آسياإيران

إيران تحشد عسكريًا على الحدود مع أذربيجان: حرب للمعابر أم قلق من الوجود الإسرائيلي في القوقاز؟

أطلقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية يوم الجمعة الماضي مناورات ” فاتحو خيبر” على الحدود بينها وبين أذربيجان، على خلفية تصاعد التوترات بين الجارتين في المنطقة الشمالية الغربية بمشاركة قوات بحرية وجوية من ضمنها لواء للتدخل السريع ووحدات من المدرعات والمدفعية والطائرات المسيرة إضافة إلى أدوات حرب إلكترونية كما نفذ الجيش الإيراني عملية إنزال في المنطقة بعد استطلاعها جويًا. وشرعت إيران لتصعيدها في المنطقة بالإشارة إلى أن أذربيجان جلبت عناصر من داعش للمنطقة لمساعدتها في نزاعها التقليدي مع أرمينيا، وأن طهران ليست متأكدة من أن المقاتلين قد غادروا المنطقة وأكدت إيران في هذا السياق أنها لن تبدأ الحرب ولكنها في نفس الوقت لن تسمح بوجود عناصر إرهابية على حدودها. 

وقد انعكس القلق الإيراني بشكل واضح في تصريحات قائد القوات البرية الإيرانية عندما قال إن المناورات العسكرية على الحدود مع أذربيجان تأتي في سياق القلق من تغير الحدود الرسمية في المنطقة. وحتى بعد إبداء القبول الرسمي للاتفاق الذي أقر هذه الحدود في العام الماضي عادت إيران عبر برلمانها وأعربت أنه لا يجب الاعتراف بالممر بين ناخشيفان وأذربيجان. 

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\البحر الأحمر\1280x960.jpg

وقد أبدت أذربيجان استيائها مشيرة إلى أن الأمر يعد انتهاكًا لسيادة أذربيجان وهو ما لم يحدث منذ 30 عامًا مضت، وأوضح الجانب الآذري أنه من حق إيران أن تقوم بمناورات عسكرية على أراضيها، ولكن المثير للاستفهام هنا هو لماذا اختارت أن تقوم بالمناورات على الحدود مع أذربيجان.

دوافع متعددة

ويمكن إرجاع ذلك إلى أنه بعد الحرب التي جرت العام الماضي بين أرمينيا وأذربيجان، تم تسليم بلدة يقطعها الطريق السريع الذي تعبر فيه الشاحنات الإيرانية إلى أذربيجان وهو تحت حماية قوات حفظ السلام الروسية، وهو المعبر الذي رفضت أذربيجان أن تمر فيه الشاحنات الإيرانية إلى أذربيجان دون أخذ الإذن من باكو أولًا. مع الوضع بالاعتبار أن إيران تتشارك مع أذربيجان في حدود يصل طولها إلى 700 كلم.

كما أن المناورة العسكرية الإيرانية التي جرت على الحدود، جاءت كرد فعل على المناورات العسكرية الثلاثية التي جرت بين ” تركيا- باكستان – أذربيجان” في الفترة من 12 إلى 20 سبتمبر من العام الجاري تحت مسمى ” مناورات الإخوة الثلاث”، وهو ما أشعر إيران أنها مهددة وأن هذا الثلاثي يمكن أن يشكل طوقًا حولها.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\البحر الأحمر\1604066494_928466463.jpeg

إلا أن مصادر أخرى أشارت إلى أن التصعيد الإيراني العسكري في المنطقة الحدودية، يأتي في الوقت الذي رفعت فيه حكومة ” باكو” تعريفات جمركية مرتفعة على الشاحنات التي تقوم بنقل الوقود الإيراني إلى عاصمة ” قرة باغ” المعلنة من جانب واحد والمدعومة من أرمينيا. في الوقت الذي نفت فيه حكومة أذربيجان ما وصفته ادعاءات إيرانية لتشتعل التوترات مرة أخرى في منطقة القوقاز وهي ليست التوترات الأولى ولن تكون الأخيرة.

على أي حال، يبدو الجانب الآذري مراوغًا أيضًا لأن الخارجية الأذربيجانية كانت قد استدعت الشهر الماضي السفير الإيراني في باكو “عباس موسوي”، وسلمته مذكرة احتجاج على دخول الشاحنات الإيرانية إلى “ناغورنو قرة باغ” دون إذن من السلطات الأذربيجانية لإيصال النفط لأرمينيا، وقامت في هذا الإطار باعتقال السائقين الإيرانيين.  

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\البحر الأحمر\4a64e881-4c46-425b-b865-ab1966961de6.jpg

ويشير تصاعد الأحداث الحالي إلى وجود رابط قوي بينه وبين وقف إطلاق النار الذي رعته سابقًا روسيا وتركيا بين أرمينيا وأذربيجان خلال العام الماضي، وهو الاتفاق الذي أتاح تبادل الممرات عبر أراضي أرمينيا وأذربيجان وعاصمة إقليم قرة باغ، بمعنى آخر أن تتمكن الدولتين من الحصول على ممرات عبر أراضي الدولة الأخرى تتيح الوصول للإقليم المتنازع عليه، ولا يخفى على المتابع للشأن هنا أن إيران كانت طرفًا خاسرًا من الاتفاق وإن أبدت الترحيب الرسمي المشوب بالقلق.

وعلى الرغم من أن إيران حرصت على الدوام على الظهور بمظهر الوسيط المحايد، إلا أن المؤكد أنها تميل لأرمينيا لرعاية مصالحها في الوقت الذي تشهد فيه علاقاتها مع ” باكو” توترًا.  ويرجع هذا التوتر إلى عدد من الأسباب أبرزها العلاقات المتقاربة بين باكو وإسرائيل، وكذلك القلق من النزعات الانفصالية لدى الأقلية الآذرية الموجودة في إيران. بينما يقرب بين أرمينيا وإيران مصالح اقتصادية بحتة تتضمن احتياج طهران لأرمينيا لتوفير معبر تجاري لها لنقل البضائع لروسيا وأوروبا.

آفاق تل أبيب

على الرغم من أن القومية الآذرية تعد الثانية من حيث التعداد بعد الفارسية في الداخل الإيراني، إلا أن إيران لم تستطع أن تنشئ علاقات مقربة مع أذربيجان وإن شابها بعض الود في أحيان كثيرة بالرجوع إلى أن طهران تعتمد بشكل أساسي على الأراضي الأذربيجانية لتزويد منطقة الحكم الذاتي في إقليم ” ناخشيفان” والتي تتوسط بين إيران وأرمينيا بالبضائع والغاز. لكن إعلان أنقرة عن خط أنابيب يمر عبر تلك المنطقة يفقد أذربيجان أهميتها الجيوسياسية لدى إيران. كما أن عودة جزء من الحدود بين إيران وأذربيجان لسيطرة باكو يتيح قدر كبير من التواصل مع القومية الآذرية داخل إيران بعد انقطاع استمر من عام 1994 وهو ما يثير قلق إيران إلى درجة يصعب التعامل السلمي معها. 

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\البحر الأحمر\000_8R68GH.jpg

من زاوية أخرى فقد ركز الجانب الإيراني خلال تصريحاته على العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل، وهو الأمر الذي لا يبدو جديدًا خصوصًا أن باكو تحتل مكانة متقدمة في قائمة الدول المستوردة للسلاح الإسرائيلي. ولكن على الرغم من ذلك لا تزال طهران تتلمس خطواتها في آسيا لأنها لا تريد أن تدفع بنفسها في حرب على حدودها الشمالية في ظل التحديات التي تواجهها من الأساس في الخليج العربي والعراق وأفغانستان.

خصوصًا أن باكو وكما حدث في النزاع الذي اندلع في عام 2020، لن تقف وحيدة وستتلقى دعم من أنقرة سيكون على أقل تقدير الاستمرار في إرسال المرتزقة إلى منطقة النزاع.  وهو ما دفع طهران في نهاية المطاف للقبول بالاتفاق الذي ترتب عليه وقف إطلاق النار، خشية من غضبة المواطنين ذو القومية الآذرية في الداخل، ولأنها وجدت أن أنقرة وعن طريق الحرب استطاعت استعادة نفوذها في القوقاز والتوترات التي تعاني منها طهران على الصعيد الخارجي تمنعها من الانخراط في صراع ضخم مع تركيا.

إيران تخشى الطوق الإسرائيلي 

من ضمن الأسباب التي أبدتها إيران وبررت بها المناورات العسكرية التي تقوم بها على الحدود مع أذربيجان، هو التقارب بين باكو وتل أبيب إلى حد مثير للقلق والدليل على ذلك أن إسرائيل قد ساهمت بشكل بالغ في الحرب الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان خلال العام الماضي عن طريق الطائرات المسيرة على وجه التحديد، وكذلك باعت تل أبيب لباكو تقنيات تجسس متقدمة كما تحدثت بعض المصادر عن قيام إسرائيل بإنشاء محطات مراقبة ونصب رادارات وأجهزة تجسس على الحدود بين إيران وأذربيجان من الجانب الأذربيجاني.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\البحر الأحمر\WhatsApp-Image-2020-12-24-at-11.45.45-640x470-1.jpeg

وبالنسبة لإسرائيل فإن العلاقات مع أذربيجان تمثل أهمية استراتيجية بالنسبة لها فهي تشكل مبدئيًا ساحة خلفية يمكن من خلالها الانقضاض على إيران في الوقت المناسب علاوة على كونها دولة نفطية تغطي 60% من احتياجات إسرائيل النفطية عبر ميناء ” جيهان” التركي.

كما أن هناك مساعٍ إسرائيلية لإنشاء محطات تجسس إسرائيلية في جورجيا تستهدف مراقبة التحركات الإيرانية، وفي منطقة القوقاز من مصلحة إسرائيل تهدئة الخلاف بين أرمينيا وأذربيجان، لتشكيل تكتل جديد في المنطقة قد يسهم في تحجيم إيران، ومن زاوية أخرى فهناك رابط ديموجرافي بين البلدين بالاعتماد على وجود حوالي 70 ألف نسمة من الجالية اليهودية المقيمة في أذربيجان، إلى الحد الذي جعلها وجهة سياحية أساسية للمواطنين الإسرائيليين.

ومن الزاوية الاستراتيجية فإن طهران لا تفكر فيما يحدث في محيطها القوقازي إلا باعتباره يشكل تهديدًا لأمنها القومي، لأنه يتضمن اتساع النفوذ التركي وربما التوغل الإسرائيلي مما قد يغير المحيط الجيوسياسي الذي اعتادت طهران عليه، وهو ما استدعى أن تكشر إيران عن أنيابها مهددة ولكن دون اقتراب لاستخدام هذه الأنياب بالفعل لاعتبارات تتعلق بعدم فتح جبهة استنزاف في توقيت حساس.

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى