
دلالات وأبعاد المشاركة المصرية الثانية بقمة تجمع دول فيشجراد
يشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة دول تجمع “فيشجراد” الذي يضم المجر وتشيك وبولندا وتشيكوسلوفاكيا، التي سنعقد في العاصمة المجرية بودابست، للمرة الثانية منذ مشاركته الأولى عام 2017، حيث ستناقش القمة موضوعات الإرهاب والهجرة غير الشرعية وأمن الطاقة وقضايا الشرق الأوسط وتطوير العلاقات التجارية والاستثمارية والسياحية. كما ستشهد زيارة الرئيس السيسي لبودابست عقد مباحثات ثنائية مكثفة مع كبار المسؤولين المجريين في مقدمتهم رئيس الوزراء فيكتور أوربان، والرئيس يانوش أدير، لبحث تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، والتعاون والتنسيق على الصعيدين الدولي والإقليمي.
دلالات المشاركة المصرية
تأتي الزيارة في سياق الطفرة الكبيرة التي شهدتها العلاقات المصرية مع دول الاتحاد الأوروبي عامة، ومجموعة فيشجراد خاصة، التي تعد المجر إحدى دولها، في إطار تنويع دوائر السياسة الخارجية المصرية، وتنويع علاقاتها الاقتصادية عبر فتح أبواب جديدة للمنتجات المصرية في الأسواق الأوروبية، إذ تمثل المجموعة سوقًا كبيرًا يبلغ عدد سكانه 64 مليون نسمة وناتجه المحلي الإجمالي نحو 8.1 تريليون دولار. وبالتالي فإن القمة المشتركة تأتي في إطار دبلوماسية التنمية التي تتبناها الدولة المصرية، وتقوم على خلق دوائر مؤثرة تتمكن من خلالها من تحقيق المصالح المشتركة مع الدول.
وتمثل مشاركة مصر في القمة أهمية كبيرة من حيث التوقيت والمخرجات؛ حيث ستكون معنية بتبادل وجهات النظر بشأن مجموعة من الملفات الحيوية، أهمها ملف الإرهاب الذي تضعه الدولة المصرية صوب أعينها كملف رئيسي، إلى جانب ملفات مكافحة الهجرة غير الشرعية، وأمن الطاقة، وتعزيز استقرار وأمن المنطقة، وحل الأزمات بالطرق السلمية، وعرض رؤية مصر في قضية حقوق الإنسان، واستعراض نجاحاتها فيما يتعلق بالتنمية المستدامة، وإبراز مصر كدولة نموذج في التعامل مع قضايا الإقليم باعتبارها رافعة للأمن والاستقرار.
فضلًا عن أن مشاركة مصر في القمة يعزز العلاقات القارية، بحيث تمثل دول فيشجراد جسرًا مهمًا لمصر نحو الاتحاد الأوروبي، فيما تعمل مصر كجسر عكسي لأوروبا وتلك الدول نحو أفريقيا، خاصة أن القاهرة تتمتع باستقرار سياسي وأمني في ظل بيئة شرق أوسطية مضطربة.
وتُعد القمة الحالية هي الثانية التي تُعقد بمشاركة مصر بعد عام 2017، بما يجعلها الثالثة بين القوى العالمية التي تُدعى لحضور تلك القمة، بعد اليابان وألمانيا، والأولى بين دول الشرق الأوسط، بما يشي بتقدير تلك الدول للتطور السياسي والاقتصادي الذي شهدته مصر طوال السنوات الماضية، والسعي للاستفادة من الخبرات المتبادلة في هذا السياق، ويكشف مدى الثقل السياسي والاقتصادي والأمني للقاهرة.
ثلاثة أبعاد
تكتسب العلاقات المصرية بدول مجموعة فيشجراد أبعادًا ثلاثة تشكل دوائر الاهتمام المشترك، والتي يُمكن استعراضها على النحو التالي:
• البُعد الأمني: يحظى بأولوية متقدمة بالنسبة لعلاقات دول مجموعة “فيشجراد” بمصر، حيث تأتي ملفات كالأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية في الشرق الأوسط على قائمة الأولويات، باعتبارها تشكل هواجس أمنية متزايدة بالنسبة لتلك الدول التي ليس لديها إمكانيات لاستيعاب أعداد من اللاجئين الذين يتدفقوا من مناطق الصراعات المختلفة كسوريا والعراق وليبيا واليمن، بعكس نظرائهم الأوروبيين الذين يتمتعون بقدرات اقتصادية وميزات جغرافية تمكنهم من أداء تلك الأدوار.
وعليه، فإن دول المجموعة تقدر دور مصر في السعي لحل أساس تلك المشكلات الناجمة عن الاضطرابات السياسية والحروب الأهلية في الشرق الأوسط، وتنظر إليها باعتبارها نموذجًا ناجحًا يُمكن الاعتماد عليه لإنهاء ظاهرة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر عبر سواحلها الشمالية على البحر المتوسط إلى أوروبا. كما تعول بشكل كبير على دورها الريادي والمهم في محاربة الإرهاب ومعالجة الفكر المتطرف. وفي هذا الصدد، فإنها أبدت موقفًا مرحبًا بثورة الثلاثين من يونيو التي أطاحت بجماعة الإخوان الإرهابية، وأيدت السياسية المصرية الداخلية المتعلقة بمحاربة الإرهاب والعنف والتطرف.
• البُعد الاقتصادي: يمثل تجمع فيشجراد أهمية كبيرة من حيث التجربة التنموية لهذه الدول التي تتشابه إلى حد كبير مع التجربة التنموية المصرية، حيث مرت دول المجموعة بتجربة إصلاح وتحول اقتصادي في تسعينيات القرن الماضي، من نظام اقتصاد مخطط تخطيط شامل إلى نظام رأسمالي حر.
ويفتح هذا التعاون أسواقًا جديدة أمام الاقتصاد المصري الذي يشهد نموًا غير مسبوقًا؛ فقد شهدت السنوات الماضية ارتفاع ملحوظ للصادرات المصرية إلى تلك الدول شمل منتجات القطن والخضراوات والفاكهة والأسمنت والأسمدة والسجاد والأجهزة الكهربائية والزجاج والألمونيوم والكيماويات العضوية والمطاط والوقود والملابس والإكسسوارات، بينما تتمثل أبرز الواردات المصرية من المجر فى مكونات عربات السكك الحديدية، الصناعات الطبية ومنها صناعة الدواء، ومواد البناء والصناعات الغذائية. إضافة إلى أن المشاريع الضخمة التي شهدتها مصر؛ كمشروع العاصمة الإدارية الجديدة، والعالمين الجديدة، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وغيرهم من المشروعات القومية الكبرى، تمثل بيئة جاذبة تتيح فرص استثمارية كبيرة.
وتتعاظم الأهمية الاقتصادية للتعاون بالنظر إلى أن الدول الأربع ذات دخول عالية واقتصاد مستقر ومحورية في العديد من الصناعات الثقيلة، وتحظى بفرص استثمارية كبيرة، ونجحت في تحقيق قفزات اقتصادية في غضون أعوام قليلة، علاوة على أن التعاون الاقتصادي معها خالي من المشروطية السياسية –بعكس الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى – وإنما يكون قائمًا على أساس تلبية المصالح المشتركة. ويشمل التعاون الاقتصادي مجالات الزراعة والسكك الحديدة وإنتاج الآلات ومعالجة المياه، إلى جانب تشجيع الشركات على إقامة مشروعات مشتركة، وفتح أسواق ثالثة في بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا، ونقل التكنولوجيا.
ولا يزال جاريًا دراسة مقترحين قدمتهما مصر خلال قمة 2017 يتعلقان بإنشاء منطقة صناعية خاصة لدول التجمع في مصر وإنشاء صندوق استثماري مشترك.
علاوة على ذلك، تتطلع مصر إلى زيادة أعداد السائحين من مواطني دول تجمع فيشجراد، كونهم يعتبرون شواطئ البحر الأحمر أهم مناطق بحرية سياحية عالميًا، ويضعون المناطق السياحية المصرية على رأس المقاصد الترفيهية والأثرية التي يجب زيارتها.
• البُعد الطاقوي: أقر الجانبان أهمية تعزيز التعاون في مجال الطاقة لكليهما، وقد اتفقا خلال القمة الماضية على النظر في فرص تبادل وجهات النظر حول وضع أمن الطاقة العالمي والإقليمي وسياسات الطاقة، مع التركيز بشكل خاص على فرص الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة البديلة. وتبرز مصر كمزود طاقوي محتمل لدول مجموعة فيشجراد بعدما أصبحت مركزًا إقليميًا لتداول الطاقة، حيث تطلع الأولى لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي.
ختامًا، تعكس المشاركة المصرية الثانية ما تمثله مصر من ركيزة مهمة للاستقرار في منطقتي الشرق الأوسط وشرق المتوسط، وتأتي في سياق تعزيز العلاقات المصرية على كافة الأصعدة والمحاور المهمة.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية



