن المشكلة تأتي من بعض القوى الداخلية التي وجدت مصلحتها في استمرار الصراعات والأوضاع المتدهورة على ما هي عليه. تخشى هذه القوى من فقدان دعم القوات الأجنبية في اللحظات الحاسمة التي تمر بها البلاد، وما تقود إليه من انكشاف في مركزها السياسي الذي يتراجع كثيرا عند خسارتها الكتائب المسلحة التي منحتها تفوقا نوعيا الفترة الماضية ومكنتها من التغلغل في أجهزة الدولة وحالت دون تنفيذ الكثير من مبادرات تسوية الأزمة سياسيا. لذلك سوف يزداد التكسير في عظام اللجنة العسكرية لتفشيل خطتها للخروج الكبير وتعطيل نقل المرتزقة من ليبيا إلى الأماكن التي جاءوا منها، حيث تعلم الجهات المحلية التي ترعاهم أنه في اللحظة التي يتم فيها غلق ملف العناصر الخارجة على القانون تبدأ ليبيا أولى خطواتها نحو الاستقرار وتتمكن من ترتيب أوضاعها بالصورة التي تشعر المواطنين بأن دولتهم المختطفة من جانب عصابات ستعود إليهم. أرسلت المعلومات التي ترددت حول رحيل عشرات من المرتزقة مؤخرا إشارات بأن الأمر يدخل هذه المرة مرحلة التنفيذ عقب توافر درجة من الدعم الخارجي لملف أصبح يسيء إلى صورة المجتمع الدولي والقوى الفاعلة في الأزمة الليبية التي تقاعست عن توفير الظروف المناسبة لإغلاقه، بل وظفته بطريقة تخدم تقديراتها. وسمحت قوى دولية كبرى لتركيا بتسفير آلاف المرتزقة وتمركز قواتها العسكرية في غرب ليبيا ضمن لعبة أرادت بها نزع أنياب روسيا في ليبيا، لكنها كادت تنقلب على أصحابها عندما بدت أنقرة في بعض الأوقات أقرب لموسكو من الدول الغربية. يحتاج تفكيك المرتزقة إلى دعم اللجنة العسكرية، فحتى الآن هناك جهات داخلية تتردد في دعم خطة الخروج الكبير، وتحاول وضع المشكلات من خلال حض الميليشيات على زيادة التوترات في طرابلس وتصوير المشهد على أنه قابل للانفلات، بما يعني أن رحيل القوات التركية والمرتزقة التابعة لها يمكن أن يؤدي إلى انهيار وقف إطلاق النار ويهدد العملية الانتخابية التي يعول عليها في تهيئة الدولة للمرحلة المقبلة. إذا أراد المجتمع الدولي والقوى المحلية تبرئة ساحتهم من تداعيات هذه الحالة عليهم دعم اللجنة العسكرية في توجهها نحو تفكيك المرتزقة، ومساندتها في الضغط على الدول التي لها قوات في ليبيا، وتنفيذ خطتها بالصورة التي رسمتها ليكون الخروج الكبير تدريجيا ومتوازنا ومتزامنا.

وضعت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة المعروفة بـ 5+5 خطة لخروج القوات الأجنبية وتفكيك المرتزقة في ختام اجتماعها الأخير في جنيف الجمعة الماضي، لها عنوان عريض يتكون من ثلاث كلمات رئيسية هي: تدريجي ومتوازن ومتزامن، لخصت به المطلوب لطي ملف مزعج يحول دون عودة الأمن والاستقرار في البلاد، ويؤثر سلبا على مصير الانتخابات المقرر عقدها قبل نهاية العام الجاري.
رأى البعض أن هذا العنوان يمكن أن يصبح فخا يطيل عمر الأزمة بسبب التأويلات التي تنطوي عليها الكلمات الثلاث والألغام التي تتضمنها، وأهمها أنها لم تضع سقفا زمنيا أو جدولا محددا لرحيل جميع القوات الأجنبية، ما يعني أن معالجة هذه القضية يمكن أن تستمر إلى ما بعد إجراء الانتخابات والتأثير في نتائجها وتنفيذ مخرجاتها.
ويرى آخرون أن الصيغة التي اعتمدتها اللجنة العسكرية للخروج الكبير عملية وتراعي الأوضاع على الأرض بدقة، وتأخذ في اعتبارها حسابات الدول التي لها قوات في ليبيا وتغلغلها في مجالات عديدة، ومواقف القوى الدولية التي سمحت بتدفق المرتزقة وصمتت على وصولهم وغضت الطرف عن تدخل الكثير من القوات الأجنبية بصور مختلفة وقبلت التعايش معهم وهي تعلم أنهم من أسباب إطالة الأزمة.
يمنع الخروج التدريجي حدوث هزة في الموقف الميداني، حيث توصل الطرفان الرئيسيان في المعادلة وهما حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة وقبلها حكومة الوفاق، والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، إلى تفاهمات مع جهات خارجية لها قوات على الأراضي الليبية، ويخشى أحد الطرفين خروج داعميه فجأة فتميل الكفة لصالح الطرف الآخر، من هنا بدت كلمة تدريجي مقبولة من الطرفين والقوى المعنية بالأزمة، وتمثل حلا وسطا للشكوك المتبادلة.
جاءت كلمة متوازن لتضفي بعدا مهما على تدريجي، بما يضمن عدم حدوث خلل في الأدوار التي تقوم بها القوات الأجنبية والمرتزقة، فقد انخرطت أعداد في كثير من هياكل الدولة وتمكنت من السيطرة على بعض مفاصلها، وأخذت تلعب دورا عسكريا لصالح الطرف الذي تتحالف معه.
وقد اختيرت الكلمة بعناية لتؤكد التفاهم بين مكونات اللجنة العسكرية المشتركة التي أثبت أعضاؤها أهمية الدور الذي يقومون به لتثبيت وقف إطلاق النار، وحرصهم على تغليب المصالح الوطنية على غيرها من مصالح شخصية وجهوية ومناطقية.
يعزز التزامن في الخروج الكبير للقوات الأجنبية حسن نوايا اللجنة العسكرية وحيادها ورغبتها في البحث عن حل جاد، وتدعم رؤيتها المرنة الهدف الذي جاءت من أجله، وهو وضع حد لحالة الفوضى في البلاد.
وتؤهلها هذه الخطوة للشروع في مواصلة عملية توحيد المؤسسة العسكرية التي يؤدي الوصول لها إلى تجاوز الكثير من العراقيل التي تسبب فيها انتشار عناصر أجنبية في ربوع ليبيا، فوجود مؤسسة نظامية قوية ومحترفة ينهي دور العصابات المسلحة ويردع كل جهة سياسية تسول لها نفسها الاستعانة بميليشيات أو قوات أجنبية.
حظيت الخطة التي وضعتها اللجنة العسكرية بمباركة البعثة الأممية في ليبيا وقوى إقليمية ودولية متباينة وثمنت دورها أخيرا، ما يعني أنها تملك تأييدا خارجيا للمضي قدما في تنفيذها، لكن المشكلة تأتي من بعض القوى الداخلية التي وجدت مصلحتها في استمرار الصراعات والأوضاع المتدهورة على ما هي عليه.
تخشى هذه القوى من فقدان دعم القوات الأجنبية في اللحظات الحاسمة التي تمر بها البلاد، وما تقود إليه من انكشاف في مركزها السياسي الذي يتراجع كثيرا عند خسارتها الكتائب المسلحة التي منحتها تفوقا نوعيا الفترة الماضية ومكنتها من التغلغل في أجهزة الدولة وحالت دون تنفيذ الكثير من مبادرات تسوية الأزمة سياسيا.
لذلك سوف يزداد التكسير في عظام اللجنة العسكرية لتفشيل خطتها للخروج الكبير وتعطيل نقل المرتزقة من ليبيا إلى الأماكن التي جاءوا منها، حيث تعلم الجهات المحلية التي ترعاهم أنه في اللحظة التي يتم فيها غلق ملف العناصر الخارجة على القانون تبدأ ليبيا أولى خطواتها نحو الاستقرار وتتمكن من ترتيب أوضاعها بالصورة التي تشعر المواطنين بأن دولتهم المختطفة من جانب عصابات ستعود إليهم.
أرسلت المعلومات التي ترددت حول رحيل عشرات من المرتزقة مؤخرا إشارات بأن الأمر يدخل هذه المرة مرحلة التنفيذ عقب توافر درجة من الدعم الخارجي لملف أصبح يسيء إلى صورة المجتمع الدولي والقوى الفاعلة في الأزمة الليبية التي تقاعست عن توفير الظروف المناسبة لإغلاقه، بل وظفته بطريقة تخدم تقديراتها.
وسمحت قوى دولية كبرى لتركيا بتسفير آلاف المرتزقة وتمركز قواتها العسكرية في غرب ليبيا ضمن لعبة أرادت بها نزع أنياب روسيا في ليبيا، لكنها كادت تنقلب على أصحابها عندما بدت أنقرة في بعض الأوقات أقرب لموسكو من الدول الغربية.
يحتاج تفكيك المرتزقة إلى دعم اللجنة العسكرية، فحتى الآن هناك جهات داخلية تتردد في دعم خطة الخروج الكبير، وتحاول وضع المشكلات من خلال حض الميليشيات على زيادة التوترات في طرابلس وتصوير المشهد على أنه قابل للانفلات، بما يعني أن رحيل القوات التركية والمرتزقة التابعة لها يمكن أن يؤدي إلى انهيار وقف إطلاق النار ويهدد العملية الانتخابية التي يعول عليها في تهيئة الدولة للمرحلة المقبلة.
إذا أراد المجتمع الدولي والقوى المحلية تبرئة ساحتهم من تداعيات هذه الحالة عليهم دعم اللجنة العسكرية في توجهها نحو تفكيك المرتزقة، ومساندتها في الضغط على الدول التي لها قوات في ليبيا، وتنفيذ خطتها بالصورة التي رسمتها ليكون الخروج الكبير تدريجيا ومتوازنا ومتزامنا.

نقلا عن صحيفة “الأهرام” في عددها الصادر اليوم الخميس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى